- 1-
المهرجانات العربية في الخارج. المقامة منها وتلك التي يُراد منها أن
تُقام، في
ورطة فعلية
كبداية، كان مهرجان الفيلم العربي في باريس، ذلك الذي تبنّاه معهد
العالم العربي والحكومة الفرنسية، والذي ترأسته الناقدة ماجدة
واصف، العمل الصحيح
الأول لنشر غسيل السينما العربية، النظيف منه وشبه النظيف. لم يكن مهرجاناً
كامل
الأوصاف لكنه كان حدثاً اكتسب مكانة كبيرة لبضعة أسباب من بينها أن مديرته
ناقدة
سينمائية ولديها إلمام بما تريد أن تقوم به، وأن جنوداً
مجهولين نرفع لهم قبّعات
التحية وقفوا معها وساعدوها على إنجاز ما عُرف في المحافل العربية أحيانا
بـ "مهرجان
ماجدة واصف".
لكن المهرجان خسر بعض جولاته الأخيرة ثم توقّف قبل عامين
بقرار سيء من معهد العالم العربي لأنه خلط، ككثيرين منّا، بين المبدأ
والتطبيق
فاستغنى عن المبدأ حين لم يعرف كيف يطبّق. هذا إذا كان هناك
أخطاء جسيمة لا نعرفها،
فما كان بادياً للعيان هو جهد في مكانه أثمر عن الوجود السينمائي الفعلي
الوحيد
للسينما العربية خارج أوطانها.
الآن، تأتينا الأخبار بأن مهرجان السينما العربية
سيقام، بشكل ما، ضمن مهرجان القاهرة السينمائي وبتمويل الإتحاد الأوروبي.
ماجدة
واصف لا تزال مديرته، لكن الجنود الذين وقفوا معها وجدوا
أنفسهم، على حد قول أحدهم،
بيادق يتم تحطيمها أولاً في لعبة الشطرنج ، لكن المهم أن أوروبا خسرت
مهرجاناً
للسينما العربية والسينما العربية خسرت مهرجاناً لها في عاصمة أوروبية
.
من
ناحية أخرى، هناك مهرجان أسمه روتردام. بلغ ثماني سنوات من العمر قبل أن
ينسحب منه
بعض أهم العاملين فيه ويبقى ممثّلاً بشخص منشئه وأسمه خالد شوكات. ذكر
الأسماء ليس
مهمّاً ولا يُستخدم هنا للمديح او للذم فقط للإيضاح. رئيسه انطلق يُعيد
صياغة
مهرجانه مستعيناً بأسماء جديدة بعضها بلا خبرة لكن لنقل أننا
كلّنا كنّا يوماً بلا
خبرة. ربما الخبرة ستأتي. لكن المثير للاهتمام، أن سمعة هذا المهرجان
تعرّضت حين
انسحاب بعض أهم أقطابه الى الريبة: جوائز لم تدفع لأصحابها، جوائز أخرى
تدفع
منقوصة. أفلام يتم بيعها من دون علم أصحابها وهكذا...
حتى ولو كان هناك بعض
المغالاة فإن الثابت أن مهرجان روتردام لعب دور "التنفيعة" كما لعب دور
الحدث
السينمائي، وكحدث سينمائي لم يكبر عن حجم محدد ولم يلعب الدور الحيوي
بالنسبة
للسينما العربية. باقي المهرجانات العربية حول العالم (واحد في إيطاليا،
واحد في
أميركا وواحد في سويسرا) أصغر من أن تنجز أي طموح حقيقي.
نصف المشكلة يكمن في أن
السينما العربية تعامل نفسها على أنها سينما صغيرة لا تستحق،
وإلا لأنجز
السينمائيون أفلاماً أفضل، ولاهتم المنتجون بالنوعية وبالتالي بوسائل
انتشارها في
المهرجانات العالمية . النصف الثاني هو أن بعض هذه المهرجانات لا يهمّها
سوى أن
تلعب على هواها لمصالح ماديّة وشخصية. أما مصلحة السينما العربية ذاتها
فهي ليست
مهمّة عند أحد. لا عند هذه الأطراف ولا عند سواها. ومع ذلك لا زلنا نأمل
بالكثير
منها
.
-2-
كنا صغاراً نلعب أبطال وحرامية وكانت حكاياتنا أفضل من هذه
الحكاية الواردة في
هذا الجزء الثاني من مسلسل "ايرون مان". فيلم شائك من حيث أنه يدرك أنه
مبني على
قاعدة شعبية كبيرة وأن كل ما عليه القيام به هو توفير ما ستبحث عنه تلك
القاعدة في
الفيلم من مغامرات ومشاهد أكشن ومؤثرات وضوضاء وقرقعة معادن. لكن ما يجعل
الفيلم
شائكاً هو أنه لا يحمل ما يُثير الإعجاب ببطله ولا بطله يؤدي ما يثير
الإعجاب به.
هو ليس فيلم تحبّه بل فيلماً تراه وصانعوه وثقوا بأن هذا ما يريده الجمهور
الى درجة
أنهم لم يكترثوا مهنياً لإنجازه على النحو الصحيح.
إنه كما لو أنه لم يعد مهمّاً أن يكون البطل محبوباً، تماماً كما لو
أنه لم يعد
مهمّاً لروبرت داوني جونيور أن يجعل نفسه محبوباً. وفي حين أن غموض
الشخصيات أمراً
محبذاً في أصناف من الأفلام ومنها هذا النوع القائم على التشويق، ولو
نظرياً، فإن
غموضها يجب أن يكون له سبب مفهوم وأن ينجلي عن تركيبة من الأحداث
والسلوكيّات
نفسية كما درامية بحيث تشكّل عنصراً مفاجئاً. ماذا يهم، مثلاً،
أن يعرف المشاهد أن
شخصية توني ستارك، المعروف بـ "آيرون مان" تخشى على نفسها من الموت، إذا
ما كانت
هذه الخشية لا تشكل فاعلاً حقيقياً على الأحداث او تؤثر في تصرّفاته او
تضعه في
مشهد يحتوي على صراع حاد بين الحياة والموت. نعم هناك هذا
التردد في شخص توني من
أنه قد يموت، وهناك حفلة عيد ميلاد يسمّيها الأخيرة، لكن الطريقة التي
يتصرّف بها
توني حيال هذا الموضوع طريقة مراهقين وليست طريقة صانعي أعقد بذلة حديدية
تم
تركيبها على جسد بطل سينمائي. حتى ولو كانت الغاية إظهار خشيته
حيال الموت فإن
المعالجة من الهزل بحيث تتلاشى الغاية مثل دخان السيجارة.
الموضوع عن تلك البذلة العسكرية المعدنية الحمراء التي تحوّل توني،
كما رأينا في
الجزء الأول، من رجل عادي القدرات، الى ترسانة أسلحة. يصبح طائرة وقاذف
قنابل ومطلق
إشعاعات متفجّرة وفوهة رشاشات أوتوماتيكية وإذا ما اضطر للضرب بذراعه فإن
ضربتين
متتاليتين من شأنهما أن تُسقط بناية او تقتلع العدو من مكانها
وتلقيه بعيداً.
الحكومة الأميركية تريد من توني تسليمها هذه البذلة لأنها سلاح يتعلّق
بأمن
الدولة، وهو يقول لأعضاء الكونغرس في مطلع الفيلم وخلال التحقيق معه: هذه
البذلة
أنا. كلانا واحد ولا تستطيعون الحصول عليها لأنكم بذلك تحصلون
عليّ أنا".
بكلمات
أخرى، كيف سيسمح لها الاستحواذ على اختراعه هذا إذا ما كان هو، بدنياً،
جزءاً من
هذا الاختراع؟ حجة في محلّّها والمشاهد له الحق في أن يتوقّع أن الفيلم
سيمشي على
هذا المنوال، لكن الحكاية تنتقل بعد ذلك على محاور أخرى: توني يكتشف أن
القلب
الصناعي الذي يخفق في صدره لم يعد يعمل كما كان يعمل سابقاً
(في الجزء الأول
مثلاً) لأن المفاعل الذي يزرعه في صدره يسبب تسمماً في الدم. ومنافسه في
سوق
الأسلحة هامر (سام روكوَل) يسعى لكسر شوكته بتشويه سمعة البذلة وتأليب
الحكومة
عليه، وهناك روسي أسمه إيفان (ميكي رورك) يود الانتقام من توني
ستارك لأن والد توني
كان تسبب في حبس والد ايفان في سايبيريا لعشرين سنة. إيفان يعلم قدرة توني/
أيرون
مان ويصنع سلاحاً موازياً في قوّته (لا نعلم كيف ومن موّله لكن قد يجد
البعض أن
هذا لا يهم). وهامر يقرر أن إيفان هو من سيحقق له رغبته في هزيمة توني
والقضاء على
ما يشكّله من منافسة.
ومسألة الأب مهمّة في العديد من الأفلام المأخوذة عن منشورات "مار?ل"
وهي دار
النشر المتخصصة بالمسلسلات الشعبية المصوّرة التي باتت "الكل في الكل" في
شركة
باراماونت تبعاً لعقد أبرم مع الاستديو الأميركي المعروف حديثاً. في
"سوبرمان"
يتم بحث حب سوبرمان لوالده الفضائي وتضحية الثاني لأجل أن يعيش سوبرمان
فوق الأرض،
ثم العلاقة الإيجابية الثانية بين سوبرمان والمزارع الأميركي وزوجته الذي
وجداه في
الحقل طفلاً وأشرفا على رعايته. العلاقة معقّدة أكثر في "سبايدر
مان" حيث يحمل بطل
الفيلم عقدة ذنب بسبب موت أبيه. وفي سلسلة أفلام "باتمان" حيث
عقدة الذنب ذاتها
محمّلة بالرغبة في الإنتقام أولاً لمقتل أبيه ثم بالرغبة في
عدم جعل الإنتقام
عنصراً في حربه ضد الأشرار. هنا، يعاني "آيرون مان" من فهمه أن والده لم
يكن رعاه
جيّداً ولم "يقل لي مرّة واحدة أني أحبك"، لكنه سيكتشف في هذا الجزء أنه
قالها حين
خصّه باختراعه. إذاً يتصالح توني ستارك مع ماضيه لكن على عكس الأفلام
المذكورة
سابقاً هذا التصالح، على أهمية مضمونه، يمر بلا أثر درامي
أيضاً. ليس أن المفترض أن
يحتوي الفيلم على خطاب في هذا الشأن، لكن المسألة كلّها ليست عميقة. كذلك
مسألة أن
الروسي إي?ان إنما ينطلق في تدميره وشروره بسبب حبّه لأبيه الذي عانى في
حياته
طويلاً. الى ذلك، فإن "آيرون مان" يلتقي و"سبايدر مان" في أن
والد الشرير مات بسبب
غير مباشر من البطل او أبيه، لذلك فإن الإبن ماض في سلسلة
أفعال شريرة بهدف قتل
السوبر هيرو.
يضع بطل "آيرون مان" توني وسط إمرأتين: هناك مساعدته الأولى
التي يعيّنها رئيس مجلس الإدارة في مؤسسته (غوينيث بولترو) والفتاة ذات
الجدّية
العسكرية التي يتم تشغيلها في المؤسسة (سكارلت جوهانسن) والتي تكشف لاحقاً
عن أنها
هنا لكي تدافع عن مصلحة توني أفضل دفاع. لكن من بين ما لا يضعه الفيلم في
حسبانه هو
إبقاء بطله حالة عاطفية خفيفة وغير مستقرّة في يوميات العلاقة
مع كل من هاتين
المرأتين. هو لا يحب ولا يكره أحداً منهما وتراه كما لو كان يخشاهما أكثر
مما
يقودهما في مؤسسته. وحين يأتي الأمر الي المشاهد التي تجمعه مع غوينيث
بولترو، فإن
كاتب السيناريو جوستين ثيرو، كما المخرج، يعمدان الى ردح
متبادل عبر كلمات موجزة
بطريقة الكوميديات العاطفية التقليدية. كلمة او كلمتين منه وكلمة او كلمتين
منها من
دون أن يشرح أي منهما ما يريده في هذا الإيجاز المتسارع وغير الضروري.
بقرار
صانعي الفيلم فإن "ايرون مان 2" فيلم خفيف الوزن وبل فيه مطارح كوميدية
تعصف بما
تبقّى من رغبة المشاهد متابعة بطل خارق له موقف واضح وشخصية قويّة. هذا ليس
طلباً
يعكس موقفاً سياسياً (كأن يكون المشاهد محبّذاً للحلول
العسكرية) بل درامياً. فإذا
أضفت الى هذا، شخصية البطل غير الواضحة في تصرّفاتها وترددها، ثم كيف يمثّل
روبرت
داوني هذه الشخصية وجدت أن الفيلم لا يعمل جيّداً على هذه الأصعدة.
في هذا
الخصوص فإن المرء يرقب روبرت داوني وهو يحاول وضع نفسه أمام الشخصية التي
يؤديها.
كما نذكر لعب معظم مشاهده في الفيلم الأول
وهو يرتدي البذلة. لم نشاهده يمثّل
كثيراً، لكنه خلق بنجاح امتزاجاً جيّداً بين توني وآيرون مان فإذا بهما
واحد
فعلياً. هنا، مع إتاحة المزيد من المشاهد لروبرت داوني يؤدي شخصية توني فإن
المناسبة مُتاحة لقيام داوني بلعب نفسه أمام الكاميرا وكما يحب
سواء أكانت الشخصية
في الأساس كُتبت هكذا او لا. تبعاً لذلك فهناك الكثير من روبرت داوني
والقليل من
توني ستارك وهي الممارسة ذاتها التي ضمّنها روبرت داوني لشخصية شرلوك
هولمز في
فيلمه الأخير "شرلوك هولمز" فإذا بنا نتابع ممثلاً يتصرّف كنجم أكثر مما
يضع نفسه
في تصرّف الشخصية على نحو ممعن ومخلص.
The End
الجزيرة الوثائقية في
16/05/2010 |