|
لا يستطيع المخرج كينيث برانغ ولا الكاتب هارولد بنتر الممانعة لو
قارنا دقائقه الـ 86 بشريط أنتوني شافير «الشرطة السرية» – 1972 وكذلك
أفلام بوليسية كثيرة، طابعها الحقيقي بوليسي ومطعمة بخلفية نفسية وعاطفية
وتدور جميعها حول «الخيانة الزوجية» ومن ثم الانتقام.
لكن في شريطنا ثمة نجوم في مقدمتهم الموهوب مايكل كين الذي يلعب دور
روائي مشهور وسادي متمكن من مرضه (أندرو وايك)، فيما عشيق زوجته شاب لطيف
وممثل يملك طاقة كافية للنجاح هو ميلو تيندل (جود لو)، والعشيق كما جرت
الأعراف ينبغي أن يصغر بعقود الزوج المخدوع، وأكثر رقة منه وبإمكانه بعث
النشاط في «الخائنات» الضجرات من الأزواج المكهربين بالغيرة والعقد التي
تتساقط من أجسادهم وأفواههم وكذلك نواياهم.
ليست الفكرة وحدها
وهذا هو بالذات مضمون «الشرطة السرية» الجديد الذي ذكرنا بتطفل لورنس
أوليفيه ومبارياته الماكرة التي دارت رحاها ما بين أسرّة الخونة، لنجد أن
برانغ - بنتر كررا هذه الخطوط ناصبين جسرا صلبا مع أجاثا كريستي، ومحاولين
بزّ ألفريد هتشكوك في عقر معالجته النفسية، لذلك من الممكن أن نسأل إن كانا
قد سرقا الأفكار أم كانا يسخران منا!
إن مايكل كين ليس لورنس أوليفيه السبعينات، لكن الذي عمل لمصلحته،
نظراته الفولاذية وتكشيرته الشيطانية وحضوره المُهاب الذي بدا كأنه يستطيع
تمزيق ميلو إربا بيديه، بينما العشيق ميلو بقي ضمن التحدي، أو فوقه، وإن
كان طوال الشريط في موقف الدفاع، مع ذلك تعلم قواعد اللعبة مع محترف كبير
وولد بعض المرح في الفيلم المحبوس بالظلام.
شاشة في الشاشة
وعودة إلى زمن السينما الواقعية، وحتى عند أشد مناصريها وقمة
ازدهارها، لم تكن الكاميرات عندها مطيعة جدا للواقع أو تثبت لحظاته
المثيرة، فقد كانت السيناريوهات تكافح لتسترد ديناميكا الحياة ولم تكن
مهمتها منحصرة في إعادة ما هو مكتوب في المخطوطة، فكم أوركسترا عزفت لهذا
أو ذاك من القطع الأثيرة، لكن مع كل ليلة، هناك عازفو الكمان يؤدون
اختراعاتهم النادرة، لتظهر وصلات جديدة حاملة عبقها الخاص.
وفي السينما أيضا، ما الضير في أن تضيف شاشة إلى شاشتك، لا نرى خطرا
عليك ولا على الشاشة، ما ان نشاهد ملمس تصوير يتدارك أخطاء السيناريو وربما
الفكرة، أو لعلك تغش بالإنارة وتشغل ممثليك في أمر وتصور آخر، فتنجح في
تزيين النص السينمائي.
إعادة الخيال
ومادام الصراع بين الرجلين ميلو وأندرو حول امرأة (وليكن حول أي قضية
أخرى)، الأفضل فنيا، أن أحاصرهما على جميع المستويات: الداخل.. الخارج..
الأعلى.. الأسفل والأروع أن أدسّ معهم الجمهور في هذا الصراع، أضعهم في
مصعد واحد لا يلتقط أنفاسه لغاية الذروة، في سفينة الحيرة التي أترك لها
مهمة؛ إعادة الخيال والاختراع.
لكن مثل هذه الأفكار الكبرى، تحتاج الى عقول أكبر، فن عال لا يحصر
الأمر في انتقام أندرو من ميلو لاختطافه زوجته التي لا نعلم لماذا أصبحت
تحلم بورقة الطلاق كهدف وحيد للعبة التي اشتركت فيها.
وميلو هو الآخر يعتقد أنه بامتلاكه هذه المرأة، لديه الحق في أن يزور
أندرو في قصره ويطلب منه إنهاء الأزمة بموافقة الزوج على تطليق عشيقته، لكن
الروائي سيقترح ثمن سعادة ميلو بإدخاله الفخ تلو الآخر، سرقة القصر
والاستحواذ على أموال التأمين، مخطط بسيط، إلا أنه فخ في كل الأحوال،
لتستمر اللعبة على هذا المستوى.
الحقن البصرية
وأولئك الذين شاهدوا «الشرطة السرية»، سيشعرون بالالتواء الذي تعمد
كينيث برانغ ليحقن مخطوطة بنتر بصريا، وإلا لتمادى الشريط في جفاف المسرح،
وما يفوق هذا الشريط عن سابقه السبعيني، أن برانغ ماهر تقنيا (كما هي
إمكانات السينما بالمقارنة مع عقود أربعة مضت)، كذلك ساعده مايكل كين وجود
لو بأدائهما المحترم.
وبالرغم من أن هارولد بنتر كاتب متمرس والبعض يعتبره رائعا لغاية منحه
نوبل للآداب، فإنه قاحل عاطفيا، كلماته خالية من المشاعر، لا حوافز تحتها،
وبرانغ هو الآخر لا يقل جفافا عن بنتر، وكلاهما يستحق إبقاء الأشياء كما
هي، كما لو كانوا يعقمون جرأتهم بقطع غيار من شكسبير.
تقنية التمثيل
الممثلان الرئيسيان كين وميلو الوحيدان في الفريق وقفا على أرض ثابتة
مستندين الى الكيمياء المظلمة والتفاعل القوي بينهما، وكلما تقدمت الحكاية،
كان موضوع الانتقام يتعايش بشكل أفضل في الألوان التي كانت تخرج من عيني
كين واستقبالها المثير من ميلو.
تقنية التمثيل تفوقت على موهبة برانغ وبنتر (ربما بغير قصد)، فما
المانع لو كانا يؤديان اللعبة المنحطة: تعاشر الزوجة.. تحصل على أموال
التأمين!
هذا العنف العاطفي، الشذوذ،، النزوات، الإذلال، الخيانة والاحتيال
الفظ ّعلى من كانوا شركاء في الحياة يحتاج إلى معنويات خاصة لتنفيذه، ومن
ثم إقناع الجمهور بتقبل هذا الانحطاط الإنساني.
minjamalhs@yahoo.com
http://cinemaworldreviews.blogspot.com
القبس الكويتية في
04/11/2009 |
