قبل ستة عشر عاماً، وفي مثل هذه الأيام يعيش الوسط الفني في سوريا
ذكرى رحيل نجم الكوميديا، نهاد قلعي (حسني البورزان) توأم الفنان الكبير
دريد لحام فنياً، والذي شكل معه ثنائيا محترفا عاش في البيوت العربية
وصالات السينما وخشبات المسارح 35 عاماً حافلة بالنجاح.
كان 1993 العام هو الأخير في حياة النجم الفكاهي، الشعبي، المنحدر من
أصول كردية تركية، والذي سجلت هويته الشخصية اسما ليس غريبا على أبناء
العائلات السورية، نهاد قلعي الخربطلي المولود في 1928 في أحد أحياء دمشق
القديمة.
لم يكن طريق دخول نهاد لعالم الفن، أواسط الأربعينات من القرن الماضي
مفروشا بالورود إذ إن تلك الفترة وما تلاها من عقود، باتت معروفة لدى جميع
متابعي الأرشيف الفني العربي بأنها الفترة التي كان فيها الجميع يزدري
الفنان أياً كان، وينظر له نظرة المنحرف، الساعي لتدمير المجتمع بأهواء غير
منضبطة تحت شعار التمثيل. ورغم ذلك، خاض نهاد معركة تعريف الجمهور بالفن
وتثبيت المعرفة في مخيلته وذهنه من خلال تأديته للأدوار التي تبعث على
الضحك والابتسامة وأحياناً القهقهة الطويلة والمتكررة. وما زال كثيرون،
كبارا وصغارا، يسترجعون مشاهد كثيرة مؤثرة لهذا النجم الكبير.
كانت انطلاقته برفقة المخرج الكبير خلدون المالح ولادة، وبدأت في
سوريا من خلال مسرحيات عسكرية، لتمتد فيما بعد إلى مصر التي كان له فيها
شرف تكسير (شباك التذاكر)، حسب التعبير المصري في 1957 عبر مسرحية (لولا
النساء) التي أضحك فيها الشعب المصري المحتاج في تلك الفترة لمن يروّح له
عن عناءات عدوان 1956. وعاد بعد عامين فقط ليكرر التجربة من جديد في أرض
الكنانة في مسرحية “ثمن الحرية” التي كانت سياسية خالصة.
وهكذا أعلن نهاد مبكرا عن نجومية خارج الحدود، تؤمن له الظهور وقتما
يشاء إذا داهمته أنواء داخلية في المجتمع السوري الذي كان لا يزال يبحث في
المعاجم عن معنى كلمة فن أو تمثيل.
في ،1960 افتتح التلفزيون السوري، وبعد عام واحد، كان اللقاء لأول مرة
لنهاد قلعي مع من أصبح شريكه على الشاشة، وهو دريد لحام أو “غوار الطوشة”،
ذاك الاسم الفني الذي لم يخرج حلواً من فم مثلما خرج من فم “حسني البورزان”
في المسرحيات والأفلام السينمائية والمسلسلات التي جمعتهما لثلاثة عقود.
فترة الستينات كاملة، أمضاها نهاد قلعي ممثلا في مسلسلات وأفلام كان
يكتبها بنفسه أو يشارك في تأليفها، ففي 1964 اشترك مع دريد وصباح وفهد بلان
في فيلم (عقد اللولو) فكان فاتحة خير لأعمال أخرى كتب لأحدها أن يمنى بفشل
ذريع هو (الشريدان) الذي صور في مكان وأنتج في مكان آخر، فلم ينطبق الصوت
على الصورة وكان الفشل حاضراً.
أمام ذلك الواقع غير المنتظر، نهض نهاد وأمسك بقلمه ليكتب عملاً
بديلاً يعوض ما فات، فكان (فندق الأحلام) عام 1966 والذي نال ضجة كبرى في
صالات العرض بدمشق وبيروت والمدن السورية الأخرى.
وفي 1967 كان المسلسل الدرامي الأشهر على مستوى الكوميديا العربية
“حمام الهنا” من 13 حلقة والذي كتبه نهاد ليلعب بطولته مع دريد (غوار)
فكانا الخصمين في كل لحظة ومشهد، وكان المقلب ينتهي على الدوام لصالح غوار.
وبعد عام واحد، كان مسلسل (مقالب غوار) وكان شبيها بالذي سبقه لكنه
اختلف عنه بطريقة التعاطي بين المذنب “غوار” والضحية الأبدية “حسني”.
وشهدت فترة السبعينات مشاركة الثنائي الذهبي في ثمانية أفلام سينمائية
كبيرة، كان آخرها فيلم “غوار جيمس بوند” الذي جاء نتيجة تأثر السينما
العربية بأفلام جيمس بوند، فنجح النجمان في تأكيد قدرة الفن العربي على
مواكبة ما يجري في الغرب المتطور.
أما المسرح، فيشهد هذا الفن النبيل على أن نهاد قلعي هو عاشقه الأول،
ويكفي أن يعرف المتلقي أينما وجد أن وزارة الثقافة والإرشاد القومي السورية
كلفته بتأسيس المسرح القومي الفاعل حتى اليوم وذلك في 1959 وكان مديره.
وشهد عقد السبعينات أروع المسرحيات التي عرفها الشعب السوري، فكانت
(ضيعة تشرين) المسرحية السياسية التي جاءت بعد حرب تشرين التحريرية، وكذلك
برزت مسرحية (غربة) وكان أهم أبطالها نهاد ودريد، وكانت تلك آخر مسرحيات
نهاد قلعي.
قرابة المائة مسلسل وعشرات الأفلام ومثلها من المسرحيات، والكثير مما
كتبه والأكثر مما أخرجه، جزء من تاريخ نهاد قلعي على مدى خمسين عاما مع
الفن، وكلما ذكر تاريخ سوريا الفني، ذكر اسمه في الطليعة.
ربما لا تعتبر الفترة التي رحل فيها نهاد قلعي مؤثرة في سير العمل
الفني في سوريا، والسبب هو انقطاعه عن الدراما والسينما والمسرح لسنوات
ليست بالقصيرة.. لكن ذاك الرحيل جاء كضربة قاصمة في صميم تاريخ الإبداع
السوري، وكان حدثاً يقع بين مرحلتين، إذ إن الناقد السوري بدأ منذ ذاك
الحين يتحدث عن فترتين في التمثيل المتنوع الأجنحة، هما فترة ما قبل نهاد
قلعي وما بعده.
الخليج الإماراتية في
04/11/2009 |