ينظر روي ميلر حوله في الطائرة ويلحظ وجوه المسافرين. إنه غير مرتاح. شيء
ما خطأ. لكنه حين يعود للنظر إلى المرأة الجميلة التي تحاول التقرب منه
يبتسم. وحين يبتسم تريد التقرب منه أكثر. لكن الوقت ليس وقت مغامرة عاطفية،
لأن الخطر محدق وركاب الطائرة كلهم عملاء يريدون قتله. أما قتلها هي فهو
تحصيل حاصل.
روي ميلر هو توم كروز، والمرأة هي كاميرون دياز في ثاني لقاء بينهما. سنة
2001 في فيلم «Vanilla
Sky» الفيلم كان مختلفا، والظروف كذلك. كلاهما في تلك السنة كان لا يزال
قادرا على جذب الجمهور غفيرا إلى الصالات. اليوم نصف الجمهور لا يزال مخلصا
لهما، أما النصف الآخر فهو مخلص للشمبانزي والسنجب والثعلب وباقي الحيوانات
المرسومة، ولمن يرتدي سترات معدنية أو يطير في الفضاء بمعونة الكومبيوتر
غرافيكس.
فيلم «فارس ويوم» يبرهن على ذلك. لكن بمنأى عن كيف يعامل جمهور اليوم نجوم
هوليوود، هذا أفضل فيلم مثله توم كروز منذ سنوات. والثاني الذي يضطلع فيه
بالبطولة منذ خمس سنوات حين لعب بطولة «مهمة مستحيلة 3» الذي كان بدوره آخر
فيلم ناجح مثله كروز.
ما يجعل هذا الفيلم مميزا ليس جودة إخراج جيمس مانغولد، بل صياغة الفيلم
على نحو شبيه بـ«مهمة مستحيلة».. إنه تشويق ومطاردات ومشاهد أكشن من أوله
إلى آخره تقع في إطار عمليات تجسس بين عملاء وعصابات وبعض الأبرياء (حسنا،
بريئة واحدة هي كاميرون دياز). فوكالة المخابرات الأميركية تحاول التخلص من
روي ميلر (توم كروز) هذا لاستحواذه على شحنة من الطاقة تعادل (حسب الفيلم)
الطاقة الشمسية. كل ذلك في «تشيب» صغير بحجم أصغر هاتف نقال. أحد الفاسدين
في الوكالة (بيتر سارسغارد) يهدف الحصول عليها لبيعها لتاجر سلاح إسباني
(جوردي مولا)، ولن تعرف الوكالة أن حاميها حراميها إلا قبل الصفحات الخمس
والعشرين الأخيرة من السيناريو.
كروز, الذي أجرت «الشرق الأوسط» معه هذا اللقاء في هوليوود, مارس الكثير من
مشاهد القتال والمطاردة بنفسه، واستمتع - كما يقول - بكل لحظة من لحظات
التصوير. في السابعة والأربعين من عمره (وقد مثل نحو سبعة وأربعين فيلما
أيضا) لا يزال توم كروز الممثل الذي يتلاءم أكثر مع الدور إذا ما كان
الفيلم مسليا ولا شيء أكثر. لقد استدعى الكثير من النقد السلبي حين حاول أن
يؤدي شخصيات جادة، سواء في «رجل المطر» بجانب داستين هوفمان أو «الساموراي
الأخير» مع كن واتانابي أو «فالكيري» في مواجهة كينيث براناه وتوم ولكنسون.
فيلمه الحالي، الذي تمت هذه المقابلة بمناسبته، يعيده إلى ثوب المغامرات
المنفردة تمهيدا لعودته إلى جزء رابع من «مهمة مستحيلة» في العام المقبل.
·
هل أبدأ بالأسئلة الصعبة أم
الهينة؟
- بأي سؤال تريد. ربما ما تعتقد أنه صعب يكون هينا عندي. لكن تعرف أنني لن
أتحدث عن أي أمور خاصة.
·
أعرف ذلك تماما. لقد التقينا
سابقا مرتين ولم أطرح عليك سؤالا من هذا النوع.
- طبعا.. أعرف.
·
شخصيتك في هذا الفيلم تشبهك في
الوقت الذي نعرف فيه أنها لا يمكن أن تشبهك. إنها النوع الأكثر نجاحا بين
ما تؤديه حاليا، وتصرفاتك تبدو طبيعية. لكن بالتأكيد أنت لست ذلك الشخص
البادي في الفيلم لأكثر من سبب.
- لا أشعر مطلقا بأنني شخص مزيف. ما أقوم به هو تشخيص. ما أصنعه هو ابتداع
هذه الشخصية التي لم أشعر بها من قبل. ليست لدي أي علاقة بها، رغم ذلك
فإنها تصبح متصلة بي إلى حد بعيد. تأخذ من طبيعتي وخصالي، وأعتقد أن ذلك
يحدث معنا نحن الممثلين جميعا.
·
فيلمك التالي كان مع فرانسيس
فورد كوبولا، وحينها ظهرت مع مجموعة كبيرة من وجوه جيلك: مات دامون، س.
توماس هاول، باتريك سوايزي، وكلهم نجحوا لاحقا لكنك نجحت أكثر من أي منهم.
السبب؟
- أشكرك. من ذكرتهم كانوا زملاء رائعين، وحين تحدثت قبل قليل عن أن التمثيل
عمل جماعي قصدت عدة أفلام في ذلك الحين بينها وأهمها هذا الفيلم. كان كل
شيء جديدا بالنسبة إلي وحين وصلت إلى لوس أنجليس لأول مرة، وكان هؤلاء من
استقبلوني في المطار وأخذوني معهم في سياراتهم. شون بن تحديدا أخذني في
سيارته لتعريفي بالمدينة وبيوت النجوم.
·
لكنه عبء. أليس كذلك؟ عبء أن
تحمل إرث هذا النجاح وألا تسقط رغم أن بعض أفلامك لم تحقق المأمول منها.
- لم أفكر في هذا الجانب من قبل (يصمت لفترة).. أذكر أنني حين بدأت تمثيل
أدوار البطولة الأولى، في «Risky
business» مثلا، سمعت كثيرا وقرأت كثيرا أقوالا مثل «لن يستمر» أو «لن يخرج من
صورة المراهق». حين خرجت من صورة المراهق وبدأت أمثل أفلاما بشخصيات أكثر
نضجا، مثل «Top Gun»
سمعت من يقول «هذا نجاح استثنائي. توم لن يستطيع تكراره». لكن نعم. لا شيء
يأتي سهلا ومن دون مقابل، وفي حالتي المقابل كان كيف أستطيع أن أواصل
النجاح. كما تقول هو عبء لا شك في ذلك.
·
هل النجاح وحده هو ما حاولت أن
تحققه لنفسك.. هل النجاح كفيل بالتعامل مع كل المتطلبات الأخرى؟
- ماذا أريد أن أحقق؟ سألت نفسي هذا السؤال. عملت مع مخرجين كثيرين وأحيانا
لمجرد المتعة وليس لجدية العمل أو ضرورته. لا أنسى حين كنت في مطلع عهدي
بالتمثيل.. حين كنت في الثامنة عشرة من العمر وأنجزت فيلمي الأول وطلبت من
وكيل أعمالي تدبير لقاء لي مع المخرج (الراحل) سيدني بولاك. في البداية أكد
لي «لا مجال. لن تستطيع مقابلته». لكني أصررت وكان سيدني مشغولا في مونتاج
فيلمه «توتسي». بعد أيام جاءني الجواب: سيقابلك لربع ساعة فقط. حسنا ربع
الساعة امتد لساعات.
·
مرت فترة بدا فيها أنك سوف تترك
أفلام الأكشن وتتجه إلى الدراما من نوع «فالكيري» و«رجل المطر» و«عينان
مغلقتان باتساع». لكن «فارس ويوم» هو أكشن، وبعده «مهمة مستحيلة 4» هو أيضا
أكشن.
- أحب أفلام الأكشن. وتمثيل هذه الأفلام يتطلب قدرا كبيرا جدا من الكفاءة
على صعيد التمثيل كما على صعيد ديناميكية الحياة. هذا الفيلم كما تعلم
انتقلنا لتصويره من الولايات المتحدة إلى أميركا اللاتينية إلى أوروبا
ودائما في أكثر من موقع. كذلك في «فارس ويوم» تجد أن الأكشن مصحوب بالدراما
والكوميديا أيضا. هذا ليس سهلا إنجازه. تتحدث عن «رجل المطر».. أنا دائما
أبحث عن مادة درامية كبيرة.
·
تقصد إيجاد فيلم درامي جيد؟
كله يتطلب وقتا، والدراما ربما أكثر من سواها، لكن «مهمة مستحيلة» كذلك
أيضا. لن أندفع في تنفيذ جزء رابع إلا حين أدرك أن السيناريو صحيح.. أن
التوليفة بأكملها قد نضجت وأصبحت مواتية. حين ذهبت إلى باراماونت سنة 1995
وأخبرتهم أنني أريد أن أنتج وأمثل في فيلم «مهمة مستحيلة» سألوني لماذا
أريد أن أفعل ذلك. كانوا مستغربين أن ممثلا معروفا يريد اقتباس مسلسل
تلفزيوني. طمأنتهم هناك بأن كل شيء سيكون على ما يرام. ذلك الفيلم أخرجه
برايان دي بالما وأذكر أنني فكرت في أن اللقاء لا يخلو من الغرابة.
·
فيلمك الأخير هذا، «فارس ويوم»،
وصفه البعض بأنه فيلم العودة بالنسبة إليك. هل توافق؟
- بالنسبة إلي لا أعرف ما يعنيه ذلك مطلقا. لا أتوقف عن العمل طوال الوقت
فكيف يكون عودة؟ (يضحك).
·
لكن بعض الأفلام الأخيرة التي
مثلتها أخفقت. لم تكن من بطولتك المنفردة، وهنا أتحدث عن «أسود كحملان»
و«فالكيري»..
- هل هذا مهما؟ إنه أمر مرغوب أن ينجح كل فيلم أقوم بتمثيله نجاحا كبيرا.
هذه رغبتي ورغبة الممولين وكل العاملين في الأفلام، لكن هل هذا يحدث بمجرد
أننا نرغب في ذلك؟ لكن أقول وأعتقد أنك توافقني الرأي، كل فيلم من هذه
الأفلام كان له سبب جوهري. وأقول لك شيئا، بالنسبة لي الفيلم ليس ما ننجزه
في الـ«ويك إند» الأول، بل أفكر دائما في قيمته كإنتاج يبقى ماثلا أمام
الأجيال. صامدا في وجه الزمن.
·
كم نسبة مشاهد الخطر التي مثلتها
بنفسك في «فارس ويوم»؟
- في كل أفلامي تدربت على أشياء كثيرة ومختلفة. تمثيل فيلم يأخذ الكثير من
الاستعداد. حين مثلت «الساموراي الأخير» خرجت بمعرفة حول القتال بالسيف. كل
يوم خمس ساعات. كل يوم لسنة كاملة. ليس فقط لكي أحافظ على قوتي خلال
التصوير، بل لأجل أن أقنع نفسي بأنني مناسب للدور الذي أقوم به. هذا لا
يختلف في هذا الفيلم. أقول نحو نصف المشاهد التي تراها على أقل تقدير قمت
بها بنفسي.
·
كيف كان العمل مع كاميرون دياز
بعد كل هذه السنين منذ أن التقيتما معا قبل عشر سنوات؟
- أوه.. كانت ممتازة. في «فانيلا سكاي» كنت و(المخرج) كاميرون كراو مصرين
على جلبها للفيلم. إنها من ألطف الممثلات في السينما. وما أحبه في كاميرون
أيضا هو درجة التزامها بما تقوم به، وقدرتها الرائعة على التوقيت خلال
الأداء، وهي مثلي.. شخص يحب البقاء في جو عائلي، وخلال التصوير جلب كل منا
عائلته، وتعشينا معا بضع مرات. كان العمل معها ممتعا.
·
أحد المشاهد التي أعلم أنك قمت
بها هو جذب كاميرون دياز بقوة فوق الدراجة الكهربائية..
- (يضحك) هذا المشهد أردت دائما أن أقوم به.
·
يذكرني بأفلام الويسترن.. يهرع
البطل إلى المرأة الواقفة وسط العراء تبحث عن منقذ لها من العصابة ويحملها
برفعة واحدة فوق حصانه.
- تماما. هذا كان المقصود. كنت دائما أريد تنفيذ هذا المشهد. ومع كاميرون
لم يكن هناك مجال لغير ذلك. اتصلت بها وقلت «أرجوك أن توافقي، ربما لست
بالرشاقة التي تخولني فعل ذلك».
·
لكن ألم يكن محتملا أن تسقط من
يدك على الأرض أو أن تجذبك عوض أن تجذبها فتقع أنت على الأرض؟
- طبعا (يضحك). كل مشهد من هذه المشاهد يمكن أن يحدث فيه ما يعرض الممثل
إلى الخطر.
·
لكن تلك الحركة التي في ذلك
المشهد. كاميرون تجلس وراءك فوق الدراجة المنطلقة سريعا. تطلب منها
الانتقال إلى أمامك بالمقلوب لكي تطلق الرصاص على المطاردين، وبحركة واحدة
تصبح هناك، ثم بعد ذلك وبحركة واحدة أيضا تعود إلى مكانها الأول. كيف تم
ذلك؟
- الأمر يتطلب الكثير من الخفة والتوازن. كذلك يتطلب الكثير من المعرفة
بالدراجات النارية. تعودت على قيادة الدراجات منذ كنت في الثامنة من العمر.
لكن كل ذلك ليس للقول إنه بمجرد أن تتمتع بالخفة والتوازن والمعرفة سيصبح
الباقي هيّنا. في ذلك اليوم كنت وصلت إلى إسبانيا من النمسا. وكنت أريد أن
استغل باقي اليوم في التدريب على أساس أننا سنصور هذا المشهد بعد يومين.
لكن الإنتاج اتصل بي وأخبرني أن التصوير سيتم في اليوم ذاته نتيجة تعديل
جدول العمل. نمت في السيارة خلال الانتقال إلى مكان التصوير، وعندما وصلت
قلت «هيا لنقوم بتصوير هذا المشهد».
المسألة تتطلب بالنسبة لي فحص مكان التصوير.. سرت في كل اتجاه وعاينت
الطريق حيث سيتم تصوير المشهد ومخارجه، ومن أين يمكن أن يأتي الخطر. تصوير
مشهد على «الموتوسيكل» السريع من أخطر ما يمكن أن يقوم به المرء، لأن
الدراجة قد تفقد اتزانها في أي لحظة بسبب ماء أو نقطة زيت أو لأي عطل مهما
كان صغيرا. سرت إلى المخرج (جيمس مانغولد) وأخبرته بما أود أن أقوم به. فرح
للفكرة. اعتلت كاميرون الدراجة ورائي وقدت الدراجة بكل بطء ممكن عدة مرات.
وتوقفت فجأة أحيانا وانطلقت وملت بالدراجة يمينا ويسارا مثل تمرين
العضلات.. ثم سألت كاميرون إذا كانت مستعدة لكي تقوم بذلك.. سألتني كيف
أشعر حيال ذلك. قلت لها «أعلم أنني أستطيع أن أقوم بذلك» وأعطيتها
التفاصيل.. فقالت «لن أترك هذه الفرصة تمر». وهكذا مررنا بالتجربة.
·
ما الذي تراه في الوضع الحالي
على صعيد إيرادات الأفلام؟ دعني أشرح: هناك المزيد من الأفلام الناجحة التي
لا تعتمد على ممثلين معروفين بل على تقنيات الغرافيكس.. هل التمثيل البشري
في خطر؟
- هوليوود طيلة حياتها تستخدم المؤثرات الخاصة ولم يحدث أن تخلت عن
الممثلين. لا يهم إذا كانوا معروفين أو غير معروفين. أنظر إلى «أفاتار»
وأقول «هناك ممثلون كثيرون في هذا الفيلم تحت تلك الأزياء». وفي الأنيميشن،
هناك ممثلون يدلون بأصواتهم. أنا في صناعة الرواية. مهنتي راوي حكايات
مصورة. تاريخ هوليوود مليء بظروف مماثلة. موت الميوزيكالز ثم يعود فيلم
واحد فينعشه. مات الويسترن ثم فجأة قبل أعوام كانت هناك عدة أفلام ويسترن،
والظاهرة مستمرة، كما أعرف هناك أكثر من فيلم ويسترن قيد الإنجاز. هذا ليس
غريبا. كل ما نحتاجه هو البقاء في العمل وصنع كل ما يطلبه الجمهور. هم
يطلبون ونحن نقدم.
الشرق الأوسط في
02/07/2010 |