"هي فوضى" آخر افلام المخرج الراحل يوسف شاهين
وتلميذه خالد يوسف، اول مشهد في الفيلم صوره بطريقة رائعة رمسيس مرزق وهو
مشهد المظاهرة، ولكن فاتَ فريق العمل ملاحظة الرجلين الواقفين بجوار عربة
الخضار، حيث فرَّ الجميع وبقيا ساكنين بافتراض أنَّ أحدهما هو البائع صاحب
العربة، لكنَّهُ هو الذي قام بقلبها، ولولا ما أفلست شركات التأمين لقلنا
فعلها طمعاً بمبلغ التأمين ضد المظاهرات وهو امتياز جديد لبائعي الخضار في
البلدان العربية!. الفيلم كما هو معروف بطولة خالد صالح بدور حاتم باشا،
منة شلبي بدور بنت الحارة الشعبية نور، يوسف الشريف بدور شريف وكيل
النيابة، هالة صدقي والدة شريف، هالة فاخر بدور بهية والدة نور.
وآخرون بالطبع. السينما المصرية هنا سقطت في الفراغ، وكررت نفسها، فلا بدَّ
أنْ تُغْتَصَبْ بنت الحارة سواء من ابن حارتها أو من أحد أبناء الأغنياء،
ولا تجد شيئاً غير الاغتصاب والكبت الجنسي وترميز فساد السلطة السياسية
بفساد أصغر مسؤول، ولكن لماذا ننسى أنَّهُ إذا ما قام فيلمٌ ما، بانتقاد
السلطة الفاسدة بصورة ساذجة، فإنَّ هذا الانتقاد هو مدحٌ كبير وتبرئة لساحة
هذه السلطة:
لا أحد ينكِر ما للشرطة من دور في إفساد المجتمع، بدلاً من حمايته ضد
الفساد، خاصةً وأنَّ السلطة السياسية الفاسدة لا تقبل بشرطة نزيهة، بل
تريدها فاسدة تقمع الشعب، حتى أنَّ الكاتب الياباني هوراكي موراكامي
يقول(استخلصَ هوشينو ليس للمرة الأولى في حياته أنَّ الشرطة مجرد عصابة
تأخذ أجراً من الحكومة/ هاروكي موراكامي- كافكا على الشاطئ- ترجمة: إيمان
حرز الله). ولكنَّ بسذاجة بعض مشاهد فيلم "هي فوضى" لن يتقبَّل المشاهد هذه
الفكرة، فجميع الممثلين كانوا يلعبون ، اثنان منهم كانا يمثِّلان بجديَّة
تامة( خالد صالح وهالة فاخر)أمَّا البقية فكأنَّما أطفال يلعبون لعبة شرطة
وحرامية.
الفلم مَثَّلَ مصر في مهرجان فينيسا لعام 2008، ولم يحز ولو على التفاتة أو
فتفوتة، وأجمع نقاد السينما المصرية من حاشية الوسط الفني، أنَّ الفيلم كان
رائعاً لأنَّهُ يتناول ثنائية فساد السلطة والكبت الجنسي، وفي الحقيقة كان
الفيلم عن فساد شرطي بدرجة مفوض أو نائب ضابط أو مأمور، ولم أجد للكبت
الجنسي أيَّ وجود، فوكيل النيابة لديه خطيبة(صفوة) في غاية الانحلال
الأخلاقي وهي حامل منه، وتقوم بالتخلص من الجنين خوفاً على رشاقتها وتشرب
المخدرات في الأماكن العامة على مرأىً من خطيبها الذي يخلِّصها من رائد
شرطة يراها وهي تلفُّ أصبعاً كبيراً من المخدرات بإبراز هويته، أمَّا حاتم
فهو يحكم الحارة حكم فرعون، والجميع يخافونه كما لو أنَّ حارةً بأكملها
افتقدت الرجولة حتى قام يوسف شاهين بتحريضهم بواسطة حادثة اغتصاب حاتم لبنت
الحارة العفيفة نور، ولكن الذل الذي صور به أهل الحارة في بداية الفيلم
يؤكِّد أنَّ أهالي هذه الحارة منزوعي الإنسانية، ولو أنَّ حاتم اغتصبَ
أمهاتهم أمام أعينهم لَمَا رفَّ لهم جفنُ، " مَن يَهُن يسهلِ الهَوَانُ
عليه، ما لِجُرح بِميت إيلامُ". وكيل النيابة الذي يفور دمه غيرةً على
خطيبته الأولى صفوة وهي ترقص مع زميلها وترسم وشماً على ظهرها، يتقبَّل أمر
اغتصاب حاتم لخطيبته الثانية نور برحابة صدر وهدوء كبيرين، حاتم الذي
يتنصَّت على مكالمات العقيد لمراقبة تطور الوضع يهرب من مركز شرطة شبرا حين
يسمع العقيد يصدر أمراً بإلقاء القبض عليه، ومن ثم يعود إليه، حاتم الذي
يصيب عين نور في صورتها الكبيرة بإطلاقة واحدة، ويصيب العين الأخرى بإطلاقة
ثانية، ولا أدري ماذا كان سيحدث لو أنَّ المخرج جعل حاتم يخطئ هدفه ولا
يصيب الهدف خاصةً وأنَّهُ في حالة نفسية سيئة جدا، كما أخطأ في نهاية
الفيلم فأصاب شريف في كتفه ومن مسافة قريبة جدا، وحين أراد أن ينتحر وضع
فوهة مسدسه في بطنه، وهذا ليس بمقتل ومفوض شرطة محترف يعلم بالتأكيد أنَّ
نسبة فشل محاولة الانتحار هذه كبيرة، كما وأنَّ على جميع الذين يقفون وراءه
أن يفروا جانباً، لأنَّ من شأنِ رصاصة واحدة أنْ تقتل أكثر من اثنين آخرين
بعد أن تخرج من ظهر حاتم، وحاتم باشا الذي يخافه أهل الحارة كافة، وترتعش
نور خوفاً لمجرَّد أنَّه مرَّ بجوارها، وتشتكيه إلى أمِّها بهية منذ بداية
الفيلم، وحين لقيَ ضربةً وإهانةً من خطيبها المزمع، وبدلاً منْ زيادة خوفها
وحذرها من حاتم تأمنه وكأنَّ الضربة كانت صلحاً بدفع دية أبي سفيان، تعود
لتثق به وتذهب لمقابلته في كورنيش على النيل، وبعد أن تغادره غاضبة، تعود
إليه وتذهب معه إلى ركنٍ نائي كي يخطفها بسهولة، كيف لنور أن تضع ثقتها
بهذا الوحش؟ كيف لم تشعر بتأزم الموقف خاصة بعد المشاجرة والإهانة التي
ألحقها شريف بحاتم؟ ومن المشاهد الأكثر سذاجةً شريف الولد المائع يضرب
حاتم، والأكثر سذاجةً مشهد جلوس حاتم في مطعم شعبي وهو يأكل بشره ونهم
عشرات الفطائر، وطابور يقف أمامه وهو يحلُّ مشاكلهم(قل لفلان حاتم أرسلني
وسيحلُّ المشكلة)ولو كان حاتم وزيراً للداخلية لَمَا كان الأمر بهذه
السهولة!!. هذا المشهد يليق بأفلام إسماعيل ياسين لإضحاك جمهور
الأربعينيات، أو الكوميديا التجارية التي أنتجتها مصر في الثمانينات، ومن
المشاهد الساذجة أيضاً تحويل شخصية حاتم إلى شخصية كوميديا ساذجة فيذهب إلى
الكنيسة ويقول للقس اعمل لي حجاباً وإلا سأمنع الصلاة والترانيم وقدَّاس
الأحد، ولو أنَّ الأمر حدثَ فعلاً لتدخَّل مجلس الأمن شخصياً، وأين دور
السفارة الأمريكية التي تتدخل وتضغط لإطلاق سراح سعد الدين إبراهيم وغيره
العشرات؟ هل ينحصر الفساد بمفوَّض الشرطة؟ وهذه الأخطاء وغيرها تذكرني
بمشهد لمسلسل عراقي تأريخي يظهر فيه أحد حراس الخليفة العباسي الذين يقفون
بجانبه يرتدي ساعة يدوية، ينظر إليها خلسةً.
حاتم باشا لديه لازمة يكررها على أهالي منطقة شبرا في القاهرة(اللي ملوش
خير في حاتم ما لوش خير في؟)ليكمل الشخص الذي يخاطبه حاتم قائلاً(مصر)وهو
يقصد أنَّ الشخص الذي لا ينفع حاتم باشا مفوض الشرطة، فهو لن ينفع مصر، ومن
لا يُرجى منه خيرٌ في منفعة مصر، يستحقُّ كلَّ الشرور، ولكن المشكلة هنا في
أنَّ حاتم لا يصلح كرمز لتمثيل أعلى سلطة فاسدة، وإذا كان مفوَّض الشرطة
يتمتع بجميع هذه الصلاحيات، فكان على أوباما والأمير تشارلس ولي عهد
المملكة المتحدة وغيرهما أن يسارعوا للحصول على مقعد في كلية الشرطة
المصرية، لأنَّك إذا أردت أن تكون ملكاً فكُنْ ضابط شرطة في مصر!!!. الحزب
الحاكم يحتكر الدعاية والإعلان وشاهين في نهاية حياته يتنبَّأ بثورة شعبية
ضد مفوَّض الشرطة، لتذكيرنا بثورة شعب رومانيا ضد تشاوشيسكو عام 1989.
كانت السينما المصرية تمتاز بنقل الأدب الروائي العالمي والعربي إلى
الشاشة، واليوم لا نجد فيها سوى مشاهد الإغراء والشذوذ الجنسي المنقود
بطريقة استعراضية.
والدولة باعتبارها أعلى سلطة تقوم بأفعال عديدة، فهناك أفعال يُقصدُ منها
الحماية، وهناك أفعال يُقصدُ منها التدمير، وأفعال يُقصدُ منها البناء،
يمكن لجميع هذه الأفعال أن تكون سبباً للعدوان بحسب فرويد الذي حين تحوَّل
عن نظرية الدافع الجنسي التي صاغها 1920، وَ(وَجَدَ أنَّ عاطفة التدمير
"غريزة الموت" مساوية في قوتها لعاطفة الحب"غريزة الحياة" "الدافع
الجنسي"). إريك فروم- إذا كان سيغموند فرويد قَدْ تراجعَ إلى جادة الصواب،
وأنكرَ عقدة أدويب، والغريزة الجنسية المختبئة وراء السلوك الإنساني،
واخترع غريزة الموت، والتدميرية، والتي كشفَ عنها تولستوي في آخر عمل روائي
كتبه وهو يصف مديراً للسجن عام 1899(بالرغم من شدَّة تأصُّل المبررات
الزائفة في نفسه، تلك المبررات التي تجيز لرجلٍ تعذيب رجلٍ آخر دون أنْ
يعتبر نفسه مسؤولاً عن ذلك)تولستوي- البعث- ترجمة علي محمد جابر- ط1- ، فهل
سيكون بإمكان أنْ يتعلمَّ أن النجاح ليس في الابتذال فقط؟ وأنْ لا يقدِّم
لمجتمع القطيع ما يريدونه من مشاهد إباحية؟ وأنْ لا يقدِّم للآخر صورة
مبتذلة للشعب المصري المكافح؟ أمَّا منى شلبي أكثر سذاجةً من أنْ تترك هذه
اللازمة في كل لقاء صحفي أو تلفزيوني( في أول لقاء مع المخرج يوسف شاهين،
قلتُ له بصراحة وجرأة: أنا لا أفهم أفلامك" فأجاب ساخرا منها "تبقي حمارة")
وهل هناك تملُّقٌ أكثر من هذا؟ تقصد بسبب الفلسفة المعقدة والميتافيزيقيا
والسوبر فنتازية لا تفهم أفلامه! وهو وصفٌ مجازي يحاكي درجة ذكاء منى شلبي
التي لا أحد يعرف ماذا تقول عن فيلم (سمك لبن تمر هندي/ 1988) للمخرج رأفت
الميهي؟
كما لم أجد في الفيلم أيَّة لمسة ساحرة من لمسات المخرج يوسف شاهين مبتدع
سينما الرغبات في مصر، أمّا مشاهد الجنس فقد كانت مبتذلة ومصطنعة وخاصةً
مشهد عنبر سجن النساء المجاور لسجن الرجال، مكتشف الفنانات الشابات
الجميلات حصراً، ومنى شلبي من عائلة فنية أصيلة في الفن، فوالدتها الراقصة
زيزي مصطفى، وفي إحدى حلقات برنامج (البيت بيتك) سأل المذيع محمد سعد
المخرج الشهير يوسف شاهين(كيف اكتشفتَ الفنانة يسرا؟ فقال دون تردد وهو
يبتسم: اكتشفتها في الفراش أولاً)وحين سئل عن فنانة ترفض مشاهد الجنس، قال
لا توجد فنانة ترفض، حتى فاتن حمامة كنتُ أعيد تمثيل مشهد القبلة بينها
وبين عمر الشريف عشرات المرَّات عن قصد في فيلم صرخة في الوادي. وبعد هذا
اللقاء المثير قررت إدارة المتابعة بالتلفزيون المصري الرسمي عدم ظهور
المخرج العالمي يوسف شاهين في أية برامج هواء، خوفاً من كشف المستور.
الإتحاد العراقية في
08/11/2009
حبه للسينما اولا واخيرا..ذكريات
منتج افلام
عراقية
حاوره:
فلاح كامل العزاوي
في مرحلة الستينيات من القرن الماضي ازدهرت السينما العراقية بعض الشيء
وقدمت بعض الافلام.. فيما وبرز العديد العديد من المنتجين الذين عملوا في
القطاع الخاص حبا في السينما ولاشباع رغباتهم وعشقهم لهذا الفن.. هذه قصة
نجاح صغيرة قياسا بقصص نجاحات اخرى خاضها بعض المنتجين العراقيين من اجل
سينما عراقية لكن تبقى جهود المنتج السينمائي الرائد (احسان الجبوري واضحة
للعيان.. التقيته في اروقة دائرة السينما وجبت معه في عجالة بعض من ذكريات
ذلك الزمان:
·
ماذا تتذكر عن السينما العراقية
في مرحلة الستينيات؟
ــ الكل حاول ان ينتج للسينما افلاما عراقية لحبهم للفن السابع وتأثرهم
طبعا بالسينما المصرية حتى ان منهم من رهن بيته او مصوغات زوجته ومنهم من
باع محلاته لينتج فيلما.. اما بالنسبة لي فقد لعبت (فرنين للخبز والصمون)
كنت املكها وبعت اثاث بيتي وحلي زوجتي من اجل انتاج افلامي.
·
كم فيلما انتجت للسينما
العراقية، وما هي الافلام التي مثلت فيها.. بعد ان عرفنا انك ممثلا ايضا؟
ــ انتجت 3 افلام هي: فيلم (عذبتني الحياة وفيلم نهاية مجرم، وفيلم ليالي
بغداد) انتاجا وتمثيلا.. اما الافلام التي مثلت بها فقط ولم تكن من انتاجي
فهي: فيلم (ذكريات وليالي العذاب وحوبة المظلوم وفيلم ذكريات فوق الرمال).
·
ما حكاية المنافسة الشديدة بين
السينما العراقية والسينما المصرية في تلك الفترة؟
ــ المنافسة كانت حادة بينها بسبب العلاقة المتوترة التي كانت بين جمال
عبدالناصر وعبدالكريم قاسم (رحمها الله) بحيث وصلت الى درجة موافقة لجان
فحص الافلام على بعض الاهزوجات التي تهاجم عبدالناصر والقوميين المناصرين
له وحتى مهاجمة عبدالسلام عارف ارضاء للزعيم قاسم وهذا ما حدث في فيلم
(عذبتني الحياة).. حيث قدمنا بعض الاهزوجات في الفيلم.
·
عرفنا ان هناك افلاما مفقودة من
ارشيف السينما العراقي ومنهم فيلمك (عذبتني الحياة) الذي هو من انتاجك..
ماذا حل به؟
ــ نعم لقد احرقت هذا الفيلم بنفسي.. احرقت النسخة الاصلية باعتباري منتجا
لهذا الفيلم وممثلا فيه، لانه كان من الممكن ان يكون السبب في قتلي لما
يحمله من مضامين سياسية خصوصا من خلال الاهزوجات التي كان يحملها الفيلم.
·
كيف تجد السينما العراقي الان ؟
ــ اطلب من الحكومة ووزارة الثقافة العراقية ان يتم دعم السينما لانها ليست
فنا فقط بل هي صناعة وتجارة وفن ونحن المنتجين سوف نتفاءل بالخير اذا
ساعدتنا الدولة ودعمت السينما وجعلت لها ميزانية خاصة لانتاج الافلام وفسوف
نضع خبراتنا في خدمتها وخدمة السينما العراقية.
الإتحاد العراقية في
08/11/2009 |