مع تذكر الهنود قتلاهم الذين سقطوا خلال هجمات مومباي (بومباي سابقا) في 26
نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 في ذكراها السنوية الأولى، يبدو أن أفلام صناعة
السينما الهندية الشهيرة بـ«بوليوود»، ومقرها الرئيس مومباي، تتجه إلى فكرة
جديدة تعتمد على معالجة الإرهاب والإسلام.
الأفلام التي تعالج الإرهاب على الشاشات التلفزيونية كانت المسيطرة على
مدار العام الماضي. ومن المثير أن الكثير من هذه الأفلام، مثل «مومباي ميري
جان» و«عامر» و«يوم أربعاء» و«نيويورك»، حظيت بإقبال هائل من جانب
المشاهدين، كما تناولها النقاد باستفاضة. ثم إنها مست كذلك وترا لدى
الجمهور بتقريبها القضية من الرجل العادي.. عن طريق إظهار الخوف من الدخول
إلى القطارات المحلية، والأفكار النمطية داخل المجتمعات الدينية، والإحباط
بسبب العجز عن الرد على ذلك. وحسب مجلات الأفلام فإن الكثير من هذه الأفلام
تعرض داخل العالم العربي.
ويتناول فيلم «مومباي ميري جان» قصة خمسة أشخاص تأثرت حياتهم بالهجمات التي
استهدفت قطار مومباي عام 2006 والتي نفذها إرهابيون مسلمون. وفيلم «عامر»
يتناول قصة طبيب مسلم شاب عاد من المملكة المتحدة إلى مومباي ووجد نفسه تحت
رحمة متطرفين متدينين يريدون تنفيذ تفجير داخل المدينة، وبالتالي، يعالج
الفيلم مشاكل المسلمين في الهند المعاصرة وعمليات الاستقطاب الديني
المتزايدة. أما فيلم «يوم أربعاء» فيأخذ المشاهدين إلى عقل إرهابي، ويظهر
كيف ينتج عن الإرهاب المزيد من الإرهاب. في حين أن فيلم «نيويورك» يصور
عملية الاعتقال غير القانونية لمسلمين في أعقاب أحداث التاسع من سبتمبر
(أيلول)، ويتعرض خلالها رجل للتعذيب داخل مدينة نيويورك بسبب هوية خاطئة.
ويحتوي آخر فيلمين خصصت لهما ميزانية ضخمة، وهما فيلم «قربان» الذي عرض
أخيرا والفيلم المرتقب «اسمي خان»، موضوعين ـ أيضا ـ مرتبطين بالإرهاب.
ويظهر في «نيويورك» و«قربان» و«اسمي خان»، الذي يجري تصويره في سان
فرانسيسكو بالولايات المتحدة، رجال مسلمون متمدنون يلعبون دورا محوريا في
المؤامرة. وهم ليسوا مجرد ضحايا أو جناة، ولكن هناك أيضا البطل الرومانسي،
الذي يقاتل الأضداد. وللمرة الأولى داخل النطاق السينمائي المترف في
«بوليوود» يتحدث المسلم الليبرالي ويدفع القصة للأمام.
ومع ظهور نجوم بارزين في «بوليوود» في الأفلام التي تعالج الإرهاب، يتبين
أن فكرة الإرهاب باتت مسيطرة على الأفلام إلى حد كبير، وتجري معالجتها
بصورة مختلفة في كل مرة.
ومع تغير الأوقات، تتطور الصورة التي يعرض فيها المسلمون أيضا. وإذا كنت
تريد معرفة كيف تصور الأفلام الهندية المسلمين والإرهابيين، فكل ما عليك
القيام به هو أن تأخذ عددا قليلا من أفلام العام الماضي أو نحو ذلك. وبصورة
تقليدية، كان المسلمون في الماضي يظهرون في الأفلام الهندية كأصدقاء أوفياء
أو غانيات طيبات القلب أو مهربين مترفين أو شعراء وكتاب. ولكن، بعد تفاقم
التمرد في كشمير الهندية، رحبت «بوليوود» منذ الثمانينات بكمية كبيرة من
المواقف غير المدروسة عن المسلمين والإسلام. فـ«الإسلام» يعني «الجهاد»
و«الجهاد» يعني «الإرهاب».
وكان فيلم «روجا» هو الفيلم المناسب لأجواء عقد الثمانينات، والذي استوحى
الصراع الآيديولوجي بين الضحية الوطني والجهادي الإرهابي. وقد فتح الباب
على مصراعيه أمام عدد من أفلام «بوليوود» التي كانت لها نبرة أكثر حدة في
النغمة واستمرت كذلك لفترة أطول. وكانت أفلام «سارفاروش» و«ما توجي سلام»
و«بوكر» «فيزا» و«مهمة كشمير» و«بوردر» وغيرها من الأعمال الناجحة التي
ركزت على العلاقة بين كشمير باكستان والمسلمين. وكان «المجرمون» يظهرون وهم
يرددون شعارات طنانة ضد الهند، ويحاربون من أجل قضية كشمير. وكان جميع
هؤلاء من الشباب الملتحي وعليهم وشم على شكل البندقية ويرتدون ملابس
إسلامية تقليدية وقد وضعت الكوفية على أكتافهم. وكان هؤلاء يصورون وعيونهم
حمراء لها لون الدم ويسيطر عليهم غضب مجنون. بل، كان «المجرم» أو الشخص
السيئ في الفيلم يرتدي عباءة رجل دين إسلامي وعلى رأسه قلنسوة وفي يديه
مسبحة.. ويقوم في بادئ الأمر بالتلفظ ببعض الكلمات العربية، وبعد ذلك يبرهن
على رغبته الحمقاء في تدمير الهند.
ولكن، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، أخذت أفلام «بوليوود» تصور
مسلمي الهند المتناقضين. وكان على كاهل هذه الفئة الجديدة عبء كبير لإثبات
وطنيته للمجتمع على الدوام. وجرى تصوير الشك إزاء وطنية المسلمين داخل
الهند من خلال معالجة الشخصية الرئيسية في الفيلم، وحتى إذا كانت هذه
الشخصية شخصية إرهابي فإنه يظهر على أنه يعمل لصالح باكستان، لكنه في
النهاية يدرك عبث ما يفعله، فيتحول إلى القتال من أجل الهند.
إلا أن أفلام «بوليوود» المعاصرة حول الإرهاب تخلو من الأفكار النمطية
الخاصة بالمسلمين. ولا يوجد في هذه الأفلام أي شيء من الإشارات المعتادة
حول الإسلام في معظم الأفلام.
وعلى سبيل المثال، لا ذكر لكلمة «الله» في فيلم «نيويورك» ولو مرة واحدة،
ومع ذلك فإن الفيلم مرتبط بالعالم الإسلامي. ولو جرى استخدام طلاب مصريين
أو أردنيين أو مغاربة مكان الطلبة الهنود فلن يتغير شيء في الفيلم. وشخصية
عمر في فيلم «نيويورك» لهندي متعلم من نيودلهي يدرس في إحدى جامعات
نيويورك. ويمضي عمر الكثير من الوقت مع زميلين هما سام (جون أبراهام)، وهو
مسلم نشأ في الولايات المتحدة، ومايا (كاترينا كييف) وهي هندية. ويأتي
الفيلم على خلفية الهجمات التي استهدفت مركز التجارة العالمي، إذ يعتقل
عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي عمر، الذي يشعر بالغضب بسبب الظلم، ويفضل
أن يتجه إلى منحى عنيف. ويوجد في النصف الثاني الطرف المظلم الذي يصيب
بالقشعريرة الذي عرض في فيلم «الترحيل» (2007) الذي يتناول الأوضاع
السياسية والآلام التي شابت عمليات الاعتقال عقب أحداث الحادي عشر من
سبتمبر (أيلول). ويقول كبير خان، مخرج الفيلم «بعد هجمات الحادي عشر من
سبتمبر (أيلول)، رفض طلبي تأشيرة دخول للولايات المتحدة عدة مرات بسبب
اسمي. وقيل لي إن اسمي الأخير (مبهم). هذا جعلني أفكر حقا في هويتي كمسلم».
ومع تعرض مدن مثل لندن ومدريد ومومباي لهجمات إرهابية، عكف مخرجو «بوليوود»
على دراسة المشاعر البشرية التي تقف وراء هذا التهديد العالمي. ما سر هذه
الأفلام التي يتعلق بها المشاهدون؟ لماذا تحرك هذه الأفلام وترا لدى
الجمهور؟ وهكذا غدا موضوع «الإرهاب الإسلامي» في أعقاب هجمات الحادي عشر من
سبتمبر (أيلول) عنصرا شائعا في بوليوود. وأصبح يقدم «الإرهابي» في صورة
واقعية يجري بحثها بطريقة جيدة.
فيلم «اسمي خان»، المقرر أن يبدأ عرضه في 20 فبراير (شباط) المقبل، يروي
قصة رضوان خان الذي ربته أمه في إحدى ضواحي مومباي. وبعدها ينتقل إلى
الولايات المتحدة ويقع في حب امرأة. وبطل القصة هنا يعاني من «متلازمة
آسبرغر»، وهو نوع من التوحد يؤثر على مهارات المرء المجتمعية. وبعد انهيار
مبنى التجارة العالمي، يخطئ مكتب التحقيقات الفيدرالي في فهم الإعاقة التي
يعاني منها، ويرى أن تصرفاته مثيرة للشكوك، فيلقي القبض عليه.
وليس من قبيل المصادفة أن جميع الأفلام الثلاثة خلفيتها أميركا أو نيويورك.
فقد كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وهي في ذاتها مأساة لها
أبعاد سينمائية، مصدر إلهام بالنسبة للأفلام في مختلف أنحاء العالم، وأحضرت
قضية النظرة العنصرية إلى ضمير العالم. مع ملاحظة أن صناع الأفلام في الهند
تأخروا سبع سنوات في استخدام هذه الفرصة على الرغم من أن الكثير من تاريخنا
المعاصر يشكله العنف الطائفي والتمييز العنصري.
دي سيلفا، مخرج فيلم «قربان»، يقول: «لا يمكن أن تكون موضوعيا أو محايدا مع
قضايا مثل الإرهاب. ربما لا يحب الكثير من البيض فيلمي، لأنهم سيسمعون
الشاب المسلم يتحدث ضد الإسلام الراديكالي».
في هذه الأثناء يظهر أن فيلم «نيويورك» حقق نجاحا غير مسبوق في الشرق
الأوسط. وجذب جمهورا عربيا كبيرا أيضا. وقد حظي العرض الأول للفيلم في دولة
الإمارات العربية المتحدة والبحرين بإقبال كبير، وبلغ إجمالي العوائد في
الشرق الأوسط 1.5 مليون دولار، وانتشرت الاسطوانات المسروقة للفيلم في
سورية والأردن ومصر والمملكة العربية السعودية. وعرض الفيلم في مهرجان
القاهرة السينمائي الدولي لعام 2009، أقدم وأهم مهرجان أفلام في منطقة
الشرق الأوسط. كما اتصل موزعون عرب بمنتجي فيلم «نيويورك» من أجل الحصول
على حقوق البث التلفزيون والبث المسرحي للفيلم في نيويورك والمغرب. وسيعرض
فيلم «اسمي خان» الذي توزعه شركة «فوكس» عالميا، في القاهرة خلال العام
المقبل. وإلى جانب فيلم «نيويورك» تناولت ثلاثة أفلام هندية أخرى عرضت في
المهرجان الدولي بالقاهرة فكرة الإرهاب وتبعاته.
وقد حصل فيلم «مادهولا ـ استمري في السير» على جائزة أحسن ممثل، وهو عبارة
عن فيلم بسيط ومتواضع ولكنه في بعض الأجزاء عبارة عن حكاية أخلاقية وعاطفية
متصلة بتفجيرات القطارات في مومباي عام 2006. ويتطرق فيلم «رامان.. محاضرة
عن الغزو» إلى الإرهاب من ناحية آيديولوجية، فيطلق على الرئيس الأميركي
السابق جورج بوش لقب «إرهابي سياسي» وينتقد الإمبريالية الأميركية. ويوجد
في الفيلم مساران متوازيان، واحد في الهند وهو يظهر كيف أن العولمة كانت
سببا في اضطرابات اقتصادية وثقافية داخل الدول النامية. ويتناول المسار
الآخر الغزو الأميركي للعراق. ويتناول الفيلم قصة رحلة تقوم بها صانعة
أفلام وثائقية، تحقق في قضية الهيمنة الأميركية وتصل إلى العراق، الذي يعد
آخر ضحايا الغزوات الأميركية، وهناك تقع في أيادي الجيش الأميركي فتسجن.
ولكن بالطبع، فإن معالجة الإرهاب لا تضمن دوما أن الفيلم سيحظى بإقبال
كبير. وكما يشير مخرج فيلم «يوم أربعاء» نيراج باندي «هناك الكثير من
الأفلام التي تتناول الإرهاب لم يكن عليها إقبال كبير لأنها تتعامل مع
القضية بطريقة مهلهلة، وكان متعذرا تواصلها مع الجمهور». ويضيف نيراج «ينجح
الفيلم عندما يستطيع الجمهور التواصل معه ويربطه بموقف وعاطفة، ولذا فإن أي
قصة محل اهتمام البشر ستصل إلى قاعدة أكبر من الجمهور. وسيرفض الجمهور أي
فيلم مبني على قضية إذا لم يكن له مغزى».
الشرق الأوسط في
15/12/2009 |