عاصرت أحمد زكي منذ بداياته في
»مدرسة المشاغبين«
كان
الدمعة الحزينة في هذه الكوميديا.
كانت البطولة جماعية..
حققت نجاحا كبيرا
بالرغم من أنها أثرت بالسلب علي جيل بأكمله..
ولمع فيها الممثلون الذين أصبحوا
نجوما للكوميديا.. سعيد صالح وعادل إمام ويونس شلبي..
لكن الدور الوحيد الذي لم
يكن كوميديا.. بل أقرب إلي التراجيديا هو دور أحمد »أحمد زكي«
الذي عاشه في
الواقع قبل أن يمثله.. أحمد اليائس الفقير الذي يعايره ناظر المدرسة بأن
أمه
»غسالة«..
وأن القميص الذي يرتديه قميص ابنه..
والبنطلون بنطلونه بعد أن
أيفه.
كان أحمد زكي القادم من الزقازيق للبحث عن مستقبل في مصر في ذلك
الوقت يتنقل كعادته من مكان إلي آخر في بيت أو حجرة يجد فيها خصوصيته..
وكان لا
يزال طالبا في السنة الثانية بمعهد الفنون المسرحية..
فسمح له سمير خفاجة صاحب
مسرح الفنانين المتحدين أن يقيم مؤقتا في حجرة بكواليس المسرح حتي يجد
مكانا يستقر
فيه.
جاءني في مكتبي بأخبار اليوم ليتعرف عليّ..
وحين جلست معه أحسست أنه
ليس غريبا عني.. إنسان صريح.. طيب.. وذكي.. محب للناس.. واستمرت
صداقتنا علي مدي السنوات.. فكان يتصل بي أحيانا ويدعوني في منزله
بالمهندسين حيث
كانت تعيش معه مديرة منزله
»الست حكمت« التي كانت تصنع لي »كعكة التفاح«
ليقدمها لي عند زيارتي له..
وفي كل لقاء يكشف لي أحمد زكي عن فترة من
حياته.
< < <
قال لي أحمد زكي: »عانيت كثيرا من زملاء مدرسة
المشاغبين علي المسرح.. كانوا يسخرون من بساطتي وسذاجتي..
فالأبيض عندي أبيض
والأسود أسود..
اتفقوا علي أن يرسلوا لي خطابا بالانجليزية..
أن المخرج
العالمي »فلان الفلاني« يريد أن يسند إليك دور البطولة في فيلم يقوم
بإخراجه..
وصدقت والفرحة تغمرني وهم يتابعونني..
وأخذوا يضحكون كأنهم يمثلون أدوارهم في
»مدرسة
المشاغبين«..
ومرة أخري قالوا رمسيس نجيب طلبك..
فاتصلت بمكتبه وعرفت
أنه لم يطلبني..
كنت أغلق عليّ باب الغرفة في الكواليس لكي أتفادي مقالبهم..
فقد كانوا ينتحلون أصوات المشاهير من النجوم الذين يصعدون علي المسرح
لتهنئة
الممثلين بعد انتهاء المسرحية..
وحين شاهد عبدالحليم حافظ العرض وصعد إلي المسرح
وطرق غرفتي ظننته أحد المقالب التي يدبرها الزملاء
فشتمته لكنه أصر »افتح يا
أحمد أنا عبدالحليم حقيقي«..
ففتحت الباب ووجدت عبدالحليم حافظ أمامي بشحمه
ولحمه.. قال لي مبتسما وهو يربت علي كتفي »أنت كويس قوي وهيكون لك مستقبل
كبير«.. يبدو أن عبدالحليم رأي فيّ
جزءا من حياته التي هي حياتي أيضا..
وأحس
بي.. ومنذ ذلك الوقت بدأت أحلم بتقديم حياة »حليم«
في السينما.
< < <
وشاء القدر أن يرحل أحمد زكي في مثل الوقت الذي رحل فيه العندليب في
شهر مارس بعد 28 عاما حين وقع مريضا بالسرطان الذي كان قد احتل مواقعه في
جسده.
وأراد صديقه الإعلامي الكبير عماد أديب أن
يحقق له أمنيته قبل الرحيل..
فكان أحمد يذهب إلي أماكن التصوير علي كرسي متحرك بصحبة الطبيب المشرف علي
علاجه
ومع كل مشهد كان الطبيب يتوقع وقوعه بين لحظة وأخري..
لقد عاش الاثنان نفس الرحلة
من الزقازيق إلي القاهرة وعاني الاثنان من اليتم والحرمان والحضن الدافئ..
ومشيا
فوق الأشواك ورحلا في عز شبابهما وعطائهما.
< < <
استطاع أحمد
زكي أن يكسر الحصار المغلق علي فتيان الشاشة الأوائل..
فقد كان المخرج زمان حينما
يري شابا وسيما في النادي يسأله لماذا لا تمثل؟
وكان الشكل والوسامة هما جواز
المرور إلي باب النجومية لكن أحمد زكي
غير هذا المفهوم ولم يعد الفتي الأول هو
أنور وجدي أو رشدي أباظة أو حسين فهمي وغيرهم..
لكن كانت الصدمة الأولي حين أخذ
منه فيلم »الكرنك« قبل التصوير بيوم واحد..
وقيل صراحة »معقول شاب مثل هذا
أسود وشعره مجعد تحبه سعاد حسني؟«.
وكانت المفاجأة حينما أدي أحمد زكي دور
حياة عميد الأدب العربي طه حسين في قصة
»الأيام« المسلسل التليفزيوني الذي تعرف
عليه الناس واعجب به المخرجون،
فقد ظهر جيل جديد من الشبان الدراسين الذين حملوا
السينما علي أكتافهم بعد جيل الرواد..
جاءوا بفكر جديد وسينما تمثل الواقع الجديد
مثل خيري بشارة ومحمد خان ورأفت الميهي وعاطف الطيب، الذين
غامروا بإسناد
البطولة المطلقة له.. اختاره المخرج خيري بشارة بطلا مطلقا في فيلم »العوامة
70«
استطاع فيه أحمد زكي أن يعبر عن جيل شباب السبعينات الذي عاش
بعد النكسة..
جيل القلق والضياع..
وأصبح مع بداية الثمانينات هو النجم المتألق ضاربا بمواصفات
الفتي الأول عرض الحائط، قال لي أحمد زكي : »مازلت أذكر أحد السينمائيين
المسئولين في ذلك الوقت حين قال لي
»أي شاب دولوقت متخرج من المعهد لاتكون حجته
أنهم لم يأخذوه عشان شكله لأنك أنت يا أحمد يا زكي فتحت لهم الطريق«
قدم أحمد
زكي أدوارا لا أتصور أحدا يؤديها غيره..
فمن ينسي
(البيه البواب) ومن ينسي
عسكري الأمن المركزي في »البرئ« ومن ينسي »الإمبراطور« و»المدمن«
و»الباشا« ومن كان يمكن أن يؤدي شخصيات جمال عبدالناصر وأنور السادات.. ومن
ينسي ضابط المخابرات في »زوجة رجل مهم«. وقدم أحمد زكي شخصيات المهمشين
والناس
الغلابة المطحونين ومنها »الحب فوق هضبة الهرم«
و»أحلام هند وكاميليا«
و»أنا
لا أكذب ولكني اتجمل«
وغيرها وذلك منذ بداياته في عام
1974 وحتي 1984 .
فيلم واحد صدم فيه هو فيلم »الراقصة والطبال«
فالرواية التي تتناول موضوعا
اجتماعيا تحولت إلي عمل كوميدي وحين رأيته في التليفزيون علي الفيديو اخذت
أصرخ
وأقول أنا بمثل كده ليه؟ إيه الزفت اللي بتعمله ده يا أحمد؟ وكنت أمسك كوبا
في يدي
ومن شدة انفعالي ضربت الكوب في التليفزيون فحطمته..
وتصورت زوجتي أنني أصيبت
بالجنون.. أنني أجد سعادتي وتعاستي في الفن..
إذا أديت مشهدا أرضي عنه ينصلح
مزاجي وتنصلح معدتي.. أما إذا أديت مشهدا رديئا أجد الدنيا قد أظلمت في
وجهي.
ولو اجتمع كل النقاد ليعاقبوني علي دور رديء لن يكونوا أكثر من
الناقد الذي
بداخلي، وأحيانا تكون الجوائز التي أحصل عليها في أفلامي مصدر شقاء
وتعاسة..
وبمجرد أن أعود إلي منزلي وأفتح الباب لأكون وحدي يواجهني
الناقد الذي بداخلي
ويطلع لي لسانه قائلا:
ماذا فعلت وعلي أي شيء هذه الجائزة..
كان بالإمكان تقديم
الدور بشكل أفضل..
وأقاوم نفسي لكي لا ألقي بالجائزة في الخرابة.
ومن
الأعمال التي اعتز بها فيلم النمر الأسود لعاطف سالم ..
فالموضوع لمس كثيرا من
الشباب في مصر والعالم العربي الذي يواجه العالم في الخارج والذي سافر إلي
ألمانيا
ليعمل سباكا في أحد المصانع..
وينجح في هذا المجال ويبرز كملاكم عنيد..
وتقف
إلي جانبه فتاة ألمانية.
وقد وصلتني الكثير من الرسائل من معجبيه.
»أحيانا
أظل أبحث عن نص جيد طوال عام..
وبالرغم من التزاماتي المادية الكثيرة جدا وأستطيع
قبول أفلام تخرجني من أزماتي المادية التي أمر بها..
لكني أقاوم هذا بعنف،
أما
المسلسلات التليفزيونية التي تدر عائدا كبيرا فمن بعد »الأيام«
و»هو وهي« لم
أدخل التليفزيون لأن الأعمال التي عرضت عليّ لم تكن علي المستوي..
ومازلت أقول
آسف لأني أحب الفن«.
آخر ساعة المصرية في
30/09/2009
بعد انحسار أضواء السينما عنهم
ظاهرة تفصيل المسلسلات على مقاسات أبطال في سن التقاعد
في المنطقة العربية وفي مصر على وجه الخصوص حيث تتركز صناعة السينما
والدراما التلفزيونية نسبياً تبدو العلاقة بين الصناعتين علاقة شديدة
التركيب والتناقض فهي ليست علاقة منافسة على الجمهور والنجوم وصناع الافلام
ولا علاقة تكامل أو تعاون بالمعنى المعروف بل هي علاقة تجاور تمتزج فيها
عناصر مختلفة ولعل أهم ما يلفت النظر في هذه العلاقة في السنوات الاخيرة هو
هذا الانتقال المتزايد بعدد كبير من نجوم ونجمات السينما إلى التلفزيون بعد
انحسار الاضواء عنهم وعنهن وبلوغهم من العمر مراحل يصعب معها العثور في
السينما على أدوار بطولة خصوصا مع ظهور أجيال متتالية من الشبان وميل صناعة
السينما الدائم للنصوص التي تخاطب عالم الشباب جمهور السينما الاساسي وكان
من الممكن فهم هذه الظاهرة لو ان هؤلاء النجوم انتقلوا إلى الدراما
التلفزيونية في أدوار أو بطولات مشتركة تمزج بين الاجيال لكن المثير للدهشة
والاستغراب هو أن هؤلاء النجوم أصبحوا الآن يتربعون بلا منافس تقريباً على
عروش بطولة أهم المسلسلات التي ترصد لها أضخم الميزانيات يتقاضون منها
حصصاً فلكية كأجور والأهم من ذلك اختيارهم لنصوص وكتاب يفصلون النصوص
التلفزيونية على مقاساتهم وأعمارهم التي تجاوزت في معظمها الستين وبحيث
تدور كل الاحداث حول هذا النجم وفي فلكه بالشكل الذي يضمن تواجده على
الشاشة طوال الوقت وكل الوقت! بل أصبح من المعروف ان جواز مرور وتسويق أي
نص لمسلسل تلفزيوني ليس الجودة ولا قبول شركات الإنتاج وتحمسها له بقدر ما
هو رهن بموافقة وحماس أحد هؤلاء النجوم عليه وقبول المؤلف للجلوس بين يدي
هذا النجم أو ذاك لاستكمال عملية التفصيل حسب المقاس وقبول المقترحات
بالحذف والاضافة.. ومن المثير للدهشة ان عددا من هؤلاء النجوم يقبلون
القيام بأدوار مساندة لنجوم جدد في السينما في الوقت الذي يصرون فيه على
البطولة المطلقة في الاعمال التلفزيونية!! وفي البحث عن تفسير لهذه الظاهرة
هناك أكثر من فرضية أقربها للمنطق هو اختلاف آليات الانتاج في صناعة
السينما عنها في صناعة الدراما التلفزيونية.. ففي السينما يمكن بدقة وسهولة
رصد درجة شعبية وجماهيرية أي نجم من النجوم من خلال شباك التذاكر وعدد
المشاهدين لأفلامه أما في الدراما التلفزيونية فإن الاختيار والتفضيل له
أكثر من آلية وأكثر من مقياس منها حجم وكم الاعلانات التي يمكن ان يجلبها
نجم من النجوم لمسلسله وحماس وموافقة المسؤولين عن القنوات التلفزيونية
لهذا النجم أو ذاك.. اما الفرضية الثانية والتي قد تكون أقرب إلى المنطق
والتي يقول بها أصحاب ومديرو الشركات الإعلانية والقنوات التلفزيونية فهي
ان جمهور الدراما التلفزيونية مختلف تماما عن جمهور الافلام السينمائية من
حيث العمر والمزاج والاهتمامات جمهور يتكون في معظمه من ربات المنازل وكبار
السن والطبقات الاقل قدرة على ارتياد دور العرض لكن هذه الفرضية تناقض في
نفس الوقت حقيقة ان موسم الرواج الاساسي للمسلسلات التلفزيونية هو شهر
رمضان الذي يقضي فيه معظم افراد الاسرة ساعات طويلة في المنزل ويقل فيه
بشكل ملحوظ ارتياد دور العرض السينمائي حتى من جمهورها الأساسي من الشبان
وصغار السن بمعنى انهم جزء أساسي أيضاً من الجمهور القابع أمام شاشات
التلفزيون خلال شهر رمضان وهم بالتالي قطاع مهم جداً من الجمهور المستهدف
من الاعلانات الاستهلاكية التي أصبحت الممول الرئيسي للدراما التلفزيونية
ورغم ذلك تبقى الغلبة والسيطرة على البطولات في أهم المسلسلات الدرامية
الرمضانية لهؤلاء النجوم فعلى سبيل المثال لا الحصر في هذا الموسم الاخير
يقوم الفنان نور الشريف بالبطولة المطلقة وبدون شريك لمسلسلي الرحايا و
متخافوش وهو الذي كانت آخر أدواره السينمائية ضمن بطولات جماعية في أفلام
مثل ليلة البيبي دول و عمارة يعقوبيان و دم الغزال أما يحيى الفخراني
فقد كانت آخر أدواره السينمائية بعد غياب طويل امتد لعشر سنوات أو أكثر هو
دوره في فيلم (مبروك وبلبل) ورغم ذلك فقد تربع على عرش الدراما الرمضانية
منذ دوره في ليالي الحلمية و زيزينيا اما صلاح السعدني البطل المطلق
لمسلسل الباطنية هذا العام فقد هجر السينما منذ وقت طويل جداً وتفرغ
لبطولة الاعمال التلفزيونية وهو تقريبا نفس حال حسين فهمي وفاروق الفيشاوي
ومحمود ياسين الذي كان آخر أدواره دور أبو البطل في فيلم الجزيرة .
الراية القطرية في
30/09/2009 |