عبث سينمائي..
هذا هو التوصيف الأنسب لفيلم
إيهاب لمعي
الجديد الديكتاتور، والذي بدأ عرضه السينمائي منذ أول أيام عيد الفطر
ويتصدي
لبطولته خالد سرحان
.. حسن حسني .. مايا نصري.. ذلك الفيلم الذي يمكنك
تلخيص حالته الفنية المتواضعة في جملة واحدة فكرة عبقرية ولكنها أكبر كما وكيفا من
قدرة صناع الفيلم علي التعامل معها سينمائيا من حقك كمبدع سينمائي أن تقدم فيلما
لطيفا ومسليا يحمل شعار الضحك من أجل الضحك ومن حقك أن يكون أقصي ما
تتمناه هو أن يعرض فيلمك هذا في موسم مثل
عيد الفطر يشهد زيادة إقبال أسر
كثيرة متشبعة تليفزيونيا بعد رمضان علي السينما، مادمت في النهاية واضحا في قرارك
السينمائي.. ولكن ما ليس من حقك هو التمحك في فكرة فلسفية وسياسية ضخمة
وقوية بل
حساسة للغاية لتثبت أنك مخرج مهم ولديك شيء مختلف لتقوله قبل
أن نكتشف في نهاية
الأمر ونهاية الفيلم..
أنك خدعت المشاهد الذي فضل مشاهدة فيلمك عن أي فيلم آخر
بعد أن غازلته بإعلان جذاب يتماس مع احتياجاته السياسية والاجتماعية ليكتشف هو
الآخر أنك طوال الوقت كنت ممسكا بسيف خشبي لا يصلح إلا
للهو!!. وأنك حتي لم
تقدم له أدني درجات الإمتاع.
٧
دقائق
لن نكون مبالغين إذا
قلنا أنه من بين ما يقرب من
٠٩
دقيقة هي المدي الزمني للفيلم علي الشاشة،
٧
دقائق فقط هي التي قد تجذب انتباهك وحماسك لمواصلة مشاهدته..
والمثير للسخرية أن
هذه الدقائق السبع تقع في بداية أحداث الفيلم..
أو لنقل في مقدمته حيث
يقدم
إيهاب لوحة بانورامية ساحرة وساخرة لدولة بامبوزيا
التي تدور فيها أحداث
الفيلم حيث يستعرض في هذه اللوحة تاريخ الدولة الباسلة في مقاومة الاستعمار
وكيف
أن رئيسها الحالي تولي الحكم بعد واقعة
الصينية أي بعد أن دخل علي الرئيس السابق
بصينية الشاي قبل أن يفاجئه بمسدس يشهره في وجهه ويطلق رصاصته نحوه علي
الفور.. ليكون أول قرارات الرئيس الحكيم هو منع دخول أي أحد عليه في غرفته
وهو
يحمل صينية! الرئيس ينتابه كابوس في أول الفيلم، يري فيه أن رجلا يدعي
صقر يدعو لانتخابات رئاسية نزيهة..
الأمر الذي يزعج حتي مساعده عزت أبو
عوف، ويجعله يقول : سلام قولا من رب رحيم قبل أن
يفتي له بقتل أي مواطن
يدعي صقر، وهو ما
يحدث بالفعل لينقلنا المخرج بعد ذلك إلي زواج الرئيس ثم
وفاة زوجته وهي تلد له ابنيه التوءم
عزيز وحكيم واللذين يؤدي دورهما خالد
سرحان.
تنتهي المقدمة التي لعب فيها الإبهار والتكوينات البصرية التي
يجيد لمعي كعادته صياغتها في تناسق وتناغم، دورا
كبيرا في تحفيزك لعدم ترك
مقعدك، وتبدأ بعد ذلك أحداث الفيلم نفسه التي تنتفي عنها جميع العناصر
السابقة.
أحداث الفيلم نفسه في الـ
٣٨
دقيقة المتبقية تتواصل انطلاقا من قاعدة من
كل بلد أغنية.. بحيث تبذل جهدا مضاعفا من أجل إيجاد أي رابط منطقي أو غير
منطقي
بين كل مشهد وما يليه.. ولكن يمكنك القول إن الخيط الرئيسي والذي من
المفترض
أنه يتحدث عن الاستبداد السياسي
يشرح لك كيف أن كل ابن من أبناء الرئيس
ينطلق
في واد مختلف عن الآخر، فـعزيز زير النساء، والذي لا يفقه شيئا في الحياة
سوي مضاجعتهن أصبح يشكل خطرا علي والده، فيقرر إرساله إلي مصر قبل أن تفوح
رائحة فساده الشخصي.. أما الابن الآخر فيتلخص دوره هو الآخر في بيع كل
مؤسسات
الدولة ويصل به الأمر إلي حد تقديم قصر أبيه إلي رجال أعمال
يابانيين إيجار
جديد بل وعرض الفنجان الذي يحمل صورة أبيه عليه في مزاد علني.
وما
بين فضائح عزيز الجنسية حتي في مصر مع سوسو
وأم سوسو..
وبين مسلسل البيع
الذي يواصله حكيم في بامبوزيا.. يطالعك من الحين للآخر المشهد
الشهير
الذي أصبح تيمة مستهلكة في الكثير من الأفلام التي ظهرت في
الفترة الأخيرة..
والذي يذكرك بثورات الجياع حيث يتصارع المواطنون من أجل الحصول علي رغيف
خبز..
أو حينما
يحاول إيهاب التجديد يطالعك مشهد شهير آخر..
وهو الذي تنطلق
فيه الجموع ترفع لافتات تحمل صورة الرئيس وهي مشتعلة منددين في
مسيرات ضخمة
بالاستبداد الذي يتصادف أنك لم تشاهد حتي آخر لقطة في الفيلم أي دلالة له..
وبهذا تصبح هذه المشاهد أكثر فتورا مما هي عليه.
يتم خلع الرئيس من
الحكم ويلقي ابنه في مصر مصيرا مظلما من الفقر، ويتنكر أعوان أبيه له ولا يجد
نصيرا غير المدرسة بسمة أو مايا نصري التي يتصادف أيضا أن يعجب بها علي
طريقة الأمير وسندريلا..
بينما يتم خطف الرئيس وحكيم أثناء تنفيذ حكم الإعدام
من قبل رجل يتضح أن لديه ثأراً
شخصيا معهما ومع سياساتهما، وقبل أن
يقتلهما يقتحم عليه منزله أعوان الرئيس القديم شنن
ويعيدونه إلي الكرسي مرة
أخري.. ليكون أول قرار حكيم يأخذه الرئيس الديموقراطي هو حرق المنزل الذي تم
اختطافه فيه.. أما في مصر فتعود ريما إلي عادتها القديمة..
حيث يترك عزيز
بسمة في محل الجواهرجي بعد أن قاما بشراء دبلة الخطوبة ويسير منساقا
كالمسحور
وراء حنفي
معاون أبيه الذي يخبره بعودة كل شيء إلي وضعه وهكذا ينسي عزيز..
أو يتناسي كل التغييرات النفسية التي طرأت عليه في
الأسابيع القليلة ويستعد
للعودة إلي بامبوزيا تاركا وراءه بسمة مذهولة، ومصدومة في ألم شديد. فيما
عدا براعة الاستهلال التي صاغها بنعومة إيهاب لمعي
وفيما عدا أيضا تلك النهاية
غير النمطية بل الجريئة..
لن تجد مبررا واحدا
يجعلك تشعر بأنك أمام فيلم
مختلف.. بل الحقيقة هي أن صناع الفيلم بلا استثناء أهدروا فرصة، قلما
تتكرر.
بمعني آخر أنهم نجحوا في الحصول علي موافقات رقابية من أجل خروج
فيلمهم إلي
النور، ولم تسجل الصحف وقائع تعنت تذكر مما
يعني أنهم نالوا ما لم
ينله من
قبلهم مخرجون آخرون كانت لديهم مشاريع سينمائية مشابهة..
ومع ذلك لم
يقدموا أي
جديد بل وقفوا عند حد الإيفيهات الجنسية المبتذلة والعروض الخارجة عن
السياق لأكبر
كم ممكن من المايوهات المكونة من قطعتين..
حتي علي مستوي الأفكار المطروحة في
السيناريو باستثناء النهاية لن تجد فكرة جديدة..
أو حتي براقة.. بل إنك تشعر
أحيانا بأنك أمام محاولة استنساخ للفكرة التي قدمها عادل إمام
في الزعيم..
وهذا يعني أن إيهاب لمعي ومن قبله'' خالد سرحان'' صاحب القصة والذي شارك
في كتابة السيناريو لجآ إلي الاستسهال الدرامي بدلا من محاولة الاقتراب ولو
من بعيد
من عمق الفكرة وعبقريتها.
نفس الاستسهال انعكس حتي علي التمثيل الذي خرج
باهتا فتجد مثلا حسن حسني
يقدم واحدا من أسوأ أدواره علي الشاشة..
بينما
يفشل خالد
رغم اجتهاده في أن يشعرنا ولو للحظة أنه ابن رئيس، وليس ابن
رجل أعمال فاسد مثلا..
في حين اكتفت مايا نصري بالانفعال الصاخب والافتعال في
الأداء بدلا من محاولة تقديم نفسها كممثلة بشكل أوضح.
قطعات إيهاب
الحادة والغريبة والتي لا تناسب فيلما كوميديا..
وتكويناته البصرية المكررة
والمملة.. بالإضافة إلي عادة الثمانينيات الأثيرة، والتي تتمثل في إقحام
الأغاني بداع أو بدون داع علي أحداث الفيلم..
كل هذه الأشياء ساهمت في خروج
الفيلم مهلهلا يعجز عن قول أي شيء عن أي شيء.
مجلة روز اليوسف في
26/09/2009
لقطـات نقـديـة
كتب
طارق مصطفي
كليب كتر خيري الذي عرض مؤخرا لـ
شيرين يبدو مفتعلا وغير حقيقي، بل
غير
مناسب لشخصيتها أو حتي لروح الأغنية نفسها ليس لأنه صور
بالكامل وليس لأن الموديل
الذي يقف أمامها ويلعب دور زوجها هو أيضا لبناني وإنما لأن شيرين نفسها
كانت
تحاول من خلال الهيئة التي ظهرت بها في ماكياجها وملبسها
ورقصاتها، بل حتي من
خلال الملامح التي تقمصتها أن تلعب دورا مستوردا وغريبا عليها.. شيرين في
حاجة
إلي أن تسترد ملامحها المصرية قبل أن تفقدها إلي الأبد.
يوسف شعبان..
نجم كبير والكبار يخطئون أحيانا، ولكن ما
يميزهم عن الصغار هو الاعتراف
بالخطأ والاعتذار عنه..
والخطأ الذي ارتكبه
يوسف شعبان ليس بالطبع أنه عاد إلي
شاشة السينما وإنما لأنه قبل علي تاريخه الفني أن
يعود في فيلم هزيل اسمه
فخفخينو.. يوسف في حاجة إلي الاعتذار لجمهوره عن هذا الذنب قبل أن يتضاعف
وزنه.
نور الشريف هو أيضا فنان مهم ولكن عليه أن
يقوم بمراجعة
أفكاره في الفترة الأخيرة، خاصة تلك التي يقدمها في أعماله..
الحلقة الأخيرة
من مسلسله والتي عرضت أول أيام العيد انتهت بانتصار مكرم واكتشافه أنه لا
ينتمي
لأي جذور يهودية.. كيف يفوت علي الفنان الكبير الفرق الخطير والحساس بين
اليهودية والصهيونية؟..
بل كيف يقبل نهاية هزيلة كهذه؟! في
حبك يا
مصر.. حملة خيرية تتبناها إحدي الفضائيات الخاصة ولكنها تحولت خلال الأيام
القليلة الماضية إلي فرصة
يتعلق بها بعض الفنانين من نوعية عبده مشتاق
لإطلاق
الكثير من التصريحات العميقة التي تتحدث عن أهمية مصر السياحية ولكن
المستفز أن
التصريحات بدت وكأنها مسروقة من كتاب الجغرافيا للصف الثالث
الابتدائي. الاختلاف
هو الحل..
كان مجرد شاب طموح يحلم بالتغيير..
يحلم بسينما مختلفة تحمل
طعما غير تقليدي.. ولكن فجأة حدث ما لم يكن في حسبانه هو..
المخرج المساعد
أصبح بطلا علي الشاشة الصغيرة..
شعره المتضخم في شكل دائري حول رأسه..
مخارج
ألفاظه الغريبة..
إكسسواراته وهيئته الغارقة في الأمركة..
أدوات خلق بها إتش
دبور في تامر وشوقية
ليتحول وبنجاح ساحق إلي تميمة حظ يتسابق عليها المنتجون
لاستثمارها..
بين ليلة وضحاها أصبح بطلا علي الأفيش..
فيلمه الأول حقق
ملايين ومع ذلك تصورنا أن نجاحه مجرد صدفة،
ولكن الصدفة تكررت هذا العام للمرة
الثانية.. وحقق فيلمه أضعاف ما حققه الفيلم الأول وفي أسابيع قليلة.. وخرج
من
سباق الصيف إلي سباق الإعلانات الرمضانية..
وكالعادة أصبح هو المركز الذي تدور
حوله إعلانات النجوم الآخرين..
حتي بعد رمضان مازال فيلمه
طير انت يتصدر شباك
التذاكر.. ومع ذلك مازلنا نتعامل مع نجاح أحمد مكي
علي أنه مجرد صدفة..
بينما هو لديه هم أكبر..
لديه حلم أهم..
لديه قناعة تقول أن الاختلاف هو
الحل.؟
مجلة روز اليوسف في
26/09/2009 |