منذ زمن طويل، لم تعد سينما التونسي الاستثنائي ناصر خمير، مجهولة في المدن
العربية ذات المهرجانات، حتى وإن كان جمهور هذه الأفلام لا يزال ضئيل العدد
نسبياً،
فهو إضافة الى كونه جمهور مهرجانات، جمهور نخبوي ايضاً، وسبب ذلك جدة سينما
ناصر
خمير وصعوبة الولوج الى عوالمها التي تستقي من التاريخ والأساطير واللغة
جمالياتها
محولة اياها الى أبعاد بصرية ساحرة يصعب القول إن الذائقة العربية العامة
معتادة
عليها. مهما يكن فإن هذه الوضعية لا تغيظ هذا المخرج، الذي هو في الوقت
نفسه، رسام
ومصوّر، وكاتب أساطير، وحكواتي شعبي، وسليل عائلة تغوص منذ زمن في شتى
أنواع
الفنون. غير أن ما يحزن خمير، في الواقع، هو أن أفلامه، ولا سيما الطويلة
الثلاثة
منها («الهائمون» و «طوق الحمامة المفقود» و «بابا عزيز») لا تعرض عادة الا
متفرقة،
ونادراً ما عرضت معاً، هي التي يعتبرها خمير ثلاثية متكاملة. وربما يعود
هذا الى
طول الفارق الزمني بين فيلم وآخر: فهو حققها خلال ما يقرب من ثلاثين عاماً!
مهما يكن فإن فرصة عرض هذه الأفلام الثلاثة معاً، أتيحت قبل أيام ولكن...
في
نيويورك، التي شهدت خلال يومين، عرض الثلاثية مطلقة عليها اسم «ثلاثية
الصحراء».
وجرى العرض في القاعة المعروفة باسم «مركز نيويورك المفتوح» في حضور المخرج
نفسه،
ضمن إطار تظاهرة حول «الإسلام والصوفية» نُظم للمناسبة. إذاً، بفضل هذه
التظاهرة
أتيح لجمهور نيويوركي، عربي وأميركي، أن يجابه ثلاثة من أجمل الأفلام
العربية، كي
نقول من أقوى الأفلام العربية. أفلام تكشف عن شغف خمير باللعبة البصرية،
وبالصحراء،
وبالتاريخ العربي والإسلامي في آن.
ونعرف أن خمير بنى كل واحد من هذه الأفلام، على لعبة أسطورية، وصلت الى
ذروتها -
بعد الفيلم الأول «الهائمون» والذي فاز في حينه (أوائل ثمانينات القرن
العشرين)
بجائزة مهرجان القارات الثلاث في فرنسا، إضافة الى أنه اقترب من القضية
الاجتماعية،
بشكل لم يعد اليه خمير لاحقاً - في «طوق الحمامة المفقود» الذي قامت بالدور
الأول
فيه نينار اسبر (ابنة الشاعر أدونيس) الذي قدم فيه الفنان رؤية معاصرة
لكتاب ابن
حزم حول الحب والإلفة «طوق الحمامة». أما «بابا عزيز» الذي حققه خمير قبل
ثلاثة
أعوام، فقد اعتبر اعادة نظر خلاّقة في الثقافة العربية - الاسلامية، وصوره
صاحبه
بين تونس وايران.
الحياة اللندنية في
27/11/2009
من فلسطين الأوروبية الى ملصق البطل
الرياضي
بيروت - «الحياة»
حتى وإن كان الإنتاج السينمائي اللبناني ازداد ندرة خلال السنوات الأخيرة
ولا
يزال، على رغم النجاحات النسبية التي حققها خلال سنوات سابقة،
فإن «المهرجانات» و «المناسبات»
و «الأسابيع» السينمائية المتلاحقة في لبنان، تبدو وكأنها بعض تعويض
منشود. ومع هذا من الواضح أنها نادرة تلك التظاهرات التي يمكن التوقف
عندها، حقّاً،
واعتبارها ناجحة. ومن بين هذه «النوادر» مهرجان الفيلم الأوروبي الذي أقيم
بدءاً من
مساء أمس للمرة السادسة عشرة، موزعاً هذه المرة عروضه بين موقعه الرئيس
(صالة
متروبوليس في بيروت) ومدن عدة مثل طرابلس وصيدا وزحلة. والحال
أن هذا ليس التغيير
الوحيد، إن أخذنا في الاعتبار إلغاء «الجائزة النقدية» - المتواضعة جداً -
والتي
كانت تمنح من قبل البعثة الأوروبية، راعية المهرجان لأفضل فيلم لبناني،
لتُستبدل
بعرض الفيلم الفائز في مهرجان أوروبي مقبل أو أكثر. ولعل في
هذا حافزاً إضافياً
لاشتداد التسابق على هذا التعويض بين عشرين فيلماً قصيراً ومتوسطاً لشبان
«السينما
اللبنانية» الواعدين. غير أن الأهم في الدورة الجديدة لهذا العام، يبقى
الأفلام
نفسها، أفلام الأمم الأوروبية التي بعدما طوّف معظمها في
مهرجانات عالمية، يحط
رحاله الآن في عروضه اللبنانية مقدماً، في شكل عام، جديداً، كان من
المستحيل
مشاهدته على خريطة العروض التجارية اللبنانية. ونعرف من التجارب السابقة
ومن
المستوى المتقدم - نسبياً للسينما الأوروبية، أو التي تنتج
بدعم أوروبي ولو أنها
أتت من مناطق أخرى -، أن الدورات السابقة امتلأت بأعمال رائعة، وان الخيبة
لم تكن
نتيجة حتمية، كما الحال مع «مهرجانات» أخرى، للاندماج بحماس طبيعي الى
مشاهدة
العروض.
طبعاً لا يمكن في هذه العجالة الحديث عن كل الأفلام المعروضة، خلال أحد عشر
يوماً، أمام جمهور، شاب عادة، وهاوٍ حقيقي للسينما أيضاً - كما
الحال في الدورات
السابقة لهذا المهرجان نفسه -، ولكن يمكن التوقف عند بعض نقاط القوة، التي
تمثلها،
في شكل خاص شرائط نالت شهرتها وعرفت، حتى من قبل أن تشاهد، وذلك بفضل عرضها
في
مهرجانات كبيرة طوال العام، وفي مقدمها مهرجان «كان». وعلى رأس
هذه الأفلام تأتي
أربعة، منها اثنان نالا جوائز متقدمة: «نبي» لجاك اوديار، الذي يتابع
اعتقال وسجن
وصعود رجل مافيا فرنسي من أصول مغاربية... فيلم متميز «نبي»، استقبل منذ
عروضه
المكانية بعشرات المقالات المرحبة. في المقابل هناك الفيلم
الفلسطيني (من إنتاج
أوروبي) الجديد لإيليا سليمان «الزمن الباقي» الذي يحط في بيروت في عرض
لبناني أول
بعدما زار مهرجانات عدة ونال جوائزها، في هذا الفيلم يستكمل سليمان ثلاثية
«سيرته
الذاتية» التي هي - استطراداً - سيرة فلسطين وسيرة والديه
وسيرة الخيبة المطلقة.
فيلمان آخران في السياق نفسه هما «البحث عن اريك» لكين لوتش (مع اريك
كانتونا بطل
كرة القدم الفرنسي واللاعب السابق في فريق مانشستر يونايتد الانكليزي)،
الذي يخوض
فيه لوتشي، بحنان وقوة، الحديث عن حياة أربعيني محبط يجد عزاءه في الحوار
مع تجسّد
ملصق لبطله الرياضي المفضل، و «فيش تانك» العمل الرائع لأندريه
رينولد، عن حياة
مراهقة انكليزية وسط الفقر والآمال والإحباط والمغامرة.
وليس هذا سوى رأس جبل الجليد في دورة جديدة من «مهرجان السينما الأوروبية»
الذي
يتيح، وكالعادة، فرصة مميزة لمشاهدة أفلام آتية من نحو عشرين
بلداً أوروبياً، لتقول
نطور السينما في التعاطي مع المجتمعات وأهلها، وفي التعبير عن نظرة
المبدعين الى
بلدانهم. ولا شك في أن الجمهور اللبناني، في بيروت وخارجها سيكون على
الموعد، كما
في الدورات السابقة.
الحياة اللندنية في
27/11/2009 |