لا يمكن لأحد أن ينكر أن الفن له رسالة يقوم بها, فمنذ ظهوره منذ أكثر من
مئة عام وهو يأخذ على عاتقه مهمة صعبة قد تسيء إلى الفن نفسه, وهي إظهار
المشكلات التي يعاني منها المجتمع, مثل البطالة والهجرة غير الشرعية, كذلك
إظهار السلبيات التي تعاني منها المهن المختلفة, مثل المحاماة والطب
والشرطة, ومحاولة إيجاد حلول لبعض هذه السلبيات. ولكن بعض الأفلام التي
تعرضت لبعض أخطاء المهن المختلفة, أو بمعنى أصح النماذج السيئة التي تنتمي
لهذه المهن قوبلت بهجوم عنيف, حيث لم يتحمل أصحاب هذه المهن النقد أو
التجريح, واتهموا الفن بأنه يحاول دائما تشويه صورة المجتمع. وفي السطور
التالية نحاول تحديد علاقة الفن بالمجتمع من خلال استعراض بعض الأعمال التي
قوبلت بهجوم عنيف, ثم نعرض لآراء النقاد.
عادل إمام وواقعة فيلم «الأفوكاتو»
في بداية الثمانينيات قدم عادل إمام فيلم «الأفوكاتو», الذي كتب قصته رأفت
الميهي, وقد قدم عادل إمام في الفيلم دور حسن عبدالرحيم, المحامي الشهير
بحسن سبانخ, الذي يتحايل على القانون ويقلب الباطل حقا من خلال فنتازيا
كوميدية, وبمجرد نزول الفيلم إلى دور العرض السينمائية قام أكثر من مئة
محام برفع قضية ضد الفيلم, بدعوى أنه يسيء لمهنة المحاماة, وتحددت جلسة
للفيلم أمام محكمة جنح بولاق وكان رئيس المحكمة وقتها هو المستشار مرتضى
منصور, الذي شاهد الفيلم فرأى أنه أظهر المحامين على أنهم مجموعة لصوص
وأفَّاقين, كما أنه أساء أيضاً إلى مهنة القضاء, ففي أحد المشاهد يقول عادل
إمام: «كم من الجرائم ترتكب باسم الإفراج الصحي في محاولة لإهانة القضاء,
فيرد عليه القاضي: احترم نفسك» ووقتها رأى مرتضى منصور أن الفيلم أهان
مهنتي القضاء والمحاماة, فحكم بحبس عادل إمام ورأفت الميهي سنة مع الشغل
وكفالة عشرة آلاف جنيه مع إيقاف تنفيذ الحكم. بعد ذلك تم استئناف الحكم
أمام محكمة جنح مستأنف بولاق فقضت بإلغاء حكم أول درجة وبراءة عادل إمام
ورأفت الميهي استنادا لحرية الإبداع.
الجدير بالذكر أن شخصية المحامي الذي يتحايل على القانون تم تقديمها في
أكثر من عمل درامي, ولم يعترض أحد من المحامين, حيث قدم خالد زكي دور
المحامي الفاسد في مسلسل «حرس سلاح» مع عزت العلايلي, كما قدم يحيى
الفخراني نفس الشخصية العام الماضي في مسلسل «ابن الأرندلي» ولم تثر أي
مشاكل, ولذلك كان السبب الرئيسي في ثورة المحامين على الفيلم هو الأسلوب
الساخر, الذي تمت به مناقشة المشكلة, إضافة إلى المبالغة في الأحداث, فمن
الصعب أن يتم حبس المحامي وإخلاء سبيل موكله, أو أن يغازل القاضي الشاهدة
في المحكمة.
ليلى علوي والإساءة إلى السياحة
قدمت ليلى علوي منذ عدة سنوات مسلسل «نور الصباح» الذي قدمت من خلاله دور
نور, المرشدة السياحية, ولكن أثناء عرض المسلسل حدثت مفاجأة غير متوقعة,
حيث قام مجموعة من المرشدين السياحيين برفع قضية ضد ليلى علوي بدعوى أنها
أساءت إلى مهنة المرشد السياحي, مستندين إلى أنها كانت تشرب الخمر في بعض
المشاهد, وتقوم بتدخين السجائر في مشاهد أخرى, كما أنها ارتدت ملابس خليعة,
ولكن تم الحكم في القضية لصالح ليلى علوي. «عزبة آدم» وإصرار وزارة
الداخلية على أن يظل ثوبها نظيفا بمجرد أن عرض سيناريو فيلم «عزبة آدم» على
هيئة الرقابة طلبت مهلة زمنية لتحديد موقفها ليتم عرض سيناريو الفيلم على
وزارة الداخلية التي طلبت تعديل السيناريو بأن تتم محاكمة ضابط الشرطة
الفاسد سعد الجهيني (الذي أدى دوره الفنان ماجد كدواني) ولكن المؤلف رفض,
فتم التوصل لحل وسط, بأن يتم اكتشاف فساد ضابط الشرطة ولكنه ينتحر في
النهاية.
موقف وزارة الداخلية كان أمرا مستغربا, لأن رجال الشرطة ليسوا ملائكة, ومن
الممكن أن تحدث جرائم من بعضهم, فالجميع يتذكر قضية ضابط الشرطة أحمد أبو
الروس الذي اقتحم منزل الفنانة يسرا واحتجز خادمتها وسائقها, كذلك قضية
أمناء الشرطة حيث قام أربعة أمناء شرطة بمساومة سيدة صدر ضدها حكم بالسجن
بقضاء ليلة ساخنة معها مقابل تركها وعدم تنفيذ الحكم, وهو ما حدث بالفعل,
ولكنها بعد ذلك أخبرت زميلها الذي يعمل معها في الكافيتريا فأصر على إبلاغ
الشرطة, وصدر حكم ضد أمناء الشرطة بالسجن لمدة خمس سنوات والعزل من
الوظيفة.
وللعلم فهذه القضايا كان من المستحيل أن يتم اكتشافها إذا لم يتم الإبلاغ,
فجريمة أمناء الشرطة كان مستحيلا كشفها إذا لم يتم الإبلاغ عنها من السيدة
المغتصبة, ولذلك فهناك الكثير من التجاوزات, وإن صح تسميتها جرائم ترتكب
ولا يتم الكشف عنها بسبب عدم الإبلاغ عنها, ولذلك فمن المستحيل أن يكون
جميع أصحاب مهنة معينة ملائكة, سواء الطب أم المحاماة أم الشرطة.
«بالألوان الطبيعية» والإساءة إلى كلية الفنون الجميلة
في بداية عام 2010 استقبلت دور العرض فيلم «بالألوان الطبيعية» الذي تدور
قصته حول مسألة رسم الموديل العاري, وهي مادة كانت تدرس في كلية الفنون
الجميلة, ولكن الرئيس السادات ألغى رسم الموديل العاري نهائيا, وبالتالي
فالفيلم يتناول قضية لم يعد لها وجود, ولا فائدة من طرحها على الشاشة, وقد
أثار الفيلم غضب جميع طلاب كلية الفنون الجميلة, مؤكدين أن الفيلم أساء
لهم, فالصورة التي قدمها الفيلم لا تمت بصلة لما يحدث في الكلية, حتى إن
بعضهم قال: «الواحد أصبح يتكسف يقول إنه طالب في كلية الفنون الجميلة».
الجدير بالذكر أن مسألة رسم الموديلات العارية منتشرة في المجتمعات الغربية
كما تم تقديمها في العديد من الأفلام الأجنبية, ويرجع ذلك إلى الفوضى التي
تعم هذه المجتمعات, والتحرر الأكثر من اللازم, ولكن المجتمع الشرقي سيظل
محتفظا بعاداته وتقاليده, ولذلك هاجم المجتمع فيلم «بالألوان الطبيعية».
«كلمني شكرا» والإساءة إلى الإسلام
قدم خالد يوسف في شهر يناير الماضي فيلم «كلمني شكرا» الذي أثار حوله
الكثير من الجدل بسبب شخصية عرابي التي قدمها الفنان صبري فواز في الفيلم,
حيث كان يقوم بدور عرابي الذي يتاجر بالدين من خلال إطلاق لحيته, ولكنه كان
يتكلم بألفاظ بذيئة طوال أحداث الفيلم, مما تسبب في استياء المسلمين.
المشكلة لم تكن في تناول الفيلم للشخصية التي تريد تحقيق مصالح تحت ستار
الدين, فالمجتمع الإسلامي يعاني من مثل هذه الشخصية, ولكن المشكلة الرئيسية
هي أن هذه الشخصية تتكلم بألفاظ بذيئة لا يتكلم بها إلا الشخص الفاجر, كما
أنه كان يمسك بسبحة ويشاهد الكليبات الخليعة, كمن يشاهد الراقصة ويقول:
أستغفر الله العظيم. فلا أحد يمانع في تناول الفن للمشكلات التي تواجه
الإسلام, وتقديم حلول مناسبة لها, ولكن يجب تناول هذه المشكلات بطريقة جادة
تحترم عقلية المسلمين. الجدير بالذكر أن خالد يوسف أساء إلى الإسلام العام
الماضي في فيلم «دكان شحاتة» ففي أحد المشاهد تقول هيفاء: «يلعن أبوه شافعي
ومالكي» وفي مشهد آخر ترقص هيفاء على أرجوحة في حي الحسين, مما تسبب في
إخراج المنشدين من حلقة الذكر للنظر إلى هيفاء, وهو ما تسبب في استياء
المسلمين, ووصل الأمر إلى رفع قضايا على الفيلم.
«أحاسيس».. وتصريحات مستفزة لمنتج الفيلم
قدم هاني جرجس هذا الموسم فيلم «أحاسيس» الذي يعد الأسوأ في تاريخ هاني
جرجس فوزي, حيث تدور قصة الفيلم حول المشاكل التي تعاني منها المرأة بعد
الزواج من خلال أربع قصص مختلفة لأربع نساء, وكالعادة قام هاني جرجس بإقحام
كم كبير من المشاهد الساخنة في الفيلم, من أجل جذب الشباب المراهق إلى
السينما.
وقد صرح هاني جرجس بأن الفيلم مثل السلعة, وليس عيبا أن يسعى لتسويق هذه
السلعة بإضافة بعض التوابل التجارية, وهي المشاهد الساخنة التي تجذب الشباب
إلى السينما, كما صرح بأنه لا يرى حرجا في هذه النوعية من الأفلام, فهو
يترك ابنه عمار الذي يبلغ عمره 10 سنوات ليشاهد ما يريد. وقد أثارت تصريحات
هاني فوزي الكثير من الجدل, فهو يتعامل بمنطق التاجر الذي يبحث عن أي وسيلة
لتسويق سلعته حتى لو كانت هذه الوسيلة هي المرأة.
هذه نماذج لبعض الأفلام التي رأى البعض أنها أساءت للمجتمع وحاولت تشويه
صورته, فماذا عن رأي النقاد.
يرى الناقد الفني طارق الشناوي, أن تناول الفن للأخطاء التي تحدث في المهن
المختلفة ومحاولة إظهارها لا يشوه المجتمع, والفن بريء من هذه التهمة, لأن
مهمة الفن هي إظهار الأخطاء التي تحدث في المجتمع, ولكنه يرى أن بعض
الأفلام تقدم مشاهد ساخنة من دون مبرر درامي, وهذا هو ما يسيء للمجتمع مثل
فيلم «أحاسيس» الذي تتضمن كمَّا كبيرا من المشاهد الساخنة من دون مبرر, وهو
ما يعتبر عريا مجانيا, والعري المجاني مرفوض من الأساس, فيجب أن يكون هناك
منطق أو مبرر لتقديم هذه المشاهد, فمثلا أسامة فوزي يقدم في أفلامه مشاهد
ساخنة ولكن يكون لها مبرر درامي.
أما الناقدة ماجدة خير الله فإنها ترى أن مهمة الفن هي تناول الأخطاء
الموجودة في المجتمع, وهي ليست ضد المشاهد الساخنة إذا كان لها مبرر درامي,
بشرط أن يكتب عليها «للكبار فقط», كما أنها ترى أن هناك أفلاما تسيء
للمجتمع, مثل فيلم «أحاسيس» فمخرج الفيلم ركز على جسد بطلاته بصورة مستفزة.
من يشوه صورة الآخر؟
تبقى مشكلة أخيرة, وهي أن معظم الفنانين يؤكدون دائما أن المجتمع هو الذي
يشوه الفن من خلال الصحافة, التي تحاول دائما نشر أخبار كاذبة عنهم, وهي
الأخبار التي يهتم معظم أفراد المجتمع بقراءتها, وهي مشكلة يعاني منها معظم
الفنانين, ولكن المجتمع لا دخل له بهذه المشكلة, لأن أي فنان ينشر عنه خبر
كاذب يستطيع أن يقاضي الجريدة وكاتب الخبر مثلما فعل المطرب إيمان البحر
درويش, حين رفع قضية على الإعلامي محمود سعد بسبب مقال كتبه عنه, وحصل على
تعويض بـ10 آلاف جنيه, وكذلك الفنان نور الشريف حين رفع قضية على جريدة
«البلاغ» عندما حاولت تدمير سمعته, ونجح في الحصول على قرار بإغلاق
الجريدة, كما صدر حكم بحبس رئيس التحرير وكاتب الخبر. كما أن الملاحظ أن
أكثر الفنانات اللاتي يثار حولهن الكثير من الجدل هن من يقدمن دائما مشاهد
خادشة للحياء, مثل علا غانم وعبير صبري وسمية الخشاب وغيرهن.
في النهاية يظل الفن هو الرسالة المؤثرة, التي تعرضت لأخطر القضايا التي
عانى منها المجتمع المصري, مثل الإرهاب فقد تم تقديم مجموعة من الأفلام
تناقش هذه القضية مثل فيلم «الإرهابي» الذي قدمه عادل إمام, كذلك قضية
المخدرات التي توغلت في المجتمع المصري في فترة الثمانينيات ووصلت إلى حد
إعدام تجار المخدرات في ميادين عامة, وقد شاركت السينما في عرض هذه القضية
بتقديم مجموعة كبيرة من الأفلام مثل «العار» و «المدمن».
ولكن كما قدمت السينما مجموعة من الأفلام الهادفة قدمت أيضاً مجموعة من
الأفلام الهدامة التي تطيح بقيم وأخلاق المجتمع, وتتسبب في إفساد أخلاق
الشباب, وهي الأفلام التي أطلق عليها أفلام المقاولات, والتي كان هدفها
الربح التجاري فقط. إذن, الفن رسالة مؤثرة, من الممكن أن تعلي من شأن
المجتمع إذا تم استخدامها استخداما جيدا, ومن الممكن أن تعصف بالمجتمع
وتدمره إذا استخدمت استخداما سيئا.
العرب القطرية في
21/05/2010 |