حين سئل توم كروز في حديث أجري معه في نيويورك قبل أيام عمّا إذا كان يخشى
سقوط فيلمه “فارس ويوم” في السوق حال إطلاقه بسبب عزوف الجمهور هذه الأيام
عن الأفلام التي يؤدي بطولتها نجوم معروفون، قال: “لا ينتابني هذا القلق
لأن الفيلم جيّد ومعمول للذوق الجماهيري العريض . وأنا أعلم أن هناك العديد
من الأفلام الناجحة مؤخراً التي غلبت عليها المؤثرات الخاصّة او نجحت لأنها
أفلام رسوم، لكن هذه أيضاً من بطولة ممثلين وهناك مجال واسع لنا جميعاً” .
بعد نحو أسبوعين من هذا التصريح بوشر بعرض “فارس ويوم” يوم الأربعاء في
الثالث والعشرين من الشهر الفائت، أي قبل يومين من الافتتاح المعتاد
للأفلام الجديدة، فحط ثانياً بعد فيلم “توي ستوري 3” الذي ينتمي لأفلام
الرسوم المتحرّكة ويقود بطولته الصوتية كل من توم هانكس وتيم ألن وجوان
كوزاك وند بيتي .
الفيلم الكرتوني أنجز في أيامه الثلاثة الأولى له 110 ملايين دولار في حين
اكتفى “فارس ويوم” ب 20 مليون دولار . أنجز نصفها قبل يوم من هبوط فيلم
منافس آخر هو الفيلم الكوميدي “Grown
Ups” او “راشدون” الذي أنجز بدوره أربعين مليونا في أيام افتتاحه وحل
ثانياً بينما انزلق “فارس ويوم” الى المركز الثالث . وفي حين أن حصيلة “توي
ستوري 3” الآن تتجاوز 244 مليوناً وحصاد “راشدون” وصل الى أكثر من خمسين
مليون دولار، فإن “فارس ويوم” هبط الى المركز الثالث قبل أيام مكتفيا حتى
الآن بواحد وثلاثين مليون دولار . علماً بأن كلفة الفيلم بلغت 117 مليون
دولار .
المسألة أكبر بكثير من حصيلة فيلم فهي تتعلّق بحصيلة ممثلين . توم كروز
أنجز آخر نجاح كبير له قبل خمس سنوات حين لعب بطولة “مهمة مستحيلة 3” ومن
يومها لم تشهد أعماله التي قام ببطولتها سوى هبوطاً ملحوظاً تمثّل آخرها
بفيلم “فالكيري” قبل أكثر من عام . لكن في حين توقّع البعض، عن صواب، بسقوط
ذلك الفيلم الذي تدور أحداثه في رحى الحرب العالمية الثانية وذلك لغربة
الموضوع عن اهتمام جمهور اليوم، توقّع معظم أبناء الوسط نجاح “فارس ويوم”
لأنه، وكما قال توم كروز، مصنوع لإرضاء ذوق الجمهور .
لفهم سبب ما حدث، تدور في أجواء هوليوود هذه الأيام نظريات متعددة . هناك
من يضع اللوم في هذه السقطة على توم كروز على أساس أنه كثّف من تواجده في
وسائل الإعلام (صحف وتلفزيون) ما أدّى الى ردة فعل عكسية . لكن هذا القول
ليس صحيحاً كون التسويق الإعلامي يقوم به ممثلون كثيرون وبصفة دائمة من دون
أن يكون سبباً في نكسة الفيلم الذي يتولّون تسويقه . وكروز ابن صنعة نبيه
ويعرف كيف يروّج لأفلامه، فعل ذلك كثيراً من قبل من دون أن يأتي رد فعل
الجمهور معاكساً .
ما هو صحيح أن توم كروز فقد بريقه السابق فقداناً شبه كامل وذلك لبضعة
أسباب لم يشأ أن يعالجها على الرغم من علمه بها . في مقدّمة هذه الأسباب
انتمائه الى الكنيسة المعزولة “سيانتالوجي” ونشاطه الدائم فيها . وهذه
الكنيسة الغامضة ليس لها بين الأمريكيين حضور كبير بل هناك من يحارب وجودها
على أساس من تعاليمها التي يراها مخالفة للدين . ليس فقط أن كروز انتمى
ونشط في محرابها، بل جعل نفسه ناطقاً رسمياً لها على عكس جون ترافولتا،
المنتمي أيضاً لها، الذي فصل ما بينها وبين ظهوره الإعلامي فاعتلى نجاحات
أفضل قليلاً .
ارتبطت حركة كروز الدينية أيضاً برغبته التأكيد في ظهوره أمام الصحافة على
سعادته وقدراته . في حديثه لصحافيي جمعية هوليوود الأجانب قبل أسبوعين كرر
أكثر من مرّة الإشارة الى حيويّته راغباً في صياغة نفسه (وقد بلغ الثامنة
والأربعين من العمر) كشباب دائم وصاحب ابتسامة المليون دولار . تلك
الابتسامة الكاشفة عن فتى مرح وشخصية جذّابة . أضف الى ذلك أنه ومنذ أن
مارس القفز فوق كنبة المذيعة التلفزيونية الشهيرة أوبرا متغنيّاً بحبه
الفائق لزوجته اعتبره الجمهور العريض مزيّفاً خصوصاً حين توالت الأنباء عن
اتباعه التشدد في حياته العائلية نسبة لمعتقداته الدينية .
نتيجة “فارس ويوم” تفيد أن اليوم الذي كان فيه اسم توم كروز كافياً لجذب
ملايين المشاهدين في اليوم الواحد ومع كل فيلم جديد، انتهى . الواقع الجديد
يشي بنهاية غير سعيدة ومستقبل معلّق على اختيارات أقل . فمن أصعب الأمور
تغيير ذوق الجمهور حيال ممثل ما إذا ما عقد العزم عليه . وفي حين أن هناك
ممثلين سقطوا ثم صعدوا (خذ ميكي رورك مثلاً) الا أن القلائل جداً هم من
صعدوا الى نفس مستوياتهم السابقة .
كريستوفر نولان: الفيلم كالحلم
كل أفلام المخرج كريستوفر نولان، من دون استثناء، تتعامل وخلفيات غامضة
لشخصيات مليئة بالألغاز . من فيلمه المعروف “مومنتو” حيث لعب غاي بيرس
شخصية رجل فقد ذاكرته القريبة، يسترجع خطواته في رحلة عكسية لعلّه يكتشف ما
حدث له ومن قتل زوجته، الى فيلمه المقبل الذي سينطلق بعد أسابيع “استهلال”
حيث ينقاد بطله ليوناردو ديكابريو، تبعاً لجهاز زُرع في دماغه، في زيارات
لعوالم وأزمنة مختلفة تتداخل في بعضها البعض، هناك دائماً رغبة هذا المخرج
في استنباط ظلالات لشخصياته وطرحها على نحو متواز مثير للإثارة الفكرية .
حتى شخصية “باتمان” التي قدّمها 2005 بعنوان “باتمان يبدأ” ثم في جزء ثان
عنوانه “الفارس المظلم”، تدخل ضمن هذا الإطار لتثير الرغبة في معرفة
الشخصية لا تحت رداء باتمان فقط بل تحت رداء الشخص الذي يلبس ذلك الرداء .
كذلك نجد أن “أرق” مع آل باتشينو يدور حول تلك الفاصلة الزمنية القصيرة
التي لا نعرف فيها من قتل من . ولا ننسى “المقام” قبل أربعة أعوام وذلك
الصراع الغامض بين بطليه هيو جاكمان وكرستيان بايل .
المقابلة التالية مع نولان في لوس أنجلوس بمناسبة اقتراب موعد عرض فيلمه
الجديد “استهلال” (Inception) .
·
من أين تأتي معالجة شخصياتك في
أفلامك . دائماً ما نجدها مغلّفة بقدر من الغموض الخاص . مع حياة لا تنتمي
بالضرورة الى الزمن الذي تعيش فيه؟
- إنه أحد الحلول المتاحة أمام المخرج، او أمامي تحديداً، لأترك مسافة
كبيرة بيني وبين الأفلام الأخرى . أقول الأفلام وأقصد بذلك مواضيعها
وشخصياتها ومعالجاتها . أحاول أن أصنع أفلاماً تختلف وتقوم بمعزل عن
المعالجة المعتادة ولو أن هذا ليس كل الدافع الشخصي وراءها . أقصد أنني لا
أستطيع أن أصنع فيلماً مختلفاً عبر إعادة تركيب او تغيير في النمط او
القصّة . يجب أن تكون الحكاية بدورها جديدة ومثيرة بصرف النظر عن طريقة
تقديمها لأنجح في صياغتها على نحو مختلف .
·
على ذلك، يختلف “استهلال” عن
أعمالك السابقة في أنه مبني على سلسلة أحلام؟ كيف استوحيت الفكرة؟
- نمضي جزءاً كبيراً من حياتنا في الأحلام . كثيرون منا يحلمون كل ليلة ما
يعني أن الحلم لغة عالمية تماماً . وإذ نحلم نبتكر عالماً خاصّاً بنا . إذا
ما راجعت حلمك وجدت أنك عشته كما لم تعش أي حالة خيالية أخرى . الحلم يأتي
مليئاً بالتفاصيل المؤلّفة من دون جهد منك . أكثر من ذلك، الحلم يشبه
الفيلم الذي تجلس في قاعة السينما لتراه . الحلم والفيلم مشتركان في أن كل
منهما عبارة عن “خلق عالم” خاص . نعم الفيلم مشاهد من قبل صالة مليئة
بالمشاهدين، لكنه يدخل عليك وحدك . تستقبله بمفردك . الحلم هو أكثر خصوصية
كونه لا يتكرر لغيرك . لكن العالم واحد: حياة مختلفة في إطار مختلف وأزمنة
متعددة . والاستيحاء جاء من هذه المراقبة فأنا دائماً مولع بالأحلام
والأفلام .
·
حين بدأت كتابة السيناريو، هل
كان عليك أن تقوم بدراسة حول الأحلام ومبعثها؟
- دراسة علمية وتأمّلية وأحيانا كلاهما معاً . ما نتج عن محاولتي إنجاز هذا
الفيلم الذي فكّرت فيه منذ سنوات هو دراسة الخطوات والطرق التي يعمل فيها
العقل حين الحلم . إنها ليست مسألة اغماض عين ودخول حلم . هناك عملية أعقد
من ذلك بكثير ينتج عنها نوعية الحلم ونوعية عناصره الفنية إذا أردت . لأن
الأحلام كثيراً ما هي متقنة الإخراج .
·
ما رأيك بالعمل مع ليوناردو دي
كابريو؟ أين تضعه مقارنة مع باقي الممثلين الذين تعاملت معهم سابقاً؟
- فاجأني ليوناردو بحماسه ورغبته تناول الموضوع بالجديّة التي يتطلّبها
ويتطلبها الدور أيضاً . إنه ممثل لا ريب في موهبته وانصهاره داخل الشخصية
الى حد بعيد . قبل هذا الفيلم أنجز كما تعلم “جزيرة مغلقة” وفيه شخصية تعيش
عالمين في وقت واحد، وهذا خيط مشترك بين فيلمي وفيلم مارتن سكورسيزي، لكن
فيما عدا ذلك كل شيء مختلف بما في ذلك أداء ديكابريو فيهما .
علامات
اختراع الصوت (1)
حين يعتبر معظم المؤرخين أن فيلم “مغني الجاز” (1926) أول فيلم ناطق، فإن
بعضهم فقط يتبرّع للقول إن التصنيف ليس صحيحاً مائة في المائة . فالواقع
ليس أن “مغني الجاز”، وهو فيلم رديء النوعية الفنية أخرجه ألان كروسلاند،
هو أول فيلم ناطق، بل تحديداً “أول فيلم روائي طويل يستخدم حواراً ناطقاً”
وإذا فحصنا الفيلم اليوم فإن هذا الاستخدام لا يشمل مدّة الفيلم كاملة (167
دقيقة في الأصل و89 دقيقة في النسخة المتوفّرة أسطوانات) ولا يتعدى مشاهد
معيّنة قام فيها الفنيون بتسجيل الصوت خلال التصوير .
أول محاولات تسجيل صوت لفيلم وقعت في السنة ذاتها التي عرض الأخوان لوميير
أفلامهما الأولى، أي في سنة 1895 وقامت الشركة الفرنسية غومو بمحاولتها
الأولى في هذا الاتجاه سنة 1902 والمحاولات استمرّت في ثلاث صناعات متنافسة
آنذاك هي الألمانية والفرنسية والأمريكية بغية ابتكار وسيلة لتسجيل الصوت
وعرضه متوازيا مع شريط الصورة . توماس أديسون أعلن سنة 1913 انه اكتشف
الصوت وما قصده أنه تم تسجيل الصوت منفرداً وعرضه متوازياً مع شريط الصورة
. لكن أديسون لم يستطع التوصّل الى مشكلة واكبت جهوده: شريط الصورة كان
يعمل أسرع من شريط الصوت . سنة 1921 استطاع المخرج ديفيد وورك غريفيث إنجاز
صوت يعمل بسرعة الفيلم واستخدمه في “شارع الحلم” الذي لا يزال متوفّراً
لليوم، لكن .وحسب أكثر من مرجع منشور عنه- قرر إهمال الفكرة لاحقاً نظراً
لتكاليفها قائلاً: “فقط خمسة في المائة من العالم يتحدّث الإنجليزية، لم
أخسر ال 95 الباقية من جمهوري؟” . آنذاك كان عدد الناطقين بالإنجليزية حول
العالم أقل بكثير جدّاً مما هو الحال عليه اليوم، لذلك حذر غريفيث غالباً
في محلّه، وإن لم يمنع هوليوود من المضي قدماً في التخطيط لنطق السينما
خصوصاً بعد اختراع الراديو سنة 1925 شركة “وورنر” أكثر من سواها بين شركات
هوليوود آنذاك، تحمّست للفكرة وأخذت تجري تجارب من العام ذاته قبل أن تتكلل
مساعيها بالنجاح في السادس من أغسطس/ آب سنة 1926 بعرض فيلم “دون جوان”
مصحوباً بالصوت في معظم مراحله . لكن هذا لا يعني أن الفيلم كان ناطقاً .
الحقيقة أن هناك فرقاً بين النطق والصوت . الشريط الصوتي هو ما سبق النطق
وهو ما شهدته كل تلك الأفلام والمحاولات المذكورة من مطلع القرن العشرين
وحتى نطق السينما كليّاً سنة 1928 هذا كان يشمل المؤثرات مثل صوت بوق
السيّارة او صوت عزف موسيقا او قرع جرس الخ .
النطق هو قيام الممثلين بالأداء الصوتي مع ما يعنيه ذلك من تسجيل الصوت
خلال التصوير وهو ما تم جزئياً في فيلم “مغني الجاز” .
ردّة الفعل على هذا الإنجاز كانت متفاوتة . كثيرون من السينمائيين ارتابوا
في أن نطق السينما يتجاوز النجاح الجماهيري الآني، بعده كما ارتأوا، ستعود
السينما الى أصلها الصامت . أحد هؤلاء كان الكاتب والناقد بول روثا الذي
كتب سنة 1929 مقالة بعنوان “الفيلم حتى اليوم” ذكر فيها أن مستقبل السينما
لن يكون ناطقاً . وهو خشي أن يأخذ الصوت من قوّة الصورة . في الحين نفسه
كتب المخرج الروسي فيفولد بودفكين مرحباً شريطة أن يتم استخدام الصوت
لإثراء الصورة (يتبع) .
م.ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
04/07/2010 |