عرفتها
منذ
بدايتها.. كان ذلك في أحد شهور عام 1977 حين دخلت علي مكتبي المتواضع في »آخر
ساعة« بصحبة والدها.. فتاة جميلة.. رقيقة.. هيفاء.. نحيلة الجسد..
تحمل ابتسامة مشعة وتدخل القلب في أول انطباع.
قالت لي
اسمها »يسرا« وجه
سينمائي جديد.. أما اسمها الحقيقي فهو سيفين نسيم.
قلت لها : يعني
إيه؟
قالت:
يعني »وردة لا تذبل«.. ولا أذكر إذا كان الاسم من أصل تركي
أم
فارسي.
كانت يسرا في بداية العشرينات من عمرها.. لاحظت أن الأب كان
مسيطرا عليها تماما.. لايفارقها لدرجة لم يكن من حقها أن تدلي بأحاديث..
فقد
كان هو الذي يرد علي أسئلتي.. وحين غادرتني هي ووالدها همست في أذنها: »
ياريت يايسرا تيجي لوحدك المرة الجاية علشان أعمل حديث معاكي..
مش مع أبوكي«..
وابتسمت.
رآها
المصور عبد الحليم نصر.. واقتنع بها كممثلة للأدوار
الرومانسية.. وكان فيلم »قصر في الهواء« أول إخراج له.. فمنحها البطولة
المطلقة في الفيلم..
وقد استوحي الفيلم من ظروفها العائلية الصعبة التي عاشتها
يسرافقد كان صديقا للأب..
لكن الفيلم ظل حبيس العلب.. فلا هي وجه معروف ولا هو
مخرج.. وحين عرض الفيلم لم يستمر عرضه أكثر من أربعة أيام..
وفشل فشلا
ذريعا.
لكن يسرا
قالت لي إنه بالرغم من فشل الفيلم إلا أنه كان أول فرحتها
وسبب وجودها في السينما.. فقد عملت علي أثره مع فطاحل السينما من المخرجين
بركات
وحلمي رفلة.. ونادر جلال.. ويحيي العلمي الذين قدموها علي »الزيرو« ..
فمثلت أدوارا في »شباب يرقص فوق نار«
و»عشاق تحت العشرين«
و»أذكياء لكن
أغبياء«.. أما مرحلة الانتشار فكانت مع عادل إمام حين كونا معا دويتو ناجحا ..
ومثلا معا 14 فيلما حققت الكثير من النجاح.
< < <
أما
مرحلة التألق والنضح الفني فقد كانت مع يوسف شاهين في فيلم »حدوته مصرية«..
كانت تجربة جديدة عليها.. سيناريوهات صعبة معقدة لم تكن تفهمها.. في تلك
المرحلة بدأت يسرا تفهم لغة السينما. وبعد ذلك عملت مع تلاميذ شاهين بدرخان..
وخيري بشارة ويسري نصر الله ومحمد خان ثم خالد يوسف ترك كل منهم بصمة
مختلفة
ومذاقا خاصا به.. واستطاعت أن تستوعب هذه المدرسة التي شكلت في النهاية »يسرا«
الفنانة القديرة التي تحقق النجاح لأي فيلم.
أما الفيلم الذي حصلت فيه علي بطولة
مطلقة لأول مرة فهو فيلم » امرأة آيلة للسقوط«.. استطاعت أن »تشيل« الفيلم
وحدها.
< < <
إن الظروف
الخاصة هي التي تشكل الفنان.. لقد
عاشت يسرا حياة جافة موحشة حين انفصل أبواها.. عاشت مع الأم فترة قصيرة من
طفولتها ثم انتزعها الأب لتعيش معه.. كان أبوها شديد القسوة..
معوقا لها لأسباب
أو عقد خاصة به..
لم يكن يسمح لها بالكلام مع أحد بعد أن سيطر عليها..
وحرمها
من التعليم.. لكنها استطاعت أن تحصل علي شهادة الـ
G.C.E
من
منازلهم وهي
تعادل الثانوية العامة..
كما كان معوقا لها بعد أن حققت بعض النجاح في التمثيل..
ولولا رشدي أباظة لما خرجت من وصاية الأب لتدخل في وصياية رشدي أباظة الذي
شجعها
ووقف بجانبها لتبدأ حياتها بعيدا عنه.. كان ذلك أثناء تصوير فيلم
»بياضة«..
وكانت يسرا تجلس مع بعض العاملين في الفيلم في مكان عام في أحد الفنادق حين
ضربها
الأب بكوب في يده ففتح رأسها لتندفع منه الدماء بغزارة فأغرقت
ثوبها..
يومها قال
لها رشدي أباظة يجب أن تأخذي قرارا الآن.
وكان أهم قرار اتخذته يسرا في حياتها
لتبدأ وحدها من الصفر، قالت لي : »كان رشدي أباظة إنسانا جميلا.. حالة
خاصة.. تحسين معه
بالأمن والأمان والثقة بالنفس.. يعامل المرأة باحترام
شديد«.
قال لها:
لن تعيشي مع أبيك بعد ذلك وستبدئين من جديد وحدك ورأسك
مفتوحة.
وقد صرحت
يسرا لي أن رشدي أباظة أحبها.. وأحبته بدورها .. وطلب
منها الزواج لكن كان الحائل فارق السن.
< < <
لم تعد
يسرا إلي
منزل الأم لكي لاتجلب لها وجع القلب..
لكنها انتقلت إلي بيت خالتها وزوج خالتها
الذي كان
أحن عليها من والدها.. هناك أحست بالحب والدفء والحنان.. وأحست
بالأسرة لأول مرة ثم استقلت يسرا بنفسها بعد ذلك في بيتها.
قدمت يسرا
حوالي 70
فيلما
منها الفيلم الرومانسي الاجتماعي .. والفيلم الكوميدي.. واقتربت من
الأفلام السياسية..
من بينها أفلام تعتبر من علامات السينما مثل
»حدوتة مصرية«
ليوسف شاهين.. »لاتسألني من أنا« مع شادية.. »الإرهاب والكباب« و»كراكون
في الشارع« و»الراعي والنساء«
و»طيور الظلام« و»المنسي«
و»العاصفة«.
وقدمت
الكثير من أدوار فتاة الليل فهي تري أن هذه الشخصية لا حول
لها ولا قوة.. ليس لها شيء تستعمله غير أضعف شيء فيها.. ومن خلالها يمكن أن
تقول كل شيء.. لكن في كل فيلم تختلف فيه عن الآخر سواء في
»الإرهاب والكباب«
و»كلام الليل«. و»طيور الظلام«. و»دانتيلا«.
كما قدمت
من خلال الفيلم
السياسي »العاصفة« لخالد يوسف دورا وطنيا..
أم لشابين اضطرتهما الظروف للذهاب
إلي حرب الخليج ليجبرا علي الوقوف أمام بعضهما لإطلاق النار
الأول علي حدود الكويت
والآخر العراق.. كان هذا الفيلم من أهم الأفلام السياسية.
وترمز فيه يسرا للأمة
العربية.
مثلت يسرا
مع كل الأجيال من المخرجين.. جيل الكبار مثل بركات ونادر
جلال
وغيرهما.. ثم جيل الشباب يسري نصر الله في »المرسيدس«، ومحمد شبل في
»التعويذة«
ومع طارق
التلمساني في »ضحك
ولعب وجد وحب« منهم من عملت معه في
أول إخراج له لا لشيء سوي أنها تريد التجديد كما قالت لي.
ويسرا تحب
التجديد
في كل شيء.. في فنها.. وأيضا في شكلها..
هناك فارق كبير بين صورتها الآن
وصورتها زمان.. إنها حاليا الأجمل والألمع.. وبهذه المناسبة طلبت مني يسرا
ألا
أنشر
صورتها في بدايتها.. ووعدتها .. ومازلت احتفظ لها بالصورة.
< < <
لقد تأثرت
يسرا قبل أن تبدأ بسعاد حسني حينما رأتها تمثل مشهدا علي
الشاطئ في فيلم »أين عقلي« ثم شاهدتها بعد ذلك في فيلم »الكرنك« وتمنت أن
تكون مثلها.. وقد مثلت معها آخر أفلامها
»الراعي والنساء« وأصبحتا صديقيتن
حميمتين.. لأن ظروفهما كانت مشابهة لبعضها.
< < <
لقد حققت
يسرا أحلامها كنجمة متألقة متميزة.. لكنها لم توفق في أن تكون أما وتكون أسرة..
كان قرارها بالزواج في البداية متسرعا حين اختارت إنسانا عبقريا.. لكنه لم
يتماش
مع
تركيبتها.. وضاع حلمها كأم حينما قال لها الأطباء في الخارج لا.
تأثرت
يسرا برحيل صديقها الحميم رشدي أباظة.. واقتربت كثيرا من يوسف شاهين الذي احتواها
فنيا ونفسيا وحزنت عليه حزنا عميقا..
ومن قبله محمد شبل الذي رحل في عز شبابه
وعطائه..
ومن قبلهم الصديق الوفي صلاح جاهين.
< < <
لقد حققت
يسرا ماتتمناه أي فنانة..
ومازالت
تملك الكثير من العطاء.. وستظل جميلة متألقة
مثل »زهرة لاتذبل«.
آخر ساعة المصرية في
07/10/2009 |