خلال السنوات الفائتة، حين كنا نقول ان عدد المهرجانات السينمائية
التى تـقـام في الكثير من المدن العربية طوال عام كامل، أكبر من عدد
الأفـلام التي تنـتـج في البلدان العربية وتصلح حقاً لأن تعرض في
المهرجانات، كان من الواضح اننا نبالغ بعض الشيء... لنضخّم من حجم الصورة
الـسـلـبية، لعل الكلام يفيد. أما في هذا العام المنقضي، فإن في وسعـنا ان
نـقـول الـشـيء ذاته ونـحـن واثقون من ان لا مبالغة في الأمر على الإطلاق.
ففي شـكـل عـام (اذا استثنينا المغرب الذي بات يـشكّل المـفـاجأة الطيــبة
فـي كل عام، ولبنان الذي يتجاوز كمّياً فقط اية ارقام سنوية حققها منذ ثلث
ربع قرن وأكثر)، سنجدنا أمام ضحالة كمية ونوعية تدق ألف نـاقـوس خـطـر.
ولعل خير دليل على هذا خلوّ آخر مهرجانات العام (مهرجان دبيّ) من اي افلام
عربية ذات شأن... ولنلاحظ هنا انه اذا كانت قد أُلغيت اواخر العام
المهرجانات الأكثر عراقة في العالم العربي (القاهرة وقرطاج ودمشق) مفـسحـة
في المجال لحصول بقية المهرجانات على ما توافر من افلام، فكيف كانت الحال
لو ان هذه المهرجانات الكبيرة والعريقة لم تلغ؟
ومع هذا كان عام 2011 عام الثورات العربية التي سميت بثورات «الربيع
العربي».
ولعل هذا الاسم يليق اصلاً بأن يكون اسماً سينمائياً... طالما يقال لنا ان
السينمائيين الشبان والأقل شباباً، كانوا في طليعة الانتفاضات، وفنونهم
كانت الفنون
الأكثر احساساً وتعاطفاً مع الاحتجاجات. لكن العام مرّ من دون ان يكون
للسينما فيه
فعل حقيقي حتى وإن تنقلت بضعة شرائط (استفاد معظمها من مشاهد
صوّرت خلال الاعتصامات
والتظاهرات)، بين المهرجانات المحلية والعالمية محققة من حولها تعاطفاً
سياسياً
بأكثر مما بدت مواكبة للفعل الثوري ودلالاته، على الأقل على صعيد استخدام
لحظة
الحرية – التي نأمل ألا تكون عابرة! – لقول امور مهمة تتعلق
بالذهنيات المطلوب
تغييرها بأكثر مما تتعلق بالمواقف المطلوب التعبير عنها.
ربما نكون في هذا الكلام من اولئك المطالبين السينمائيين بأكثر من
طاقتهم...
وربما نكون من اولئك الذين يحاولون استباق الأمور... لكنه امر لا نعتذر عنه
بالنظر
الى ان التصريحات السينمائية طوال عام «الربيع» لم يفتها ان «تؤكد» ان
السينما، في
مصر وخارجها، كانت اول من استشعر ما سيحدث وتنبّأ به... والذين يقولون هذا
يدعمون
عادة كلامهم بذكر اسماء لأفلام حققت قبل «الأحداث» مشيرين الى
مكامن التوقّع او
النبوءة فيها. والحقيقة انك إن بحثت جيداً في ثنايا الأفلام وبين سطورها،
ستجد
صدقية ما لهذا القول، ولكن هل حقاً يمكن الفعل السينمائي الثوري ان يختبئ
الى هذا
الحد بين الثنايا؟ اية فاعلية ستكون له إذّاك؟
غير اننا اذا كنا قد فضّلنا ان نتوقف عند هذه النقطة، فلا بد لنا من
ان نقول
انها واحدة من نقاط عدة اخرى تتعلق بالحالات السينمائية الراهنة في البلدان
العربية... اما الباقي فيتعلق بتراجع في تجليات هذه الحالة لا علاقة له
بالربيع
العربي في شـكـل مبـاشر علـى الأقـل. وآيـة ذلك ان القارئ ما
إن ينتهي من تـصـفح
جـمـلة الاستنتاجات الـواردة في هاتين الصفحتين المخصصتين لاستعراض احوال
السينمات
العربية طوال الـعـام الـمنـتـهي، حتى يستنتج أنّ النـتـيجة سـلبـيـة في
معظم
الحالات حتى وإن كانت تـونـس، علـى سـبيل المثال قد تمكنت من
ان ترسل الى
المهرجانات فيلماً او فيلمين عن ثورتها، هي التي كان ديكتاتورها المخلوع قد
اعلن
العام السابق عام السينما في بلاده!
وحتى اذا كانت المهرجانات الخليجية (ابو ظبي، الدوحة ودبيّ) قد واصلت
حضورها
منفقة على السينما،- قضية وبهرجاً في الوقت نفسه! – ملايين الدولارات،
ناهيك
بالمساعدات التي تقدمها الى السينمائيين بسخاء ما ادى الى سحب البساط من
تحت اقدام
المهرجانات الأخرى. حتى وإن كانت اصوات السينمائيين بدت الأكثر
صخباً ولعلعة في
الحديث عن السينما ودورها في «العصور العربية الجديدة». وحتى وإن كانت
مجموعة افلام
نسائية، إخراجاً او موضوعات، قد دفعت بعض المستعجلين وأصحاب النيات الطيبة
الى
القول ان السينما باتت في صلب قضية المرأة العربية!
الحقيقة ان الوضع على رغم هذا كله اتى مزرياً في فلسطين كما في سورية،
في العراق
كما في مصر، وفي بلدان الخليج في شكل عام كما في تونس والجزائر. اما
الاستثناءان
المغربي واللبناني، فلا بد من القول ان اولهما يتعلق بقفزة شكلية مهمة جداً
لكنها
تبدو عاجزة عن استقطاب جمهور محلي تاركة هذا الجمهور فريسة لكل
ما هو تقليدي يكاد
يكون خارج السينما، والثاني – اي الاستثناء اللبناني - فإنه يكاد يكون مجرد
امتداد –
كما تقول المقالة المخصصة للبنان في هاتين
الصفحتين – ليس للمسلسلات التلفزيونية
بل – وهذا اسوأ - لبعض اكثر الفيديو كليبات بؤساً وتهافتاً.
وإذ نقول هذا مدعوماً بالمقالات المنشورة هنا، قد يكون من المفيد
القول ان العام
وقبل ان ينتهي، أطل علينا بخبر له دلالة شديدة الأهمية وهو آت، هذه المرة
من
السعودية، اي من البلد الذي لا حضور للسينما فيه صالاتٍ وإنتاجاً: ويفيد
الخبر بأن
مهرجان الجنادرية شديد الرسمية عادة، ينظم في دورته لهذا
العام، وربما للمرة الأولى
في تاريخ السعودية الرسمي ندوة حول السينما ضمن نشاطاته... صحيح ان الندوة
تكاد
تكون سياسية الطابع انطلاقاً من موضوعها المقرّر، لكن أفليس في إمكاننا
اعتبارها
الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل؟
الحياة اللندنية في
30/12/2011
الواقعي والروائي بحسب أساطير
شهرزاد
دمشق – فجر يعقوب
تبدو «ملاحقة» الأفلام الفلسطينية الجديدة من انتاج عام واحد، مهمة
صعبة للغاية،
وقبل اي شيء آخر لأن ليس ثمة مرجعية موثوقة في حد ذاتها، وذلك أن «تشرذم»
أمكنة
صنّاع هذا الأفلام، واتساع البقعة الجغرافية التي تصنع فيها قد يضفي المزيد
من
الصعوبات، الى درجة تجعل من المحال الإلمام بها، ما يعني أن
المرجعية هنا قد تؤسس
لها كل تلك الأسماء المعروفة جيدا في عالم السينما الفلسطينية، أو تلك التي
تطل
علينا من مهرجان هنا أو هناك لتعلن عن مشاركة أو الفوز بجائزة، أو تمويل،
أو حتى
مشاركة مع أفلام لا تملك شيئاً من هوية صناعها. وهذا يعود إلى
حقيقة أن كل صانع
أفلام فلسطيني يمكنه في لحظة القفز عن هويته الشخصية، أو تجاهلها للحظات
تطول أو
تقصر مع مدة حاسمة تكون هي فترة صناعة الفيلم، ثم العودة إلى «الهوية
الراجحة» في
لحظات التأمل والصفاء التي تتبع صخب الحالة الانتاجية نفسها.
وهذا قد يؤكد في جانب
على أهمية هوية السينما نفسها، بوصفها لغة الصورة التي أجاد المخرجون
الفلسطينيون
العمل عليها والتأسيس لها في العقدين الأخيرين، وعلى أهمية انعقاد المرجعية
السينمائية الفلسطينية على شاكلة «سينماتيك» يؤرخ ويجدد للحظات
فاصلة في حياة
الفلسطينيين عموماً، حتى لا تضيع بعض الأفلام من التأريخ لها والكتابة
عنها، لا
لشيء إلا لكونها لم تحظ بفرصة العبور إلى المهرجانات السينمائية المختلفة،
وبالتالي
لم تتم الاشارة إليها.
تكاد الغلبة تكون في عام 2011 للسينما الوثائقية الفلسطينية، فالإنتاج
الروائي
كان مقلاًّ، والسبب بالطبع يعود في معظمه إلى «خيبات» انتاجية أحاطت بهذا
الفيلم أو
ذاك، وحتى مع ما أعلن عنه من مشاريع لم توفق انتاجياً، يظل الأمل معقوداً
للإنتاج
الوثائقي، لسهولة العثور على ممولين، ناهيك عن جنسيات هؤلاء
المخرجين والمخرجات
التي تسهل لهم الحركة وانجاز أعمالهم، في بلدان كانت تشكل لهم «أوطاناً» في
ما
مضى.
المخرجة الفلسطينية–الأميركية دانا ابو رحمة، التي أنجزت فيلمها
الوثائقي «مملكة
النساء» في العام الماضي، تمكنت في هذا العام من حصد مجموعة من الجوائز
المهمة عنه
في عدة مهرجانات جاء بعضها في السويد والبوسنة والهرسك وتايوان واستراليا
وبريطانيا، وهو فيلم يحكي عن عوالم النساء الفلسطينيات
«المتروكات» في مخيم عين
الحلوة الفلسطيني فترة الاجتياح الاسرائيلي للبنان صيف 1982، وقد غادر
الرجال إما
إلى المعتقلات الاسرائيلية أو «حيرة» المنافي الجديدة حينذاك، وهو ما تقول
عنه
المخرجة أبو رحمة إنه محاولة منها لتأريخ شفاهي لعوالم نسوة «أجيد التعامل
معهن،
بوصفي درست الميديا في المدرسة الجديدة للأبحاث الاجتماعية».
وفي المقابل، تمكن
المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي هذا العام من تحقيق فيلم وثائقي («رجل وطن
ومدينة»)
عن حياة المناضل الفلسطيني فيصل الحسيني،
عرض في الذكرى العاشرة لرحيل الحسيني على
الجمهور الفلسطيني في بعض أماكن شتاته، وهو قد أنجز بتمويل من
مؤسسة الحسيني
نفسها.
الأفلام الوثائقية الأخرى التي لقيت حظاً أو قبولاً في بعض المهرجانات
العربية
والعالمية، كان من بينها فيلم «عمو نشأت» للمخرج الفلسطيني من أصل أردني
أصيل
منصور، وفيه يتتبع حكاية شخصية «العم» الذي قتل في لبنان «في ظروف غامضة»،
يكشف من
خلالها المخرج منصور، أن «الأوامر بقتله كانت اسرائيلية،
والأيدي المنفذة عربية».
وهو فيلم ينتمي إلى عوالم السيرة الذاتية دأب مخرجون كثر على العمل عليها
في الآونة
الأخيرة، لما تشكل من حالة عاطفية ودفق وجداني يسمح للمخرج نفسه بالانحناء
عليه
ومعالجته بعين وثائقية متفحصة، تعطي بعداً مهماً للحكاية
الشخصية، يمكن القول عنه
إنه نوع من السينما الجديدة بات يحتل مكانة مرموقة في شغل الوثائقيين
الجدد. أما
الفيلم الذي شكل مفاجأة هذا العام، فهو فيلم «حبيبي راسو خربان» للمخرجة
الفلسطينية
الشابة سوزان يوسف، وهي ولدت في بروكلين في الولايات المتحدة،
وتحمل ماجستير في
الفنون الجميلة من جامعة تكساس، وحاصلة على اجازة في الفنون من جامعة
فرجينيا بدرجة
امتياز. اما فيلمها، فيحكي قصة حب بين طالبين فلسطينيين يعيشان في غزة،
مستلهمين
قصة الحب الكلاسيكية في التاريخ العربي، قيس وليلى. والفيلم
الذي استغرق العمل عليه
من المخرجة يوسف أكثر من ثماني سنوات فاز، كما هو متوقع، بجائزة المهر
العربي
للأفلام الروائية الطويلة في الدورة الأخيرة من مهرجان دبي السينمائي، وهو
المهرجان
نفسه الذي منح المخرجة الفلسطينية مي المصري منحة آفاق عن مشروع فيلمها
الروائي
الطويل الأول «ثلاثة آلاف ليلة»، الذي تترك فيه المصري، التي
عرفت بقوة أفلامها
الوثائقية، الحريةَ للتخييل الروائي عن عروس فلسطينية تضع مولودها الأول في
سجن
اسرائيلي وهي محاطة في الوقت نفسه بسجينات فلسطينيات سياسيات واسرائيليات
من جهة
أخرى، حيث يتضح البعد المعرفي في الحكاية التي لا تبتعد كثيراً
عن آلية السرد الذي
يغلف أساطير شهرزاد ومنطقه، وهو ما تقول عنه المخرجة في حوار شخصي معها:
«للحكاية
الفلسطينية شهرزادها الخاصة بها، وهي أصبحت معتادة على روايتها بطريقتها،
فهي لا
تكتفي بتربية ابنها في ظروف صعبة وجهنمية، بل أصبح لها حكاية
تقوم بروايتها كي تخمد
غرائز السجان والسجينات معاً».
بالطبع لا يمكن تجاهل مشاركة المخرج السينمائي الفلسطيني ايليا
سـلـيمان في فيلم «سبعة
أيام في هافانا» في «جردة» العام الـسيـنمائية، فسليمان يعمل هنا إلى جانب
مخرجين عالميين، مثل الأميركي ينيشيو ديل تورو والفرنسي لوران كانتيه
والاسباني
خوليو ميديم، ممن اختاروا الحديث في أفلام قصيرة من صنعهم عن
العاصمة الكوبية، وكل
من منظوره وزاويته الخاصة، وعن التحولات التي تنتظر هذه العاصمة «الشيوعية
« التي
رأى فيها سليمان أنها لاتختلف كثيراً عن غزة
.
الحياة اللندنية في
30/12/2011
سياسة وأمن... والوثائقي يكسب
لقاهرة - روان محمد
واضح أن السينما المصرية تأثرت إلى حد كبير بثورة يناير طوال العام
المنقضي،
فإذا كان هذا التأثير قد عجز عن الظهور في موضوعاتها في شكل ملحوظ، فإنه
ظهر في
تراجع عدد الأفلام المعروضة، وقلة حجم الإيرادات بسبب الظروف السياسية
والأمنية
التي عاشتها مصر. وكان من المنطقي على هامش هذا الواقع أن يكون
موسما عيدي الفطر
والأضحي هما فرسا الرهان من خلال تحقيق أعلى الإيرادات لأن جمهورهما من
الأطفال
والمراهقين. فيما كان الفنان أحمد حلمي هو الحصان الرابح في الموسم
السينمائي
الماضي بفيلمه «إكس لارج»، بينما تراجع منافسه الأول أحمد مكي
بفيلم «سيما علي
بابا» الذي خيب ظن جمهور مكي. في المقابل لم يتحقق رد الفعل المأمول لفيلم
«كف
القمر» الذي يحمل توقيع خالد يوسف، على رغم كمّ النجوم الذي يضمه الفيلم.
من ناحية
أخرى، حقق فيلم «شارع الهرم» كبرى مفاجأت العام بعد تحقيقه
إيرادات كبيرة رغم أنف
النقاد الذي اتهموا الفيلم بأنه يمثل نموذجاً للانحطاط السينمائي.
في شكل عام كان حال السينما المصرية ضبابياً لكنه كان أمراً طبيعياً.
أما من
الآن فصاعداً فمن المتوقع أن تعود السينما المصرية لما كانت عليه تدريجاً،
فالفترة
المقبلة ستشهد ازدهاراً بخاصة أنه خلال الفترة التي أعقبت الثورة كان هناك
عزوف
كبير عن السينما المصرية، وذلك لأسباب عدة منها غياب الأمن
ومشاركة الكثير من رواد
السينما المصرية في التظاهرات لدرجة أن غالبية دور العرض كانت خالية
وخاوية. وعلى
رغم أن السينما المصرية تشهد انتعاشاً نسبياً في الداخل إلا أنها تعيش أزمة
حقيقية
في التوزيع الخارجي منذ سنوات.
وهذه الأزمة تفاقمت بعد ثورة 25 يناير ما يوجب على القائمين على صناعة
السينما
إيجاد الحلول لمواجهتها بخاصة أن التوزيع يعتبر أحد العوامل المهمة في
إنعاش
السينما المصرية، وتشجيع المنتجين على زيادة الإنتاج بخاصة في المنطقة
العربية أكبر
سوق خارجية للسينما المصرية إلا أن منذ حدوث الأزمة الاقتصادية
العالمية تأثر
التوزيع الخارجي ما ساهم في زيادة أعباء ومشاكل السينما، بخاصة أن القائمين
على
الصناعة وشركات الإنتاج لم يسارعوا إلى إنقاذ الأفلام المصرية وتسويقها
جيداً. كما
أن اتجاه أغلب المنتجين إلى صناعة الأفلام الخفيفة التي لا
تحمل مضموناً وتأتي
ضعيفة المستوى يساهم في صعوبة تسويقها لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله،
ونحن يجب أن
نتعامل مع السينما من خلال هذا المنطق وأن ندعم السينما داخلياً ونبحث عن
حلول
للتسويق الخارجي وعلى رغم هذا فإن السينما المصرية تشهد عودة
بدليل الإيرادات
العالية التي تحققت لفيلم «إكس لارج» الذي عرض مع نهاية عام 2011.
ومن الملاحظ أن السينما المصرية، على رغم تعبيرها من قبل وبقوة عن
قضايا وأحداث
مهمة، وعلى رغم تقديمها حلولاً لقضايا كانت معقدة لمحترفي السياسة، وهذا
ليس بغريب
على السينما المصرية صاحبة الريادة في المنطقة العربية، إلا أنها منذ قيام
ثورة 25
يناير، التي تعد من أهم الأحداث التي شهدتها مصر فى تاريخها الحديث، لم
تنجح
السينما في نقل الحدث أو على الأقل التعبير، ولو رمزياً، عنه.
صحيح كانت هناك
محاولات أجريت من قبل بعض الأفلام السينمائية لمغازلة الثورة إلا أنها جاءت
مشوهة
ولم ترتقِ إلى مستوى الحدث وكان أغلبها محاولة لكسب ود الجمهور.
ومن الواضح أن عام 2011 كان صعباً على الكثير من نجوم السينما الذين
عادوا ثورة
يناير في بدايتها حتى إن الفنان طلعت زكريا سقط مع فيلمه «الفيل في
المنديل»، ولم
يحقق إيرادات بحيث مان من المتوقع أن يتردد المنتجون في التعامل معه خلال
الفترة
المقبلة؛ لأنه لم يعد يحظى بشعبية كبيرة والوضع نفسه بالنسبة
للفنانة غادة
عبدالرازق التي ظهرت ضعيفة في فيلم «كف القمر» وتخلى عنها المخرج خالد يوسف
وهو ما
يفسره البعض أنه عقاب لها لهجومها على ثورة يناير، كما بزغت في المقابل
نجومية بسمة
وعمرو واكد وآسر ياسين وخالد الصاوي الذي صدم معجبيه بمستوى فيلم
«الفاجومي» لكنهم
لم يهاجموه، معتبرين أن رصيده عندهم يسمح بمساندته في التجارب
المقبلة.
كما خطفت الأفلام الوثائقية والتسجيلية الأضواء من السينما الروائية
الطويلة
ونجوم السينما الحاليين، وجذبت اهتمام الكثر من المهرجانات السينمائية
العربية
والعالمية، بعدما كان لها السبق في رصد ثورة 25 يناير، بعيون مخرجين شباب،
لتكشف
تفاصيل عدة وزوايا مختلفة لتلك الثورة التي غيرت ملامح الحياة
المصرية. لقد نجحت
هذه الأفلام في أن تعرض وجه الثورة الحقيقي وصارت خير سفير لها في الخارج.
وأكبر
دليل على نجاح الأفلام الوثائقية خلال الفترة الحالية هو الفيلم الوثائقى
الطويل
«التحرير2011...
الطـيـب والشـرس والسياسي» لثلاثة مخرجين هم تامر عـزت وأيـتن
أمـيـن وعـمرو سلامة فهو لا يستمد أهميته فقط من جودته الفنية، ولا من
توثيقه
لأحداث الثورة المصرية فحسب، لكن من منطلق أنه يدشن دخولاً
قوياً لعالم الفيلم
الوثائقي الطويل لكي يعرض تجارياً، نظير تذاكر مدفوعة، في الصالات
السينمائية.
من حسن الحظ أن يصل الفيلم الوثائقي إلى مشاهد دور العرض من خلال عمل
ناضج قوي
ومتماسك مثل «تحرير 2011»، الذي انتصر للفن قبل أن ينتصر للميدان. والحقيقة
أن نجاح
هذا الفيلم وتأثيره الكبير في مشاهديه يرجع إلى أنه صنع بدرجة مدهشة من
الاحتراف
التقني على رغم مشكلة الوقت وتباين مستوى المادة الوثائقية
المصورة وأي عمل وثائقي
ناضج لا يمكن أن ينتصر لموضوعه ما لم ينتصر أولاً ويخلص إخلاصاً تاماً
للأدوات
الفنية التي يقدمه بها، والمشاهد الذي ارتبط الفيلم الوثائقي في ذهنه
بالملل، لن
يشعر بلحظة ملل واحدة أثناء المشاهدة.
الحياة اللندنية في
30/12/2011
المهرجانات الدولية لن تُسمن السينما
العراقية
ستوكهولم - قيس قاسم
إذا كانت الأشهر الأخيرة من العام الفائت، 2010، قد شهدت حضوراً
محدوداً للنشاط
السينمائي العراقي، جَنَّبت الحكم عليه بالضعف والتراجع التأمين، فإن نهاية
هذا
العام لم يسعفها الإنتاج السينمائي ذاته بتكرار التجربة نفسها، وبناءً على
معطياته
التي انحصرت في فيلم وثائقي طويل ووحيد هو «في أحضان أمي»
للأخوين الدراجي، سَيُثار
الجدل مجدداً حول واقع هذه السينما ومشكلاتها بخاصة أن الاندفاع الأول الذي
عَقِب
عام السقوط وَلَّد انطباعاً غير دقيق بقدراتها، وبَعثَ تفاؤلاً بمستقبلها
لم تبرره
السنوات الثماني التي لحقتها. ومعدلات إنتاج السنتين الأخيرتين
تشير إلى ذلك بوضوح،
على رغم ما تولده المشاركة الكبيرة للأفلام العراقية في المهرجانات الدولية
والإقليمية من تشويش حول حجم إنتاجها الفعلي ناهيك عن مستوياته. مع حقيقة
أن غالبية
الأفلام العراقية قد أنتجت في العام الفائت، فقد توافرت لها
فرص مشاركة في مهرجانات
مهمة هذا العام (2011) وبعضها حصل على جوائز جيدة فيها: فالعرض العالمي
الأول لفيلم «المُغنّي» لقاسم حوَل كان في دورة مهرجان
دبي السابعة، كما حاز على تنويه لجنة
التحكيم، وجائزة أفضل ممثل في مهرجان الرباط الدولي لسينما
المؤلف وقبل أيام اشترك
في وهران، في حين طاف «كرنتينة» عدي رشيد مهرجانات: سان بالماس، ميونيخ
وروتردام،
وخَرَج فيلم قتيبة الجنابي «الرحيل من بغداد» بجائزة أفضل فيلم في دورة
مهرجان
الخليج السينمائي الرابعة وعرض أيضاً في ريندانس اللندني. أما
«في أحضان أمي» فأدرج
ضمن عروض خانة بانوراما لمهرجان «أدفا» الهولندي للأفلام الوثائقية في
دورته
الجديدة، كما سبق أن عرض في تورنتو، بعد عرضه الدولي الأول في مهرجان أبو
ظبي
السينمائي.
وعلى المستوى ذاته جاء المخرج الكردي هنر سليم إلى مهرجان دبي ومعه
فيلمه «إذا
تموت سأقتلك»، ودونه توافرت للكثير من الأفلام الكردية فرص العرض في
فاعليات كثيرة
بعضها خاص بها مثل: «مهرجان الأفلام الكردية السابع» في لندن. ولنتصور بعد
كل هذا،
المفارقة الحاصلة بين ضآلة حجم الإنتاج ونوعيته وبين كثرة مشاركاته
الخارجية، وما
يترتب عليها من اختلاطات وأوهام حول واقع السينما العراقية،
تُصَعّب من مهمة تشخيص
عِلَتها وتُشجع كثيراً اللعب على أوتارها، كما لمسنا في بروز ظاهرة تنظيم «المهرجانات السينمائية الدولية» داخل
العراق، خلال هذا العام في شكل خاص، الأمر
الذي زاد من التباس صورتها، بخاصة أن بعض منظميها قد هَوَّل
وبالغ في حجمها
الحقيقي، المتواضع، ما أعطى انطباعاً عكسياً أساء للسينما العراقية وإلى
القلة
الاستثنائية المتحمسة والمؤمنة بمستقبلها. فالحقيقة أن ما زال هناك وحتى
اليوم
سينمائيون يشتغلون في ظروف غاية في الصعوبة ويحاولون توفير
مناخ معقول لإنتاج أفلام
وخلق ذائقة سينمائية راقية، ضمن واقع خطير وغير سوي على الإطلاق. وغالبية
هؤلاء هُم
من يشير إلى نواقص السينما العراقية صراحة ويدعون إلى خلق بُنية تحتية
متماسكة لها
تعتمد على المعرفة والأكاديمية وتراهن على حماسة وموهبة عشاق السينما وعلى
دور
للمؤسسات الثقافية أكبر من دورها الحالي، والذي يدفع الكثيرين
للاعتماد على
مجهوداتهم الفردية. وأيضاً هُم من يذكر بالحراك الإيجابي الذي تشهده
كردستان
سينمائياً ويُحَرّضون على الاقتداء به، وهُم من ظَلَ يعمل خلال العام
المنصرم، كما
في سنوات قليلة خلت، في مؤسسات فردية غير ربحية، مثل: «كلية
بغداد للسينما
والتلفزيون المستقلة» و «المركز السينمائي العراقي للفيلم المستقل». وبعضهم
يشتغل
الآن في مشاريع سينمائية وبموازنات فقيرة مثل اشتغال ميسون باجه جي على
فيلمها
«كلشي
ماكو» والمخرج سمير على «الأوديسة العراقية». ومع كل هذا تظل السنة الماضية
واحدة من السنوات العجاف. وخلاصة هذا كله هو أن السينما العراقية لن تُسمن
من جوعها
أفلام أنتجت في عام 2010 وشاركت في مهرجانات 2011، لأنه وفي النهاية
السينما تصنع،
دوماً، في مكان آخر غير المهرجانات وبعيداً جداً من بهرجتها!
الحياة اللندنية في
30/12/2011 |