لا اختلاف في أنّ الفنّان المصريّ 'عادل إمام' ظاهرة فنّيّة
طبعت الدراما المصريّة منذ سبعينات القرن الماضي إلى اليوم.
ولا شكّ أيضا في أنّه
يمثّل 'حالة' سينمائيّة ومسرحيّة جديرة بالدراسة والاهتمام لا في مجال
النقد الفنّي
فقط بل حتّى في مجال عِلمَيْ النفس والاجتماع.
وفي عالم الفنّ المتشابك
والملغز، والمحكوم بعلاقات لا يفهم سرّها إلّا خبير في مجال 'العلاقات
العامّة'
تُسنَد لكلّ فنّان صفة تلتصق به فتلازمه ملازمة الظلّ . وتحفل الساحة
الفنّيّة في
مصر بسيل من الألقاب التي ارتبطت بفنانين من عالمي الغناء والتمثيل. حتّى
أنّه لم
يعد غريبا أن تستمع إلى 'وحش الشاشة' أو إلى 'سندريلا' أو إلى
'العندليب'. وتتحوّل
هذه الصفات والنعوت التي تسبق أسماء الفنّانين إلى حقائق ثابتة لا تحتاج
إلى دليل،
ولا يُقبل الطعن فيها أو الاحتجاج عليها'!! .فمن بإمكانه أن يشكّك في أنّ
عبد
الحليم 'شبانة' الشهير 'حافظ' ليس عندليبا أسمر؟ الأكيد أنّ
مجانين هذا الفنان
سيرمون كلّ من يجرأ على الاحتراز بالجهل وقلّة الأدب وإهانة الموتى'! ؟
والفنان 'عادل إمام 'الذّي ملأ الدنيا، وشغل الناس
بأفلامه التجاريّة المربحة التي تقدّم
البسمة والضحكة لعامّة الشعب بأزهد الأثمان التصقت به صفة
'فنّان الشعب' لأنّه كشف
في بعض أفلامه الهزليّة عن معاناة أبناء الشعب ومكابدتهم للفقر، وفضح بشاعة
الاستغلال والثراء غير المشروع.
غير أنّ ما يخفى على كثير من الفقراء المعجبين
أنّ 'فنان الشعب' هذا المحبوب إلى حدّ 'الجنون الشعبيّ' يحصل في الفلم
الواحد على
ما يمكن أن يعول ألف أسرة من الشعب الكريم الذي يقف في الطابور ليشتري
تذكرة بها
يتمكّن من مشاهدة أحد أفلامه بعد أن عزّ عليه التنعّم بمشاهدة
ممثله 'الشعبيّ'
مباشرة على خشبة المسرح'!!. والكادحون الذين زحفوا من مختلف المحافظات
أدركوا عند
وقوفهم أمام شباك التذاكر أنّ ثمن التمتّع بمشاهدة مسرحياته 'الهزليّة'
و'الشعبيّة'
يساوي أو يفوق مرتّب موظّف يركب قطار الموت
،ويذهب للدوام لمدّة شهر كامل بأيامه
ولياليه'!
فنّان الشعب الذي يبكي بدموع 'الغلابة'، ويضحك بأسنانهم الصفراء
يتنقّل بأسطول من السيّارات محاطا بحرّاسه الشخصيين الذين
يمنعون 'الشعب الكريم'!
من الاقتراب من 'فنّان الشعب'!. والبعض ،فقط، يذكر حادث المرور الذي حصل
عند تنقّله
في مدينة القاهرة.فقد صدر توضيح بأنّ سيارة 'فنّان الشعب' لم تصب بأذى وكلّ
ما في
الأمر أنّ السيّارة الخامسة في موكبه هي التي تعرّضت لحادث
بسيط'!
'فنان
الشعب'،
إذن، يتنقّل بأسطول من السيارات لا يختلف في ذلك عن أيّ شخصيّة سياسيّة
تتمتّع
بالسلطة والنفوذ. مسكين هذا الشّعب! إنّه لا يتعلّق إلا بقاهره وبمعذّبه.
ولا
يستطيع خياله الذي سطّحه اللهث وراء الرغيف إلا أن يرسم صورا
جميلة حالمة لأناس
تفنّنوا ،كلّ بطريقته، في استغلال طيبته وبساطته وجريه المحموم وراء ما
يضحكه حتّى
وإن كانت النكت سكاكين تقطّع جسده.
أنّى لهذا الشعب الكريم أن يقتنع بأنّ هذا
الفنان العظيم يبيعه الوهم والحلم؟ متى يتأكّد أنّ هذا الفنان يضع في جيبه
ملايين
الجنيهات مقابل بعض النكت السخيفة التي تآكلت، وبعض القبلات المسروقة من
عرق
الكادحين والشغالين لتشجيعهم على أن يتوسّدوا الحلم بأن يناموا
في حضن امرأة جميلة
تكون شبيهة باللواتي يتفنّن فنان الشعب في اختيارهنّ بحثا عن التنويع'!
وسعيا
لتخفيف البؤس وتلطيفه خدمة لمشاريع كثيرا ما كان الشعب وقود حطبها!.
وإلى حين
الاستيقاظ من 'الحلم العربيّ' نقول كلّ عام والشعب فنّان في اللهث وراء
الرغيف
بعزيمة لا تلين، ومطمئن إلى القطارات التي تنقله من موت قريب
مؤجّل إلى آخر بعيد
قادم..وكلّ عام والفنان 'شعبيّ' في سرقة ضحكة 'الغلابة' والمساكين بسكاكين
النكت
السخيفة واستبلاه العقول'!
القدس العربي في
30/10/2009 |