بين الأفلام العشرة التي تؤلف قائمة أكثر الأفلام رواجاً حالياً، ليس هناك
أي فيلم أمريكي عاطفي . ليس هذا فقط، بل ليس من بين هذه الأفلام واحد
يتناول قصّة حب بين بعض شخصيّاته . وهذا يمتد ليشمل معظم الأفلام العشرة
التالية بين الخمسين فيلماً المعروضة حول العالم . في الواقع، القليل الذي
يحتوي على جانب عاطفي أساسي أوروبي وليس أمريكياً . وفيلم مثل “السر في
عيونهم” الأرجنتيني تناول الحب بشفافية رائعة جاعلاً إياها المحرّك الحقيقي
لأحداث لا تخلو من التشويق البوليسي من دون أن تطغى هذه الأحداث على قصّة
رومانسية رائعة بين بطلي الفيلم .
إذا ما وجدنا الموضوع العاطفي في معظم الأفلام الأخرى، وأغلبها أمريكي،
فإنه موجود على نحو كوميدي حيناً وعابر حيناً وبديهي حيناً ثالثاً . في
“فتى الكاراتيه” على سبيل المثال، وهو الفيلم الذي يعتلي إيرادات الأسبوع،
هناك مثال خجول حول حب الأم لابنها . الفيلم التالي في القائمة “فريق أ” لا
يحتوي على أي نوع أو مذهب من مذاهب الحب . أما الفيلم الكرتوني “شْرك
للأبد” فهو كرتوني يضرب هنّات من العاطفة من دون أن تكون مقصودة بذاتها .
وفي فيلمي: “اذهب به إلى اليونانيين” و”الحب والمدينة” هو وارد في مجال من
الكوميديا الثرثارة وليس من العواطف المحقّة . وفيلم “مارمادوك” أساساً عن
حب ورعاية رجل لكلبه، وفي “أميرة بلاد فارس” فإن الحب يأتي في خلفية كل شيء
وكتحصيل حاصل لمغامرة تنضوي على كشف المؤامرات وركوب المخاطرات والدخول في
المطاردات والكثير من المعارك بالسلاح الأبيض . ومع أن الفيلم من بطولة
وجهين مناسبين هما جايك جيلنهال وجيما أرترتون، إلا أن الإشارة العاطفية
الوحيدة بينهما تقع قبيل نهاية الفيلم ولا أثر قبل ذلك إلى تطوّر عاطفي
فعلي .
من ناحيته فإن بطل “أيرون مان 2” لا يعرف كيف يتواصل مع المرأة التي يحب،
ولا إذا ما كان يحبّها فعلاً، وفي “تركيب” غائب تماماً في فيلم يقصد أن
يكون فيلم رعب ولا شيء أكثر من ذلك .
الفيلم العاشر في هذا المجال هو “قتلة” الذي من كان من المفترض به أن يكون
قصّة عاطفية تلعب دور الأرضية التي تنطلق منها الأحداث في خطّين متوازيين .
الأول كوميدي والثاني “أكشن” سريع . الحكاية في الأساس تدور حول فتاة
(كاثرين هيجل) تبحث عن الحب في حياتها ولا تستطيع أن تجده تحت مظلّة
والديها الحريصين على لعب دور الحارس الأمني والموجّه الأبوي لعواطفها .
حين تتاح لها فرصة الإفلات منهما خلال رحلة إلى مدينة موناكو، تجد الرجل
المناسب بأسرع من لمح البصر .
شاب اسمه سبنسر لا تعرف عنه شيئاً لكنها تقع في حبّه من اللحظة الأولى .
ربما هو من اللحظة الثانية لكن المفيد هو أنهما يقعان في الحب . أي نوع من
الحب؟ ذلك النوع الذي يبدأ وينتهي بابتسامة ود تنتقل بعده الأحداث إلى
المستقبل فنتعرّف إليهما متزوجين منذ ثلاث سنوات . هكذا يطرد الفيلم عنصر
الحب الذي كان أساسياً في مثل هذه الأفلام لأنه كان قادراً فيما بعد، على
تأسيس قدر من المنطق والإفصاح عن قوّة العلاقة وتعزيز عنصر الحيرة وقت
الأزمات العاطفية التي لابد منها بين أي متزوّجين، خصوصاً في الحياة
العصرية . وحين يضطر الزوج إلى الإفصاح عن السبب الذي من أجله هناك من
يحاول قتله، فإن موقف الزوجة المضطرب يبقى غير مقنع لأن البناء العاطفي
مغيّب من الأساس .
هناك بضعة مخرجين في السينما الأمريكية قُدّر لهم أن يُصنّفوا بأنهم لم
يكترثوا لا بعنصر المرأة ولا بعنصر الحب في أفلامهم . خذ كلينت إيستوود
مثالاً واضحاً في هذا المضمار: من أفلام “الوسترن السباغتي” إلى الأفلام
البوليسية في سلسلة “ديرتي هاري” . النقد العربي والغربي على حد سواء
اعتبرها أفلاماً خالية من العاطفة، وهذا صحيح في أفلام “الوسترن” الأولى
التي مثّلها لحساب المخرج الإيطالي الراحل سيرجيو ليوني، لذلك فإنها
مسؤولية واختيار المخرج وليست مسؤولية الممثل بحد ذاته . وحين عزز إيستوود
وجوده الجماهيري عمد إلى تعزيز دور المرأة في أفلامه حتى تلك البوليسية مثل
“ذا إنفورسر” من سلسلة ديرتي هاري و”الوسترن” الأمريكية، كما الحال في
“الخارج عن القانون جوزي والز”، بل جعل وجودها عنصراً عاطفياً يربطه،
كممثل، باحتمال الوقوع فعلياً في الحب ونبذ العنف . وحين أمّ إيستوود
الإخراج لأول مرّة لم يختر فيلماً بوليسياً ولا فيلما من قصص الغرب
الأمريكي، بل أنجز دراما عاطفية بعنوان “ذو النسمات” أو
Breezy
.
مخرج آخر مساء فهمه جدّاً في هذه الناحية هو سام بكنباه . “الأكشن” عنده
كثيراً ما اختلط بالدوافع العاطفية، بل لديه فيلم عاطفي من الدرجة الأولى
عنوانه “أنشودة كايبل هوغ” مع جاسون روباردس وستيلا ستيفنس . يبقى أن نفهم
إذاً لماذا يخفق الفيلم الذي يريد أن يبني شخصياته على أساس عاطفي، كحال
فيلم “قتلة” هذا في مثل هذه المهمّة . أيكون السبب في أن الحب بات عملة
نادرة في هذا العالم الذي نعيش؟
11
كاتباً لـ "الفريق أ" والنتيجة
صفر
أزمة الكتابة في هوليوود اليوم
فيلم “الفريق أ” المعروض حالياً حول العالم، مثال واضح عن كيفية إخفاق
السينما الهوليوودية التي كانت ذات يوم مضرب مثال على كيفية إنجاز أفلام
أكشن ومعارك جيّدة، في إرساء قواعد صحيحة لمثل هذه الأفلام اليوم . إنه
مأخوذ عن حلقات تلفزيونية بالعنوان ذاته أيضاً، نالت نجاحاً كبيراً حول
فرقة من العائدين من حرب فيتنام تلاحقهم الإدارة العسكرية بسبب تهم مزيّفة
. وخلال هربهم، من حلقة إلى أخرى، ينطلقون في مهام وقضايا يتبنّونها
لمساعدة المظلومين والمتضررين من عامّة الأمريكيين . الفيلم الجديد يحافظ
على هذا الخط الأساسي لكنه يستبدل العراق بفيتنام، ولو أنه لا يتعاطى الحرب
ذاتها . الحرب التي يخوضها الآن هي حرب داخل الولايات المتحدة كما كان حال
الحلقات التلفزيونية .
اللافت في هذا الفيلم أنه يبدو كما لو أن المخرج (وهو جديد اسمه جو
كاراناهن) انطلق إلى العمل متسلّحاً بالنيّة لتحقيق فيلم “أكشن” من دون
سيناريو جاهز . اللافت أكثر أنه على عكس هذا التصوّر، انصب على كتابة هذا
الفيلم أحد عشر كاتب سيناريو يكتفي الفيلم بذكر ثلاثة هم كارناهن وبرايان
بلوم وسكيب وودز . الباقون اعتبر ما قاموا به إسهاماً مدفوع الأجر ومحدود
التأثير، وهو أمر يتبع قواعد تنص عليها جمعية الكتّاب الأمريكية (الكاتب
الذي لا تزيد نسبة إسهامه على الشاشة على 30 في المائة من الفيلم يمكن حذف
اسمه من النسخة النهائية) . هذا لا يعني أن ثمانية كتّاب آخرين عملوا على
هذا الفيلم المتّسم بالفوضى .
في السنوات العشرين الأخيرة برزت إلى السطح عوامل من الحيرة وعدم الثبات
الناتجة عن عدم الثقة . في سعي كل استديو لإنجاز مئات ملايين الدولارات من
الأرباح في نهاية كل سنة صار لزاماً اتخاذ حيطات غير ضرورية، وتبرهن اليوم
على أنها لا تشكل بديلاً صحيحاً للنظام السابق . الاستديوهات ذاتها
يتولاّها في الكثير من الأحيان رؤساء غير آتين، كما كان حال الأجيال
الماضية، من خلفية سينمائية، لذلك هم أيضاً ليسوا واثقين مما يوافقون عليه
أو يعترضون . هذا أدّى إلى استنباط الطريقة الوحيدة التي تبدو مضمونة:
إعادة إرسال السيناريو المقدّم من قِبل الكاتب لا إلى واحد أو اثنين بل إلى
أكثر من ذلك إذا كان لابد . وفي بعض الأحيان تأليف فريق مطبخ كذلك الذي
يجلس في استوديوهات التلفزيون ليكتب الحلقات التي تبّثها المسلسلات
المختلفة حيث يتبادل الكتّاب مباشرة ما يقومون به ضمن معايير ثابتة: لديهم
“بايلوت” وعليهم تنفيذ كل تلك العناصر التي فيه من دون إبداع أو تغيير .
في عملية استنساخ السيناريو السينمائي الأساسي، تضيع الرؤية الأصلية
للمؤلّف . في بعض الأحيان يحول السيناريو من بوليسي إلى كوميديا، والبطولة
من رجل إلى امرأة (أو العكس) أو من بطل أبيض إلى أسود . المهم أن يبقى
السيناريو خفيفاً لا يطرح، مقابل هذه التغييرات على الأقل، أي بعد جاد أو
تبرير .
ما حدث مع “الفريق أ” أيضاً هو أن الكتابة والإخراج ما هما إلا تنفيذ لرؤية
تجارية محضة . العامل الرئيسي المحرّك لهذه الرؤية هي الإنتاج والترويج .
بكلمات أخرى، الذي يصنع أفلام اليوم ما عاد النشاط الذهني والفني للكاتب
والمخرج، بل العامل المادي الذي يشترطه المنتج والترويج الدعائي الذي تصرف
عليه الاستديوهات نحو ثلث ميزانيّاتها حالياً .
حين يؤتي بالكاتب في “هوليوود” توضع أمامه لائحة بالمطلوب . لا شيء من هذه
الطلبات له علاقة بما يحب أن يقوم به . في نموذج “الفريق أ” فإن الكتّاب
الثمانية الذين جيء بهم وتم صرفهم بعدما فشلوا في تحقيق رؤية الاستوديو
التي هي الوحيدة التي سيموّلها . أما إبداع الكاتب فعليه أن يمارسه في
سيناريو قد لا يرى النور أبداً .
علامات
أول "جيمس بوند"
لم يكن انتقال رواية “دكتور نو” من الكتاب إلى الشاشة سنة 1962 بداية
لسلسلة من الأفلام الجاسوسية المختلفة فحسب، بل حمل في طيّاته معاني كثيرة
جعلت الفيلم فاصلاً بين ما سبقه وما تبعه .
أساساً، لم يكن “دكتور نو” أول أعمال مؤلّفه إيان لانكاستر فليمنغ، بل سبقه
خمس روايات من سلسلة العميل البريطاني “جيمس بوند” هي، بتتابع صدورها،
“كازينو رويال” (1953)، و”عش ودع الموت”، و”مونراكر” (1955)، و”الماس
للأبد” (1956) و”من روسيا مع حبّي” (1957) .
“دكتور نو” كان الفيلم الأول (بينما “كازينو رويال” ورد خامساً سنة
1967 ثم الرقم الحادي والعشرين حين إعادة صنعه سنة 2009) والبطولة أسندت
إلى شون كونري الذي لعب الدور في سبعة أفلام من السلسلة .
وإذ اختير “دكتور نو” لبداية السلسلة التي ما زالت مستمرّة إلى اليوم، فإن
الشخصية التي قدّمها كانت جذرياً مختلفة عن كل الشخصيات الجاسوسية السابقة،
كما أن نوعية المغامرة الجاسوسية التي حملتها مختلفة كليّاً أيضاً عن كل
الأفلام التي انخرطت في طيّات السينما الجاسوسية منذ الثلاثينات من القرن
الماضي وما بعد .
فيلم ترنس يونغ ذاك، قدّم شخصية جديدة من نوعها على عالم سينما الجاسوسية،
ففي الأفلام السابقة، مثل “الرجل الثالث” (1949) و”الدرجات ال 39” (1935)
و”13 شارع مادلين” (1947) وصولاً إلى فيلم “شمال شمالي غرب” (1959)، كانت
إما دراميات جادّة حول الموضوع، “أو أفلام” تستعير الحبكة البوليسية
(المتّهم البريء) لتلصقها على الجاسوس ذاته . والأفلام الكثيرة التي خرجت
عن بطولات “أف بي آي” في القبض على حلقات نازية، وذلك في سلسلة ظهرت في
مطلع الأربعينات واستمرت حتى ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بقليل،
كانت واضحة في اعتبار أن الجاسوسية أمر معاد لا يستحق البطولة . البطولة
لأولئك الذين يكشفونها .
جيمس بوند كان عملياً الجاسوس الذي طلب من الجمهور السائد مباركة كل خطواته
وأفعاله . إنه البطل الفرد الذي يعمل خارج إطار الدراما كمنوال جدّي لبحث
العملية التي يقوم بها أو الحبكة التي يعمل الفيلم بمقتضاها . كذلك خارج
التشويق القائم على التناقض الموضوعي بين الشخصيات والمواقف والاهتمام
بتفعيل العنصر الفني فوق سواه (كما في أفلام ألفرد هيتشكوك) . البديل هو
القيام بسلسلة من الأحداث المثيرة التي جعلت الجاسوس “سوبرمان” لا يُقهر .
رجل معتد بأخلاقياته الخاصّة وكبريائه الذكوري وقدراته التي يعتبرها صائبة
طوال الوقت من دون نزاعات داخلية، نفسية أو عاطفية، إلا فيما ندر ولفترة من
الوقت كافية لتأمين بعض التنويع .
الشارع العربي في الستينات استقبل هذا الفيلم وفوج أفلام “بوند” حتى منتصف
السبعينات، بكثير من الريبة والسخرية، منتقداً تلك البطولة ذات المغزى
السياسي لصالح الدول الغربية ومفاهيمها .
وهنا تأتي مسألة أخرى مهمّة: وجد المثقّفون حينها أن ما تمثّله هذه الشخصية
هو دفاع عن مصالح الغرب ولا شيء عن مصالح العالم ذاته . صحيح أن “دكتور نو”
ينوي تدمير العالم وهذا شيء لا يوافق عليه أحد، إلا أن رعونة “بوند” بدت
أكثر مدعاة للتدمير، فقط لو لم يكن محميّاً من قِبل الجمهور العالمي العريض
الذي وافق على صورته واعتبرها جديدة وبالغة الجاذبية .
م .ر
merci4404@earthlink .net
http://shadowsandphantoms .blogspot .com
الخليج الإماراتية في
20/06/2010 |