قاسم حول يسترجع يوميات حاشية الرئيس السابق في فيلمه «المغني». وقتيبة
الجنابي يتعقّب هرب مصوّره الخاص نحو صقيع أوروبا في «الرحيل عن بغداد».
تجربة صعبة يخوضها المخرجان، في محاولة للإحاطة بحقبة قاتمة من تاريخ
بلدهما. لغة السينما تختلط هنا بلغة الأرشيف والمذكرات... وأحياناً بنبرة
المسرحيات الهزليّة
تبدو المخيلة العراقية عاجزة عن اجتياز الواقع، سواء من خلال أخذه نحو
مجازات أوسع، أو من خلال تقديم سيرة موازية له. نَبْشُ ما عاشه العراقيون،
مهمة تنطحت لها أفلام وثائقية كثيرة في الآونة الأخيرة. وتتمحور أغلب هذه
الأعمال حول العيش العراقي في ظلّ الديكتاتورية، ثم العيش في ظل الاحتلال.
لشدة فداحته، صار الواقع عاملاً حاسماً في ما يقدم من أعمال سينمائية، إلى
درجة تجعل النوع الروائي يمتزج بالوثائقي...
لكنّ العكس ليس صحيحاً أبداً. هذا الاستنتاج توصلنا إليه بعد مشاهدة فيلمين
عراقيين هما «المغني» لقاسم حول، و«الرحيل عن بغداد» لقتيبة الجنابي.
يدور الشريطان حول صدام حسين: الأول مباشرة من خلال تجسيد شخصيته، والثاني
عبر سرد مصير المصور الشخصي للرئيس السابق، وهربه من بغداد إلى صقيع أوروبا
الذي لن يرأف به.
في تجربته الروائية الأولى «الرحيل عن بغداد» التي شاركت أخيراً في «مهرجان
الخليج السينمائي الرابع»، يترك قتيبة الجنابي المساحة تماماً لامتزاج
الوثائقي بالروائي. يحاول أن يجترج فيلماً روائياً مهما كلفه الأمر. لكنّ
الفيلم مصنوع بميزانية منخفضة... والحلول، بعيداً عن التبرير، محكومة بهذه
الحقيقة الفاقعة. يقوم شريط الجنابي على تحالف في السرد بين الشخصية
الرئيسية، والصور الأرشيفية لصدام حسين، ما دام الفيلم يتناول قصة هرب
المصور الشخصي للرئيس. وبالتالي، فإن الذاكرة التي تحملها الشخصية ذاكرة
فوتوغرافية وفيلمية. وما تستعيده الشخصية الرئيسية، تجري مؤازرته بصور
حقيقية، ومقاطع من أفلام فيديو صُوّرت لمناسبات خاصة للرئيس كأعياد ميلاد
أحفاده. ويمسي الأمر تصاعدياً، إذ سرعان ما ينتقل هذا الأرشيف إلى حفلات من
نوع آخر، ليست سوى حفلات التعذيب ثم القتل بطرق مبتكرة.
يبدأ الفيلم مع المصور صادق (صادق العطّار) وينتهي به. في البداية، نجد
صادق يجري مكالمة هاتفية مع زوجته في لندن. من خلال هذه المكالمة، نفهم
أنّه ما عاد قادراً على مواصلة حياته في بغداد. وعليه، فإنه سيهرب منها.
يتحرك السيناريو وفق ثلاث مفردات: القطارات، والرسائل، وصولاً إلى المدن.
كأنّه فيلم طريق لكن بين المدن والعواصم. أمّا الرسائل التي سيكتبها إلى
ابنه الغائب، فليست إلا أداةً استعادية لممارسات الرئيس وأعوانه، إذ يكون
«الانسيرت» هنا وثائقياً. والمبرر الدرامي لهذا الإجراء ليس سوى جعل
المتلقّي يتفاعل مع ذاكرة صادق نفسه. تلك الذاكرة المليئة بالمشاهدات
والفظائع ستحضر أمامنا على الشاشة، فيما يكون صادق في هرب متواصل، والخوف
رفيقه الذي لا يفارقه
يصير الخوف تمهيداً للنهاية التي أرادها قتيبة الجنابي صادمة، سواء من خلال
المصير الذي يلقاه صادق، أو عبر مصير ابنه. الرسائل التي يكتبها الأب إلى
ابنه ستكون بمثابة مذكرات، لكونها رسائل لن تصل إلى الابن، أو بمعنى آخر:
ما من مرسل إليه. اكتشاف ذلك يعطي مساحة كبيرة للمأساة التي عاشها ويعيشها
الأب، إذ سيكون ـــــ كما سنكتشف في النهاية ـــــ مصوراً لمقتل ابنه على
يد أزلام صدام حسين... لا بل إنّه سيكون سبباً في وصول ابنه إلى ذاك
المصير.
فيلم «الرحيل إلى بغداد» ضمن البنية المتقشفة التي صيغ بها، يبدو منجزاً
على طريقة «أفضل الممكن». وقد يبدو فيلماً وثائقياً، أضيفت إليه عناصر
روائية تتناغم مع سرده. ضمن تلك المعطيات، يحقق المخرج وعاءً درامياً
بسيطاً محاطاً باللون الوثائقي، بهدف الوصول إلى نهايته الصادمة.
أما في «المغنّي»، فيجد المتلقّي نفسه أمام توصيفات مسرحية لا سينمائية.
كأنّ الأمر لا يتعدى كونه مزحة مصورة! الرهان كل الرهان في فيلم قاسم حول،
هو على تصوير ممارسات صدام حسين وحاشيته، مع من هم حاشيته أيضاً! يتكئ
العمل أولاً على فداحة ما كانوا يقومون به، والمسح التجسيدي والمباشر يكون
تفتيشاً ذاتياً مهيناً كان يخضع له كل من يحضر حفلة عيد ميلاد الرئيس،
وصولاً إلى الكاميرات المزروعة في كل مكان. نرى ذاك الضابط يصفّى ويقتل، لا
لشيء إلا لامتعاضه من كون زوجته تتقاسم السرير مع الرئيس، وصولاً إلى
مجموعة كبيرة من «الميلودراميات» المجوفة، حين يهم الرئيس بقتل ذاك وتلك
أثناء الحفلة، كأننا أمام أطفال يلعبون «عسكر وحرامية».
يمكن توصيف الفيلم بمسرحية هزلية عن الديكتاتور قد تضحك أو لا تضحك. بل إنّ
الشريط يستحضر مجموعة من الأغاني يصدح بها المغني العراقي، وهي الحدث
الوحيد في الفيلم الذي يدور خارج أسوار قصر صدام حسين. نتعقب مسعى المغني
للوصول في الوقت المحدد إلى القصر للغناء لسيادة الرئيس، وكيف تتعطل
سيارته، وكيف يحمِّله من يلتقيهم مطالبهم... إلى أن يصل الحفلة متأخراً.
حينها يأمره الرئيس أن يغني وفرقته الموسيقية ووجهم إلى الحائط، حيث يربض
أيضاً تمثال للرئيس.
الأخبار اللبنانية في
26/04/2011
غولاغ على الطريقة الهوليووديّة:
بيتر وير أضاع «طريق العودة»
يزن الأشقر
الفرار من أحد المعتقلات السوفياتية، كما يرويه صاحب «ماستر أند كوماندر».
السينمائي الأسترالي يتعثّر هنا بالكليشيهات، ويرزح فيلمه تحت عبء الرسالة
السياسيّة
ينجح بيتر وير (1944) عادة في البقاء على الحافة، بين الطابع التجاري
الجماهيري للسينما الهوليوودية، وجماليّات سينما المؤلف. هذا التوازن الذي
يحافظ عليه في معظم أفلامه، يجعل ذلك الخيط الفاصل الرفيع ما بين الفئتين
مبهماً لدى الجمهور. يضع السينمائي الأسترالي المشاهد في توازن يبقيه
ثابتاً في لعبته مع الصورة السينمائية، وسط سيناريوهات مثيرة تعنى بالمواقف
العصيبة للإنسان، سواء في صراعه مع الطبيعة أو مع معضلات أخلاقية مفترضة.
تتجلّى مهارة بيتر وير هنا، بمنح المشاهد قصة مشوّقة، بتقنية سينمائية لا
تقامر على حساب الفن. حافظ على تلك المعادلة، منذ بداياته مع الموجة
الأسترالية الجديدة، من خلال أفلام مثل «السيارات التي أكلت باريس» (1974)،
إلى حين نجاحه في اختراق السينما الأميركية والعالمية بأفلام مثل «سنة
العيش بخطر» (1982)، و«شاهد» (1985)، و«جمعية الشعراء الراحلين» (1989)
و«عرض ترومان» (1998).
بعد فيلمه «ماستر آند كوماندر: الجهة البعيدة من العالم» (2003)، الذي تدور
أحداثه خلال احدى حملات نابليون بونابرت، يعود بيتر وير بشريط درامي عنوانه
«طريق العودة». كتب السينمائي الأسترالي السيناريو مع كيث كلارك، وهو مقتبس
عن رواية لمعتقل بولندي سابق في الغولاغ السوفياتي بعنوان «الرحلة
الطويلة». تحكي الرواية عن هروب مجموعة من المعتلقين من سجن سيبيري قاس،
ومحاولتهم الوصول إلى الهند سيراً على الأقدام، إذ يقطع هؤلاء 4000 ميل وسط
الطبيعة القاسية.
القصة تبدأ عام 1939، مع احتلال هتلر بولندا من الغرب، واحتلال ستالين لها
من الشرق. يحقق مع السجين البولندي يانوش (جيم ستارغس) ضابط روسي يحاول
انتزاع اعتراف منه بالخيانة. لاحقاً، يحكم على يانوش بالسجن 20 عاماً في
الغولاغ السيبيري، وهناك يتعرف إلى مساجين آخرين: أسير أميركي هو السيد
سميث (إد هاريس)، مجرم روسي اسمه فالكا (كولين فاريل)، خاباروف (مارك
سترونغ) وآخرين. يقرر أفراد هذه المجموعة الهروب من المعتقل القاسي وفق خطة
من خاباروف... يتجهون جنوباً لعبور بحيرة بايكال وصولاً إلى منغوليا.
يدور الفيلم بمجمله، على امتداد الساعتين تقريباً، حول عملية الهروب هذه.
تلاحق الكاميرا المعتقلين الفارّين من بيئة المعتقل القاسية إلى الطبيعة
الأقسى، وسط المرتفعات والمناخات المختلفة من الجبال والعواصف الثلجية
السيبيرية، إلى قسوة الصحراء بشمسها وجفافها. ما يريده بيتر وير في هذا
الشريط ـــــ وما يلجأ اليه عادة في معظم أفلامه ـــــ هو فحص الأثر الذي
ينتج من المواقف القاسية التي توضع فيها شخصياته. ثنائيات متعددة تتواجه،
وفي طريق العودة، يصير الصراع بين الإنسان والطبيعة، ثيمة الشريط الرئيسية.
وكما كانت جمالية الصورة واضحة في «سيد وقائد»، يعتمد الفيلم هنا أيضاً على
جمال المساحات الواسعة التي تخدم العمل بما هو أحد أبعاده الرئيسية. تطغى
برودة هادئة على معظم الأحداث، وهذا ما يعتمد عليه وير في محاولته لإبعاد
الملل عن المُشاهد، إضافةً إلى الأداء الجيد لطاقم الممثلين رغم بعض التكلف
في اللهجات. هنا يجدر الأخذ في الحسبان أنّ معظم الفيلم هو عبارة عن رحلة
ملحمية شاقة على الأقدام، مع معرفتنا مسبقاً بنتيجتها.
يبقى أن وير لم يوفّق في سعيه إلى إنشاء رابط عاطفي بين شخصياته والمشاهد.
فقد آثر الابتعاد عن سرد خلفيات الشخصيات، وإن فعل فوفقاً لرؤية سطحية.
وهذا الرابط عنصر مهم جداً في عمل يستند كلياً إلى ثقل الشخصيات، ورؤيتها
للعالم. هذا ما يترك مساحة باردة للمشاهد تحول دون انغماسه التام في
العمل... تنتهي الرحلة بنهاية مليئة بالكليشيهات، بعد أمثولة سياسيّة واضحة
الأبعاد والمرامي.
الأخبار اللبنانية في
26/04/2011
الفنّ السابع... صوت الفقراء والمهمّشين
لمى طيارة
أحياناً تقرأ مضامين الأفلام من عناوينها، لكن نادراً ما يكون بوسع المرء
أن يقرأ من خلال العنوان أبعد من مضمون الشريط. تلك هي حالة الشريط
الوثائقي الذي أنجزه المخرج المصري الشاب فوزي صالح بعنوان «جلد حي»، وحاز
جائزة أفضل عمل أول في «مهرجان سينما البحر المتوسط الدولي» في تطوان
أخيراً، يحاوره شريط آخر عرضه مهرجان
DOX BOX أخيراً بعنوان «شعر هندي» للمخرج الايطالي الشهير ماركو ليوباردي. لم
يعرض فيلم «جلد حي» جماهيرياً في مصر إلا مرة واحدة، خلال تظاهرة «أفلام
الحقيقة» التي نظمها «المركز الثقافي الفرنسي». بعد ذلك، قابله المشرفون
على عروض «مركز الإبداع الفني» في «دار الأوبرا» برفض شديد. وكانت الحجة
لمنع الفيلم كشفه عيوب نظام سابق، غضّ النظر طويلاً عن... عمالة الأطفال.
يصور «جلد حي» (48 دقيقة) إحدى أسوأ وأقسى أنواع العمالة التي يمارسها
الأطفال في مصر، العمالة في الدباغة. تغوص الكاميرا في الأحياء المصرية
القديمة، وتحديداً قرب مدابغ الجلود التي كانت تشغل في ما مضى مواقع نائية
عن العاصمة وأصبحت اليوم وسط أحيائها وبين سكانها. يرصد هذا الوثائقي
معاناة الحي السكني الملاصق للمدابغ، جراء التلوّث الذي تخلفه، ومعاناة
الأطفال الذين ساقهم قدرهم إلى العمل هناك، ومخاطر تعرّضهم للمواد
الكيميائية المستخدمة. ورغم أنّ تلك الصناعة تدرّ الكثير من المال على
أصحابها، لا تسدّ رمق هؤلاء الفقراء.
أمّا «شعر هندي» (80 دقيقة) للمخرج الإيطالي ماركو ليوباردي فيرصد جزءاً من
حياة أسرة هندية، في طريقها للتبرع للمعبد بشعرها، درءاً للمرض والفقر
ونوعاً من تسديد «ديون فيشنو»، حسب ما تقتضيه الأسطورة القديمة. ذلك الشَعر
الذي يقدم بملء الإرادة، من دون أي مقابل مالي يذكر، يكتسب قيمة تجارية
كبرى، بعد تصديره إلى ايطاليا، حيث يشتريه السيد «غولد»، صاحب شركة «الطول
الرائع»، إحدى أشهر شركات العالم في تصنيع إضافات الشعر. ورغم أن هذا
الفيلم لا يحمل في داخلة معاناة جسدية، فهو يحمل رسالة «جلد حي» نفسها:
تضحيات الجماعة تسرقها نخبة صغيرة، وتضاعف بها امتيازاتها وثرواتها.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة لدى مشاهدة الفيلمين: هل هما شكوى من
الجهل والفقر، أم تعرية لكل أشكال استغلال البشر؟ يأتي جزء من الإجابة على
لسان فوزي صالح الذي قال: «إننا محرومون من الحياة، ليس بإرادتنا، بل
مرغمين. الناس في ذلك المكان (المدابغ) أشخاص منتجون، وليسوا قتلة، ولا
لصوص، أو قطّاع طرق، كما تصورهم أغلب الأفلام المصرية. ورغم كل بؤسهم
وفقرهم (...) يحاولون العيش بالطريقة المتاحة لهم».
اليوم، بعد الثورة المصرية، وبعد المناداة بـ«تطهير صناعة السينما المصرية
من الفادسين»، هل نرى أفلاماً أخرى تحكي عن المآسي التي ارتكبها النظام
السابق؟ وهل يتراجع «مركز الإبداع الفني» في «دار الأوبرا» عن موقفه
القمعي، ويعرض «جلد حي»؟
الأخبار اللبنانية في
26/04/2011
ياسمين سامديريلي: ألمانيا يا حبيبتي
ابتسام عازم / برلين
لم تصدّق المخرجة ياسمين سامديريلي (1973) حصول فيلمها «ألمانيا ـــــ
أهلاً وسهلاً بكم في ألمانيا»، على الجائزة الفضية في مسابقة «جائزة الفيلم
الألماني». الجائزة تمنحها الأكاديمية الألمانية سنوياً، وقد توجت العمل
بجائزة أفضل سيناريو أيضاً، لياسمين وأختها نسرين (1979). مصدر تمويل هذه
الجائزة هو الأموال العامة، إذ تسعى الحكومة الألمانية إلى النهوض بالسينما
الألمانية لتنافس نظيراتها الأوروبية والعالمية. وتحمل اسم «لولا» تخليداً
لذكرى الممثلة مارلين ديتريش (1901 ـــــ 1992) التي لعبت دور لولا في فيلم
جوزف فون ستيرنبرغ «الملاك الأزرق» (1930)، وتكريماً لأبي السينما
الألمانية الحديثة المخرج راينر وارنر فاسبندر ( 1945 ـــــ 1982) الذي
أعاد تصوير قصّة هينريش مان في فيلم شهير بعنوان «لولا» (1981).
يتناول عمل ياسمين سامديريلي حياة عائلة تركية هاجر جدّها إلى ألمانيا في
الستينيات.. بعد 45 عاماً من الغياب، يقرر الذهاب مع أولاده الأربعة
وعائلاتهم في رحلة إلى قريته الأناضولية. تدور أحداث الفيلم بين رحلتين:
رحلة العائلة الحالية، ورحلة الاستقرار في ألمانيا قبل نصف قرن. وتتولى
السرد حفيدة ولدت في ألمانيا، في محاولة للإجابة عن سؤال هوية طرحه عليها
ابن خالها الصغير: هل أنا تركي أم ألماني؟ انطلاقاً من هذه السؤال، يتناول
الفيلم بأسلوب ساخر وناقد مسألة الهوية والضغوط التي يتعرض لها المرء
لتحديد الانتماء لهذه المجموعة أو تلك.
لا تعطي السينمائية الشابة إجابات واضحة أو جاهزة، بل نرى أن أفراد العائلة
الواحدة يختلفون في تعاملهم مع مسألة الهوية. فالجنسية الألمانية بالنسبة
إلى جيل الجد ورقة لا أكثر، فيما تعني أكثر من ذلك لأولاده. وكل هذه
الأسئلة تجد صداها لدى المهاجرين العرب في دول أوروبيّة أخرى... من هنا
ضرورة عرض هذا الفيلم في مهرجانات وصالات عربيّة مختلفة...
لكن فيلم ياسمين سامديريلي لم ينجُ من فخّ الإفراط في الشرح أحياناً،
والسذاجة أحياناً أخرى. فيما نجح على مستويات أخرى، منها جمالية الصورة
وكسر النظرة النمطية السائدة إلى الأتراك في السينما الألمانية. يتجاوز
الفيلم الهوس بالإسلام، وإشكاليّات متكررة مثل موقع المرأة في المنظومة
التقليديّة للمهاجرين، ليصوّر تحدّيات الانتماء من خلال نسيج الحياة
اليومية وهمومها. وتلخّص سامديريلي مقاربتها بقول للكاتب السويسري الألماني
ماكس فريش: «لقد استقدمنا ماكينات للعمل عندنا، لكنّ الذين جاؤوا كانوا
بشراً».
الأخبار اللبنانية في
26/04/2011
رحيل ماري ـ فرانس بيزييه عشية الفصح
السينما كلّها في امرأة واحدة
نديم جرجورة
كانت عطلة نهاية
الأسبوع حزينة. هناك امرأة توفّيت فجأة. هناك زوج عثر عليها طافية على وجه
المياه
في مسبح المنزل. هناك صفحة طُويَت، كصفحات كثيرة تُطوَى فجأة،
أو بعد تمهيد. ماري ـ
فرانس بيزييه رحلت ليلة السبت ـ الأحد، بالتزامن مع احتفاء كثيرين في
العالم بقيامة
السيّد المسيح. طبعاً، لن يكون هناك رابطٌ بين الحدثين. لكنها مفارقة زمنية
لا
أكثر: احتفاء بقيامة، وحزنٌ على وفاة.
والوفاة، إذ حدثت فجأة، أثارت ارتباكاً
لدى أحبّة ومعارف. لا يزال الوقت باكراً لمعرفة تفاصيل الوفاة هذه. قيل إن
الفنانة
الفرنسية لم تسقط صريعة الاكتئاب النفسي الذي يُمكن أن يؤدّي إلى الانتحار.
فهي،
قبل وقت قليل على رحيلها، أكّدت للمعنيين قبول دعوة تلقّتها
للمُشاركة في الاحتفاء
بزميلها الممثل الفرنسي جان ـ بول بلموندو في الدورة المقبلة لمهرجان
«كانّ» (أيار 2011)،
الذي شاركته التمثيل في فيلمي «جسد عدوي» (1976) لهنري فرنوي و«L’As Des As» (1982)
لجيرار أوري. الوقت باكرٌ لتحليل ما قبل الرحيل. الوقت باكرٌ لتحليل السياق
الذي أفضى إلى هذا الرحيل. لكن، أليست مسارات الانتحار مبطّنة؟
أو مخفية عن الجميع؟
أو غائبة عن الذاهب إليه بإرادته؟ يجب عدم استباق المعرفة. رحيل بيزييه
قدرٌ جاء في
لحظة ما، وعلى الآخرين استعادة ذاكرة سينمائية (أو شخصية) مليئة
بالتحدّيات، وسيرة
ذاتية مليئة بالمنعطفات: «قلقٌ؟ أم رغبة في الانتقال إلى الجهة
الأخرى للمرآة؟»،
كما قيل في رثائها. انتحارٌ، أم موت طبيعي(!)؟ هذا ما دفع
البعض إلى الكتابة
تعليقاً على رحيلها المفاجئ هذا، أنه لا يُمكن للمرء أن يمنع نفسه من
التفكير بأن «هذه المرأة الجميلة والذكية واللامعة
والحسّاسة، هذه المرأة ذات المواهب المتعدّدة
التي عملت دائماً والتزمت ومثّلت وصوّرت وكتبت وأخرجت، واجهت
أيضاً تحدّيات، أكثرها
ألماً متمثّل بانتحار والديها، اللذين وصفتهما بالـ«ساموراي»، في ثلاثة
أعوام فقط».
سواء كان قلقاً أم رغبة في الانتقال إلى جهة أخرى أو ضفّة ثانية أو مجهول
ما،
فإن وفاة ماري ـ فرانس بيزييه يُفترض بها، في لحظة مقبلة، أن تُعيد
المعنيين إلى
أرشيف النتاج السينمائي المرتكز، معها، على نتاج كبار، أمثال
فرانسوا تروفو (الذي
بحث حينها، أي في مطلع الستينيات، عن «مراهقة لا تكون لوليتا، ولا تكون
امرأة شابّة
صغيرة، بل فتاة بسيطة ومرحة، ذات ثقافة جيّدة» (اختارها لأداء دور كوليت في
«أنطوان
وكوليت» في العام 1962، علماً أنها مثّلت معه ثانية في «قبلات مسروقة» في
العام
1968.
كما شاركت بشهادة عن تروفو نفسه في الفيلم الذي أنجزه الثنائي سيرج
توبيانا
وميشال باسكال بعنوان «فرنسوا تروفو: بورتريهات مسروقة» في العام 1993)
ولوي بونويل («شبح الحرية»، 1974) وجاك ريفيت وروجيه
فاديم وآلان روب غرييه وهنري فرنوي،
وخصوصاً الشاب أندره تشينيه، الذي مثّلت بإدارته للمرّة الأولى في «بولينا
ذهبت» (1969)،
قبل أن تعمل معه لاحقاً في ثلاثة أفلام أخرى، هي: «ذكريات من فرنسا» (1975)
و«باروكّو» (1976) و«الأخَوَات برونتي» (1979)، وغيرهم من السينمائيين،
بالإضافة
إلى راوول روويز في «الزمن المستعاد». العودة إلى أرشيف كهذا لا يُمكن أن
يبقى أسير
الأسماء الكبيرة فقط، لأنه جزءٌ من حكاية الإبداع السينمائي في مرحلة
التحوّل
الجذري في لغة القول والاشتغال في بلد الأنوار، في المنعطف
التاريخي المنبثق من «انتفاضة
أيار 68» أيضاً، أو المرافق لها، أو المقيم في ثناياها الفكرية والثقافية
والاجتماعية.
مزيج السياسة والمجتمع والفن والحياة، عنوان ملائم لقراءة مختصرة
لسيرة الفنانة، الراحلة عن سبعة وستين عاماً. ابنة الحاكم
الاستعماري في الهند
الصينية، وشقيقة جيل، أحد أبرز الرياضيين (من رياضيات) في فرنسا المعاصرة،
وشقيقة
أستاذة علوم سياسية، وزوجة أولى لبرنار كوشنير، وصديقة دانيال كوون بنديت
لحظة
الانتفاضة الشبابية في العام 1968، وإحدى أبرز الموقّعين على
البيان الذي وضعته
سيمون دو بوفوار دفاعاً عن حقّ الإجهاض، الصادر في الخامس من نيسان 1971 في
المجلة
الفرنسية الأسبوعية «لو نوفيل أوبسرفاتور»، المعروف حينها بـ«بيان الـ343
مومساً».
جمعت السينما (تمثيلاً وإخراجاً) بالكتابة. ففي العام 1984، صدرت روايتها
«الحفلة
الراقصة للحاكم»، التي استوحتها من طفولتها في خلقدونية الجديدة. لكن، يبدو
أن الكتابة وحدها لم تروِ عطشها إلى القول الجمالي، فإذا بها تقتبس روايتها
هذه إلى
السينما في فيلم أنجزته هي بالعنوان نفسه في العام 1990. وبدءاً من العام
نفسه هذا،
وتحديداً في التسعينيات المنصرمة، بات ظهورها السينمائي
نادراً، من دون أن يعني
ابتعاداً عن الشاشة الكبيرة، إذ أدّت دوراً بديعاً بتمثيلها شخصية امرأة
تعاني
المخاض في «ماريون» (1996) لمانويل بوارييه، قبل أن ترتدي زيّ السيّدة
فردوران في «الزمن المستعاد» (1999) لرويز.
السفير اللبنانية في
26/04/2011 |