لا شك أن السينما المصرية تأثرت بشكل بالغ في العام المنقضي 2011 بثورة 25
يناير، وإن كان هذا الأثر لم يظهر بشكل مباشر في موضوعاتها، إلا أنه ظهر في
تراجع عدد الأفلام المعروضة وقلة حجم الإيرادات بسبب الظروف السياسية
والأمنية التي عاشتها مصر، وكان من الواضح أن موسمي عيدي الفطر والأضحى هما
فرسا الرهان، ففيهما تحققت أعلى الإيرادات، وأرجع النقاد ذلك لأن جمهورهما
من الأطفال والمراهقين، وكان الفنان أحمد حلمي هو الحصان الرابح في الموسم
السينمائي الماضي بفيلمه “إكس لارج”، بينما تراجع منافسه الأول أحمد مكي
بفيلم “سيما علي بابا” الذي خيب ظن جمهور مكي، ولم يتحقق رد الفعل المأمول
لفيلم “كف القمر”، رغم أن مخرجه هو خالد يوسف ورغم كم النجوم الذين يضمهم
الفيلم، من ناحية أخرى فجّر فيلم “شارع الهرم” كبرى مفاجآت العام الماضي
بعد تحقيقه إيرادات كبيرة رغم أنف النقاد، الذين رأوا فيه نموذجاً للانحطاط
السينمائي .
إذا كان هذا هو حال السينما المصرية خلال ،2011 فماذا عن رؤية القائمين
عليها وتوقعاتهم لها خلال العام الجديد 2012؟
الأحداث انعكست على الكم والإيرادات والمستقبل غير واضح: السينما
المصرية تتعثر بالسياسة
القاهرة - المعتصم بالله حمدي:
في البداية وصف الناقد طارق الشناوي حال السينما المصرية في عام 2011
ب “الضبابية”، مدللاً على ذلك بأن فيلم مثل “شارع الهرم”، رغم ضعف
الإمكانات الهندسية والصوتية له، حقق إيرادات كبيرة، كما أن هناك تراجعاً
في عدد الأفلام السينمائية التي تم إنتاجها في الفترة الأخيرة، وأثر انشغال
الجمهور بالأوضاع السياسية على اهتمامهم بالسينما، ولا ينبغي أن ننخدع في
كم الإيرادات التي تحققت لأفلام عيدي الفطر والأضحى، لأنها ارتبطت بالمقام
الأول بشريحة واحدة من الجمهور تضم الأطفال والمراهقين.
وتوقع الشناوي أن يستمر هذا الوضع في عام 2012 لأنه سيشهد العديد من
التحولات السياسية التي ستؤثر بشكل أو بآخر في مستقبل السينما المصرية
وأهمها مدى وجود التيارات الإسلامية في الشارع .
وعن عودة السينما المصرية واستعادة عافيتها خلال الفترة المقبلة قال
المنتج والموزع محمد حسن رمزي: شيء طبيعي أن تعود السينما المصرية لما كانت
عليه تدريجياً، والفترة المقبلة ستشهد ازدهاراً لها، فخلال الفترة التي
أعقبت الثورة كان هناك عزوف كبير عن السينما المصرية، وذلك لأسباب عديدة
منها غياب الأمن ومشاركة الكثير من رواد السينما في المظاهرات، لدرجة أن
أغلبية دور العرض كانت خالية وخاوية، ورغم أنها تشهد انتعاشا تدريجياً في
الداخل فإننا نعيش في أزمة في التوزيع الخارجي منذ سنوات، وهذه الأزمة
تفاقمت بعد ثورة 25 يناير ويجب على القائمين على صناعة السينما إيجاد
الحلول لمواجهتها، خاصة أن التوزيع يعتبر أحد العوامل المهمة في إنعاش
السينما المصرية وتشجيع المنتجين على زيادة الإنتاج، خاصة في المنطقة
العربية، أكبر سوق خارجي لها، إلا أنه منذ حدوث الأزمة الاقتصادية العالمية
تأثر التوزيع الخارجي ما أسهم في زيادة أعباء ومشاكل السينما، خاصة أن
القائمين على الصناعة وشركات الإنتاج لم يسارعوا في إنقاذ الأفلام المصرية
وتسويقها جيداً . وتابع: كما أن اتجاه أغلب المنتجين إلى صناعة الأفلام
الخفيفة التي لا تحمل مضموناً وضعيفة المستوى يسهم في صعوبة تسويقها، لكن
ما لا يدرك كله لا يترك كله، ونحن يجب أن نتعامل مع السينما من خلال هذا
المنطق، وأن ندعمها داخلياً، ونبحث عن حلول للتسويق الخارجي، ورغم هذا فإن
السينما المصرية تشهد عودة، بدليل الإيرادات العالية التي تحققت لفيلم “إكس
لارج” الذي عرض مع نهاية عام 2011 .
أوضح المخرج أحمد البدري أن السينما المصرية تعيش في أزمة منذ سنوات،
والأسباب متعددة، منها عدم وجود موسم صيفي وأنفلونزا الخنازير والطيور
واختتمت بعزوف الجماهير عن دور العرض بعد ثورة 25 يناير، والكثير من
الأفلام التي عرضت في هذه الفترة لم تحقق نجاحاً وإيرادات تذكر، وكان موسما
عيدي الفطر والأضحى بمثابة بارقة أمل للسينما المصرية .
وأضاف البدري: أرى أن السينما المصرية ستشهد خلال الفترة المقبلة
انتعاشاً من خلال الشكل والمضمون، وسنرى أفلاما تعبر عن مشاكل الشباب
والشعب المصري بشكل عام، كما أن الكوميديا ستشهد ازدهاراً أيضاً، وهناك
أفلام يتم تصويرها حالياً للعرض في ،2012 منها “المصلحة” لأحمد السقا وأحمد
عز وزينة .
المخرج عمر عبد العزيز أكد أن السينما في 2011 لم تنجح في تجسيد ثورة
25 يناير العظيمة على الشاشة، وهو ما أصاب الجمهور والنقاد بصدمة شديدة،
خاصة أن الجميع كانوا في انتظار تقديم أفلام سينمائية ترتقي إلى مستوى
الثورة .
وقال عبد العزيز: السينما المصرية عبرت من قبل وبقوة عن قضايا وأحداث
مهمة، بل قدمت حلولاً لقضايا كانت معقدة لمحترفي السياسة، وهذا ليس بغريب
على السينما المصرية صاحبة الريادة في المنطقة العربية، إلا أنه منذ قيام
ثورة 25 يناير، التي تعد من أهم الأحداث التي شهدتها مصر في تاريخها
الحديث، لم تنجح السينما في نقل الحدث أو على الأقل التعبير، ولو رمزياً
عنه .
وأضاف: هناك محاولات جرت من قبل بعض الأفلام السينمائية لمغازلة
الثورة، إلا أنها جاءت مشوهة، وكان أغلبها محاولة لكسب ود الجمهور وليس
احترامه . وأشار إلى أن السينما المصرية قادرة خلال السنوات المقبلة على
تقديم ثورة يناير بكل تفاصيلها على الشاشة، لكنها في الوقت نفسه أضاعت
الإحساس بالحدث الذي عايشناه، خاصة أن ملايين من الشعب المصري شاركوا في
الثورة، وكانوا بلا شك يرغبون في رؤية نضالهم .
المؤلف ناصر عبد الرحمن أشار إلى إن عام 2011 يعد تاريخياً بالنسبة
لعمله السينمائي، فقد قدم فيلم “كف القمر” الذي يتعلق بطبيعة أهل الصعيد
الذين يخرجون من بلادهم لبناء وتعمير المدن، بينما هم في الحقيقة يتركون
بلدانهم للخراب، كما أن كثرة التفاصيل في الفيلم تعد ظاهرة سينمائية جديدة
ستنتشر في الفترة المقبلة وتعد كرمًا في السرد، والناس في مصر تعودوا على
الاختصار، وأرى أن هذا الفيلم وصل للناس بسهولة رغم أنه مختلف عن السائد .
وأكد ناصر أن خالد يوسف أبدى له سعادته بالطريقة الملحمية والشاعرية
التي كتب بها السيناريو، موضحاً أنه طلب منه زيادة شاعرية الجمل الحوارية
لتبدو الحكاية كلها ملحمة إنسانية، خاصة أن الشخصيات كلها ذات طابع ملحمي،
وتمت كتابتها بشكل يربط أطراف الحكاية بعضها بعضاً .
وأضاف: الناس في الصعيد يستخدمون السجع والجمل الملحمية بشكل تلقائي
في أحاديثهم العادية، فرغم بساطتهم وربما أميتهم فإنهم يقولون جملاً بسيطة
وعميقة في الوقت ذاته، وهذه هي طريقتهم في التعبير لأن لهم باع تاريخي طويل
في الملاحم والشعر، ولو نظرنا للشعراء المصريين فسنجد معظمهم من الصعيد،
ولهذا السبب اعتمدنا على الحوارات الشاعرية الملحمية كأسلوب للحوار بين
أبطال العمل .
وكشف ناصر عبد الرحمن عن تأثره بأستاذه يوسف شاهين في فيلم “كف القمر”
وفي الأفلام التي ينوي تقديمها في المرحلة المقبلة، موضحاً أنه أحياناً
تتضمن أعماله رؤى استشرافية، وأفلامه موجودة وهي خير شاهد على صحة ما
يقوله، ففي “دكان شحاتة” كنا نحكي قصة شحاتة الذي ولد في عام ،1981 ومات
عام سقوط هذا النظام، وهو عمل استشرافي توقع المستقبل وحدث ما توقعناه،
والأمر هنا في “كف القمر” يتشابه بدرجة ما، وهي دراما إنسانية تخضع للتأويل
السياسي والتاريخي لذا لم نصمم لها علامات ظاهرة كي يفهمها كل متلقٍ حسبما
يشاء .
وتوقع ناصر عبد الرحمن أن تشهد الأعوام المقبلة طفرة حقيقية في مستوى
الأفلام السينمائية، لأن الجمهور لن يقبل أن تنهض مصر وتتراجع السينما،
ولذلك فإنه لا مكان للأفلام الهابطة، وعام 2012 هو البداية الحقيقية لتصحيح
مسار السينما المصرية .
بينما أكد المخرج خالد يوسف أنه كان يتمنى عرض “كف القمر” في عام 2010
أي قبل ثورة يناير، موضحاً أن تأجيل عرض الفيلم لمدة عشرة أشهر لم يكن في
مصلحته، لأنه لو عرض قبل الثورة كان سيعتبر عملاً استشرافياً تنبأ بالهدم
وإعادة البناء، بينما طاقة الأمل موجودة حالياً، ومن ثم فهو إقرار للواقع .
وأوضح خالد يوسف: التركيبة الدرامية للفيلم كانت تحتمل أكثر من طريقة
للسرد، لأن الأشخاص والتفاصيل كثيرة، لكنني اخترت بالاتفاق مع المؤلف أن
نحدد مسار الدراما، فجعلناها تسير في طريق لا يمل منه المشاهد، وهو أن
هؤلاء الأشقاء تفرقوا، ويجب أن يجتمعوا ليروا أمهم قبل موتها، فهل سيجتمعون
أم لا؟ ورأينا أن هذا التناول يمنع الملل، لأن علم الدراما به مصطلح اسمه
السينما المنتظرة، فكل مشاهد ينتظر حدوث شيء ما، فهل سيحدث أم لا؟
وأكد خالد يوسف أنه يسعى في أفلامه إلى تقديم رسالة، وفي الوقت نفسه
يكون العمل جماهيرياً ليصل لأكبر شريحة ممكنة من الجمهور المصري والعربي،
كما أن الفترة المقبلة من تاريخ السينما المصرية تحتم على جميع العاملين في
الحقل السينمائي تقديم موضوعات مختلفة تناسب المرحلة الجديدة التي تعيشها
البلاد .
وعن مدى اعتماده على الوجوه الجديدة في الفترة المقبلة قال: أعتقد أن
أي مخرج عليه إسناد بعض الأدوار للوجوه الجديدة قدر استطاعته، والذي يستطيع
فعل ذلك ولا يفعل أعتبره خائنا لمهنته، لأن أي مهنة يجب أن تجدد دماءها
باستمرار، وإلا ستصاب بالشيخوخة .
وأوضح خالد يوسف أن موسم السينما الماضي تأثر كثيراً بالأوضاع
السياسية، ومن المتوقع أن تشهد الأفلام الجديدة، التي يتم إنتاجها، تجويداً
أكثر في الشكل والمضمون، خاصة أن سقف الحرية ارتفع وزادت مساحة الإبداع،
كما أن هناك العديد من القضايا لم يكن مصرحاً تناولها في عصر النظام السابق
ستظهر للنور .
الفنان حمادة هلال، الذي عرض له في عام 2011 فيلم “أمن دولت”، رفض
الاتهامات الموجهة له ولبعض نجوم الكوميديا بأنهم قدموا أفلاماً تعتمد على
الاستسهال ولم تطرح أفكاراً جادة، وقال:
السينما المصرية لا بد أن تعتمد على التنوع في طبيعة الموضوعات التي
تطرحها، ولا يمكن أن تكون كلها ذات بعد سياسي أو ثقافي، فهناك موضوعات
خفيفة يجب تناولها بشكل بسيط بعيداً عن التعقيد وبعيداً أيضاً عن السطحية،
كما أن الجمهور من المؤكد أنه سيقاطع الأفلام التي تستهزئ بوعيه وفكره .
وأكد حمادة هلال أن العام المقبل سيشهد ازدهاراً كبيراً في مستوى
الأفلام السينمائية المنتجة، لأن هناك كوادر بشرية مميزة ستسهم بشكل لافت
في ازدهار السينما المصرية، وسيتم تناول الكثير من الأفكار التي لم يتم
التطرق لها من قبل، خاصة أن ثورة يناير حمست الشباب لتقديم أفضل ما لديهم،
من أجل رفع اسم مصر عالياً .
المنتج أحمد السبكي أكد أن ظروف مصر بعد ثورة يناير تحتاج إلى نوعية
فيلم “شارع الهرم” للتخفيف عن الناس من البرامج السياسية ونشرات الأخبار،
وأن الجمهور لم يكن يتحمل أفلاماً جادة أو تتحدث عن الثورة في موسم العيد،
كما أن فيلم “شارع الهرم” قدم قضية مهمة ولم يكن تافهاً، وللأسف هناك من
انتقده بشدة من دون أن يشاهده، وهذا أمر غير مقبول .
وقال السبكي إنه سيواصل تقديم أفلام سينمائية خفيفة تتضمن أفكاراً
جديدة وجريئة من دون ابتذال أو تعرية، لأن السينما المصرية لا يمكن أن تقدم
طوال الوقت أفلاماً للمثقفين والصفوة فقط، وسوف يؤكد عام 2012 أن الجمهور
يريد أفلاماً بسيطة من دون تعقيدات أو فذلكة .
* * *
2011 كان البداية والبقية قد تأتي
"الفنانون والسياسة" حكاية جديدة
القاهرة - المعتصم بالله حمدي:
شهد عام 2011 انخراط مجموعة كبيرة من الفنانين في السياسة بشكل ملحوظ
عقب قيام ثورة 25 يناير، وكان من الطبيعي أن تتبدل مواقع النجومية على
الخريطة الفنية خاصة في ظل الانقسام الذي شهده الوسط الفني، وكان لافتاً أن
عدداً من نجوم الفن أصبحوا ضيوفاً على البرامج التلفزيونية السياسية ليطلوا
على جمهورهم بشكل جديد، حيث تغير حديثهم من أدوارهم الفنية وشائعات حبهم
وأخبار حياتهم الخاصة إلى رؤيتهم الانتخابات البرلمانية، وتقييمهم لمجلس
الوزراء وأمور أخرى جديدة عليهم وعلى جمهورهم الذي اندهش من “اللوك” الجديد
الذي ظهروا به .
في السطور التالية نستعرض رؤية بعض نجوم الفن لاندماجهم في السياسة
ومدى تأثر أعمالهم الفنية في عام 2012 بحياتهم الجديدة .
الفنان آسر ياسين أكد أن انخراطه في السياسة بعد ثورة 25 يناير لم
يؤثر بشكل كبير على نجوميته سواء بالسلب أو الإيجاب، لأنه يركز فقط في
مصلحة بلده، قائلاً: أرفض تقديم أي عمل فني حالياً لأن لديّ رغبة في الفهم
واستيعاب الأحداث والمتغيرات السياسية والاجتماعية، فحتى الآن الرؤية غير
واضحة، ولا نعرف ماذا يريد الناس من السينما وهل يفضلون الترفيه أم
السياسة؟ وحتى تتضح الأمور، فكل شيء مؤجل بالنسبة لي .
ورداً على سؤال حول ما إذا كان على الفنان أن يلعب دوراً سياسياً
مؤثراً في المجتمع قال: الفنان إنسان عادى ينفعل بالأحداث، ولا بد أن يكون
له دور فيها بوصفه مواطناً وليس فناناً، وهذا ما أفعله، لكنني بوجه عام ضد
أن يتكلم الفنان في السياسة بشكل دائم وفي كل الموضوعات حتى التي لا
يفهمها، فأنا أكره الحديث في السياسة لكنني أتحدث فيما أفهمه فقط، وفي
الفترة الأخيرة رأينا عواقب أن يقحم الفنان نفسه فيما لا يفهمه ويدلي
بتصريحات سياسية تضعه في مواقف سيئة، لأنه ليس مدركاً للموقف ولا يتحدث
بفهم عميق، لذلك تورط الكثير من الممثلين في تصريحات دانتهم، خاصة أن الناس
في الظروف الصعبة تتأثر جداً بتصريحات الفنانين والمسألة تحتاج لتنظيم
للدور الذي يلعبه الفنان وتحديد الهدف الأساسي له، فالفنان دوره تثقيفي
سياسي، بمعنى أنه لا بد أن يتفاعل مع القضايا السياسية ويخدمها بطريقته،
مثل التشجيع على التصويت في الانتخابات والعدالة الاجتماعية والحرية
والمساواة ومناهضة المحاكمات العسكرية ويعبر عنها فنياً وبشكل عملي، وبهذا
نحدد الهدف وننفذه من خلال دورنا كممثلين .
وأعرب الفنان خالد أبو النجا عن رفضه التام لما يقال عن أنه دخيل على
عالم السياسة وأنه يبحث عن تحقيق نجومية من تصريحاته السياسية، مؤكداً أن
انشغاله بالسياسة قد يؤثر سلباً في نسبة تواجده في الأعمال الفنية، لكن هذا
الأمر لا يشغله على الإطلاق .
وأضاف أبو النجا: إن حماس الشعب المصري للثورة لم يتراجع، لا سيما أن
نسبة الوعي بينهم ما زالت كبيرة جداً، والتضليل الإعلامي وراء تراجع بعضهم
عن الثورة، وهذا ما تهدف إليه الثورة المضادة، حيث تسعى لإحباط عزيمة الشعب
ولذلك نجد من يهاجم الثوار حتى الفنانين منهم، وهذا مرتبط بتصفية حسابات
معهم لمساندتهم لثورة يناير من البداية .
من جهته، اعتبر الفنان عمرو واكد عمله السياسي بمثابة الواجب الوطني،
وأنه مستمر فيه حتى الوصول إلى خارطة طريق توضع بأيدي مجلس مدني انتقالي
بأي شكلٍ يتفق عليه الأحزاب والتيارات والشارع قبل كل شيء .
وأضاف: أتمنى أن يتكاتف الشعب المصري بدلاً من الوقوع في فخ الضغينة
لبعض وسائل الإعلام المتواطئة، وتحويل الثورة المصرية إلى استقطاب علماني
سياسي واستقطاب ديني سياسي، وهو شيء سيرفضه الشعب .
وتطرق واكد إلى الحديث عن فيلمه “R
For Revolution” الذي يرصد الثورة المصرية، موضحًا أن ظروف الفيلم كانت غريبة، فقد
أُنتِج بارتجال، وكتب في ميدان التحرير في ظل أحداث اندلاع الثورة المصرية
.
وكشف أن مرحلة تصوير الفيلم أجريت في مرحلة مبكرة منذ 10 فبراير/ شباط
2011 قبل تنحي الرئيس السابق، وأن أغلب طاقم العمل المشاركين في بطولة
الفيلم ممثلون موهوبون جداً لم يظهروا سوى في أعمال فنية قليلة للغاية .
وأكد أنهم بصدد الانتهاء من الفيلم في مرحلة المونتاج والصوت والموسيقا،
كاشفاً إمكانية طرحه العام المقبل، إلا أنه أبدى رغبته في طرحه في مهرجان
واسع النطاق أولاً، مثل مهرجان “كان” أو “برلين” السينمائي، لتأسيس قاعدة
للفيلم خارج العالم العربي بهدف تسويقه، ثم إطلاقه بالتوازي في الشرق
الأوسط وبقية دول العالم .
وأوضح عمرو واكد أن الأوضاع التي تشهدها مصر الآن تدعوه للتفاؤل نتيجة
الغباء المفرط الذي تتمتع به قوى الثورة المضادة، وهناك نوع من الاستهتار
القوي بالناس، وكأن الثورة كانت مباراة كرة قدم .
وعن اشتراكه في أحد أشهر الأعمال الدرامية الفرنسية بعنوان “انجرو
ناج” أو “دهاليز”، الذي عرض عليه بسبب طبيعته الثورية، قال: قابلت المخرج
واتفقنا على الدور، وأرسل لي السيناريو، وهو دور لمناضل شيوعي يوناني، وهو
جديد عليّ واستعددت له جيداً بقراءة بعض الكتب عن اليونان ومشكلاتها واتفقت
مع المخرج على أبعاد الشخصية ومستمر في التصوير معهم حتى شهر مايو/ أيار
2012 .
ورأى واكد أن انخراطه في السياسة يحتم عليه تقديم المزيد من الأعمال
الفنية الجادة التي تساند ثورة يناير، وألا يتوقف دوره عند الحديث في وسائل
الإعلام .
لم تقتصر الحياة السياسية بعد ثورة 25 يناير على القوى والأحزاب أو
الائتلافات فقط، ولكن لجأ بعض الفنانين أيضاً إلى تأسيس أحزاب سياسية تحمل
أهدافاً ربما لم يعلنها قبلهم تيارات أخرى، حيث قامت الفنانة تيسير فهمي
بتأسيس حزب جديد تحت اسم “المساواة والتنمية” وخاضت انتخابات مجلس الشعب،
ولم توفق فيها .
وقالت تيسير فهمي: إن المناخ السياسي قبل الثورة لم يكن يسمح بوجود
حياة سياسية حقيقية، فقد كانت الأحزاب بلا دور أو فاعلية، وهو ما تغير
تماماً بعد الثورة، إذ أصبح للأحزاب دور كبير في تشكيل الواقع المصري ليس
على المستوى السياسي فقط وإنما على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والصحي،
لافتة إلى أن السياسة تبدأ بلقمة العيش التي يفكر فيها الناس كل صباح .
وقالت: لم يعد منطقيا أن نذهب إلى ميدان التحرير كلما أردنا أن يصل صوتنا
للمسؤولين أو كلما أردنا مراقبة رئيس أو حكومة أو من ينوب عنهم .
وأضافت:هناك عشرات الأحزاب التي تحمل أفكاراً جيدة لكنني أعجبت بفكرة
أو فكرتين لدى كل حزب ولم أجد الحزب الذي يجمع كل هذه الأفكار معاً، وهذا
هو ما دعاني لتأسيس حزب يكون من الشباب وللشباب .
وقالت تيسير إنها أصبحت تشعر بأن عملها السياسي لا يقل أهمية عن عملها
الفني، فقد اقتربت من الناس من خلال الأفلام السينمائية والمسلسلات
التلفزيونية لكنها أصبحت تعيش الآن بينهم بعد أن عاشت حياتهم وتواصلت مع
أحلامهم وإحباطاتهم .
وأوضحت أن اهتمامها بالعمل السياسي لم يأت صدفة أو في أعقاب ثورة 25
يناير التي أسقطت نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وإنما منذ تخرجها في
المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1977 .
وأشارت تيسير فهمي إلى أن الجمهور يعرف تيسير الفنانة أمام الكاميرا،
لكن خلفها وفي الحياة العادية هناك تيسير أخرى تهتم بالحياة السياسية
وتتابع كل ما يخص مستقبل الوطن، لذلك عندما قامت ثورة 25 يناير شاركت منذ
لحظة اندلاعها مؤمنة بأهدافها، مهاجمة بعنف رموز الفساد وواصلت الكفاح مع
شباب مصر .
الفنانة بسمة أكدت أنها كانت تعاني من الإحباط واليأس قبل ثورة 25
يناير، ولم تكن تتوقع أن يقوم الشباب بهذه الثورة العظيمة التي غيرت وجه
مصر إلى الأبد .
وأضافت: كل من له وجهة نظر في الحياة مهما كانت صغيرة كان يشعر بالضغط
والظلم والفساد من حوله، ويتمنى تغيير هذا الواقع سياسياً واقتصادياً
واجتماعياً، وأنا كأي مصرية كنت أرى بوضوح ما يحدث على أرض مصر، وأشعر بضغط
شديد من سوء الأوضاع وتدهورها بشكل مؤسف كل يوم أكثر من اليوم السابق .
والحقيقة التي يجب توضيحها أن الثورة لم تقم من أجل لقمة العيش فقط وليست
ثورة جياع قهرهم الفساد والفقر بل هي ثورة مجتمع كامل بكل أطيافه من أجل
التغيير في كل شيء حتى يتغير كل شيء نعاني منه بكل طوائفنا كمثقفين وبسطاء
وأميين وأغنياء وفقراء . . وفعلاً كدنا جميعاً نختنق لولا الثورة التي
أعادت لنا الأكسجين بعد أن وصلت نسبة تلوث الحياة من الفساد للدرجة التي
تبيد أي شيء .
وحول رؤيتها لمستقبلها الفني خلال الفترة المقبلة، خاصة أن هناك
أعمالاً ستجمعها بفنانين لم ينشغلوا كثيراً بالثورة أو رفضوها من الأساس،
قالت بسمة: أومن بمبدأ الحرية، لذلك لا أرحب بأن أقيّم الآخرين وآراءهم
وأصنفهم في قوائم لكنني طبعاً لم أكن راضية عما يحدث، فمحاولات التفريق في
الآراء كانت مهمة النظام الأولى بكل أسف، وهذا اتضح بين الفنانين، لأن هناك
تركيزاً معهم ومتابعة لآرائهم، ولتحقيق مشروع التوريث، ورغم أنني لم أهاجم
أيا من المعارضين والتمست العذر لبعضهم، بسبب التضليل الذي فرضه الإعلام
الحكومي ليلاً ونهاراً فإنني أسفت كثيراً، بسبب الذين حاولوا التطاول على
المتظاهرين والاتهامات غير الصحيحة التي رُمي بها الفنانون الذين للأسف
يعتبرون زملاء لي في نفس المهنة، والأدهى من ذلك كمية النفاق التي طفحت بعد
نجاح الثورة من فنانين حاولوا تغيير آرائهم بعد سقوط النظام، وهذا النفاق
غير مقبول، ففي النهاية المعارضون والمؤيدون أحرار في آرائهم ما داموا قد
عبروا عنها بشكل محترم، ولذلك فإنني سأختار أعمالي الفنية بعناية وسأركز في
الأسماء المشاركة فيها .
وشددت بسمة على أنه من الضروري أن يعلم كل مواطن حقوقه وواجباته، وأن
يشارك مشاركة فعالة من أجل نهضة مصر، ولذلك فإن نشاطها السياسي لن يتوقف
خلال الفترة المقبلة وستحاول الموازنة بين عملها الفني ومشاركتها الفعالة
في الأنشطة السياسية، لأنها أصبحت تشعر أكثر بدورها في الحياة .
وأكدت بسمة أن تألقها الفني سيزداد في السنوات المقبلة لأن ثورة يناير
ستغير الكثير، ومع استقرار الأمور سيحدث انتعاش، سواء في المواضيع المقدّمة
أو المستوى الفني، وستزيد مساحة الحرية وتقل ضغوط الرقابة .
الفنان خالد الصاوي أكد أنه من الأمور الإيجابية أن ينخرط الفنان في
السياسة ولكن عليه أن يركز أيضاً في عمله ويقدم فناً إيجابياً يخدم ثورة
يناير وهذا الأمر يعني أن الحديث في الأمور السياسية يمكن أن يكون من خلال
عمل فني وليس شرطاً أن يكون من خلال وسائل الإعلام .
وأوضح الصاوي أن جماهيريته تزداد من خلال قيمة الأعمال التي يقدمها
ولا ينتظر من خلال انخراطه في السياسة لسنوات طويلة أي مقابل فهو يشعر
بسعادة بالغة عندما يرى وطنه بخير وفي تقدم وسيظل يحارب الفساد بشتى الصور
.
وأكد الصاوي أن موقفه من أعداء الثورة لن يتغير في عام 2012
وسيتجاهلهم لأنهم لا يستحقون غير ذلك فقد باعوا مصلحة مصر من أجل مصالحهم
الشخصية.
الخليج الإماراتية في
28/12/2011 |