قدمت الفنانة الأردنية القديرة نادرة عمران خلال شهر رمضان دور الأم
العراقية في “هدوء نسبي” باتقان كبير اختزلت خلاله التعبير عن معايشتها
وأسرتها ظروف الحرب وسقوط بغداد تحت وطأة الاحتلال الأمريكي ومعاناتها ضنك
الحال بعد يسر و”تشتت” مصير الأبناء وسط تغلغل التكسب ببيع القيم وافتقادها
أحلامها وزوجها الأديب في مشاعر اعتمدت على النظرات والإيماءات ومعالم
الوجه أكثر من اطلاق العنان للكلام والانفعالات الفياضة وظهرت في مشاهد بلا
“مكياج” تجميلي وأجادت اللهجة المتخصصة وفق فريق عمل جمع فنانين من ثمان
دول عربية اقترب من جوانب انسانية لازمت تغطيات المراسلين الاعلاميين
للوقائع واستدعى معايير تنفيذ خاصة .
نادرة التي تفضّل مؤخراً تقنين اطلالتها الاعلامية خصت “الخليج” بهذا
الحوار حول المسلسل:
·
بداية لماذا قبلت “هدوء نسبي”
ورفضت عروضاً أردنية أخرى هذا العام؟
لسببين الأول أن العمل يقوده المخرج المتميز شوقي الماجري والثاني
أهمية الموضوع وتناوله فترة آنية لانزال نمر فيها ونعيش آثارها وسط مجموعة
أعمال تلجأ الى قضايا قديمة أو حديثة ثانوية وغير أساسية تبدو جاهزة
وخارجية الاملاء .
·
لماذا طلبت تأجيل تصوير مشاهدك؟
لأنني كنت مرتبطة بعودتي الى المسرح في عرض “الكراسي” بعد طول غياب
وأبلغت القائمين على المسلسل حاجتي لوقت يسبق التحاقي لضمان التنسيق
والإعداد للدور كما يجب ووجدت تعاونا معي .
·
كيف تعاملت مع الدور نفسياً؟
بصراحة كنت متخبطة ومرتبكة في البداية وقرأت النص كثيراً وكانت أزمتي
في ترجمة ايقاع السيدة العراقية درامياً، فهي مختلفة وفق ظروفها وطبيعة
حياتها خصوصاً وأن الشخصية فقدت ابناً في حروب سابقة وتحاول الحفاظ وزوجها
الكاتب والمثقف على القيم والأخلاق والثوابت الأخلاقية وأقصر درجات
الطمأنينة للأسرة وبحثت في جوانب تعلقت بنبرة الصوت والتفاعل مع الحياة
واستندت على تراكمات مقابلتي العديد من النساء العراقيات تربطني ببعضهن
علاقات ودية وعملت على الاستفادة وليس التسجيل .
·
وماذا عن معطيات الشكل وأدواتك
التمثيلية؟
جلست مع مصممة الأزياء وأوضحت لها أن الشخصية تحتاج ملابس وشكل
يتناسبان مع طبيعتها الهادئة وقررت تقديمها بعد توجيهات المخرج بصورة تعتمد
على أدواتي التمثلية التعبيرية بالوجه والعيون والايماءات وحركة الجسد أكثر
لأنها في الأساس سيدة راقية “كلاس” تتجنب البوح بحزنها واظهار ضعفها
وتكتمها وسط مصائب تعيشها وأسرتها تجعلها شبه جامدة خارجياً ليس بداعي
الاستسلام أو اليأس ولكن إدراكاً بعدما استطاعتها فعل شيء واعتيادها حقن
آلامها داخلياً في انتظار فرج بعيد المنال .
·
هل وجدت صعوبة في ذلك؟
نعم فالمطلوب ترجمة الأحاسيس والمشاعر من دون حوار طويل وصراخ أو
“انفجارات” وضرورة السيطرة على الانفعالات وإيصالها في الوقت ذاته وهذا صعب
ودقيق ويشبه أسلوب “السهل الممتنع” ولذلك كانت الطريقة التعبيرية الحل من
خلال ابتسامة مريرة أحيانا والصمت أحايين .
·
وماذا عن توجيهات المخرج؟
كنت تعاونت معه في “الاجتياح” وقدمت حينها دور أم فلسطينية تعاني أيضا
لكنها تظهر عواطفها الجياشة بسخاء كبير ولذلك أبلغني اختلاف الأمر تماماً
هذه المرة وعدم إبراز مرادفات الحنان والتلهف والخوف بجلاء علني متدفق
وأتذكر حين مشيت منحنية الظهر في أحد المشاهد طلب مني الثبات وشد القامة
وعموماً كان يطلب من الجميع عدم المبالغة في الأداء، ويرصد في كل “شوت”
التفاصيل الصغيرة .
·
ألم تترددي لمحددوية المساحة؟
إطلاقاً لأنه طالما شوقي الماجري يقود الأمور هناك أمان وثقة بأن
اطلالتي تأخذ حقها ومداها مهما كان عدد المشاهد وربما لو كان مخرج آخر
لأظهر الشخصية مجرد “كومبارس” لأنها من النوع الذي يبدو سطحياً ولكنها تحمل
الجوهر والعمق .
·
كيف أجدت اللهجة؟
أبنائي والدهم عراقي واعتدت وجود اللهجة بيننا، فضلاً عن صداقات وشبكة
علاقات تجمعنا بأهل الرافدين، وكثيرون منهم يقيمون في الأردن .
·
ليست المرة الأولى التي تظهرين
درامياً بلا “مكياج” تجميلي في ظل رفض أخريات فما قناعاتك؟
التمثيل الحقيقي يعني الخضوع لشروط الشخصية وتطبيقها لتصل بصدقية
ومنها وضع “مكياج” مناسب أو إزالته تماماً وهذه هي المهنية .
·
كيف وجدت التعاون بين فنانين من
8 دول عربية؟
وجدته رائعاً جداً وكنا في تجانس دائم ما يؤكد أن الفن لايعترف
بالقُطْرية والجميل تأدية الجميع أدوارهم على أفضل وجه، فتميزت نيللي كريم
في دور صعب واجتهد عابد فهد كثيراً وقمر خلف كانت رائعة وكذلك من جسدوا
أبنائي وما أصابني بسعادة غامرة ظهور الفنانين العراقين في أفضل حالاتهم
التمثيلية على الاطلاق بدءاً بجواد الشكرجي الذي أدى دور زوجي وانتهاء
بآخرهم فهم سجلوا حضوراً استثنائياً لافتاً .
·
كيف تصفين موقع التصوير؟
تحولت مناطق في مدينة حماة السورية إلى ما يشبه معكسراً من المعدات
والأدوات والشوارع كانت ميدان “خلية نحل” والجميع ينتظر مشاهده وأحيانا
نتابع ما ينجزه الزملاء خاصة في البداية وعشنا تفاصيل حياة المسلسل كأنها
واقع والتحضيرات تواصلت حتى قبل دوران حركة الكاميرا كل مرة سواء في جلسات
من يؤدون الاعلاميين أو نحن الأسرة الباحثة عن الأمان والالتفاف حول نفسها
حتى إنني شخصيا قابلت أحدهم خلال وجودي في “السوبر ماركت” بعد عرض عدد من
الحلقات وسألني ان كانت ابنتي في العمل قمر خلف ستموت فصرخت: لا أريد
افتقادها، كما تلقيت ردود فعل إيجابية محفزة .
·
ما الصعوبات الميدانية التي
واجهتكم؟
عمل بهذه القيمة الفنية والموضوعية كان بحاجة إلى مراحل إعداد وتصوير
لا تقل عن ثمانية شهور، ولكن ظروف انتاجية دعت للتعثر ثم التسريع، ومع دخول
شهر رمضان أصبح فريق العمل لاينام ساعات طويلة للحاق بالعرض أولا بأول
وبتسلسل درامي تابع للحلقات استدعى التنقل بين ''لوكيشن'' بيت الأسرة
المكونة مني وزوجي الأديب والأبناء وحضور الأخ والضيوف ست أو سبع مرات
ذهاباً وعودة وفق الأحداث المتصاعدة وسط دوامة متعبة، لكنها ممتعة أيضاً .
·
هل تتفقين مع القائلين بأن النص
احتاج مزيداً من الدقة؟
اعتقد أنه كان يحتاج إلى معالجة درامية أفضل .
·
ما خلاصة تأثير التجربة عليك؟
هذه تجربة نادرة في كل شيء ومثلما أتوقع تركها أثر داخل من يشاهد
تفاصيلها اليومية الى حد التعايش ضمنها وصعوبة الخروج منها بسهولة، فإن
أثرها الفني والموضوعي لن يزول داخلي بسهولة وستترك جدلاً طويلاً ومختلفاً
لدي وفي المقابل اكتسبت صداقات فنية عربية جيدة .
·
بالانتقال إلى إطلالتك في “فنجان
الدم” بماذا تفسرين عدم نيله صدى واسعاً؟
أحببت هذا العمل الذي يتناول مفاهيم خطيرة تتعلق بتأسيس المنطقة وفق
جرأة كبيرة ومخرجه الليث حجو أجاد وأتقن لكن يبدو أن الجمهور لم يعد يريد
التأمل والتجديد وربما ظن أنه مسلسل بدوي تاريخي مثل غيره حسب صورته
الشكلية العامة اضافة إلى عرضه في وقت متأخر ليلاً .
·
أخيراً . . شاركت في “نصف القمر”
الذي حصد انتقادات متخصصة واسعة حول ضعفه شكلا ومضموناً فما قولك؟
الغريب أن عامة الجمهور يتابعون العمل ووصلت إليّ ردود فعل إيجابية
عديدة عليه وهذا يدهشني ولايعني لي أبداً أنه مسلسل مهم، لكن لكل تجربة
ظروفها .
الخليج الإماراتية في
03/11/2009 |