في أواسط الصيف الماضي، التقيتُ الكاتب والسينمائي الأفغاني عتيق
رحيمي في الهند. لم اكن قرأتُ بعد روايته "حجر الصبر" التي نال عنها جائزة
"غونكور" عام 2008، تلك التي نقلها فيلماً الى الشاشة أخيراً، افتُتحت
عروضه الدولية في تورونتو خلال ايلول الماضي. كانت لقاءاتنا متقطعة؛ حيناً
حول مائدة طعام، حيناً آخر في صالة سينما، وأحياناً كثيرة في ردهة الفندق.
الى ان فتح "علبة الباندورا" ونحن مستلقيان على كنبة من الجلد، فصارحني بما
كان يمكن قراءته الى الآن بين عينيه الحزينتين.
"لا استطيع ان الغي من ذاكرتي المنكوبة اليوم الذي دمرت فيه
حركة "طالبان" تماثيل بوذا. كان هذا شيئاً فظيعاً لن انساه ما دمتُ حياً.
في يوم 18 آذار 2001 المشؤوم، كنتُ في مدريد، وكان الهدف من زيارتي العاصمة
الاسبانية تقديم كتابي لطلاب معهد الفنون الجميلة. جلستُ في غرفة الفندق،
وفجأة شغلتُ التلفزيون، فرأيتُ ما رأيت. وقعتُ على الأرض ورحتُ أبكي. نزلتُ
منهاراً الى القاعة حيث كان يُعقد المؤتمر الصحافي، تماماً كالتماثيل.
المفارقة ان تماثيل اغريقية كبيرة نُصبت في ردهة المعهد. فلم أرد على أيّ
سؤال. طلبتُ من الصحافيين ان يلتقطوا لي صوراً وانا القي التحية على هذه
التماثيل. كانت حركة احتجاجية من جانبي رداً على تخلف "طالبان"، لا أكثر.
يقع بلدي افغانستان على تقاطع الثقافات والحضارات. لكني خرجتُ منه منذ
سنّ مبكرة، فذهبتُ الى الهند حيث كانت لي خالة تعيش في مومباي. كنت ازورها
خلال العطلة الشتوية وامضي معها على الاقل 40 يوماً. عندما كبرتُ، اردتُ
معرفة ما هي افغانستان وما تمثله للتاريخ. اردتُ الذهاب الى جذوري. عندما
صرتُ في السادسة عشرة، التحقتُ بأبي في الهند. عشنا معاً ستة أشهر، ثم كان
عليه العودة الى كابول، حيث بدأ الاجتياح السوفياتي. بقيتُ وحدي في الهند.
أن تبقى بمفردك في بلاد كهذه، فشيء يبقى ماثلاً في الوجدان الى الابد. صرت
رحّالة انفق كل ما تركه لي والدي من مال. وجدتُ ان من المهم جداً ان اعيش
هذه الوحدة. للهنود عقلية مختلفة عن عقلية الأفغان. اعطتني الهند طريقة
جديدة للنظر الى الأشياء. في هذا البلد تعلمتُ ماذا يعني ان يكون المرء
فرداً. افغانستان بلد "اتني" بامتياز، حيث العائلة تسحق الكائن. الاقامة
وحدي في مجتمع غريب بعيداً من مرجعياتي الثقافية والدينية، جعلتني أدرك
معنى ان أكون فرداً لي قيمتي واحاسيسي خارج الجماعة.
ما مكان السينما في حياتي؟ سأقول لك: علاقتي بها سبقت علاقتي
بالرواية. السينما الايرانية والهندية رافقت طفولتي في افغانستان. اما
الأفلام الأميركية فكانت حكراً على صالتين فقط، شاهدتُ فيهما أبرز
الكلاسيكيات، منها مثلاً "ذهب مع الريح" وأفلام جون فورد الخالدة، وحتى
أعمال الفرنسي جان بيار ملفيل. بعد الاجتياح السوفياتي، صاروا يمطروننا
بالأفلام الروسية. لحسن حظنا، كان هناك ما يسمى المراكز الثقافية، التي
كانت نافذتنا على السينما المغايرة، في بلد بدأت تضيق فيه مساحة الحرية
عاماً بعد عام. اتذكر كم كانت الأجواء مرحة في الصالات: الناس يرقصون
ويغنّون ويتماهون مع ما يحدث على الشاشة. تراهم يصفقون عندما ينتصر البطل
ويقبل صديقته في حركة استعراضية. سقى الله تلك الأيام المجيدة. صحيح ان
السينما الهندية كانت السينما الطاغية في افغانستان، لكن في عائلتنا كنا
نفضل مشاهدة السينمات الأخرى لميلنا الى الثقافة الغربية وانفتاحنا عليها.
عام 1980، انتهت تأشيرتي وكنتُ صرفت كل ما املكه من مال، فاضطررت
للعودة من الهند الى افغانستان. بدأتُ بكتابة 20 صفحة عن السينما الهندية
والعنفوان الشبابي في بلدان العالم الثالث. وطرحتُ السؤال: لماذا تثير هذه
السينما الدهشة اكثر من غيرها؟ وصلتُ الى استنتاج هو الآتي: أولاً، هذه
أفلام بنيتُها الدرامية بسيطة جداً، فيها الخير والشر، وفيها وجود طاغ
للعائلة. انها ايضاً سينما اكزوتيكية مع توزيع جيد بين الأغاني والمعارك
والألوان وكل تلك الأشياء التي ليست في تراثنا الثقافي الاسلامي. أفغانستان
ثقافتها بوذية في الأساس، ولكن كل شيء تغير مع وصول الإسلام. بالنسبة لي،
اهم ما طُرح في هذه الأفلام هو الموضوع. لكوننا عانينا ما عانيناه من
التعصب الاسلامي في افغانستان، كانت الأفلام الهندية تشكل متنفساً لجيلنا.
كنا نرى فيها فتيات غير منقبات وعلاقة حرة بين الجنسين. طبعاً هذا كله
ينتهي نهاية سعيدة ولو بالخنجر. في السينما الهندية، لدى الممثلات علاقة
أخرى بالجسد، لذلك كنا نلجأ اليها هرباً من واقعنا المرّ.
السنة الماضية، قررتُ أن اجوب العالم العربي. ذهبتُ في رحلة أخذتني من
مصر الى تونس، مروراً بالجزائر فالمغرب حيث صوّرتُ فيلمي "حجر الصبر". فكرة
الربيع العربي كانت مجردة بالنسبة لي، أردتُ التعمق فيها أكثر. كنا نشعر ان
ثمة ايادي اجنبية خلف هذا الواقع الجديد. حتى التسمية ظهرت للمرة الاولى في
جريدة أميركية. كنتُ اشعر ان المجتمع العربي ليس هو الذي أفرز هذه الثورة.
أردتُ ان ارى بأم عينيّ ماذا يجري في الشارع. ما حدث مع محمد البوعزيزي
أثّر فيّ كثيراً، لأنه لم تكن ثمة ايديولوجيا خلفه. كل شيء بدأ مع صرخة
مرتجلة ضد الظلم الاجتماعي. الظلم أساس كل تغيير. البوعزيزي جسّد وحده أزمة
أمة بأكملها. للأسف، رأينا أيضاً كيف يمكن موتاً كهذا ان يُستغل في سياق
ديني سياسي. لم يستغله الاسلاميون فحسب بل استغله الغرب ايضاً. هذا الشاب
لم يكن يفكر في مصير البلدان العربية والاسلامية عندما اضرم النار في جسده،
لكن للأسف تم نسيان السبب الذي مات من أجله. ولأن الأنظمة لم تفسح المجال
لوجود تيارات اخرى، كان صعود الحركات الظلامية التي تحل دمّ مَن لا يخضع
لإرهابها وفكرها الاقرب الى القرون الوسطى منها الى قيم الثورة.
الحرية مسألة شائكة. عندما ينجح المخرج في الافلات من مخالب رقابة
السلطة، تجده واقعاً في رقابة المجتمع. رقابة الناس أكثر تخلفاً. الدستور
الافغاني يمنحني الحقّ في التعبير عن رأيي كيفما أشاء. كنا نتابع في الصحف
رسوماً كاريكاتورية لحميد قرضاي والخ. ولكن، ما ان نقترب من الجسد البشري
وما ان نصارح الآخرين في قضية دينية ما، حتى يهاجمنا الناس، لا الحكام. ومن
كثرة ما تجذر الرقيب في داخلنا، صرنا نلجأ الى الرقابة الذاتية.
لا اصنع السينما لمجرد صناعتها، بل لأعترض على كل ما يحيط بي. هذا
ينسحب ايضاً على كتاباتي. يكفي ان تلقي نظرة على روايتي الاولى. عام 1996
عندما تسلمت حركة "طالبان" السلطة في كابول، منعت السينما والتلفزيون وكل
أشكال الفنّ. الصورة كانت عدوها الأول. اقفلت صالات السينما التي أمضينا
فيها أجمل لحظات طفولتنا. بالنسبة الى "طالبان"، ان تلتقط صورة لنفسك يعني
ان ترتقي الى مكان الله. ما هذا التخريف؟ هذا يفضح في المقابل، جانباً
اساسياً من عقيدتها، انها تؤمن بالصورة وسلطتها. تبدى هذا جلياً في 11
أيلول، اذ استفادت هذه الجماعات المتطرفة من الصورة لتثير الرعب في النفوس.
حتى اليوم، قبل كل عملية انتحارية يصوّرون انفسهم ويوزعون الفيديو على
المحطات. يعادون الصورة لكنهم يستعملونها!".
hauvick.habechian@annahar.com.lb
"مسرح
المدينة" ينبش ذاكرة مارون بغدادي
هـ. ح.
عشرون عاماً بعد غيابه، ها اننا نعود لنبش ذاكرة مارون بغدادي (1950
ــ 1993) في أفلامه المستعادة وأفراحه غير المكتملة وأفلامه شبه المنسية،
مثل كل شي له قيمة في هذا البلد المزنر بالجهل والتعصب والنكران. فبعد
مهرجان كانّ والتحية المتواضعة التي وجهتها اليه مؤسسة سينما لبنان ووزارة
السياحة، تنظم جمعية "نادٍ لكل الناس" في "مسرح المدينة" (الحمرا)، حدثاً
مهماً يلقي الضوء على تجربة السينمائي اللبناني الذي نعود اليه اليوم لنفهم
بعضاً مما حصل لنا خلال عقود لم نطوِ صفحتها بعد، لا بل نرزح تحتها. سُمّي
النشاط "أيام مارون بغدادي السينمائية"، وهو ينطلق في العاشر من الجاري
ويستمر الى الخامس عشر منه، شاملاً عروض أفلام وندوات ومعرض صور.
في هذه المناسبة، كتب الروائي حسن داوود، صاحب نصّ "زوايا" (نسخ منه
ستوزع خلال الأنشطة) الذي كان سيؤفلمه بغدادي لولا رحيله المفاجئ: "(...)
كان المخرجون السينمائيون ينتظرون سنوات حتى يتاح لأحدهم أن يوقّع إنتاج
لفيلم. لم تكن هذه حال مارون الذي لم يكن يكاد ينتهي من عمل حتى يبدأ
بتصوير عمل آخر. كان قد أدرك أنّ الموهبة لا تكفي وحدها ليكون المرء
سينمائياً، إذ يلزم أن يكون عاشق السينما مُدخلا شخصه في سحرها. أي أن يكون
واحدا من شخصيّاتها المتصوّرة. وقد عمل مارون على أن تكون السينما حيث يكون
هو (...)".
أنجز بغدادي، طوال مسيرته السينمائية التي امتدت على نحو 18 عاماً، 18
فيلماً بين روائي ووثائقي. شكّل مع برهان علوية وجان شمعون نواة ما يمكن
تسميته بالموجة الجديدة اللبنانية التي أجبرت السينما المحلية على أن تتمسك
بنظرة ذاتية وعميقة ذات مضمون راسخ في تقليد سينما المؤلف الأوروبية. فقطع
ذلك التيار مع كل ما جاء من قبله من اعمال تجارية ساذجة تحاكي الجماهير.
شكّل اندلاع الحرب نقطة انطلاق اخرى لمنجزه، علماً ان مصيره الشخصي بات
مقترناً بالأحداث وتداخلت حياته بما عاشه من قرب، فأخذته الأيام من خيبة
الى اخرى، الى ان انكسرت الأحلام ليلة سقوطه في فراغ بيروت وعتمتها
القاتلة، غداة النهاية الرسمية للحرب اللبنانية.
من أفلام صغيرة تعكس هموم المواطنين، انتقل بغدادي الى الحضن الدافئ
للسينما الكبيرة مع "بيروت يا بيروت" (1975) الذي عُرض قبل يومين من حادثة
بوسطة عين الرمانة، ثم "حروب صغيرة" (1992) الفيلم الذي رتّب له مكاناً
خاصاً في سيرة سينمانا وكرّسه مؤلفاً كاملاً وفناناً شاملاً. فيلمه الثاني
هذا الذي يحتل مكانة متقدمة جداً في لائحة أفضل الأفلام اللبنانية على
الاطلاق، جاء عشية حصار بيروت وسقوطها خلال الاجتياح الاسرائيلي. بعدها
استقر بغدادي في فرنسا، حيث انجز ستة افلام روائية منها ثلاثة للتلفزيون،
قبل ان يعود اليها عام 1993 لمرة أخيرة.
في "خارج الحياة" عن مصوّر فرنسي (ايبوليت جيراردو) يُؤخذ رهينة في
بيروت (نال جائزة لجنة التحكيم في كانّ 1991)، يختتم بغدادي نصه السينمائي
الملهم بسيارة تمضي وسط الخراب الهائل الذي صنعته الحرب، ثم يصعد الجنريك
الأسود فجأة تاركاً المُشاهد في ضياع شامل.
في كانّ قبل أيام، ضمن حفل التكريم، اختزل الناقد المصري سمير فريد
تجربة بغدادي بالآتي: "كان يعيش بسرعة، شأنه شأن فاسبيندر وكل الذين يشعرون
ان الوقت يدهمهم. كان يريد ان يتزوج وينجب الأولاد وينال "السعفة" ويربح
100 مليون دولار. هناك مقولة يرددها الفلاحون في صعيد مصر دائماً: ابن
الموت. هكذا كان بغدادي".
(*) "أيام مارون بغدادي السينمائية" ــ من 10 الى 15
حزيران في "مسرح المدينة" (الحمرا).
النهار اللبنانية في
06/06/2013
دانماركيون في بيروت!
النهار
/
هوفيك حبشيان
السينما الدانماركية الحديثة صاحبة بصمة تتبدى جلياً في افلام لارس فون
ترير وتوماس فينتربرغ، وأيضاً وخصوصاً لدى الأب المؤسس للسينما الدانماركية
كارل تيودور دراير. هذا ما يمكن اكتشافه مرةً جديدة في اطار الاسبوع الذي
تخصصه "متروبوليس" لهذه السينما بالتعاون مع السفارة الدانماركية من 3 الى
9 حزيران. سبعة أفلام تعكس ديناميكية عالية وأفكاراً مستجدة تستفز احياناً
وتثير أحيانا كثيرة. جرى الافتتاح الاثنين الفائت بـ"علاقة ملكية" لنيكولاس
أرسيل (أفضل سيناريو وأفضل تمثيل في مهرجان برلين 2012 وترشيح الى الأوسكار
في فئة أفضل فيلم أجنبي)، عن العلاقة التي ربطت زوجة الملك كريستيان السابع
بطبيبه. فيما الثورة الفرنسية تلقي بظلالها على العرش الملكي، ثمة قصة حبّ
في أروقة البلاط.
تكمن قوة هذه السينما في جرأتها على قول الأشياء كما هي، والذهاب
بعيداً في مسارات غير مطروقة سابقاً. لا دينية الدانماركيين وتكوينهم
الثقافي خلف "وقاحتهم" السينمائية التي يتميزون بها عن باقي السينمائيين في
أوروبا الجنوبية. هناك استفزاز واضح في طرح مواضيع حارقة على الشاشة. هذه
النزعة تتجسد تجسيداً كاملاً عند مخرج مثل فون ترير الذي يُعتبر كل فيلم
جديد له محط انظار يتدفق تجاهه سيل من الاهتمام. فما قاله فون ترير مثلاً
خلال مؤتمر فيلمه "ميلانكوليا" في كانّ 2011، عن تفهمه لهتلر، اثار
استنكاراً شديد اللهجة من المهرجان وصل به الى اعتباره شخصاً غير مرغوب فيه
على الكروازيت. ما بدا عادياً عند الدانماركي، بات مستنكراً عند الفرنسي
والألماني. كيف ننسى ايضاً ان هذه السينما مسؤولة عن واحد من أغرب
التيارات، "دوغما 95"، وضعه فون ترير وفينتربرغ داعيين من خلاله الى
الاقتصاد في العناصر السينمائية بغية بلوغ "العفة السينمائية".
فيلم فينتربرغ الذي يُعرض غداً الخميس وعنوانه "الاقتناص"، لا يخرج عن
هذا الاستثناء الذي اختارته لنفسها السينما الدانماركية. فهذه دراما موجعة
عن النفاق الاجتماعي السائد في الدانمارك، تماماً مثلما كانت الحال في فيلم
فينتربرغ السابق "فستن" (جائزة لجنة التحكيم في كانّ 1998). رجل مطلّق
حديثاً (مادز ميكلسن) تتهمه فتاة في الخامسة بالتحرش الجنسي. يرصد المخرج
العلاقات بين البشر في بلاد ممعنة في الثقافة الاسكندينافية، حيث كلام طفل
يجب ألاّ يرقى اليه اي شك. من خلال تيمة التحرش يعري فينتربرغ المجتمع
وعاهاته...
(*) Danish feast
من 3 الى 9 حزيران في "متروبوليس".
للمزيد: http://www.metropoliscinema.net
النهار اللبنانية في
05/06/2013
بيروت التي رحلت الى الذاكرة!
ميسر المسكي
اندثرت المدينة وبقي سحر السينما!
قد تثير العبارة السابقة سخط البيارتة، فبيروت وعلى رأي السيدة فيروز:
"البلد يللي ما بيموت."
لكن السؤال هو عن أيّ بيروت أتحدث.
بيروتي أنا حدودها الإدارية كانت تمتد من "إتوال" شرقاً إلى "فرساي"
غرباً، ومن "كونكورد" جنوباً إلى "أورلي" شمالاً. "كليمنصو" و"سان شارل"
كانتا على تخوم بيروتي الكبرى. بيروت هذه اندثرت حين اختار البلد خوض تجربة
هذيان العنف.
بعد أربعين عاماً، أعود باحثاً عن بعض من ذاكرة قد تكون بقيت من ماضٍ
أرادوا مرةً وسمه بالذهبي. لا شيء بقي: لا المكان هو ذاته، لا الناس، لا
الإحساس، لا الرائحة. حتى الضوء ليس هو ذاته. لا شيء.
فقط سحر السينما الذي تعلمته في صالات بيروت لا يزال في البال نضراً،
وقّاداً، وشاباً، كما صورة سارة مايلز المدهشة في تحفة ديفيد لين "إبنة
راين" التي شاهدتها في صالة "ستراند". أو آل باتشينو في "العراب" حين
استعادته الـ"كوليزيه" ذات صيف. أو كانديس برغن في عمل رالف نيلسون القوي،
"الجندي الأزرق" حين أفسحت له "كونكورد" مساحة من برمجتها الصيفية عام
1973. أو الألق الأزلي لرومي شنايدر برفقة ميشال بيكولي في فيلم كلود سوتيه
العذب "سيزار وروزالي"، حين طارت به أحبّ الصالات إلى قلبي حينذاك: "إلدورادو."
الصورة على الشاشة تبقى شابة بينما نحن نهرم والمكان يرتحل بعناصره
الغابرة إلى الذاكرة.
لم يبق شيء من مقاهي الرصيف تلك التي التهمت فيها صباحات الإثنين
بنهم، الصفحة السينمائية المذيلة بتوقيع الراحل سمير نصري في "النهار"،
والصديق العزيز محمد رضا في "المحرر". في ذلك الشارع تهذب ذوقي السينمائي
وطار عشق السينما بحلم لم نكن نعرف أنه لن يمضي الكثير من الوقت قبل أن
تغتاله مطامح من يرسم واقع المنطقة.
اليوم، بيروت لها ناسها وصالاتها ومقاهيها وشبابها ومراهقوها الذين
يهجسون بأحلام ورؤى وأفلام، ولديها... نقاد وصفحات سينمائية غادرت الإثنين
إلى يوم آخر. أتمنى لو أن العمر يعود كي انتمي الى روعة الحلم بإن الآتي
مفتوحٌ على الخيال الرحب بلا حدود. هو هذا التمني الذي لن يكون. لا العمر
يعود إلى الوراء ولا بيروت التي ضلّت طريقها ستعود.
لفتني في جولتي الأولى في الحمرا أن الآرمات الخاصة بالصالات المندثرة
لا تزال في أمكنتها، تعنون مكاناً لم يعد ينتمي إلى حاضره. حتى سينما الجيب
"سارولا" لا تزال تجاهر بعنوانها الأزرق لتروي زمناً قصيراً كانت فيه صالة
"الفنّ والتجربة" (تسمية سمير نصري) الوحيدة في الشارع. ليتهم يحافظون على
هذه الآرمات كجزء من تراث الشارع حتى ولو هاجرت الصالات إلى غير مكان.
أليست السينما في جزء منها فناً يقوم على الإيهام؟
ترى، هل بيروت فقط هي التي رحلت من ذاتها؟ أم نحن أيضاً احترفنا
الرحيل إلى ذوات جديدة؟
تقول فيروز في مسرحية "لولو": "يللي بيروح مش لازم يرجع". هل أخطأتُ
اليوم في عودتي إلى بيروت باحثاً عن بيروتي التي كانت؟ السؤال الأهم: هل
كان هناك حقاً تلك البيروت؟ أم هي حلمٌ اخترعناه وأردنا تصديقه، تماماً كما
الفيلم الذي نستسلم طوعاً لسحر "واقعيته" رغم يقيننا أنه إبداعٌ متخيل؟
النهار اللبنانية في
06/06/2013
«دي.
في. دي.» لكل الأفلام وندوات وسيناريوهات وكتّاب
«أيام
مارون بغدادي».. نحو سينما عالمية
نديم جرجورة
لا يُمكـن التعـاطــي مـع «أيـام مارون بغدادي»، التي يُنظّمها «نادي
لكل الناس» طوال الأسبوع المقبل في «مسرح المدينة»، بتجريدها من حكاية
بغـدادي نفسه مع البلد والحرب الأهلية والسينما.
أميل إلى القول إن الأيام هذه ردّ على انفضاض لبنانيين كثيرين عن
البلد ومشاكله، وعن الحرب الأهلية وتأثيراتها الفاقعة والمستمرّة لغاية
الآن في المستويات كلّها، وعن السينما التي تريد إبداعاً، وتفتح نوافذ
القلب والروح على الأسئلة المعلّقة كلّها. أميل إلى اعتبار الأيام هذه
جواباً عن مقولة يتمسّك بها كثيرون، مفادها أن الحرب انتهت، وأن التاريخ
والذاكرة بعيدان، وأن الراهن مُطالَب بتقديم كل ما هو مُسلّ وترفيهي. أميل
إلى تحليل الأيام هذه انطلاقاً من المكانة رفيعة المستوى التي احتلّها
مارون بغدادي في المشهدين السينمائيين اللبناني/ العربي والفرنسي/
الأوروبي. مكانة صنعها السينمائي اللبناني الراحل قبل عشرين عاماً بعشقه
البديع لسينما ترفض التسطيح، وتخترق الممنوع والمبطّن، وتبوح بمكنونات ذات
وجماعة.
ليست «أيام مارون بغدادي» الأولى من نوعها في بيروت، خلال عشرين عاماً
مرّت على الرحيل المفاجئ والصادم للسينمائي اللبناني ليلة 9 ـ 10 كانون
الأول 1993. أصدقاء ومقرّبون وعارفو سينماه احتفلوا به مراراً، وبأشكال
مختلفة. غير أن الأيام هذه تمتلك جديداً متمثّلاً بإصدار الأفلام كلّها
لبغدادي في نسخ «دي. في. دي.»، وفي تنظيم ندوات تُحلّل وتروي وتقول، وفي
إعادة إصدار كتاب للزميل إبراهيم العريس عنه وعن سينماه، وفي منح المهتمّين
به وبسينماه فرصة الحصول على السيناريو الأخير له (زوايا)، الذي كتبه مع
الروائي اللبناني حسن داود، هو الذي عمل سابقاً مع الروائي اللبناني الياس
خوري في كتابة «خارج الحـياة» (جائـزة لجـنة التحكيم الخاصّة بمهرجان
«كانّ» السينمائي، 1991). مشاهدة أفلامه كلّها أمرٌ حسنٌ وضروري. الحصول
على أفلامه الكاملة بنسخ «دي. في. دي.» أمر مهمّ. قراءة السيناريو الأخير
له أيضاً. كتاب الزمـيل العريـس إضاءة على جوانب عديدة من اشتغالاته.
مارون بغدادي مختلف. أدرك باكراً أن السينما حرفة وصناعة، لا
إيديولجيا وخطابات. ذهب إلى اختبارها في فرنسا مثلاً («فتاة الهواء»،
1992). كاد يبلغ هوليوود أيضاً، حاملاً معه سيناريو «القوّاد الأخير»، الذي
كان «سيُدخل المخرج إلى هوليوود، كما حلم دائماً منذ أن حلم بالسينما»
(الزميلة ريما المسمار، جريدة «المستقبل» البيروتية، 19 شباط 2008).
بين الوثائقي والروائي، أنجز مارون بغدادي أفلاماً متنوّعة الأشكال
والمضامين. أنجز أفلاماً يُمكن القول إن بعضها «متناقضٌ» مع خط سياسي/
ثقافي انتهجه في حياته، واختاره بوعي الباحث الدائم عن كل جديد ممكن. تحليل
أفلامه محتاج إلى دراسات لم يُنجز منها إلاّ القليل، وغالباً في أطر
أكاديمية.
غير أن «أيام مارون بغدادي»، المُقامة بين 10 و15 حزيران 2013، تتيح
فرصة جديدة لمُشــاهدة أفلامه، أو لمُشاهدتها مجدّداً، بعد أعوام طويلة
جداً على إنجازها. تتيح لهم فرصة الاستماع إلى كلمات تُحلّل وتروي،
ومناقشتها أيضاً.
كلاكيت
رقم مخيف
نديم جرجورة
الرقم مثير لاستكمال نقاش نقدي، يُفترض به ألاّ يقف عند لغة الأرقام،
أو لعبتها. الرقم مرتبطٌ بمزاجية أناس يذهبون إلى الصالة المعتمة لمتابعة
شريط مصنوع بمفردات التسطيح والسذاجة والافتراء. الرقم دعوة إلى تحليل
العلاقة المرتبكة بين لبنانيين و"أفلام" لبنانية شبيهة بواقع الحال المأسوي
لبلد قائم في جنونه وضياعه، ولمجتمع مُصاب بعاهات مزمنة. الرقم مرآة تعكس
شيئاً من "ثقافة" محلية، تُنذر بمزيد من الخراب الثقافي العام.
في الأيام الستة الأولى لعروضه التجارية اللبنانية، بلغ عدد مُشاهدي
"حلوة كتير.. وكذّابة" للسوري سيف الشيخ نجيب 17507. هذا رقم "مخيف". رقم
يقول إن كثيرين في هذا البلد مسرورون بتسطيح الأشياء الحياتية، وتسخيف
الأنواع البصرية، وادّعاء المعرفة السينمائية. أن كثيرين يذهبون إلى الصالة
برغبة في متابعة حلقة أخيرة من مسلسل تلفزيوني لا يقلّ تسطيحاً وتسخيفاً
وادّعاءً بمفردات العمل التلفزيوني. رقم يقول إن مأزق السينما كامنٌ في هذه
العادة السيئة، المتمثّلة بتحويل مسلسل تلفزيوني "ناجح" إلى فيلم "سينمائي"
يُصيب قدراً من الـ"نجاح". هذه ضربة لسينما لبنانية تحاول إيجاد موقع لها
في المشهد المحلي، وتعاند من أجل الحصول على صالة واحدة على الأقلّ لتواصل
ما مع مُشاهدين محتملين. هذا اختبار تعانيه سينما لبنانية تستوحي مواضيعها
من همّ ذاتيّ/ جماعي، كي تنبش التاريخ والذاكرة لحمايتهما من الاندثار.
سينما لبنانية تسعى، باجتهادات فردية، إلى احترام المفردات السينمائية،
وإلى الاشتغال السينمائي البحت. سينما لبنانية تبوح بمكنونات نفس وبيئة،
وترسم معالم مرحلة أو حالة، وتستند إلى إبداع سينمائي.
الرقم مثير لأسئلة تطاول علاقة لبنانيين كثيرين بتاريخهم وذاكرتهم.
ببلدهم ومجتمعاتهم. بأنفسهم وبالآخرين. بالسينما وطقوسها. هؤلاء جميعهم
اختاروا التسطيح والتسخيف والادّعاء، لأنهم قادمون إلى الصالة من بيئات
تٌشبههم. من بيئات اعتادت الهروب من الحكايات الحقيقية، والأسئلة الواقعية،
الوعي المعرفيّ. من مجتمعات متقوقعة داخل أحزمة البؤس الطائفي، والشقاء
المذهبي. من مناخ يعشق النسيان، ويرنو إلى لامبالاة يظنّون أنها قادرة على
تجنيبهم مسؤولية الخراب المتنوّع، المقيم في البلد والبيئات والمجتمعات هذه.
كثيرون يرفضون العودة إلى التاريخ والذاكرة، لأنهم يظنّون أن الماضي
مضى وانتهى، ولأنهم يدفنون الرؤوس في الرمال. أفلام لبنانية عديدة امتلكت
حيوية الإبداع السينمائي، ونضارة المعالجة الدرامية المحرّضة على السؤال
والاجتهاد. لكن لا "جمهور" لها، بل مُشاهدون منبثقون من ثقافة المعرفة
والسؤال والحوار. أفلام لبنانية كثيرة استسهل صانعوها فبركتها من هنا
وهناك، وكيفما كان، كي يواجهوا نتاجاً لن يتخلّى أصحابه عن الحفر عميقاً في
هذا التاريخ وتلك الذاكرة، كما في الراهن والمقبل من الأيام. لن يتخلّى
أصحابه عن السينما، أولاً وأساساً.
لم تُحلَّل الحرب الأهلية اللبنانية بشكل واف لغاية الآن. السينما
الذاهبة إليها تساهم في قراءتها وتفكيك عناصرها ومحاولة فهم حكاياتها. أما
الأفلام الأخرى فتشويه للسينما قبل كل شيء آخر.
السفير اللبنانية في
06/06/2013
«صدمة»
زياد دويري..
طريق لا يحتاجه إلى هوليوود
زكي بيضون
يقول دويري إنه لم يرد تحقيق فيلم سياسي بل بسيكولوجي ويريدنا أن نحكم
على فيلمه من وجهة نظر بحت فنية، لكن ما باليد حيلة، دويري لم يأت من
القمر، ولو أراد فعلاً ذلك فما كان عليه سوى أن يختار موضوعاً آخر. بإمكان
المرء أن يستشف من مقابلة دويري مع الحياة بأنه يعتبر فيلمه يميل لوجهة
النظر الفلسطينية، إن بحياد وموضوعية. ذلك أمر يصعب علي فهمه بعد أن رأيت
الفيلم. بطل الفيلم، أمين الجعفري، هو فلسطيني من نابلس حصل على منحة
للدراسة في الأرض المحتلة، حيث صار جراحاً مرموقاً حاز الجنسية
الإسرائيلية، وكُرم بمنحه إحدى أرفع الجوائز الطبية. بعد حفل التكريم يكتشف
الجعفري أن زوجته نفذت عملية انتحارية في مطعم وسط حفل عيد ميلاد يعج
بالأطفال. يعطي الفيلم الانطباع بأن العربي الحائز على الجنسية الإسرائيلية
يتمتع بمواطنية كاملة ويتجاهل واقع أن الإسرائيلي العربي، مهما علا شأنه،
يبقى من الناحية القانونية مواطناً درجة ثانية. ما يؤخذ على الفيلم ليس
عرضه لوجهة النظر الإسرائيلية، بل طريقة عرضه لوجهة النظر الفلسطينية.
نابلس بأكملها، بمتعلميها وأمييها، بإسلامييها وعلمانييها، تحتفي بالعملية،
الكل يكرر لأمين الجعفري بأنه فخور بما فعلته زوجته. يقدم لنا دويري هنا
مجتمع فلسطيني بكامله يحتفي بقتل الأطفال الإسرائيليين ويعتبره حقاً
مشروعاً. لا يمكن لواقعة مجزرة جنين التي يثيرها دويري لاحقاً أن تبرر ذلك
إلا وفقاً لمفهوم بدائي ومرعب عن العدالة: «أطفالهم مقابل أطفالنا». نقطة
أخرى استوقفتني أيضاً. وجهة النظر الفلسطينية الوحيدة التي تظهر في الفيلم
هي تلك التي ترفض أي تسوية وتعلن أنها لن تتنازل عن شبر واحد من فلسطين
التاريخية. الفيلم هنا يتجاهل واقع أن الفلسطينيين والعرب، ومنذ اتفاق
أوسلو، يعرضون على إسرائيل السلام مقابل أن تقبل هذه الأخيرة بتنفيذ حد
أدنى من القرارات الدولية التي كانت أساساً وعلى الدوام منحازة إلى مصلحتها.
قال دويري إن الفيلم تعرض للانتقاد في أميركا بسبب انحيازه إلى
الفلسطينيين، كما تعرض للانتقاد في العالم العربي لأنه غير منحاز كفاية
لهم. لا يمكن اعتبار فيلم دويري منحازاً إلى الفلسطينيين، إلا إذا اعتمدنا
المعيار الأميركي المختل الذي يعتبر أقل نقد لدولة أبرتهايد مثل إسرائيل
انحيازاً للفلسطينيين.
لنتوقف قليلاً عند تعبيرَي «انحياز» و«حياد». إذا أردنا أن نفهم
الحياد كرديف للموضوعية، فالمساواة بين الجلاد والضحية وتحميلهما نفس القدر
من المسؤولية هو أمر ليس من الحياد بشيء، بل انحياز يصب في خدمة بروباغاندا
الجلاد. فيلم دويري بهذا المعنى منحاز للجانب الإسرائيلي وهو يذكرني بأفلام
إسرائيلية تقدم نفسها على أنها نقد ذاتي لمجتمعها، في حين أنها قد تخدم
البروباغندا الإسرائيلية بحيادها الكاذب أكثر من الأفلام المنحازة صراحةً.
هذا الأمر لا ينطبق بالطبع على كل الأفلام الإسرائيلية. في فيلمه «ليبانون»
مثلاً، يعرض الإسرائيلي «صاموئيل موز» تجربته في الجيش الإسرائيلي بأمانة
وحياد وثائقيين تدينان وتفضحان ممارسات هذا الجيش وإيديولوجيته. تعج
الصالونات الغربية بمدّعي فن وأدب وفكر عرب يبنون أمجاداً من ورق، باللعب
على هواجس الغربيين وكليشيهاتهم والمتاجرة ببأس المجتمعات التي قدموا منها.
دويري ليس بالتأكيد واحداً من هؤلاء، فهو لامع وموهوب وطريقه إلى هوليوود
والاعتراف الدولي لم تبدأ من تل أبيب، ولم تحتج أن تمر بها. يخطر للمرء هنا
أن يتساءل إن كان على دويري أن يتعلم شيئاً من بطل فيلمه.
السفير اللبنانية في
06/06/2013
"أشغال
داخلية": ”حرتقات“ جسر بين الفن والمدينة
روي ديب
في إفتتاح دورة هذا العام من ”أشغال داخلية ٦“ وزّع منشور ”إسلام
الشرع، وإسلام الدولة“ للمفكر اللبناني وضاح شرارة، ثم قدم عرض ”أتوموبيل“
لجو نعمه، أداء صوتي في الشارع أمام مقر "أشكال ألوان" في منطقة جسر الواطي.
عرض إستند على لعب موسيقى شعبية معالجة عبر سينثسايزر ستة سيارات تم
إستقدامها من أرجاء بيروت. ليختتم الإفتتاح بحفلة لفرقة ”السادات“ المؤدية
لموسيقى ”المهرجانات“ الشعبية المصرية.
هكذا أعاد "أشغال داخلية" تكريس ثوابت رافقت المنتدى منذ نشوئه،
وإرتباطه بمسائلة فكرية للواقع السياسي والإجتماعي والثقافي المعاصر،
وإصراره على تقديم العروض ضمن الحيز العام، كما محاولته للتواصل مع الثقافة
الشعبية.
رغم أن الفعاليات التي توالت ضمن دورة هذا العام، عادت فإنكفأت عن
الحيز العام، لتنحصر داخل المراكز الثقافية وصالات السينما والمسارح (وذلك
القرار قد يعود إلى المسؤولية الموجبة تجاه الأوضاع الأمنية في البلد)
ولكننا نرى أن في الأعمال التي قدمت في حديقة الصنائع، والسيوفي، وعلى
كورنيش عين المريسة، وفي شارع الحمرا سلفاً ”حرتقات“ تعيد تواصل الفن
المعاصر مع المدينة وسكانها بدلاً من إنحصار جمهوره بالوسط الفني والمهتمين
فقط. فلا بد لأشكال ألوان أن تعيد إستقصاد الحيز العام بكثافة مداخلات فنية
تخربط إيقاع المدينة، وتزرع الشك والمسائلة.
تلك ”الحرتقات“ أرادتها كريستين طعمه العنوان الثاني لمنتدى أشغال
داخلية إلى جانب عنوان ”المحاكمة“. وإذ تصف طعمه في كلمتها كل ممارسة فنية
بالحرتقات في زمننا الحاضر، فإننا نرى في قراراتها الفنية والإدارية لمنتدى
هذه السنة حرتقات جميلة. أولاً فتح المجال بشكل واسع أمام فنانين شباب وذات
تجربة متواضعة للمشاركة في المنتدى، مخاطرة تحملت مسؤوليتها لأجل تأمين غنى
جوهري للبرنامج، وإيماناً بأجيال فنية يافعة تخلق فناً جديداً. ثانياً قرار
دعوة معدين فنيين من لبنان ومصر وتركيا وفلسطين لمشاركتها في إعداد وتنظيم
أقسام أساسية من برامج المنتدى لهذه السنة. مما أعطى نكهة مميزة لدورة هذه
السنة بشكل ملحوظ، عبر فتح أفقها على عوالم وجغرافيات مختلفة، أتت مكملة
لطروحات طعمه في ”الحرتقات“ و ”المحاكمة“.
فإن كان المحور الأساسي للمنتدى يحاول تقديم قراءة سياسية / فنية تربط
التاريخ بالحاضر، فإن المشاريع الفنية الموازية التي أشرف عليها المعدون
الضيوف، أحاطت الموضوع من جوانب مختلفة، ومكملة.
في ”معارض“، يقدم طارق أبو الفتوح قراءة للإنتاج الفني اليوم على ضوء
الدور الذي لعبه الفن خلال مراحل مفصلية من التاريخ. أما زينب أوز في ”عروق
بلاستيك“ فقدمت قراءات للإنتاج الفني في تركيا وخاصة في إسطنبول على ضوء
التحولات في السياسات الثقافية والفنية في المراحل الإنتقالية، لتخصص
مجموعة ”٩٨ أسبوع“ مشروع ”خطوطنا مفتوحة : مسلسل راديو“ سلسلة مداخلات
ونقاشات حول الأدب وخطاباته.
شكل ”عروق بلاستيك“ الذي إمتد على ثلاثة أيام في سلسلة من المحاضرات
والادائية منها، قسماً شيقاً جداً من برامج المنتدى لهذا العام. من زمن
الدولة العثمانية إلى ولادة الجمهورية الديمقراطية فالزمن الحاضر، تأثرت
عملية الإنتاج الفني في إسطنبول بعلاقتها مع الجهات الداعمة لها من الدولة
(وزارات الأوقاف) إلى القطاع الخاص (المصارف خاصة)، فالأفراد (مقتني ومجمعي
الأعمال الفنية)، مقدمة مثالاً يمكن من خلاله قراءة وإستشراف واقع ومستقبل
الإنتاج الفني في مدينة بيروت. ُفإن كانت الدولة في لبنان تغيب عن لعب أي
دور فعال في دعم الإنتاج الفني، لكن المصارف مثل ”سرادار“ الداعم الرئيسي
لأشغال داخلية هذا العام ومشاريع في "مركز بيروت للفن" سابقاً، وغيره من
المصارف المتقاسمة، وإن على صعيد آخر، المهرجانات الصيفية الكبرى من بيت
الدين إلى بعلبك، تلعب دوراً أساسياً في عملية الإنتاج الفني إن كان عبر
تدخلات مباشرة أو عبر خياراتها البعيدة عن التدخل في دعم تلك المؤسسة أو
غيرها. علماً أنه في بيروت اليوم خيط رفيع يفصل ما بين أصحاب المصارف
ومقتني الأعمال الفنية، الشاري الأول لإنتاجات الفنانين اللبنانين في
لبنان، وزبائن المعارض الفنية. كان مثيراً للإهتمام أن تختم ”عروق بلاستيك“
في بيروت، بحلقة نقاش يشارك فيها الفنانون اللبنانيزن مع أصحاب المصارف
ومقتنو الأعمال الفنية وربما ممثل لوزارة الثقافة أو السياحة أو حتى وزير
دولة. لكن الأهم أن ”عروق بلاستيك“ إستطاع إلقاء الضوء على تلك الشبكة في
إسطنبول، وتفاعلاتها، ولا بد لنقاش بيروتي أن يحصل يوماً.
أما ” ”خطوطنا مفتوحة : مسلسل راديو“ الذي تعاونت فيه "مجموعة ٩٨
أسبوع" مع لورانس أبو حمدان ونورا رازيان، فخلق جواً مميزاً في صالة مشرفة
على الشارع العام في منطقة مار مخايل النهر. إذ كانت تبث على الراديو جميع
المداخلات والنقاشات مع الجمهور الحاضر في الصالة، لتطال أدبيات الخطابة
النسوية العلنية، والنطق بالممنوع، وإعادة قراءة / كتابة يوميات ورسائل
متعددة بصيغة الأنا القارئة، إلى الموضوع الأكثر إثارة، التطرق إلى مسألة
الخيال العلمي والمستقبل المتخيل في الأدب العربي، فجولة مع غاليا السعداوي
في المستقبل في منطقة وسط بيروت التي كانت تعرف قديماً بمنطقة سوليدير.
حصاد "أشغال داخلية 6": بانوراما تعيد قراءة التاريخ
روي ديب
العالم العربي يعيش مرحلة إنتقالية، البعض يصفها بالربيع والآخر
بالخريف. شعوب تثور، وأنظمة تسقط، وتتفاقم علاقة الدين بالسلطة، وثورات
وحروب وقتلى لم يعد بالإمكان إحصاء أعدادهم. ليبقى المؤكد الوحيد أننا في
العالم العربي نعيش مرحلة جذرية في تقلباتها ورسم المستقبل.
كما تعمّ التساؤلات المحفوفة بالأمل والخوف الشعوب العربية، كذلك هي
حال الفنانين والمفكرين العرب. الجميع يحاول قراءة مجريات الأمور وإتخاذ
موقف كخطوة تنقله من موقع المتفرج السلبي إلى الفاعل على طريقته. وبما أن
منتدى ”أشغال داخلية“ إستطاع خلال دوراته السابقة أن يكرس محطة أساسية في
تظهير واقع الفن المعاصر في بيروت والمنطقة المجاورة، فإن الرهان على دورته
السادسة والأخيرة التي إمتدت من ١٤ إلى ٢٦ مايو ٢٠١٣ كان كبيراً. خاصة أن
دورته الخامسة إختتمت في عام ٢٠١٠، أي قبل زمن البوعزيزي.
هكذا أصبح منتدى ”أشغال داخلية ٦“ بمكوناته من ”أشكال ألوان“ أهم
جمعية (مؤسسة) فاعلة في ساحة الفن المعاصر في لبنان، والفنانين والمحاضرين
المشاركين كما الجمهور الذين يمثلون جزءًاً أساسياً من الساحة الفنية
والثقافية في المنطقة، والمدينة ”المحترقة غير الملتهبة“ بيروت الحاضنة
للمنتدى، في قلب إمتحان قاسٍ ولكن ضروري.
عبر قراءة أولى وسريعة نجد أن الربط المباشر بما يحدث من حولنا،
وضمننا، تجلى في محطات قليلة. منشور ”إسلام الشرع، وإسلام الدولة“ للمفكر
اللبناني وضاح شرارة الذي أعاد قراءة تاريخ علاقة الإسلام بالدولة منذ
الدولة العثمانية حتى تاريخ اليوم، وواقع بعض الدول العربية الحالي. مقابلة
مصورة مع الكاتبة السورية سمر يزبك أجرتها رانيا إسطفان عن تجربتها الشخصية
ما بين تواجدها في سوريا مع إندلاع الثورة ثم من موقعها في فرنسا اليوم
متطرقةً فيها بإسهاب إلى الدور الذي يلعبه الفن في الأحداث السورية. عرض
مسرحي ”حميمية“ لعمر أبو سعدة ومحمد العطار، يحاكي قصة الممثل السوداني
ياسر عبد اللطيف في إنكساراته ما بين الخرطوم ودمشق، وفي مقاربة لوضع الفرد
السوري اليوم. محاضرة أدائية ”مئة ألف عزلة“، وإصدار كتاب ”المحاورة التي
تؤلفنا“ لطوني شكر الذي يستشرف عبرهما مجيء زمن مسيحاني بدون مسيح يستدل
إليه عبر لحظات إستثنائية ظهرت خلال الثورات العربية عبر وسائل التواصل
الإجتماعي. دون أن نهمل بعض الأعمال الفنية المقدمة في ”معارض“ أو
المحاضرات القليلة التي لم يتسن لنا متابعتها. لكن وبشكل عام، لم تكن
المقاربة المباشرة للأحداث الحالية طاغية على برمجة تعدت المئة عرض. لا بل
نلاحظ أن الخيار كان بإتخاذ مسافة من الحاضر، تعيد إستجماع تجارب الشعوب
العربية والعالمية من التاريخ، لتقديم بانوراما لإعادة قراءة التاريخ
فمحاكاة الحاضر، بعيداً عن الإنجرار إلى التسرع في إطلاق الأحكام والمواقف
ضمن الحلقة المشتعلة.
فزمن محاكمة الديكتاتوريات العربية والمراحل الإنتقالية للشعوب ألقي
الضوء عليها من التجارب الإنسانية السابقة عبر أفلام مثل ”أيام آل شاوشيسكو
الأخيرة“ الذي يعيد تمثيل محاكمة الديكتاتور الروماني وعقيلته في عام ١٩٨٩،
و”فعل قتل“ الفاضح لفظاعة الإجرام في أندونيسة عقب إسقاط العسكر للحكومة في
عام ١٩٦٥ ومحاضرات مثل ”مشهدية لإنهاء الإستعمار: عمل من بضعة أجزاء“
لكاترينا سيماو التي تعود بنا إلى تجربة الزعيم سامورا ماشيل في
الثمانينات، ومحاضرة قادر عطية عن ”روندا والجزائر - من زمن التقليدي إلى
حداثة الغفران“ عن العدالة الإنتقالية ما بعد الحروب الإبادات، مروراً بأثر
الإيديولوجيا الشيوعية على الجسد الجماعي في يوغوسلافيا، ومحاضرة أدائية
”رسائل حب إلى الإتحاد“ للارا خالدي ويزن الخليلي تروي قصة حب على ضوء فشل
الوحدة بين مصر وسوريا والفكر القومي العربي، وصولاً إلى محاضرة ”تحت هذا
المسحب تكمن جثث“ لبولا يعقوب الذي يعيد تناول موضوع المخطوفين والمفقودين
في لبنان إثر الحرب الأهلية. ”المحاكمة“ التي إختارتها كريستين طعمه إحدى
عناوين الدورة الحالية، لم تتطرق إلى مبارك، والقذافي، وبن علي، وصالح أو
حتى صدام حسين، بل إستقت من التاريخ أمثلة مجاورة تترك للجمهور قراءته
الخاصة للحاضر على ضوء ما قدم من دون أن ننسى محاضرة الأديبة هدى بركات ”
أيوب الذي أحب الرب ولم ينس نفسه“ التي عبرها تعيد قراءة محكمة أيوب لتعود
فتقدم ربطاً ما بين إيمان أيوب بذاته ووسيلة المقاومة التي على الفرد
التحلي بها اليوم في مجتمعاتنا.
فيما القرار السياسي الواضح كان بعدم تغييب فلسطين عن دورة هذا العام،
في ظل إنشغال الرأي العام العربي بسائر الدول العربية. فتم تخصيص عروض
أفلام تمتد من السبعينات عبر أفلام أنتجها عدد من الفنانين الدوليين لدعم
القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى فيلم ”متسللون“ لخالد جرار المتناول
للمغامرات المعاصرة للتسلل عبر الجدار في الداخل الفلسطيني، حتى رائعة مهدي
فليفل ”عالم ليس لنا“ الذي يقدم بورتريه حساساً جداً لثلاثة أجيال من
اللاجئين الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة. بالطبع كان لمحاضرات وعروض أخرى
إرتباط معين بالواقع الحالي، لكن عبر التطرق المباشر، والعلاقة بين التاريخ
والحاضر، وإستحضار فلسطين، إستطاع المنتدى أن يحاور تلك المرحلة التاريخية
الحساسة في العالم العربي، من زوايا مختلفة، دون أن يقع في سهولة التفاعلات
والإنفعالات الهشة ونحن ما زلنا في قلب العاصفة.
غير أن الملاحظ في دورة هذا العام كان غياب النقاشات الحادة التي تعقب
المحاضرات خاصة، وكانت تشكل روحاً أساسياً في المنتديات السابقة، حيث تطرح
الآراء المتناقضة, مولدةً نقاشات وتصادمات لا بد منها. كما غابت طروحات
تحاول قراءة أو إستشراف المستقبل، ودور الفنانين والمثقفين الفاعل في صهر
هويته وتشكيلها.
وقد يعود ذلك إلى أسباب عدة منها المضي كثيراً في قراءة التاريخ
بعيداً من دون أن يؤمن المنتدى إطارات وحلقات خاصة تعيد ربط ذلك التاريخ
بالحاضر بشكل مباشر، فبقيت آراء المشاهدين أسيرة مراحل
التفكيك والتحليل والتفكير الذاتي الطويل، فلم تخرج إلى العلن
بشكل مباشر، بل ربما ظهرت في نقاشات جانبية في المنتدى. كما سيطر لون
سياسيّ واحد في مقاربة إشكاليات الحاضر على المداخلات الفنية.
يأتي غياب النقاشات الحادة، وطروحات المستقبل عن منتدى ”أشغال داخلية
٦“ عاكساً لقلق وخوف وتردد الفنانين والمثقفين في مقاربة الواقع المتأزم،
بعكس الإشارة التاريخية التي يقدمها طارق أبو الفتوح في ”معارض“والدور الذي
لعبه الفنانون المثقفون في مواكبة التقلبات التاريخية في الإسكندرية
(١٩٥٥)، وفي بغداد (١٩٧٤)، وفي بكين (١٩٨٩)، فأين نحن اليوم من تقلبات
تاريخنا الحالي؟
الأخبار اللبنانية في
06/06/2013
الثورة الكبرى:
الثقافة والإخوان «دونت ميكس»
مدحت صفوت/ القاهرة
العند لا يورّث إلا العند! مع استمرار تعنّت النظام المصري وتمسّكه
ببقاء علاء عبد العزيز في منصب وزير الثقافة رغم ازدياد الرفض والاحتجاج،
قام عدد من كبار المفكريين والمثقفين والأدباء أمس بدخول مقر مكتب الوزير
وإعلان الاعتصام فيه لغاية إقالته.
وقد تمكن المثقفون من دخول مكتب الوزير في حي الزمالك في القاهرة، ومن
هؤلاء الكاتب بهاء طاهر، والشاعر سيد حجاب، والفنانون نبيل الحلفاوي،
ومحمود قابيل، ومحمد العدل، وسامح الصريطي، وجلال الشرقاوي، والفنانة سهير
المرشدي، والفنانة حنان مطاوع، والناشر محمد هاشم، والروائي صنع الله
إبراهيم ويوسف القعيد، والمخرج أحمد ماهر، والتشكيلي أحمد نوار، والمخرج
محمد عبد الخالق، والسيناريست سيد فؤاد، والفنان محمد عبلة.... وبعد دخولهم
مقرّ الوزارة، أعلن هؤلاء عن اعتصامهم حتى إقالة الوزير علاء عبد العزيز،
فيما ظل توافد المثقفين المنضمّين إلى الاعتصام، معلنين رفضهم بقاء «الوزير
المقرب من التيار الإسلامي».
وأكّد هؤلاء أنّهم لن يقبلوا بوجود وزير لا يلبّي طموح المثقفين،
وتطلعاتهم للرقي بـ«الثقافة اللائقة، وأهداف الثورة العظيمة» في مقدمتها
بناء الدولة الوطنية وفق ما جاء في البيان الذي أصدروه أمس
الأربعاء.
وطالب المثقفون المعتصمون في بيانهم، تكليف حقيبة الثقافة لمن «يتعهد
ويؤمن بالحفاظ على قيم التنوع والمواطنة، والثراء الذي هو سمة الثقافة
المصرية، على مرّ العصور».
من جهة أخرى، تظاهر عدد من المشاركين في «مهرجان الإسماعيلية للأفلام
التسجيلية» قبل افتتاح المهرجان في قصر ثقافة المدينة، ورفع المحتجون
لافتات منددة بتعيين عبد العزيز وزيراً للثقافة، وأعلنوا عن رفضهم لكلّ
قرارات الإقالة التي اعتمدها الوزير منذ توليه المنصب. وردد المشاركون
هتافات، منها «اكتب على جدران الأوبرا: 30/6 الثورة الكبرى» في إشارة إلى
دعوة التظاهرات في 30 حزيران (يونيو) التي دعت إليها القوى السياسية
والحركات الثورية لإسقاط الرئيس محمد مرسي بعد مرور عام على توليه مهام
رئاسة الجمهورية. لم ينته الأمر عند هذا الحد. وصلت الهتافات إلى قاعة
المهرجان، وتعالت الأصوات هاتفةً «يسقط يسقط حكم المرشد» أثناء فعاليات
الافتتاح. في مواجهة موجة الغضب هذه، لا تزال الحكومة تلجأ إلى حيلة
استخدام الموظفين لإظهار وجود مؤيدين للوزير وقراراته. هكذا، قام عدد محدود
من الموظفين والعمال في بعض القطاعات في الوزارة بالتظاهر أمام مقر
الوزارة، وإنشاء منصة رمزية تعبيراً عن بدء اعتصامهم في مقابل اعتصام
المثقفين داخل المقرّ.
الأخبار اللبنانية في
06/06/2013
أسرة عبدالله محمود تحيى ذكرى وفاته..
ونجله" أحمد" يبدأ مشواره بثلاثة أعمال فنية
سيد محمود سلام
تحيى أسرة الفنان الراحل عبدالله محمود، ذكرى رحيله يوم الأحد 9
يونيو، حيث توفى فى هذا التاريخ من عام 2005 بعد رحلة مليئة بالإنجازات
الفنية على كل مستويات رغم قصر عمره.
وقال نجله أحمد الذى بدأ مشواره الفنى منذ فترة إنه سيظل يحي ذكرى
رحيل والده الفنان عبدالله محمود، وسيتخذ من حبه وتفانيه فى مشواره الفنى
مثالا على ذلك.
وأضاف أحمد بأنه يشارك حاليا فى ثلاثة أعمال فنية انتهى من تصوير فيلم
"قبل الربيع" مع المخرج أحمد عاطف وبطولة هنا شيحة وأحمد وفيق،ويجسد فيه
شخصية أحد رموز ثورة 25 يناير ثم فيلم "آخر ورقة " الذى كتبته والدته
ويخرجه محمود سليم، وبطولة سوسن بدر وكريم قاسم ودنيا المصرى، ثم مسلسل
"الركين" الذى سيعرض فى شهر رمضان.
عبد الله محمود قدم فى مشواره أكثر من مائة وخمسين عملا فنيا بدأها
طفلا مع صديقي عمره محسن محي الدين وأحمد سلامه من خلال التلفزيون، ثم بدأ
بدايته الموفقة في مسلسل "البوسطجي" عام 1974.
وكانت انطلاقته الفنية القوية بعد مشاركته فى فيلم "إسكندرية... ليه"
مع المخرج العالمي يوسف شاهين عام 1978 والذي رشح في هذا الفيلم عن طريق
صديق عمره محسن محي الدين الذي قدمه ليوسف شاهين، ومن ثم توالت أعماله
السينمائية أبرزها "شمس الزناتي" و"حنفي الأبهة" أمام النجم عادل إمام
وفيلم "الاحتياط واجب – الأمبراطور" أمام النجم الراحل أحمد زكي.
كما قدم أجمل ادواره في فيلم "الطوق والاسورة" مع النجمة شريهان
وفردوس عبد الحميد، وكذلك فيلم "الطريق إلى ايلات" الذي أدى شخصية أحد
الأبطال الذين يفجرون أحد المدمرات في ميناء ايلات ويستشهد فيها.
ومن أبرز الافلام التي قدمها فيلم "المواطن مصري" للمخرج الراحل صلاح
أبو سيف والذي وقف فيه امام النجم العالمي عمر الشريف، وحل ضيف شرف في فيلم
"العاصفة"، وقدم للمسرح والتليفزيون عشرات الاعمال التى وضعته فى مصاف
النجوم الكبار حتى شبهه النقاد بأنه موهبة مختلفة لأدائه الجاد وقدرته على
تجسيد كل الشخصيات منها الفقير والضابط وابن البلد .
وكان آخرعمل سينمائي له فيلم "واحد كابتشينو" الذي انتجه وقام
ببطولته، ولكنه لم يكن محظوظا بمشاهدته دور العرض حتى وافته المنية يوم 9
يونيو 2005 عن عمر يناهز 45.
بوابة الأهرام في
06/06/2013
جاتسبى العظيم يعيد موضة عشرينيات القرن الماضى إلى منصات
عرض الأزياء
لندن(د ب أ): بعيدا عن أعين رجال الشرطة البريطانية التى تملؤها التساؤلات وفى
قبو مظلم فى مكان ما فى منطقة ويست آند فى العاصمة البريطانية لندن، تحتفل
مجموعة من الفتيات المتبرجات إلى حد فج بموضة عشرينات القرن الماضى الصاخبة.
وتجتذب مثل تلك الحفلات التى تسمى بالحفلات الممنوعة زبائن من نوع
معين والفضل فى ذلك يرجع جزئيا إلى أقداح الشاى المليئة بشراب الأفسنتين
المسكر، والملابس الفخمة وأصوات موسيقى الدى جى التى تصدح عبر
الميكروفونات. ولكن هذا المشهد ليس فى عام 1925، وإنما العام الحالى 2013
بكل ما فيه من حداثة.
وتعد الحفلات الممنوعة جزءا من موجة الحنين إلى عشرينات القرن الماضى
التى تجتاح أوروبا حاليا قادمة من المحيط الأطلسى.
ولم يكن من السهولة بمكان أبدا الحصول على تذكرة لحضور إحدى حفلات
لندن الممنوعة. فالزيادة فى الطلب يمكن أن تزيد الوضع سوءا، حيث يقبل
الجمهور على مشاهدة الفيلم الذى يصور النسخة الجديدة من الرواية الأمريكية
الكلاسيكية، جاتسبى العظيم، والذى يتم عرضه حاليا فى دور السينما.
ويؤدى الممثل ليوناردو دى كابريو دور البطولة فى الفيلم (جاى جاتسبى)،
وهو رجل غامض وفاحش الثراء يقيم حفلات تتجاوز كل الحدود فى قصره الفاخر
خارج نيويورك.
وتتمثل خطته السرية فى استعادة عشيقته السابقة ديزى، والتى تلعب دورها
الممثلة البريطانية كارى موليجان، والمتزوجة من رجل آخر.
وفى قاعة دار بلومزبرى فى لندن حيث تقام الحفلات الممنوعة تقول آن
كابرانوس: "إن عددا من يحضر حفلاتنا فى زيادة مطردة باستمرار على مدى
العامين الماضيين".
"أصبح الناس على دراية مرة أخرى بعصر عشرينات القرن الماضى، ومن
الممتع العودة إلى عصر براق وترك الحاضر الأكثر إحباطاً خلف ظهرك لفترة من
الوقت"، ولكن الفيلم لا يرمى فقط إلى دفع الزوار إلى حفلات عشرينات القرن
الماضى فقد أثار الاهتمام المتجدد للموضة التى سادت تلك الحقبة.
وقامت مصممة الأزياء الايطالية ميوشيا برادا بتصميم الملابس التى
يرتديها ضيوف جاتسبى فى حفلاته الجامحة فى الفيلم. ويمكن العثور على آثار
هذا النمط الذى كان سائدا فى عشرينات القرن الماضى فى مجموعة برادا
الجديدة. وقد عرضت الأزياء المستخدمة فى الفيلم فى عدد من أشهر المتاجر فى
نيويورك.
وقامت شركة تيفانى للمجوهرات الثمينة بتصميم عصابة رأس رائعة من الماس
والتى ارتدتها ديزى فى الفيلم.
وأوضحت متحدثة باسم الشركة: "عندما قرر المخرج باز لورمان إخراج
الفيلم قصد شركة تيفانى، لأننا لعبنا دورا كبيرا فى تشكيل النمط الذى كان
سائداً فى عصر الجاز".
ولكنك لا تحتاج إلى أن تكون مليونيرا لترتدى أزياء مثل شخصيات فيلم
جاتسبى العظيم.
وقد صممت أشهر شركات الأزياء الراقية أزياء على نمط الفتاة المتبرجة،
وكانت الفتيات المتبرجات يسخرن من العادات والتقاليد المتبعة فى عشرينات
القرن الماضى بالتدخين وارتداء التنورات القصيرة.
وفى بريطانيا، صمم تيد بيكر وريفر ايلاند مجموعة من مجوهرات الرأس
المبهرة للنساء وبذلات من ثلاث قطع للرجال فى مجموعتهما الجديدة.
ووفقا لمعهد الموضة الألمانى فإن "الإكسسوارات مثل قلادات اللؤلؤ،
والقفازات ومعاطف الفرو على نمط الموضة السائدة فى عشرينات القرن الماضى
تباع بشكل جيد للغاية فى الوقت الراهن".
"توضح مجموعات موسم الشتاء لعام 2015/2014 أيضا أن العديد من
المصممين مثل لانفين أو جوتشى يعودون للوراء الآن بحثا عن الإلهام".
وبالنسبة للنساء يعنى هذا العودة إلى الفساتين الفضفاضة بطول الركبة،
والمجوهرات اللافتة للانتباه، والكعب متوسط العلو والفراء. ويمكن للرجال
إبراز شدة تأنقهم من خلال ارتداء بذلة أنيقة مع صدرية مبطنة بالحرير، مع
منديل أو قبعة جولف.
وكل بضع سنوات يتمكن أحد الأفلام من جذب انتباه رواد دور السينما،
ويدفعهم للتوافد عليها لمشاهدة الفيلم، لكن بصرف النظر عن ملء مقاعد
السينما فإن مثل هذه الأفلام الخاصة يمكن أن تؤثر على نمط الحياة التى
نعيشها.
وفى بداية ستينات القرن الماضى اكتسبت المعاطف الواقية من المطر
وتسريحات الشعر المموجة على شكل خلية النحل شهرة بفضل شخصية "هولى جولايتلى"
التى قامت أسطورة السينما الأمريكية اودرى هيبورن بأداء دورها فى فيلم
"الإفطار فى تيفانى"، أما هذا العام فإنها شخصية جاتسبى العظيم التى ستحدد
النمط الذى سيسيرون عليه.
اليوم السابع المصرية في
06/06/2013 |