كم من الرموز
يمكن للماء أن يحملها؟ ولعل إيراد كلمة «عطش» سيؤدي لا محالة إلى انعدام
شرط الحياة
الأول، وإحالة رمز الماء إلى ما يقود إلى اعتبار أن حياة كاملة
مغيبة سيضعها أمامنا
فيلم الفلسطيني توفيق أبو وائل في تجربته الروائية الطويلة الأولى الذي
يعود بنا
إلى 2004 سنة إنتاج الفيلم.
يقدم أبو وائل في «عطش» حياة كاملة في مكان لا
يمتلك أي شرط من الحياة، ولعل ذلك سيحمل رمزية عالية تترك مفتوحة على
التأويلات،
بحيث تكون الإحالة الواضحة في الفيلم متمثلة بتسليط الضوء على البطريركية
الفلسطينية، وإيضاح ما يمكن أن تكون عليه سلطة الأب من هيمنة وقسوة وربما
وحشية.
وعليه، سنكون أمام أبوشكري الذي قرر وأفراد عائلته هجران القرية والعيش في
مكان
ناءٍ ومعزول عن كل ما حوله، والعيش على حرق الأشجار وتحويل حطبها إلى فحم
يقومون
ببيعه، والعيش أيضا على مبدأ التقاط الثمار وما تجود به الأرض،
وغير ذلك من صيد
العصافير.
لكن، يبقى عنوان الفيلم هو الأساس الذي يبنى عليه، بمعنى أن الماء
وغيابه سيكون المحور الرئيس الذي نتعرف من خلاله إلى شظف
العيش، والماضي الذي يهرب
منه الأب، ونفهم في سياق الفيلم أن جميلة ابنته ارتكبت فعلاً متعلقاً
بالشرف، شيء
لا يتضح تماما إلا كشيء من وقوعها في حب أحدهم، أو غير ذلك مما نستنتجه على
دفعات،
وهرب الأب نابع من الفضيحة التي تسببت فيها جميلة. وعليه، يقرر
الأب أن يدفع كل ما
في حوزته من مال للقيام بتمديد الماء إلى بيته المتداعي، وتأمين مياه
الشرب، وحين
تتعرض المواسير للتخريب يقوم بالتناوب هو وابنه على حراستها ليلا.
كل شيء
معطل في حياة العائلة المؤلفة عدا الأب من أم وابن وابنتين، وعليه يمضي
الفيلم في
إضاءة ملامح من حياتهم السابقة، والمضي في تعطيل حياتهم
الحالية، بحيث يبدو الفرح
ممنوعاً، كما أن كل محاولة لاستعادة أي من أدوات الماضي الحي ستجابه بوحشية
من
الأب.
تلك الملامح العامة للفيلم الذي سيكون على إيقاع بطيء يحمل جمالياته
الخاصة، ومنح كل لقطة مساحتها الجمالية في احتفالية خاصة
بالصورة أولا التي يطمح من
خلالها أبو توفيق لأن يقول كل شيء، لا بل سيحتل الصمت المساحة الأكبر من
الفيلم.
الجنود الإسرائيليون لا يظهرون في الفيلم، لكنهم يكونون على شكل
تهديد دائم متخف، وعلى هيئة أشباح ربما تحاصر حياة أبو شاكر
وعائلته، والذي تبدو
على وجهه دائما علامات التحفز والخوف بمجرد سماعه صوتا مفاجئا أو حركة
طارئة. ويمكن
وضع الفيلم في سياق تأويلي، يتمثل في أن المساحة المتاحة للفلسطيني على
أرضه تتمثل
بخيارين، لا ثالث لهما، الأول أن يعيش تحت سلطة الاحتلال، وأن يتعايش -
وهنا
الانتقال إلى عامل داخلي- مع ماضيه، أو العيش في عزلة تامة
وخوف كبير بعيدا عن
الاحتلال، مع العطش والمسعى المرير للحصول على الماء الذي سيأتي في النهاية
من
الأراضي المحتلة.
في ما تقدم، محاولة للبحث عن اسقاطات لرمزيته، والسعي خلف
عوالمه التي تقول الكثير، من دون أن ننسى أن في الفيلم ما
يفاجئ حقيقة على المستوى
البصري والبناء المونتاجي له، ومدعاة كبرى للاحتفاء به، كما أن الممثلين
فيه جميعا
غير محترفين وظهورهم في الفيلم هو الأول أمام الكاميرا.
الإمارات اليوم في
29/04/2009
«واحة
الغروب» ..نقاط الاشـتباك مع الآخــر
زياد عبدالله – دبي
تتخذ رواية المصري بهاء طاهر «واحة الغروب» الحائزة على جائزة «بوكر
العربية» من نقاط التماس بين الشرق والغرب مساحة للحركة،
مستعينة في التأسيس
لبنيتها بعناصر عدة تبدأ من شخصية المأمور محمود، ولا تنتهي بكاثرين زوجة
محمود
الايرلندية، وصولا إلى جغرافية الزمان والمكان، حيث مصر مستعمرة من
الانجليز،
وواحة الغروب نفسها التي ينفى إليها محمود، تتحول إلى نقطة
اشتباك مع الآخر، والصور
المسبقة عنه، على اعتبار أن محمود ينفى إليها ومعه زوجته كاثرين، وبالتالي
يجد
فيهما سكان الواحة اعتداء على عاداتهم وتقاليدهم، ولعل الحذر الذي يشوب
علاقة
الطرفين، تمضي إلى علاقة من نوع آخر ألا وهي علاقة الأطراف
بالمركز، هذا المركز
الذي لا يتواصل مع تلك الواحة النائية إلا من أجل تحصيل الضرائب.
يمضي السرد في رواية طاهر سلسا ورشيقا، الأمر الذي لا يختلف عن رواياته
السابقة، لكن متبعا هذه المرة آلية سرد تتنوع حسب الشخصيات،
،مقسمة حسب كل شخصية
لتتكلم في الفصل بضمير المتكلم، وهكذا يمضي السرد بالتناوب والتتابع بين
الشخصيات،
محمود ومن ثم كاثرين، والشيخ صابر، والشيخ يحيى، وحتى الاسكندر الأكبر الذي
يسرد
سلسلة فتوحاته وأحلامه الكونية وتنصيب الإله آمون له إلها،
وغير ذلك من ما يكون
أيضا
محط تركيز في بحوث كاثرين عن الاســــكندر وضريحه الذي يتحول إلى لغز تسعى
كاثرين إلى حله، واعتقادها يتزايد رسوخا بأن هذا الضريح موجود
في الواحة.
رواية «واحة الغروب» لا تنقصها أن تقدم متعة القراءة، وتتابع الأحداث فيها
مبني بدقة وإحكام، وهي في الوقت نفسه قادرة على تقديمها شخصيات
نوعية، لها أن
تهبنا مشاعرها وأحاسيسها بحسية عالية تجعلنا نعيشها بحذافيرها، ولعل محمود
هو
الأصلح لما تقدم، ففي شخصية محمود المساحة الأكبر للصراع والقلق والعمق،
شخصية
مأزومة من الداخل ولها من اللحم والدم ما يجعل مساحة العيش مع
تفاصيلها لذة روائية.
الإمارات اليوم في
25/04/2009 |