قبل أيام قليلة صفق الليبراليون حول العالم للحكومة الأرجنتينية
لقرارها بالسماح بزواج أبناء الجنس الواحد، النساء من النساء والرجال من
الرجال. ليس هذا فقط، بل سيُتاح لهم تبنّي الأطفال. يا لسوء طالع طفل
يتربّى بين أبوين مشوّهين يرشدانه لطريق مشوّه آخر ينتظره. ويا لسوء طالع
عالم يتقدّم حثيثاً للسقوط في حفرة كبيرة بحجم متاهاته. ألم يعد هناك من
يفكر في عواقب هذه الأمور؟
الأخبار لابد حلّت بتقدير شديد على صانعي فيلم «الأولاد بخير» فهو
يتحدّث عن امرأتين تعيشان معاً ولديهما ولد وفتاة. كيف؟ ليس بالتبني بل
بالتلقيح.
الأم الأولى في «الأولاد بخير» أسمها نك (آن بانينغ)، الأم الثانية هي
جولز (جوليان مور). في الحياة الحقيقية كلاهما ممثلتان مستقيمتان، واحدة
تعيش مع وورن بيتي منذ أن كانا لا زالا في سن يسمح لكل منهما الإعجاب
بالآخر، والثانية متزوّجة بمخرج أسمه بارت فروندليش حقق خمسة أفلام لا
أعتقد أن أحداً شاهدها رغم أن آخرها كان من بطولة كاثرين زيتا-جونز. لذلك
أرجّح أن قلّة العروض في مثل سنيهما لها دور في اختياراتهما هذه الأيام.
محظوظة من تستلم عرضاً تعود به الى الشاشة. هذا بمعزل عن أن كليهما من بين
المواهب الممتازة في الأداء. جوليان مور، على الأخص، لديها قدرة على رفع
الدور لمصافها كما لاحظنا في أفلام مثّلتها مؤخراً من بينها «عمي» و«كليو».
إذاً لدينا امرأتان سحاقيّتان تعيشان معاً ولديهما فتاة وصبي مراهقان.
كل شيء يبدو سعيداً وسعيداً سيبقى. تذكّر أنه في أفلام تريد أن تحمل رسالة
من النوع المؤيد لمثل هذه الحالات، هناك ثلاثة لاءات ضرورية: لا يمكن تخطئة
الشاذ، ولا يمكن الضحك عليه، ولا يمكن أن يدفع من سعادته ثمناً لما هو
عليه. لذلك فالسعادة ترفرف بجناحين ورديين فوق العائلة، ولو أنه لا يبدو
على الفتاة جوني (ميا واجيكوسكا التي شاهدناها في «أليس في أرض العجائب»)
وشقيقها لايزر (جوش هتشرسن) أنهما يعبآن او أن مستقبلهما سيتأثر بحياة
والدتيهما العاطفية. لذلك يبدو غريباً أن يبدآ البحث عن الرجل الذي تطوّع
بلقاحه المنوي للتعرّف عليه. ولم يذكر الفيلم شيئاً عن الدافع الذي يجعل
الولدين يقرران أنهما يريدان البحث عن والدهما فجأة.
هكذا أراد السيناريو. كذلك أرادا أن يصلا إليه بسهولة. إنه رجل بسيط
ولطيف أسمه بول (مارك روفالو) يعمل في مجال المطاعم وهو، مثل المشاهدين،
يتساءل عن ذلك الدافع لكنه يستغني عن الجواب غير المذكور في السيناريو.
سيناريو بارد
سيصحب المراهقان والدهما للقاء كل من الماما نك والماما جولز. وقد
تعتقد إذا شاهدت ما يكفي من أفلام، أن شيئاً مهمّاً سيقع في اللقاء الأول.
ربما توتّر ما، موقف مستمد من موقف فيه شيء من الندم، او من الرفض. لكن كل
شيء يمر وسط حفلة من الابتسامات الموزعة على وجوه الجميع.
ماذا حدث لبعض التشويق النفسي او العاطفي او الدرامي او سواهما؟ لماذا
على الفيلم وقد مر منه نصف ساعة عقيمة أن يحافظ على برودته؟ الجواب هو أن
المخرجة شولودنكو أرادت تفعيل بعض التوتّر لاحقاً حينما تبدأ جولي بالإعجاب
ببول. هذا طبعاً سيتم على حساب نك (الذكر بينهما) ما ينجم عنه زعل بين
المرأتين، لكن ليس الزعل الذي سيفسد للود قضيّة.
اذ ينزلق التمثيل لما تحت مستوى أي من شخصياته الراشدة (الوحيد الذي
يتعامل جيّداً مع دوره هو الممثلة الشابّة ميا واجيكوسكا) لا يبقى للفيلم
الا تلك النظرات المتبادلة كما لو أن أحد الممثلين نسي ما يود قوله فانتظر
أن ينقذه الاخر، الذي نسي ما يود قوله أيضا.
عساكر ومجرمون
نمرود أنتال مخرج مجري الأصل بدأ السينما في هنغاريا وأنجز بضعة أفلام
لافتة آخرها كان «كونترول» الذي تقع أحداثه الغريبة في مترو أنفاق المدينة.
في الولايات المتحدة أنجز منذ انتقاله للعمل في عاصمة السينما ثلاثة أفلام
كان يمكن لأي مخرج آخر إنجازها، وبعضها أنجزه بشكل أفضل هو فيلم الرعب
Armored وفيلم السرقة
Vacancy.
«مفترسون» هو جزء ثالث من سلسلة رعب خيالية بدأها المخرج جون مكتيرنن
مع الممثل أرنولد شوارزنيغر سنة 1987 واحتوى سنة 1990 على فيلم جيّد آخر
قام به ستيفن هوبكنز تحت عنوان
predator 2
هناك أكثر من فصيل: فيلم رعب آخر تم الجمع فيه بين وحوش فيلم «أليانز»
(سلسلة أخرى ذات وحوش فضائية) ووحوش «المفترسون»، كما هناك لعبة فيديو لمن
أراد خرجت بعد نجاح الفيلم الأول وانكفأت قبل وصول الفيلم الثاني.
هنا يختار نمرود بداية مثيرة: رجلا يهوي من السماء الى الأرض وهو يصرخ
ويحاول فتح مظلّته لكي يصل بلا أسنان مكسورة على الأقل، لكنها لا تفتح الا
قبل بلوغه قمم الأشجار العالية. بعد قليل تمطر الدنيا أشخاصاً آخرين: سبعة
بالتحديد مما يرفع عدد هؤلاء الى ثمانية من بينهم مسلم أفريقي (ماهر
شلالاشباز علي) وجندي روسي (أوليغ تاكتاروف الذي شوهد في فيلم بوليسي من
بطولة روبرت دينيرو قبل سنوات قليلة عنوانه «15 دقيقة») ومجنّدة اسرائيلية
(إليس براغا المتخصصة بأدوار أكشن وظهرت مع ول سميث في «أنا أسطورة»)،
ومحارب ساموراي ياباني (لويس شانغشين) وتاجر مخدرات (داني تريّو) وطبيب
بنظارة طبّية (توفر غرايس) وقاتل مهووس (وولتون غوغينز). ثم هناك الذي هبط
أوّلاً العسكري رويس، كما يؤديه أدريان برودي.
هذه المجموعة تكتشف أنها ليست على سطح هذا الكوكب، لقد تم اختطافها
والسفر بها الى كوكب في الفضاء لكي يتم رميها الى غابة (لا نهاية لها- كما
يخبرنا الفيلم) تعيش فوقها وحوش فتّاكة. هؤلاء هم المفترسون والثمانية هم
الضحايا، والمطاردة ستبدأ بعد قليل من التمهيد وستستمر الى النهاية التي
تنبئنا بأنه إذا نجح الفيلم (لا سمح الله) سيكون هناك جزء رابع يكمل
القصّة.
مواجهات عادية
لماذا هؤلاء الثمانية؟ سوف لن نعرف، لكن الفيلم يتركنا نلاحظ وجود
المسلم والإسرائيلية والروسي والأميركي كأشخاص يؤمنون بالقتل وقد مارسوه في
حياتهم الأرضية (يتم ذكر أفريقيا وشيشينيا)، بينما المكسيكي تاجر مخدّرات
والياباني محارب في عصابة ياكوزا وهما مسلّحان، أما الطبيب فأعزل تماماً،
والمجرم الهارب من العدالة يحمل سكيناً صغيراً تشبه ما يُستخدم لتقشير
البرتقال.
المكسيكي يموت أولاً، والأفريقي المسلم ثانياً، ثم تكر السبحة كما هو
متوقّع. خلال مرحلة منتصف الفيلم يلتقي من بقي حيّاً الى ذلك الحين (خمسة)
بلاجىء أرضي (لورنس فيشبورن) أختبأ بأمان من وحوش الفضاء، لكن أمره يُفتضح
والوحوش تدخل عرين المكان وتبدأ المطاردة من جديد.
ما يبدو ملفتاً وداعياً للتفاؤل بعمل جيّد، يتحوّل إلى قصّة مواجهات
من النوع المعتاد: ضربة منّك ضربة مني، وهكذا حتى نهاية الفيلم، حيث سينجو
من الموت اثنان أحدهما لابد أن يكون أدريان برودي، كونه الاسم المعروف
الوحيد في واحد من تلك الأدوار التي يريد التأكيد فيها على أنه طلّق
التمثيل الشكسبيري وهو جدير الآن بأفلام رديئة، على الأقل «مفترس» جون
مكتيرنن (الوحش هبط الأرض) نجح في إبقاء وحشه غامضاً ولغزياً. هذا يسارع
للكشف عن وحوشه، فإذا هي أقل تخويفاً من تمثيل الآدميين.
بطاقة الفيلمين
الفيلم: الأولاد بخير
The Kids Are All Right
• إخراج: ليزا شولودنكو
• أدوار أولى: جوليان مور، آن بانينغ، مارك روفالو
• النوع: كوميديا عاطفية (الولايات المتحدة 2010)
الفيلم: المفترسون
Predators
• إخراج: نمرود أنتال
• أدوار أولى: أدريان برودي، توفر غرايس، أليس براغا
• النوع: فانتازيا (الولايات المتحدة 2010)
أوراق ناقد
الناقد المتخصص عيب
يعتبر كثيرون، ومن بينهم نقاد سينمائيون، أن الناقد المتخصص مثل شخص
يمشي عوض أن يركب سيّارة. وأحد النقاد اللبنانيين المخضرمين قال لي ذات
مرة: «عيبك يا محمد أنك لا تكتب الا في نقد الأفلام».
المذكور، يكتب نقد أفلام، ويكتب أيضاً في البطاطا والحمّص، وأفلاطون،
وابن سينا، والتاريخ الأندلسي، والموسيقى، والمسرح، والرواية، وعلوم الفلك،
وفن الميم، وشخصيات الزمن وعلاماته، والفكر والمفكّرين كلهم بلا استثناء.
يكتب في كل هذه بسواسية معرفة مثيرة - في بادىء الأمر على الأقل- للدهشة،
شكراً للموسوعات التي يستخدمها من دون ذكر أسمائها. لكن المهم ليس كيف
يكتب، بل في أن الحالة التي يمثّلها هي حالة صحفية، وليست تخصصية. نعم
تمنحه صيتاً يرغبه، لكن هذا كل ما تفعله. السؤال هو التالي: لماذا التخصص
محمود في كل شيء ما عدا النقد السينمائي؟
في المحطّات التلفزيونية، الجادّة منها والهزلية، يجيئون بمتخصصين في
كل حقل وفرع لتقديم البرامج المتوخّاة، اقتصادية ورياضية وسياسية ونفطية
وطبية الخ... لكن حين يأتي الأمر الى المادّة السينمائية يسندونها الى أي
مرشّح. عادة ما تكون فتاة جميلة، ممشوقة القوام، تعرف كيف تنطق الأسماء
الأصلية وتضيف عليها كلمات أجنبية، و - ضروري- تجيد الحديث بالعامّية.
آخرون كثيرون يأتون الى، ويمضون عن، مهنة النقد السينمائي او يمارسونها
متقاطعة، فقط كلّما كان هناك فيلم كبير. التخصص عند هؤلاء، بدورهم، ليس
مهمّاً. الا تعرف كيف تشاهد الفيلم؟ اكتب رأيك. انتهى الأمر. بسبب عدم
انتشار التخصص، وانتشار الكتابات التي تشبه صحن السباغيتي، فإن الناقد
المتخصص يبدو كما لو كان شخصاً اشترك في رحلة سياحية، لكنه ضاع في المجاهل،
ولم يُعثر له على أثر، وهو ما لبث أن تعوّد على حياته الجديدة، وهو الآن لا
يزال يعيش وحده هناك.
المسألة ليست في أن الكتابة النقدية يجب أن لا تتعدّى حفنة العاملين
الحاليين فيها، وأن الناقد لا يرحّب بالجدد، بل في أنه إذا ما أراد المرء
أن يكتب في السينما لمَ لا يبدأ مشروعاً بأن يحبّها لذاتها؟ مجرد أن يحبّها
لذاتها سيخلص لها، وسيجد نفسه يعمل على نفسه ومعلوماته وينشأ بينه وبين
حبّه علاقة احترام فعلي تقوده الى التخصص. هناك بالطبع من يسمّونهم في
الصحافة الغربية
Critic at Large وهم نوع من النقاد الذين يكتبون في فروع عدّة:
يشاهدون المسرحيات، يقرأون الكتب، يحضرون المعارض، ويتابعون الأفلام. هؤلاء
ينتقدون النشاطات التي تقع في مدنهم (او في المهرجانات والمناسبات
الخارجية)، لكن الجيّدون منهم لا يتّخذون من ذلك مجالاً لإظهار مهاراته في
كل هذه الشؤون. لقد تخصص في هذه النشاطات المتفرّعة مباشرة من الفنون، وهذا
شيء جميل، وكل ما يعرفه من معلومات حول أي من هذه الحقول يستخدمه ضمن نقده
وليس خارجه. لكن من قال إن الناقد المتخصص بالموسيقى، او المتخصص بالمسرح،
او المتخصص بالسينما لا يعرف شيئاً عن الثقافات الأخرى: هل يمكن له أن يعيش
من دون قراءة ومعرفة وسماع موسيقى، ومشاهدة مسرحيات، وحضور معارض، حتى لو
لم يرد أن يكتب عنها ويكون ناقداً جيّداً؟ طبعاً لا. إذن منذ متى الاعتقاد
بأن المتخصص جاهل، وأن التخصص عيب؟
الذين يتبنّون هذا الرأي لا يحبّون او لا يقدّرون السينما. لا يعتقدون
أن هناك وسيلة أفضل من وسيلتهم الديماغوجية في الحياة وممارسة المهنة التي
يقوم بها. ربما صدّقوا فعلاً أنهم وصلوا، لكن ما عليهم سوى المصالحة مع
النفس، والنظر الى الأمور بأمانة شديدة، وحينها يدركون كم ما زالوا بعيدين.
حكايات وراء الكاميرا
أنجلينا جولي بريئة من كل التهم في «سولت»
سيناريو فيلم سولت
Salt (تُكتب كما كلمة «ملح» بالإنكليزية لكنه اسم
البطلة في الفيلم) كان عمره سنتين عندما فكر توم كروز، الذي كان الاختيار
الأول للفيلم، أنه لا يريد تمثيل فيلم قريب من سلسلته «المهمة مستحيلة»
وقرر العزوف عنه. هنا تذكرت رئيسة الإنتاج آمي باسكال أن الممثلة أنجلينا
جولي كانت عبّرت لها عن رغبتها في تمثيل فيلم يكون أقرب الى «جيمس بوند على
امرأة». هنا أمرت الرئيسة بإعادة كتابة السيناريو (المقتبس من قصّة حقيقية)
على أن يتم تغيير البطولة من ذكر الى أنثى.
«سولت» يدور حول عميلة في وكالة السي آي أيه اسمها
إييلين سولت (جولي طبعاً) تجد نفسها ذات يوم متهمة بأنها عميلة روسية،
والذي اتهمها هو عميل روسي تم زرعه من قبل الوكالة في موسكو، ثم تهريبه
بعدما افتضح أمره. لكن سولت بريئة من التهمة، ولو أنها لن تستطيع الدفاع عن
نفسها بالحجة وحدها، بل عليها أن تحارب الوكالة ذاتها في سبيل إثبات
براءتها.
في أحد المشاهد سنراها تنقذ رجلاً من الموت في
مشهد كبير. هذا المشهد كان في السيناريو الأول ينص على أن «بطل» الفيلم
سينقذ زوجته. لكن مع تغيير البطولة لم يكن كافياً قلب الأدوار، لأن الزوج
بدا ضعيف الشأن لدرجة أن زوجته هي التي تنقذه. لنرى كيف تم حل هذه المعضلة
على الشاشة إذاً!
سلفستر ستالوني يجمع من حوله المستهلَكين
قبل نحو خمس سنوات في حديث مع سلفستر ستالوني،
سألته ماذا حدث لمشروع فيلم مشترك بينه وبين أرنولد شوارتزنيغر. فرد
ضاحكاً: «ما زلت راغباً في ذلك وعلى أمل أن نلتقي في فيلم ما قبل أن نحتاج
لعكازات. لكن الرجل مشغول».
هذه الرغبة تحققت بعد جهود مضنية وضغوط مارسها
ستالوني على منافسه السابق شوارتزنيغر، وانتهت الى موافقة ذاك على الاشتراك
في الظهور في الفيلم الجديد لستالوني وعنوانه
The Expendable او «المستهلكَون». ليس أنه جمع شوارتزنيغر فقط، بل جلب إليه مجموعة
من ممثلي أدوار الأكشن من جيله وجيل من جاؤوا بعده مثل بروس ويليس، جاسون
ستاثام، جت لي، دولف لندغرن (الذي لاكَمَه في الجزء الثالث من «روكي»
الرابع) لجانب آخرين.
الفيلم الجديد انتهى منذ بضعة أشهر، وكان ستالوني،
الذي أخرجه ويقوم ببطولته، أراد عرضه في «كان»، لكن «كان» لم يكن المكان
المناسب على أي حال.
القبس الكويتية في
21/07/2010 |