حين كانت أنجلينا جولي فتاة صغيرة، كانت هوايتها الرئيسية جمع الأفاعي
والسحالي، وكانت تسمّي كل ثعبان او سحلية باسم ممثل. هذا لورا ديرن، وذلك
هاري دين ستانتون وتلك الأفعى الصغيرة وورن بيتي. هذا ليس كل ما هو غريب في
سنوات الممثلة الأولى. خلال سنوات المراهقة الأولى ألّفت وزميلات لها في
المدرسة عصبة من الفتيات اللواتي كن يُطاردن الأولاد ليمطروهم بالقبل. قد
يعتقد البعض أن الأولاد سيتسابقون على مثل هذه النعم، لكن العكس هو الذي
كان يحصل، ذلك أن القبل لم تكن عاطفية بل مثل لدغات سرب من النحل هجم
بكامله على وجه الضحية وأخذ يلسعها.
المدرسة لم تستطع أن تفك أواصر هذه العصبة بسهولة، لكن حين فعلت كانت
أنجلينا استبدلت هذه الهواية بحب السينما. وهي، كما قالت في تصريحات سابقة،
أحبّت التمثيل لكثرة ما شاهدت من أفلام وهي صغيرة، وليس بسبب والدها الممثل
جون فويت.
ولدت في الرابع من يونيو سنة 1974 أي بعد خمس سنوات على سطوع نجم
والدها جون فويت حين وقف أمام دستين هوفمان في «مدنايت كاوبوي». كان نجاح
فويت كبيراً لدرجة أنه أصبح نجماً كبيراً في السبعينات والثمانينات، ولا
يزال واحداً من ممثلي تلك الفترة الذين لا يزالون يعملون بنشاط.
لكن أنجلينا لم تكن تريد لأبيها أن يكون مثالها الأول، وربما كان الحق
معها في ذلك، فهو لم يكن يرغب في البقاء بجانب عائلته ما جعلها وأمها
تعيشان فقراً مدقعاً معظم الوقت، ودفعها الى أن تشعر بالغربة والخوف وعدم
الثقة بنفسها وبأنها غير مرغوب بها. شعور طغى عليها فإذا بها تتوقّف عن طلب
فن التمثيل الذي درسته صغيرة في لوس أنجلوس، وتشق طريقاً من العبث والجنون
وهي ما زالت في الرابعة عشرة من عمرها. وهذا استمر لعامين قبل أن تدرك أن
مستقبلها يكمن في غير هذا المنوال من الحياة.
الباقي تاريخ معروف: شهرة عالمية.. حب كبير لعائلة متعددة العناصر
والأجناس تعوّض به غياب الألفة وحنان الأسرة في سنوات نشأتها.. هجوم على
أبيها الذي اعتذر لها عن قصوره. وشقت طريقا ناجحا في السينما، ولاحقاً في
الشؤون الاجتماعية كسفيرة فوق العادة للأمم المتحدة، ما جعلها تطّلع على
بؤر الفقر والعوز في عدد من الدول الآسيوية والأفريقية وتشترك في حملات
إغاثتها.
هي أيضاً امرأة تحصل على ما تريد: تعرّفت على براد بيت عندما عملا معا
في فيلم {مستر ومسز سميث} أعجبها فاحتفظت به رغم أنه كان مرتبطاً بجنيفر
أنيستون التي حاربت من أجل الاحتفاظ به، لكنها خسرت، وكل اعتذارات براد بيت
لها لم تمسح الشعور بالخيبة لفقدانها إياه.
كانت أنجلينا أمضت خمس سنوات من تمثيل الأدوار الصغيرة وغير اللافتة
قبل أن تُمنح بطولة الفيلم التلفزيوني «جيا» عن حياة عارضة الأزياء جيا
كارانجي، ونجاحها فيه لفت الأنظار اليها أكثر، فظهرت في فيلمين سينمائيين
كانا بمنزلة منصّة الانطلاق الثانية: «جامع العظام» أمام دنزل واشنطن
و«فتاة مُقاطعة» أمام وينونا رايدر، وعنه نالت أوسكارها كأفضل ممثلة
مساندة.
من هنا توالت نجاحاتها منتقلة من الدراما الى الأكشن ومن المغامرة الى
التاريخي وغالباً بنتائج مميّزة كما حالها في «قلب كبير» (2007) و «ابدال»
(2008).
التقيناها في هوليوود وكان معها هذا الحوار.
·
في عام واحد تظهرين في ثلاثة
أفلام، ثم يمر عامان، او ثلاثة من دون أن نشاهد لك فيلماً. ما حجم السينما
بين اهتماماتك الأخرى؟
- هناك أسباب كثيرة لما تلاحظه من ظهور متكرر او غياب متواصل لا علاقة
لها بحجم النشاط او بالوقت الذي أصرفه على التمثيل. السينما هي الشيء
الأساسي في حياتي، لكنها ليست كل شيء. هناك أسرتي وهناك مشاغلي الاجتماعية
الأخرى وكلها تتطلّب جهداً ووقتاً. لكن في أحيان أيضاً يكون غيابي مردّه أن
لا شيء مما أريد التمثيل فيه جاهز للبدء. بعض الأفلام يتأخر وبعضها لا أراه
مناسبا، او ربما لا يتلاءم موعد تصويره مع مشاغلي الأخرى.. أسباب كثيرة.
التنوع من شروط الاستمرار
·
آخر فيلم شاهدناه لك كان «مطلوب»
في نهاية العام 2008 وهو العام ذاته الذي مثلت فيه «إبدال» للمخرج كلينت
ايستوود. فيلم من نوع الأكشن وفيلم من نوع الدراما.. هل من تفضيل؟
- ليس بالإمكان البقاء في نطاق نوع واحد من الأفلام. كممثلة أفضل أن
أختار أنواعاً تختلف بعضها عن البعض الآخر لأن ذلك بات من شروط الاستمرار.
تريد أن تكون في فيلم من نوعية «إبدال» وتريد أن تكون في فيلم أكشن من
نوعية «مطلوب»، وربما فيلم سيكولوجي او كوميدي او موسيقي من حين إلى آخر.
·
في عهد مضى كان الممثلون يرغبون
في التميّز بنوعية واحدة، وكانوا ينجحون في ذلك ويبنون شهرتهم على هذا
المنوال. ما الذي حدث في اعتقادك؟
- تتحدّث عن هوليوود سابقة لم يعد لها وجود. حينها، كما أعتقد، كان
الاستديو يخطط لكل ممثل حياته المهنية وهو لا يستطيع أن يقول لا. لكن حتى
في ذلك الحين كان هناك تباين ولتلك الفترة اخطاؤها أيضاً. نحن في عصر
مختلف. المهنة لها شروطها المستمدة من الحاجة الى التنويع، لأنني لا أعتقد
أن هناك جمهوراً كبيراً لنوع واحد. الفيلم الناجح اليوم ليس كالفيلم الناجح
غداً.
موقف من السلطة
·
كلا الفيلمين يقدّمان موقفاً
مختلفاً من موضوع السُلطة.. في «مطلوب» هي سُلطة خفية وفي «إبدال» هي
البوليس. في الفيلمين يشعر المرء بأنه لا يستطيع أن يثق بأي من هاتين
السُلطتين! كيف تفسرين ذلك لأولادك؟ كيف تفسرين لهم ما يحدث في هذا العالم
من مشاكل وحروب وتجاوزات؟
- هذا سؤال كبير جدّاً. لقد لاحظت على أولادي أنه نتيجة ما يرونه من
برامج وأفلام أخذوا يشكّلون رأيا. أحدهم قد يقول عن شخص شرير «هذا رجل
سيئ». وأنا أحاول أن أصحح له: «هذا شخص يفعل شيئاً سيئاً» لا يعني ذلك انه
رجل سيئ. هذا يقع على نطاق الدول أيضاً. أكبر أولادي بات مهتماً بالأمور
العسكرية وكان يقول لي «هذا بلد معاد» او «هذا بلد صديق» وأقول له «لا هذا
بلد يفعل أشياء معادية» او «هذا بلد يفعل أشياء صديقة». أعتقد أن تقديم
الحكومات او السُلطات على نحو يضعها ضمن نطاق المسؤولية هو أمر جيّد. كلنا
نعلم أن الأخيار والأشرار موجودون في كل مكان. وهناك أناس مختلفون في مناصب
مختلفة وبعضهم ليس أهل ثقة.
الطريق إلى عالم أفضل
·
لديك الآن ستّة أولاد؟ أليس
كذلك؟
- نعم.
·
كيف تجدين الوقت لرعايتهم، وأنا
أعلم أنك تصرّين على رعايتهم بنفسك؟
- ليس الأمر سهلاً إذا حسبت الوقت الذي أصرفه على حياتي العائلية. أنا
فعلاً أهتم كثيراً بهذه العائلة. أريد لأولادي حياة سعيدة، وهذا ليس أمراً
أنفرد في طلبه. كلنا نريد حياة سعيدة لأولادنا، لكنني أعتقد أن السعادة
تنتج من الوجود هناك.. حين يكون عليك أن تكون حاضراً في تلك المرّات التي
يطلبك الأولاد فيها. أيضاً أريد أن أؤمن لهم الثقافة التي لا يمكن لهم
تحصيلها في المدارس.. ثقافة فنية وأدبية واجتماعية وتاريخية راقية. كثيرون
منا يهملون هذا الجانب، لكن إذا ما كنا ننشد عالماً أفضل فإن الثقافة يجب
أن تأتي في مقدّمة اهتماماتنا.
·
كيف تفسرين لهم كلمة حرب او كيف
تفسّرين ما يحدث في هذا العالم؟
- نعم مسألة صعبة، لكنني أحاول أن أميّز السياسة عن الواقع، ولا تنس
أن المنظور من أوروبا مختلف.
·
حقيقة أنك تعيشين في ألمانيا
معظم الوقت هل تعنين أنك اخترت حياة غير أميركية لك ولأسرتك؟
- أولاً أنا فخورة بأنني أميركية. فخورة جداً وأولادي لديهم جوازات
سفر أميركية. لكن لأوروبا نوع من الحياة الثقافية التي لا أعتقد أن لها
مثيلا في أي مكان من العالم وأريد لنفسي هذه النوعية من الحياة. وما أريده
لنفسي أريده لأسرتي أيضاً.
أكثر من حظ
·
هل صحيح الافتراض أنه مع فيلم
خيالي مثل «لارا كروفت» تستطيعين العودة الى أسرتك من دون أن تعلق بك مشاغل
الشخصية، على عكس تمثيل شخصية كالتي شاهدناك تمثلينها في «قلب كبير» او
«إبدال»؟ هذه تبقى معك فترة طويلة.. أليس كذلك؟
- نعم.. هذا صحيح. في كلا الفيلمين اللذين ذكرتهما، «قلب كبير»
و«إبدال»، عانيت كثيراً من مسألة أن الشخصيتين تمسّاني الى حد كبير. الأول،
كما تعرف لأنني أخالك شاهدته، يدور حول زوجة المراسل الصحافي الذي أعدم في
باكستان، لا لذنب الا لأنه أميركي ويهودي، وفي الثاني مثلت شخصية أم اختفى
ابنها لبضعة أشهر ثم يطلب منها البوليس تبنّي ولد آخر على أساس أنه ابنها
وهي ترفض. كلاهما مأخوذ عن أحداث واقعية وقد تركا فيّ تأثيراً كبيراً. هذا
عالم بحاجة الى الكثير من الشجاعة لكي يواجه المرء ما يحدث له او لغيره
فيه. هل تفهم ما أقصد؟ في «إبدال» وكونه يتحدّث عن أم تخسر ابنها فإن كل
رغبتي خلال التصوير هو أن أجلب أولادي الى قربي وأتأكد أنهم سالمون.
·
هل حدث أن خسرت دوراً في فيلم ما
لأن شهرتك أكبر من أن يستطيع الفيلم تحمّلها... او أكبر من حاجة الفيلم
إليها؟
- سؤال غريب (تضحك)... لا أدري. ربما عليك أن تسأل المنتجين، لكنني
أعرف ماذا تقصد. أتمنّى أن تعاملني السينما على أساس أنني ممثلة بصرف النظر
عن شهرتي. وهي عاملتني على هذا النحو الى الآن كما أعتقد. لم تعاملني لوحدي
على هذا النحو بل عاملت كل الممثلين المشهورين بالطريقة ذاتها. طبعاً،
أحياناً ما يكون الفيلم صغيراً لا يستطيع أن يتحمل كلفة الإتيان بممثل
كبير.. أعتقد أن هذا أمر مختلف.
·
هل عُرض عليك فيلم مستقل او فيلم
صغير الإنتاج ورفضته لهذا السبب؟
- الكثير مما مثّلته في مطلع حياتي المهنية كان أفلاماً صغيرة0
·
لكنك لم تكوني مشهورة الى هذا
الحد!
- صحيح. ما أود الوصول اليه هو أنني تعاملت مع هذا النوع من الأفلام
وأقول لك إذا ما وُجد الحد الأدنى من عوامل الإنتاج إنما مع موضوع أرى أنني
لابد لي من تمثيله فسأفعل بصرف النظر عن ميزانيّته.
لا أسعى للأوسكار
·
نلت الأوسكار حين كنت شابّة في
الخامسة والعشرين، ماذا عنى لك ذلك حينها؟ هل حاولت منذ فوزك ذاك أن تبرهني
أن المسألة لم تكن مسألة حظ؟
- كنت محظوظة من ناحية مختلفة. محظوظة من ناحية أنني نلت الجائزة
أساساً وليس من حيث انني نلتها مبكراً. لذلك لا أعتقد أنها شكّلت عامل ضغط
عليّ. لم أشعر بأن عليّ أن أبرهن أنني موهوبة فعلاً وأنني استحققتها
لموهبتي وبالتالي علي أن أفوز بها مرّة أخرى. هناك العديد من الممثلين
الجيدين الذين لم يفوزوا بها مطلقاً. هذا لم يمنع الناس من الإقبال عليهم
او تقديرهم.
·
مثّلت في فيلم واحد مع براد بت
هو «مستر ومسز جونز».. ومع أن البعض تحدّث عن جزء ثانٍ منه الا أنه لم يقع.
لم لا تظهران في أفلام أكثر رغم أن التجربة تجارياً لم تكن سيئة؟
- حقيقي لم تكن سيئة، لكن الفرص محدودة. أتسلم مشاريع لا يتسلمها هو
ويتسلم هو مشاريعه الخاصّة أيضاً. لا نقدم على التمثيل وفي البال أن علينا
أن نشترك في أفلام حتى نبرهن عن شيء.. عن أي شيء. إذا ما كان السيناريو
مناسباً كما كانت الحال في «مستر ومسز جونز» وافقنا.
عميلة «سي آي إيه»
·
لديك عدّة مشاريع بعضها قيد
التحضير وبعضها في التصوير. أعتقد أن «سولت» هو في التصوير حالياً؟
- نعم.
·
عما يدور هذا الفيلم؟
- أمثل دور عميلة للسي آي ايه اسمها إيفيلين سولت. كل شيء يبدو على ما
يرام بما فيها تحديات المهنة، وهي ناجحة والجميع يقدّر جهودها لكن فجأة
تسري إشاعة، هي نتيجة مؤامرة مخطط لها، مفادها أنها جاسوسة روسية وعليها أن
تثبت عكس ذلك، وهذا ليس سهلاً لأن من يتّهمها هو جاسوس أميركي يعمل في
روسيا.
·
حرب باردة؟
- لا (تضحك).. ساخنة.
·
كيف وجدت المخرج فيليب نويس؟
- هذه هي المرّة الأولى التي أمثل فيلما من اخراجه واحترمه كثيراً.
لديه طريقة في العمل تشبه طريقة كلينت ايستوود واعية ومحددة.
القبس الكويتية في
27/01/2010 |