سيدني لوميت اشتغل في الستينات على عدّة أفلام أخرى (أي بالإضافة الى
ما ذكرناه
في الأسبوع الماضي) لكن ليس من بينها ما هو بارز لدرجة استعادته هذه الأيام
بتقدير
أكبر مما حصده آنذاك. هذا يتضمّن فيلم «الموعد» مع أنوك إيميه وعمر الشريف
أخرجه
لوميت بلا حماسة لا لموضوعه (يتزوّج عمر الشريف من خطيبة شريكه
ثم يرتاب في أنها
إمرأة ليل غالية الثمن) ولا لأبطاله0
في العام 1971 أخرج «أشرطة أندرسن» مع شون
كونيري مرّة أخرى. هذه المرّة هو لص محترف يدبّر خطّة محكمة
لتنفيذها رغم أنه ترك
السجن منذ حين قريب. يستخدم لوميت شاشة مقسّمة ولقطات لعدة شاشات
تلفزيونية وحرفة
عالية لكن ذلك لا يؤدي الى درجة كبيرة من التشويق
وكان هناك لقاء ثالث وأخير
بينه وبين شون كونيري في فيلم من تلك التي غالى نقّاد ذلك الزمن في
تقديرها. الفيلم
هو «الإهانة» مأخوذ عن مسرحية بريطانية (كذلك انتاج الفيلم) تدور حول تحر
أسمه
جونسون (شون كونيري) أمضى عشرين سنة مرهقة في العمل وأعصابه لم تعد تطيق كل
ما يقع
حوله من جرائم وفساد. حين يبدأ التحقيق مع متّهم بالتحرّش بفتيات قاصرات (إيان
بانن) ينهار كلّيا خلال التحقيق ويبدأ بضرب المتّهم مظهراً
تحوّلاً سايكولوجياً
خطيراً. نعم التوليف والتمثيل والطريقة الذكية لإبقاء معظم المشاهد داخل
غرفة
التحقيق يحسب للمخرج، لكن كما كان وضعه في »التل» (أول أفلامه مع كونيري)
حين عالج
السادية بسادية، يعمد الى الأسلوب ذاته وهذا لا يمكن له أن
يرفع فيلماً مهماً بلغت
جدّيته.
مباشرة من بعده واحد من أهم أعماله وهو
«سربيكو».
هنا يجب أن نوضح، كان لوميت على موعد مع قرار رفع درجة الغضب الذي يبثّه
في أفلامه ضد الآخرين. والآخرون قد يكونوا أشخاص على جانبي القانون، هذا
يتوقّف على
من هو "البطل"0
إنه فيلم مأخوذ عن شخصيات حقيقية وبعض الوقائع الفعلية حول تحري
شاب أسمه سربيكو (آل باتشينو) الذي يرفض الفساد من حوله. هيبي المظهر، مسدل
الشعر
ولا ينتمي الى باقي رجال البوليس ويريد أن يواجه الرشوة
المنتشرة بينهم ما يعني أنه
سيشي. جيّد في عمومه وفي تمثيله ويبحث في الخلل الحاصل في شرطة نيويورك
(آنذاك على
الأقل). لوميت في هذا الفيلم يطوّر غضبه ليشمل قضايا إجتماعية وسياسية.
سنراه
لاحقاً يعود الى المنوال البوليسي مرّتين. الأولى في فيلم «بعد
ظهر يوم كلب» (والمقصود
هنا إنه يوم نحس) سنة 1975 و«أمير المدينة» سنة 1981. في هذا الإطار هو
مثير للإعجاب لممارسته دوراً فاعلاً في نقد النظام ولو أن المرء قد يختلف
في تقييم
التفاصيل0
قبل «بعد ظهر يوم كلب» (الذي قام ببطولته آل باتشينو) بعام واحد، أخرج
فيلماً مأخوذاً عن رواية أغاثا كريستي «جريمة في قطار الشرق السريع» بنتائج
معقولة
لكن روايات كريستي ليست هيّنة ومعالجتها مسرحياً شأن قاتل وهو
عمد لإخراج مشاهده
على هذا النحو.
فيلمه مع باتشينو تعامل مع حكاية مجموعة من ثلاثة أفراد تدخل
مصرفاً لسرقته. السرقة ليست بدافع اجرامي محض، ولا لأجل الإثراء بل لأجل
إجراء
عملية جنسية لأحدهم (جون كازال) الصديق الشخصي لصوني
(باتشينو). حينها أثار الفيلم
الكثير من الإعجاب من الليبراليين ومؤيدي لوميت (وهناك أسباب قليلة
لتأييده) لكن لو
فحصنا الفيلم كمعالجة لتبدّت كل مساويء التعامل مع المادة عدائياً. لوميت
يعتبر أن
دوره الهوي على وجه مشاهديه باللكمات ومشاهده هي وسيلته، لكن
الكثير مما يرد هنا
غوغائي واستعراضي ليس أكثر0
هذا يقودنا الى أول فيلم له يكشف فيه عن عدائه لما هو عربي. الفيلم
هو «نتوورك»
وموضوعه محطّة تلفزيونية أميركية معروضة للبيع والمحتمل أن مستثمرون عرب
سيشترونها،
وستكون محطّتهم لبث الدعاية العدائية لأميركا ومقدّمة للإستيلاء على الحرية
الإعلامية وباقي تلك الإفتراضات التي هي في أساسها خزعبلات.
لكن المخرج أمسك
بسيناريو جيّد وعالج مشاهده بإتقان من يعرف رسالته ويعرف كيف يوصلها
ووصلت.
سنراه بعد عشر سنوات (1986) وثمانية أفلام يعاود الحديث عن خطر عربي
مدهم
في فيلم آخر اختار له عنوان «سُلطة» وفيه رتشارد غير يعمل مستشاراً
إعلامياً
لمرشّح رئاسي له علاقة (مشبوهة) مع تمويل عربي يدير لعبته
ويبغي ايصاله الى السُلطة
حتى يستولي على القرار الأميركي ويكون له نفوذاً. حين يدرك رتشارد غير
خفايا الوضع
ينتقل من هذا المرشّح لصف مرشّح يعمل لأميركا وحدها .... فقط حدث أن هذا
المرشّح
يهودياً!!
والموضوع اليهودي كان متكررا في عدد من أفلامه سواء عبر هذا الوضع
الذي يحاول فيه المخرج التأكيد لمشاهديه أن المرشّح اليهودي هو خير خيار
لأميركا،
او عبر عبارات ترد هنا او هناك، مثل تلك التي وردت في فيلم
أخرجه بعد «سلطة» عنوانه
»اليوم
التالي» حيث تسأل جين فوندا التحري اليهودي (قام به رتشاد فورونوي) "لماذا
عليّ أن أثق بك؟" فيجيبها: "لا أدري ... ربما لأني يهودي"0
هذا وصولاً الى
شخصيات مرمية هنا وهناك تختلف عن السائد بأنها أشرف وأفضل وأصدق، الخ ...
طبعاً كل
حر فيما يحبّذ، لكن المخرج الجيّد من يستطيع أن يلغي المحاباة الخاصّة حتى
ولو كان
هو بنفسه من هذا الفريق الذي يؤيده.
آخر ثلاثة أفلام له تفاوتت: فيلم رديء قام
به لكي يعمل هو «غلوريا» (إعادة صنع لفيلم جيّد أخرجه في السبعينات جون
كازافيتيز)
وفيلم خال من الأهمية على أي صعيد هو «احكم علي مذنباً» ثم فيلم جيّد ولو
أنه يبقى
وحشاً بلا أضراس بعنوان »قبل أن يعلم الشيطان أني مت» . أنجزه سنة 2007 ولا
يزال
فيلمه الأخير0
الجزيرة الوثائقية في
22/08/2010
"الجزيرة
الوثائقية" في طنجة
أحمد بوغابة - طنجة
تقول الإحصائيات بأن قناة
"الجزيرة
الوثائقية"
تحظى بمشاهدة واسعة في المغرب، خاصة في شماله، بحيث تحتل
المراتب الأولى بين القنوات العربية الأكثر متابعة من لدن المشاهدين
المغاربة رغم "حداثة
سنها" مقارنة مع قنوات ظهرت قبلها بسنوات.
وقناة "الجزيرة
الوثائقية"
لم
تدخل إلى المغرب عبر الأقمار الاصطناعية ببث برامجها فقط بل أيضا بطاقمها
وإدارتها
من خلال مشاركتها المعنوية والمادية التي تجلت بأول خطوة في الدورة الأخيرة
لمهرجان
تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط، في السنة الجارية، عبر
مديرها
الأستاذ أحمد محفوظ، بالمشاركة الفعلية في لجنة التحكيم
الرسمية الخاصة بالفيلم
الوثائقي، وتخصيص جائزة مهمة باسمها التي فاز بها فيلم "عايدة" للمخرج
الفرنسي تيل
روسكينس وهو فيلم عن القضية الفلسطينية بأسلوب ذكي في تناولها ومعالجتها.
كما تقرر
أيضا أن تنفتح على الجامعة المغربية التي بها شُعبُ السينما في كل من تطوان
ومراكش
ببرمجة خاصة لأفلامها الوثائقية كوثائق مرئية ومسموعة للدراسة والتحليل،
وأفق
الفيلم الوثائقي في الأقطار العربية صحبة بعض المتخصصين في هذا
الجنس
السينمائي.
في خضم هذه التطورات التي عرفتها قناة الجزيرة
الوثائقية بالمغرب وحسن استقبالها، تمكنت من توسيع خريطة
أنشطتها بالوصول إلى فضاء
وشاشة أهم مؤسسة سينمائية ذات بُعد ثقافي على الإطلاق وهي "الخزانة
السينمائية
بطنجة" (شمال المغرب) والموجودة بقاعة سينما الريف، في قلب ساحة المدينة
الشهيرة
التي تربط بين المدينة العتيقة والجديدة. وبذلك تكون قناة "الجزيرة
الوثائقية" قد
كرست مكانتها كقناة علمية وتربوية وغير مُغلقة في استيديوهاتها، وأن
إنتاجاتها
قابلة للعرض في كل مكان ومناقشتها مع عموم الجمهور، خاصة وأن
أفلامها تثير الجدل
الإيجابي من مختلف الزوايا، بمعنى أنها غير جامدة بقدر ما تُشكل أرضية لتلك
النقاشات، ولا تنتهي بانتهاء النقاش وإنما يتجدد عند كل عرض حسب المشاهدين
والمُستقبِلِين له في تعدد الأمكنة والأزمنة والخلفيات
الثقافية، وهو ما يُفسر غنى
بعض إنتاجات القناة في شتى المجالات التاريخية والفكرية والسياسية والعلمية
والاجتماعية وهلم جرا.
برمجت "الخزانة السينمائية بطنجة"، بمناسبة شهر
رمضان، مجموعة من الأفلام الوثائقية ذات صلة بهذه المناسبة الدينية، بتنسيق
مع
إدارة قناة "الجزيرة الوثائقية" كأول خطوة تجريبية للتعاون
بينهما حيث عنونتها
"الخزانة" في مطوياتها ولافتاتها ب "وثائقيات الجزيرة في رمضان".
وعليه فكل
جمعة، خلال شهر رمضان كله، (منذ أول أمس 20 أغسطس وإلى غاية 10 سبتمبر
المقبل) تخصص "الخزانة
السينمائية بطنجة" ليلة لقناة "الجزيرة الوثائقية" بعرض حصة من سلسلة "العلماء
المسلمون" (تتضمن كل من الفارابي وابن سينا وابن عربي وابن خلدون) تليها
حصة من سلسلة "مهن رمضانية" (تُعرف بالمهن المُرتبطة بشهر رمضان وتظهر
خلاله) ثم
حصة من سلسلة "رمضان ومدينة..." (وهي سلسلة نتجول فيها عبر عدد من المدن
العربية
والإسلامية) وهكذا دواليك.. فضلا عن فيلم "الطريق إلى النور" الذي ستختتم
به هذا
البرنامج المُتميز والذي يُنظم لأول مرة في قاعة سينمائية عمومية وتتحرر
"القناة"
ولو نسبيا من شاشتها الصغيرة.
جميع هذه الإنتاجات ناطقة بالعربية ومصحوبة بترجمة
بالإنجليزية. لو كانت مصحوبة بترجمة فرنسية لكان إقبال الجمهور الأجنبي
أكثر عددا
وستنضم فئات أوسع إذ أن "الخزانة السينمائية بطنجة" يلجها
جمهور من جنسيات مختلفة
التي تقطن المدينة أو في زيارة لها. ونشير بهذه المناسبة أن هذا الفضاء
الثقافي
والفني مشهور في أوروبا ويوجد في كثير من الدلائل السياحية كأحد المواقع
التاريخية
والثقافية بمدينة طنجة التي يُنصح بزيارته نظرا لموقعه المتميز.
وعليه، فإن هذه التجربة التي جمعت قناة "الجزيرة
الوثائقية" و"الخزانة السينمائية بطنجة" كمرحلة أولى للتعاون رغم بُعدهما
الجغرافي (يوجد كل منهما في أقصى الخريطة العربية
سواء شرقا أو غربا) تُعبر عن رغبة حقيقة
للعمل المشترك من لَدُنِ الطرفين معا خدمة للصورة في البلاد
العربية وتقديم منتوج
محترم للجمهور العربي، المعني الأول بالإنتاج. مما يشجع بمزيد من التعاون
بين
المؤسستين مستقبلا.
وفي هذا الإطار نفسه فإن "الخزانة" قد تستقبل أيضا، ابتداء
من الدخول المدرسي الجديد، إنتاجات "قناة الجزيرة للأطفال" كتكريس
لاختياراتها
وأنها محور ثقافي وسينمائي أساسي بمدينة طنجة المعروفة أصلا بعشق سكانها
للفن
السابع.
تُنظم "الخزانة" أنشطة متنوعة لصالح الكبار وأيضا للصغار من الأطفال
والمراهقين ضمن أندية سينمائية خاصة بها في عروض أسبوعية ومسابقات في إنجاز
الأفلام
بعد اكتشاف الرصيد الإنساني منها.
ولابد أن نشير أيضا إلى معطى أساسي تتميز به
"الخزانة السينمائية بطنجة" وهو كونها الفضاء الوحيد في المغرب الذي
يعرض الأفلام
الوثائقية طيلة السنة وليس حسب المناسبات، ولا ينازعها فيه فضاء آخر على
الإطلاق،
وبالتالي فمن يسعى لمشاهدة الأفلام الوثائقية من مختلف الجنسيات والمدارس
له موعد
أسبوعي بهذه القاعة وذلك كل أحد. وتبقى بعض الأفلام الوثائقية مُبرمجة أكثر
من شهر
أو شهرين حسب الإقبال عليها. كما يُمكن إعادة مُشاهدتها
مُنفردا بالنسبة للمخرطين
والباحثين والمهتمين. إن"الخزانة السينمائية بطنجةُ" تُعد "خزينة" غنية
بمحتوياتها
السينمائية.
الجزيرة الوثائقية في
22/08/2010
أحمد الحضري:
السينما لم تفقد سحرها والفضائيات لن تؤثر فيها
القاهرة ـ دار الإعلام العربية
عندما تدخل إلى منزل شيخ النقاد المصريين أحمد الحضري تجد أهم ما
يشغله الكتب السينمائية وتلك الصحف القديمة التي امتلأت بأخبار الأفلام
والنقد السينمائي قديما، فهو يرى من واقع متابعاته أن السينما خُلقت من أجل
الترفيه للمشاهد، فكانت عبارة عن أغنية لفريد الأطرش ورقصة لسامية جمال
وأفيه لعبد المنعم إبراهيم®. هذه هي الفائدة الرئيسية للسينما.
أما عن السينما الآن، فيشير إلى أن معظم الأفلام ابتعدت عن شرح
الواقع، برغم الجماهيرية الكبيرة التي تتمتع بها السينما في الوقت الراهن،
على العكس من السينما الأميركية التي تمكنت من خلق سوق لنفسها لم تتمكن
دولة أن تخلق مثلها فكانت صاحبة الريادة حتى في فرض نفسها على الكتلة
الشرقية نفسها. أحمد الحضري ناقد سينمائي مصري، ظلت السينما على مدار سنوات
عمره التي تزيد على الثمانين، همه وطموحه القابع في ثنايا أحلامه، فهو واحد
ممن قامت على أكتافهم السينما المصرية، ولد في عام 6291.
وكان كل ما يشغله هو كيف تتحرك الشخصيات أمام الشاشة، وظلت هذه الفكرة
هي الحلم الذي يراوده حتى نجح في كشف الصورة بنفسه، وحصل على لقب رائد
الثقافة السينمائية.خلال لقاء احتواه منزله ومع أجواء صور الأفلام العربية
والأميركية وصور النجوم التي تحتفظ بها ذاكرته قبل مكتبته قرر أن يأخذ قراء
(الحواس الخمس) في رحلة سريعة إلى كواليس عالم الفن السابع، مستعيدا من
مخزون ذكرياته لقطات أفلام حفرت بصمات راسخة على الصعيدين الإنساني
والوجودي.
هيمنة أميركية
(تتميز السينما الأميركية بإتقانها كل أساسيات
العمل وهو ما جعلها صاحبة الريادة في العالم كله وليس على مستوى العالم
العربي فقط، بمؤسساتها واستوديوهاتها وتنظيم صناعة الأفلام بها).
يؤكد الحضري أن السينما الأميركية تمكنت من خلق سوق لنفسها لم تتمكن
دولة أن تخلق مثلها فكانت صاحبة الريادة حتى في فرض نفسها على الكتلة
الشرقية نفسها، فيستطيع المخرج أن يقدم الفيلم في عام بأكمله، ومع ذلك
يحافظ على أن تكون الشخصيات متماسكة والأحداث مترابطة بشكل يجعل المشاهد
يعيش ويتعايش مع الفيلم بنظرية فنية بحتة.
وهي خلق نوع من الحياة في السينما ليخرج من الفيلم متأثرا بقصته ويظل
التأثير مستمرا لفترة طويلة، وهذا لم يأت من فراغ ولكنه جاء من إتقان للغة
السينما غير متواجد عند العديد من الدول في الثقافة السينمائية لديها.
ويستطرد الحضري قائلا إن وضع السينما الأميركية يشبه تماما وضع
السينما المصرية لأن ليس كل ما تنتجه السينما الأميركية ينال إعجاب الجميع،
ولكن على الأقل من بين مائة وأربعين فيلما يتم إنتاجها في العام تجد ثلاثين
فيلما تحظى بإعجاب الجميع.
مشاهدات حديثة
(السينما المصرية لاتزال تفرز أفلاما محترمة،
وأحدث هذه الأفلام فيلم »عسل أسود«، الذي قادني إلى وضع مقارنة بينه وبين
فيلم »سولت« كآخر ما طرح في الموسم السينمائي في 0102).
يفضل الحضري أن يشاهد أحدث الأفلام السينمائية ويقارن فيما بينها، فقد
شاهد حديثا فيلم »عسل أسود« لأحمد حلمي وإخراج خالد مرعي وسيناريو خالد
دياب، والفيلم تدور أحداثه في إطار كوميدي حول شاب قادم من أميركا ليرى
مصر، ويقول الحضري ان الفيلم به كوميديا تمت دراستها بشكل جيد دون الاعتماد
على أفيه، وعلى الرغم من أن الفيلم كان من الممكن أن يصاغ أفضل من ذلك فإن
مخرجه استطاع أن يخرج أفضل ما لدى الممثلين، وكان عملا كوميديا محترما.
شاهد الحضري أيضا الفيلم الأميركي »سولت« لإنجلينا جولي وليف شريبر،
وتدور أحداثه حول عميلة في وكالة المخابرات المركزية، إيفلين سولت، تتهم
بأنها جاسوسة روسية تخطط لاغتيال رئيس الولايات المتحدة، ووفق الحضري فقد
قدم الفيلم الأكشن بطريقة بارعة، واستند في مشاهده الى التشويق والإثارة
مثل عادة الأفلام الأميركية، فهو فيلم حقا أثبت معادلة قوية جدا بين
الإثارة والأكشن.
أفلام مريضة
(الأفلام التي تتعمد إقحام الأكشن والرعب في
أحداثها هي نوعية مريضة ابتعدت عن فن السينما الذي يهدف لشرح الواقع
والاقتراب من مشاكل الناس الحقيقية دون تزويق أو خيال).
بتلك الجملة عبر الحضري عن نوعية الأفلام الموجودة في السوق، فوصف
الأفلام التي تتعمد الأكشن والرعب بأنها أفلام مريضة لأنها ابتعدت عن شرح
الواقع ويقول: إن هناك توجها من الجيل الجديد للانتقام وتطبيق هذه الأفلام،
ويدخل ذلك ضمن التأثر بفن السينما.
وبالتالي من الأفضل أن يتجه المخرجون للكوميديا المتقنة أو الأفلام
التاريخية المحترمة التي تسعى لذكر واقع اجتماعي موجود ولا تبحث ما وراء
الخيال مثل فيلم »سر طاقية الإخفاء« الذي قدمه نيازي مصطفى عام 9591 من
تأليف شيخ الكتاب عبد الحي أديب، والذي يحكي عن سر طاقية كل من يرتديها
يختفي، وقدم البطولة وقتها توفيق الدقن وزهرة العلا، فهذا الفيلم رغم براءة
تقديمه فإنه وقتها كان قمة الخدع والإجادة في استخدام الجرافيك.
حيث كان الجميع وقتها يتساءل: كيف تم تقديم هذا الفيلم وكيف تم مزج
فكرة كوميديا جميلة بأسلوب إثارة، فهذه الكوميديا عندما تم تقديمها كانت
تقدم شيئا جديدا في ذلك الوقت.
كلاسيكيات السينما
(رائعة صلاح أبو سيف الزوجة الثانية، ودعاء
الكروان رائعة هنري بركات هما من أهم كلاسيكيات السينما، التي عبرت عن
مرحلة ثرية في تاريخ الفن السابع المصري كما ومضمونا).
لن تقدم السينما المصرية عملا آخر يقوم على إتقان الممثلين مثلما تم
تقديمه في فيلم »الزوجة الثانية«، الذي عرض منتصف الستينات، من إخراج صلاح
أبو سيف وبطولة سعاد حسني وشكري سرحان، وكما يقول الحضري:
يحكي الفيلم عن رغبة عمدة إحدى القرى في الريف المصري في إنجاب ابن
يرثه ويحمل اسمه، فيطمع في خادمته فيجبر عامله على تطليقها ويتزوجها جبرا،
من خلال تهديده بتلفيق تهمة له، لكنها تستخدم الحيلة في إبعاده عنها وتستمر
علاقتها بزوجها، وينتهي الفيلم بإصابة العمدة بالشلل عند علمه بحملها
ويموت، فتعيد الزوجة الحقوق لأصحابها.
ويؤكد شيخ النقاد أن هذا الفيلم أشبه بمدرسة تمثيلية لأبطاله، قمة
الإقناع عندما يسمع صلاح منصور العمدة بحمل زوجته التي لم يلمسها، كما نرى
وسط الأحداث اهتماما زائدا من أهل القرية حيث يهنئونه بقدوم الطفل الذي
انتظره في الوقت الذي يصاب فيه بالشلل ولا يتمكن من الدفاع عن شرفه فيموت،
وأعتقد أن أي شخص يضع نفسه مكان هذا البطل لن يتخيل نفسه في أداء تمثيلي
مثلما قدمه العبقري صلاح منصور فهو طفرة فنية.
ويشير الحضري أيضا إلى أن فيلم دعاء الكروان الذي قدمه المخرج الكبير
هنري بركات في نهاية الخمسينات، وجاء في الترتيب السادس في قائمة أفضل عشرة
أفلام في تاريخ السينما المصرية، القصة والسيناريو والحوار ليوسف جوهر
بالاشتراك مع المخرج، معتمدين في ذلك على رواية أدبية بالاسم نفسه للدكتور
الأديب طه حسين وبطولة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة .
وهو أهم فيلم قدمته فاتن حمامة في حياتها، القصة للفتاة الصغيرة التي
تذهب إلى بيت المهندس الذي يجسد دوره أحمد مظهر لتأخذ بثأر أختها هنادي،
وهنا قمة الارتفاع والانخفاض في أداء الدور، قمة الحب والكراهية، قمة
الرغبة والبعد، وهذا الفيلم، كما يقول شيخ النقاد، لم يكن به أي كوميديا،
ولكن عندما تم تقديمه اعتبرناه مدرسة كلاسيكية في فن السينما.
الأعمال التافهة
(السينما خلقت من أجل الترفيه للمشاهد، لكن هذا لا
يمنع من تقديم الأعمال الجادة والتي تعكس واقع الحياة بكل ما فيه من هموم
ومشاكل، وهذه هي الفائدة الرئيسية للسينما والتي يرى فيها المشاهد نفسه).
يؤكد الحضري أن الهدف الذي خلقت من أجله السينما يتمثل في الترفيه
ورسم البسمة على شفاه الجمهور، فيكفيهم، على حسب قوله، متاعب الحياة، ولكن
تلك الكوميديا الترفيهية لم يكن مقصودا بها بعض الأفلام التافهة التي يتم
تقديم بعضها الآن مثل فيلم عمر وسلمى، وتساءل الحضري:
كيف للرقابة أن تترك فيلما لشخص واحد يخرج ويمثل ويغني ويشاهد العمل
فهو فيلم سفيه، وهناك أيضا محمد سعد الذي ترقص مؤخرته، وأنا أتذكر عندما
فعلها فؤاد المهندس مرة واحدة في أحد الأفلام هاجت الدنيا وماجت وقتها،
وسألوه: ما هذا الأسلوب؟
وهو أيضا السؤال الذي أطرحه الآن: ما هذا الأسلوب الذي يتبعه هذا
الممثل؟ لكن يبدو أن هذا هو التأثير السلبي للسينما، فمثلما خلقت السينما
إيجابيات وتأثيرا ايجابيا في البعض أتت بهؤلاء الذين يميّعون الرسالة
السينمائية.
إنقاذ السينما
(لا أحكم على الأفلام السينمائية الموجودة الآن
بالفشل ولكنني أتساءل: لماذا لا يتم تحسينها بالتعاون مع أدبائها خصوصا
بعدما أثبتت التجارب أن استغلال الرواية الأدبية يعود بالنفع على السينما
والأدب معا؟).
سؤال طرحه شيخ النقاد على المهتمين بالسينما وأمورها: لماذا لا تتم
الاستعانة بالأدباء مثلما تمت الاستعانة من قبل بنجيب محفوظ ويحيى حقي؟
مؤكدا في الوقت ذاته أنه ليس كل موضوع أدبي يمكن تقديمه، مدللا على رأيه
بفيلم »بيت من لحم« ليوسف إدريس الذي تم إنتاجه هذا العام من إخراج أحمد
الهواري وإنتاج المعهد العالي للسينما تحت إشراف المخرج علي بدرخان، وبطولة
سوسن بدر، فهذا الفيلم يدعو إلى زنى المحارم ويحكي عن أم تتزوج من رجل أعمى
حتى تعاشره هي وبنتاها، فهو فيلم سيئ لا يضيف للسينما حتى لو كان اسم كاتبه
يوسف إدريس.
هكذا وصف الناقد السينمائي وضع السينما الآن، وأكد أنها لا تمر بأي
أزمة، والدليل هو الإنتاج المتزايد للأفلام العالمية والعربية أيضا، ففي كل
يوم نرى افتتاحا لقاعات عرض إضافية، ووصلت التذكرة لمائة جنيه في مقاعد
سينمات الشخصيات المهمة، وهو ما يفسر نظرية واحدة ألا وهي أن السينما
لاتزال ساحرة ولايزال لديها رواد ذوو إمكانيات مادية أفضل
البيان الإماراتية في
22/08/2010 |