فيلم تيم بيرتون الجديد «أليس في أرض العجائب» مقتبس، من روايتي أطفال
للكاتب لويس كارول، الأولى بعنوان «مغامرات أليس في أرض العجائب» المنشورة
سنة 1865، والثانية بعنوان «من خلال المنظار» المنشورة سنة 1871. لكن كاتبة
السيناريو، ليندا وولفرتون سمحت لنفسها أيضا بإدخال بعض العناصر التي لم
ترد في أي من الروايتين، وأهمها نقل البطلة من فتاة صغيرة إلى فتاة شابة
تبلغ من العمر تسع عشرة سنة، وتتهيأ، في مطلع الفيلم، للزواج بشاب
أرستقراطي وإن كان ذلك دون رغبتها.
لكن الجمهور لن يتوقف كثيرا عند هذا الاختلاف، فهناك إقبال على الفيلم، حيث
حصد في الأيام الخمسة الأولى أكثر من 125 مليون دولار.
إنه فيلم يجمع الحي بالإنيماشن، وينتقل من مشهد فانتازي بشخصياته غير
الواقعية إلى مشهد آخر أغرب منه.. وهو فيلم لـ«والت ديزني»، التي كان تيم
بيرتون استلم فيها وظيفة رسام إنيماشن حين كان لا يزال فتى في سن بطلة
فيلمه الحالي، في منتصف السبعينات.
تركته «ديزني» يفكر ويبتدع على هواه، فأنجز لها بضعة أفلام قصيرة، ثم شارك
في إنجاز أفلام كرتونية طويلة، من بينها: «الثعلب والكلب»، و«ترون». هذا
الثاني كان تجربة لافتة في حد ذاتها، ليس بسبب بَرتون، فإسهامه فيه كان
محدودا، بل من حيث إنه منح المخرج الرغبة في الإتيان بأعمال جديدة في مجال
الإنيماشن. أعمال تنتمي إليه، كما انتمت الأفلام الكرتونية الأولى التي
أنتجتها «والت ديزني» في الثلاثينات والأربعينات إلى مؤسسها والت ديزني.
وسواء أكان الفيلم الذي يخرجه كرتونيا أو حيا، أو مزيجا، كما الحال في
«أليس في أرض العجائب»، فإن هذه المعالجة للشخصيات المتوحدة والمنفردة،
وللعالم الداكن الذي تعيش فيه وتتشرب من لونه وشروطه كل مصادر شخصيتها،
دائما ما هي موجودة. بَرتون من المخرجين القلائل اليوم الذين لا داعي
لقراءة أسمائهم على الشاشة حين دخول أفلامهم. تعرفه من بين طيات أعماله
مهما تنوعت مواضيعها: «إد وود»، و«سليبي هولو»، و«السمكة الكبيرة»، و«كوكب
القردة»، و«تشارلي ومصنع الشوكولا»، و«سويني تود»، وسواها. إلى هذا العالم
ينتمي فيلمه الجديد «أليس في أرض العجائب»، حول الفتاة غير السعيدة التي
تشاهد أرنبا فتطارده، تاركة عريسها والمدعوين، إلى حيث تكتشف حفرة في الأرض
فتدخلها لتجد نفسها، بعد سقوط إلى هاوية سحيقة، عالما آخر غريبا وخطرا
تحاول فيه الحفاظ على حياتها، كما تحاول حل مشكلات بعض شخصياته التي تعيش
تحت إمرة ملكة قاسية اسمها «الملكة الحمراء». ممثلون معروفون شاركوا في هذا
الفيلم، إما بالظهور أو صوتيا، من بينهم جوني دَب وهيلينا بونهام كارتر،
زوجة المخرج، وآن هاذاواي وكرسبين كلوفر ومايكل شين وستيفن فراي، وفي دور
أليس، الوجه الجديد نسبيا ميا فاسيكوفسكا، التي لديها فيلم قريب آخر مقبل
بعنوان «الفتيان بخير»، وكانت ظهرت مع هيلاري سوانك في «أميليا» في العام
الماضي.
بيرتون، بدوره، لديه أكثر من مشروع على الطريق، لكن الحديث سينحصر في هذا
الفيلم الأخير له..
·
لا أستطيع أن أسألك عن: لماذا
«أليس في أرض العجائب».. إنه عالمك. لكن اللافت حتى بالنظر إلى الملصق تلك
الملامح الغريبة للعالم. إنها ملامح سبق لك أن قدمتها أكثر من مرّة.
الأشجار ذاتها.. الغصون الملتوية ذاتها عند قمتها الخالية من الأوراق. الحس
ذاته بأن كل شيء في هذا العالم أقل جمالا من الواقع. كيف تستوحي نظرتك إلى
الطبيعة التي تقدمها؟
- كوني بدأت رسام إنيماشن جعلني إلى حين أضع الكثير من الأهمية على
الاسكتشات المرسومة التي تعد سلفا قبل التصوير، وتحتوي على الفيلم لقطة
بلقطة، «ستوري بورد»، لكني اليوم أجد هذا المنهج محدود النتائج. يربط
المخرج حين يباشر تصوير فيلمه بما رسمه قبل التصوير أكثر مما يتيح له
تطويره، لأنه حين تنطلق لتنفيذ الفيلم لا تستطيع أن تغير ما كتبته أو ما
رسمته، بل تحافظ عليه حتى لا تفقد وجهتك، أو تدخل سلسلة من التغييرات
المتلاحقة وغير المحسوبة. لذلك أجد أن البديل هو أن أتحرر من إلزام نفسي
بتنفيذ ما خططته، وأن أنتهج سياسة عمل أكثر تلقائية. حين تسألني عن مصادر
نظرتي أقول إنها مصادر تختلف من كل فيلم إلى آخر.
·
هل ألاحظ تأثيرات تعبيرية من
فترة الفيلم الألماني الصامت؟
- أعتقد نعم، خصوصا في أفلام رعب. أعتقد أن هذه التأثيرات ظاهرة أكثر في
فيلمي السابق «سويني تود» من أي فيلم آخر. لكن دائما ما أريد إضافة عناصر
من عندي، أو أعتقد أنها من عندي. مسألة التأثيرات متشابكة، لأن ما في بالك
هو عالم كامل من الصعب البحث فيه عن أصول ومصدر تلك التأثيرات.
·
حين قررت تحقيق «أليس في أرض
العجائب»، ما الصور التي تداعت في مخيلتك. أي نوع من الأفلام هدفت إليه؟
- أعتقد النوع ذاته الذي مارسته من قبل. إذا شاهدت أفلامي، فسوف تجد أنها
تختلف تقريبا في كل شيء، ما عدا في استلهامها التعبيري.
·
العالم نفسه الذي في فيلمك
الكرتوني «العروس الجثة»؟
- حقّا.. هذا صحيح. الأول ممارس عبر الرسم، والثاني عبر الفيلم. شيء من هذا
القبيل.
·
كلاهما يقع تحت الأرض، أليس
كذلك؟
- بلى، إنه عالم يجمع بين عناصر عالمنا نحن، والملامح الخاصة به.
·
في هذا الفيلم، كما في أعمالك
الأخرى، هناك دائما نقطة اهتمام عاطفية. أحيانا، كما الحال هنا وفي «سويني
تود»، هناك قصة حب كبيرة في الأساس. كيف تفسر ذلك؟
- أحب أن يلفت هذا الأمر اهتمام المشاهد. الحب قد ينمو في أي بيئة حتى في
دكانة بعض أفلامي. فيلم مثل «أليس في أرض العجائب». فيلم مثل «سويني تود»
كما ذكرت. شخصياتي تعيش أزمات مختلفة ناتجة عما تريده. ما تريده أليس في
هذا الفيلم ليس ما تريده أمها مثلا. في «سويني تود» ما تريده هيلينا - يقصد
هيلينا بونهام كارتر التي لعبت البطولة النسائية - هو ذلك الرجل الذي تحب،
لكن الرجل الذي تحب يريد شيئا آخر. يريد أن ينتقم من القاضي. بعض الشخصيات
بالنسبة إلي تطرح أكثر مما تبديه، وأنا لا أمانع في ذلك.
·
أجد أن هناك الكثير مما يجمع بين
«أليس في أرض العجائب» و«العروس الجثة». مثلا في كليهما هناك رغبة في تزويج
البطلة الشابة دون إرادتها. هل كان «أليس» في البال حين أنجزت «العروس
الجثة»؟
- تربط ذلك أيضا بالحفرة التي في الأرض؟ (يصمت فترة في تفكير). سوف أقول
لا، ليس في العقل الواعي على الأقل. لكن ملاحظتك هذه صحيحة. على ذلك، «أليس
في أرض العجائب» يختلف كثيرا في قصته وفي إيحاءاته وفي عالمه وبيئته عن ذلك
الذي في الفيلم السابق.
·
كنا كثيرا ما نكتب عن تعاونك
الدائم مع جوني دب. أعتقد أن هذا الفيلم هو السابع بينكما. لكن الآن هناك
تعاون آخر يربطك بالممثلة زوجتك هيلينا بونهام كارتر. كيف تعمل لإضافة صبغة
جديدة على أداء ممثل تتعاون معه بانتظام؟
- أحيانا ليست هناك حاجة إلى الإتيان بأي جديد. على العكس، أنت تطلب الممثل
ذاته لأنه استطاع في الماضي تقديم ما تريده من شخصية أو ملامح أو أداء في
فيلمك الجديد. بونهام ممثلة تبذل أقصى ما في وسعها للتأكيد من تفاصيل
الدور. جوني أيضا مستعد لفعل كل ما يمكن لكي يغرق في الشخصية التي يؤديها.
أنا محظوظ.. (يضحك).
·
هل تتأثر العلاقة بينك وبين
زوجتك تبعا لعملكما معا في الأفلام ذاتها؟ هل يطغى، مثلا، حديث السينما على
حديث البيوت والخصوصيات حين ترك العمل؟
- حين نعود من التصوير بالكاد نتكلم. العمل يأخذ طاقة كل منا، وحين نتبادل
الحديث نعم قسم كبير منه له علاقة بما تم تصويره أو بما سيتم تصويره يوم
غد. ليست الأيام كلها هكذا، بل بعضها. زوجتي رائعة. تتفهم أنني أضعها في
شخصيات خاصة جدا، وغالبا ليست نموذجية.
·
شخصيتها في «سويني تود» كانت
«إكستريم»، أليس كذلك؟
- حقا، لكن هذا جزء من شروط النجاح في المهنة. أنت مخرج لديك رؤية خاصة
بالشخصيات التي تريدها أن تظهر في الفيلم، وكيف تظهر، وماذا تفعل، وكيف
توجه نفسها. هيلينا تحب التعبير عن شخصيتها بصرف النظر عما ترتديه، أو كيف
ستبدو بعد عمليات الديجيتال. هذا ما يجعلني أقدرها كثيرا.
·
نحن في عصر ينادي فيه الجميع
بإنجاز الأفلام الفنتازيا. متى أعربت «ديزني» عن رغبتها في أن يكون «أليس
في أرض العجائب» فيلما بالأبعاد الثلاثة؟
- بعد موافقتي على إخراج الفيلم، دخلنا في مباحثات حول المطلوب منها. إنه
رغبتها هي، ولم أمانعها. بدأت المشروع قبل ثلاث سنوات على الورق، ولم تكن
الظاهرة استفحلت كما حالها اليوم.
·
كيف ترى مستقبل السينما.. «ثري
دي» أو لا «ثري دي»؟
- أميل إلى الاعتقاد بأن استبدال عادة عمرها اليوم أكثر من 100 سنة ليس
أمرا هينا، لسبب مهم في اعتقادي: ليس كل فيلم يصلح لأن يكون بالأبعاد
الثلاثة. بالتالي، هل سنخرج من صالة تعرض فيلما بالبعدين، وندخل صالة تعرض
فيلما بثلاثة أبعاد، ونقارن؟ هل يمكن لهما أن يتقاسما السوق من دون أن ينفر
الناس منهما معا، أو من أحدهما؟ أيضا هناك سبب آخر: بعض المخرجين، وأنا من
بينهم، ليسوا متأكدين من أن الأبعاد الثلاثة مهمة إلى الدرجة التي تدفعنا
إلى نبذ الفيلم ذي البعدين. لقد قمنا بإعادة عرض فيلم «هالووين قبل
الكريسماس»، الذي كما تعرف تم إنتاجه بالشكل العادي، أعدنا عرضه بالأبعاد
الثلاثة، ولم ينجز ذلك تطورا أو يجلب إليه معظم من كان شاهده أول مرة.
·
هل يقلقك أن يعتقد البعض أن
أفلامك عنيفة؟
- لا، وسأقول لك السبب. لا أعتقد على الإطلاق أنها عنيفة. أنت، لا ريب،
تعلم أن «سويني تود» أو أي فيلم آخر أخرجته، وفيه مشاهد يصفها البعض بأنها
عنيفة، هو فيلم خيالي لا يمكن تجزئته حين نرغب إلى مشاهد نسحبها من توليفته
الكاملة. أقصد أن الفيلم ليس واقعيا، لذلك، فإن العنف الذي فيه ليس واقعيا
بدوره، وبالتالي لا يترك التأثير نفسه التي تتركها أفلام رعب مباشرة كتلك
التي لا نية عندي في تحقيقها. على أي حال هذه الملاحظة لم تعد مثارة بالحدة
نفسها كما في الأمس. هناك ضروريات خلال العمل لا بد منها ليس من بينها أن
ترضي الأذواق كلها معا.
·
لديك ثلاثة مشاريع على الطاولة
أو ربما أكثر. هل سيكون «فرانكنويني» أولها؟
- أعتقد ذلك. إنه مثل سواه في مرحلة التحضير، لكن بعد جولة «أليس» سيكون
لدي الوقت الكافي للانتقال به. علينا اختيار الممثلين. إنه إنيماشن
بالكامل، على الأقل حتى الآن. لا أعرف ماذا سيكون حاله حين انتهائه.
الشرق الأوسط في
12/03/2010
ساكنو «الأولمب» يحبون ويعشقون ويتزوجون وينتقمون!
«بريسي
جاكسون» سارق الصاعقة
طارق الشناوي
لا يتوقف الخيال الأدبي عند حدود.. الكلمة ليس لها سقف يحدها، فهي تخترق
الواقع ليتفاعل عقل القارئ مع الكلمة المكتوبة، ويرسم هو ملامح الصورة بكل
مفرداتها وتفاصيلها، وباتت السينما الآن قادرة على أن تحلق بهذا الخيال
لتتجاوز كل الآفاق. خيال الكلمات عندما يتم تجسيده بالصورة يذهب إلى عالم
أبعد كثيرا، عالم أسطوري نصدقه، لأن للسينما سحرا خاصا ينطلق إلى أبعد
الحدود.. وهكذا تستطيع أن تقرأ فيلم «بريسي جاكسون والأولمبيون سارق
الصاعقة» (Precy Jackson Olympians The lighting Thief).. الفيلم كتب قصته المؤلف «ريك بوردان» وهو الأكثر مبيعا كعمل أدبي،
وهذا ما دفع السينما لتقديمها في فيلم سينمائي مثلما سبق أن قدمت السينما
أيضا «Harry Potter»..
القصة تقدم الأبطال في سن الثانية عشرة، ولكن المخرج «كريس كولومبس» الذي
أخرج أيضا الجزءين الأول والثاني من «Harry potter»
وجد أن الشريحة العمرية ينبغي أن تصل بالأبطال إلى سن السابعة عشرة، حيث إن
هذا يؤدي إلى زيادة الروح الجماهيرية عندما يقبل الشباب على الفيلم، وكانت
القصة الأصلية تقدمهم أصغر من ذلك بخمس سنوات. تتناول الأحداث تلك الطفرات
الخيالية التي تنشأ عند التزاوج بين الآلهة والبشر، ويدخل إلى عالم آلهة
الإغريق، ويحاول الفيلم أن يضع حالة متوسطة بين البشر الذين يحملون في
دمائهم جزءا من الآلهة، فهم نتاج علاقات تمت بين هؤلاء الآلهة والبشر، حيث
تصبح للآلهة في تلك اللحظات طبيعة بشرية، وبالطبع فإن المولود أيضا تظل
بداخله قوى كامنة هو لا يستطيع أن يكتشفها.. كما نرى أيضا قوى أخرى خارقة
تجمع بين الإنسان والحصان، أو بين الإنسان والعنزة، حيث يصبح الإنسان في
هذه الحالة لديه تكوين مشترك بين الجنسين.. لا شك أن تجارب الاستنساخ التي
يجري خلالها اللعب بالجينات تؤدي إلى تخوف ما قد يصبح السبب الرئيسي وراء
تطلع الخيال لهذا الاختلاط بين البشر والحيوانات، حتى ولو كانت تلك التجارب
بعيدة الآن عن التحقق، إلا أن الخيال دائما يذهب أبعد بكثير من الواقع، أو
بتعبير أدق يتصور الواقع القادم.. حيث نرى دائما حصانا طائرا يجمع بين سرعة
الحصان على الأرض وقوة النسر في الطيران، هذه الحالة من الجمع بين
المتناقضات تبدو في أحيان كثيرة وهي تحمل نوعا من الرغبة الداخلية لدى
الناس في الخروج عن الواقع إلى آفاق أرحب بخيال أكثر جنوحا.. ويبقى الحديث
عن أنصاف الآلهة مثل بطل الفيلم الذي أدى دوره «لوجان ليبرمان»، ويحرص
المخرج على أن يذهب بنا إلى حالة نرى فيها كل هؤلاء الذين هم نتاج مشترك
بين الآلهة والبشر أو بين الحيوانات والبشر في الملجأ، والغرض من ذلك هو أن
تلعب الصورة دورها ونحن نتابع مدرسة يلتحق فيها أنصاف الآلهة كل منهم لديه
قوة خارقة، كل هؤلاء الأقوياء يمارسون تدريبا على تهذيب هذه القوة وأيضا
استثمارها في الاتجاه الصحيح.. الفيلم يقدم أطيافا متعددة، ويحاول أن يمزج
بين البشر والآلهة في المشاعر، وهكذا نرى «إله البحار» الذي يتزوج من أم
بطل الفيلم، حيث نكتشف جانبا إنسانيا له عندما يحب أم بطل الفيلم ويتزوجها،
ثم يضطر لمغادرة الأرض ليعود مرة أخرى للسماء، لكنه يضرب مثلا في الإيثار،
فهو مضطر لأن يترك الأرض ويعود للسماء تنفيذا لأمر صارم من كبير الآلهة «زيوس»،
ونتابع هذا المشهد بين الأب وابنه خاصة عندما نرى اللقاء بين إله البحار
وابنه وهو يعتب عليه لماذا لم يسأل عنه وتركه طفلا، حيث إن طبيعته الإلهية
لا تسمح له بالمكوث في الأرض أو حتى بالعودة إليها بين الحين والآخر، وهذه
الطبيعة نفسه هي التي أدت إلى أن يهجر إله البحار أم «بريسي جاكسون»
والعودة مرة أخرى إلى آلهة الأولمب خاضعا لإرادة «زيوس».. الفيلم يقدم أيضا
تيمة القوة المطلقة والعلم المطلق، ودائما ما يحرص على أن يظل هناك هامش ما
من التشكك في قدرة هذه الشخصيات الأسطورية، فهي ليست قوة مطلقة لكنها مع
الجميع بمن فيهم «زيوس» تنطوي على ضعف ما.. مثلا أن بطل الفيلم المتهم
بسرقة الصاعقة ليس هو السارق، ونكتشف أن الاتهام باطل، حيث إن هناك بالفعل
سارقا للصاعقة يؤدي دور نصف إله شرير، يضعها خلف درع يمنحها للبطل، ونكتشف
بالصدفة أنه سارق الصاعقة الحقيقي.. في رحلة الخيال الجامح نراه بقوة أثناء
بحثه عن أمه لإنقاذها وإعادتها إلى عالم البشر من خلال رحلة للعالم السفلي
أيضا، عندما بدأ في استخدام قوة الرعد والبرق في الدفاع عن نفسه وإنقاذ
أمه.. الفيلم يتناول القوة المفرطة، وكيف أنها من الممكن أن تصبح إما نارا
أو نورا، فهي تضيء لكنها أيضا قد تحرق وتقتل وتصعق.
ورغم حالة الفيلم الخيالية الأسطورية والجادة بطبيعة الحال، فإنه لم يتوقف
عن البحث عن ملامح كوميدية، مثلا صديق البطل العنزة وهو يدافع عنه بتلك
العصا، أو وهو ينطلق في لحظات كعنزة ثم عندما ينبت له في نهاية الفيلم قرن
صغير يضعه في مكانة أعلى وكأنها ترقية له من مجرد عنزة إلى خروف لها قرون!!
كذلك كنا نتساءل طوال أحداث الفيلم لماذا توافق أمه على الزواج من هذا
الرجل المقزز الذي ارتبطت به بعد إنجابها «بريسي جاكسون»، الغليظ الذي نراه
في بداية الفيلم وهو يعاملها بقسوة أمام ابنها؟!.. وتأتي الإجابة، بسبب أن
رائحته المنفرة كانت هي الحماية التي وفرها دون أن يقصد إلى ابنها، لأن
الابن مطلوب القبض عليه من خلال الآلهة في الأولمب، ويستطيعون تتبعه من
خلال الرائحة، لكن وجود رائحة نفاذة هي رائحة الزوج كانت هي طوق النجاة
الذي سمح له بالحياة. حل كوميدي ضاحك لكنه يؤكد على معنى التضحية والإيثار
الذي تناوله المخرج.. وعندما يسرقون أمه ويحبسونها في العالم السفلي يتولى
هو مسؤولية إنقاذها مضحيا بنفسه ووالده الإله أيضا ضحى بنفسه وابتعد تنفيذا
لأمر من «زيوس» حفاظا على حياة ابنه.. إنه فيلم يتناول قيمة التضحية في
الصداقة والأمومة والأبوة والحب، ولو كانوا آلهة أو نصف آلهة يعشقون ويحبون
ويغضبون وأحيانا ينتقمون. لقد تطور الخيال السينمائي وبات قادرا على أن
يتجاوز كل قصص الخيال التي كنا نقرأها ونصنع لها صورا.. باتت السينما
ببساطة تحيل هذا الخيال إلى عالم سحري يذهب بنا بعيدا أبعد حتى من خيالنا!!
الشرق الأوسط في
12/03/2010 |