يأتي مولد أفلام عيد الفطر هذا العام وقد انجزت السينما المصرية
في الموسم الصيفي وما قبله أعمالا جيدة تؤكد أن النسبة الغالبة من الأفلام
علي
درجة عالية وبعضها شديد التميز، وتأتي أفلام مولد العيد الصغير وقد عادت أفلامنا
التي مثلتنا في مهرجان فينسيا العريق خالية الوفاض إلا من جائزة شرفية
هامشية
منحتها إحدي الجمعيات لفيلم
احكي يا شهر زاد الذي عرض خارج المسابقة الرسمية،
وكنا قد شاركنا ـ بالإضافة إلي هذا الفيلم ـ بفيلم
المسافر في المسابقة
الرسمية، وبفيلم واحد ـ صفر في برنامج آفاق.
ووفقا لرسائل
فريق نايل سينما الذي تابعنا جهوده، فقد ترك
احكي يا شهرزاد
وواحد ـ صفر
انطباعات جيدة بصفة عامة عند الجمهور والنقاد،
ولكن ظلت المشكلة في فيلم
المسافر وهو أول إنتاج لوزارة الثقافة منذ سنوات طويلة،
لم أنزعج لعدم فوز
الفيلم بجائزة لأنه دخل منافسة شديدة الشراسة مع ٣٢ فيلما آخرين، يكفي أن
مخرج
المسافر (أحمد ماهر) كان منافسا لأسماء مهمة في عالم الإخراج مثل (مايكل
مور)
الذي عرض له فيلم
الرأسمالية.. قصة حب ومثل (جورج روميرو) الذي
عرض له فيلم بقاء الموتي،
والمخرج الألماني الكبير
ورنر هيرتسوج
الذي شارك بفيلمين دفعة واحدة هما:
ملازم سيئ..
موقع النداء نيواورليانز،
وفيلم ابني.. ابني.. ماذا فعلت؟ مثل المخرج الإيطالي صاحب رائعة
سينما
باراديزو الجديدة
جوزيبي تورناتوري الذي أخرج فيلم الافتتاح باريا، وهناك
أيضا المخرج الفرنسي المعروف
جاك ريفيت مخرج ٦٣نظرة إلي جيل سان لو،
والمخرج باتريس شيرو الذي اشتهر عندنا بدور نابليون
في فيلم
وداعا
بونابرت، وقد عرض له فيلم بعنوان اضطهاد
ولدينا كذلك المخرج الألماني
-
تركي الأصل - فاتح أكين صاحب فيلم مطبخ الروح، وكل اسم من هذه الأسماء
يمكن أن تكتب دراسة كاملة حول أعماله، والتنافس مع أفلام هؤلاء نجاح كبير وشرف
أكبر.
لم يكن عدم حصول المسافر
علي جائزة سبب الأسي والانزعاج رغم
أننا كنا نتمني أن تتحقق المفاجأة، كانت المشكلة في الفتور الذين استقبل به
الجمهور والناقد الفيلم، ثم في اشتراك بعض العاملين في الفيلم في الهجوم
علي
العمل، وكانوا منذ فترة قصيرة يصطفون لتحية الجمهور
والمصورين علي البساط
الأحمر، ولابد من الاعتراف أيضا بأن الإسراف في الإشادة بالفيلم قبل ظهوره
قد
ساهم في هذه الصدمة،
وبصفة عامة لم أكن مستريحا لهذا الإسراف خاصة أن الغالبية
الساحقة لم تشاهد
المسافر، وحدث أيضا خلط واضح بين مستوي الفيلم وبين أهميته
كعمل ضخم تعود به وزارة الثقافة إلي ميدان الإنتاج السينمائي،
وربما كان دافع
الحديث عن الفيلم ليس فقط مستواه الفني الخالص وإنما التمني بأن يشجع ذلك
الدولة
علي مواصلة تقديم أعمال ذات
طبيعة خاصة لا يمكن أن يقترب منها المنتج الخاص.
لقد كان واضحا أن جزءا كبيرا من صدمة
المسافر يرجع أساسا إلي
ارتفاع سقف الأمنيات والتوقعات، وفي إحدي رسائل فريق نايل سينما
التي أشرت
إليها سابقا كان معظم المصريين الذين شاهدوا المسافر
محبطين، وفي حفل أقامته
السفارة المصرية لفريق الفيلم لم يستطع الكثيرون المجاملة فسمعت إحدي
المصريات وهي
تقول إن الفيلم لا يقارن أبدا بفيلم هي فوضي
الذي اشترك سابقا في المسابقة
الرسمية، ورأيت وسمعت النجمة (إلهام شاهين)
وهي تتحدث عن ضرورة أن يكون
المتفرج دارسا للفلسفة حتي يتواصل مع الفيلم،
وقال (ممدوح
الليثي) نقيب
السينمائيين إن الفيلم به تطويل ويحتاج إلي إعادة مونتاج، وتحدث آخرون عن الملل
الذي شعروا به طوال مدة العرض،
باختصار: لم يستطع أحد المجاملة، ولم يكن
يجمع بين هذه الآراء سوي أن هناك حاجة غلط
أفسدت متعة المشاهدة.
في كل الأحوال، لن نستطيع الحكم عن فيلم لم نشاهده بعد،
ولكن
هناك دروسا مستفادة من رحلة أفلامنا الثلاثة إلي فينسيا، بكل المعايير
كسبت
السينما المصرية حضورا مميزا في أحد أكبر ثلاثة مهرجانات دولية، كما كسبت
ربما
فتح أسواق لهذه الأفلام، أو علي الأقل لفيلمي احكي يا شهر زاد وواحد ـ
صفر، ولابد أيضا أن تفتح التجربة ـ رغم خيبة
المسافر، شهب المنتجين
والدولة لإنتاج أعمال أكثر اختلافا عن السائد تجد مكانا لها في المهرجانات
الكبري،
وعلينا دائما ألا نسرف في رفع سقف الطموحات وألا نخلط بين
الأوراق، فالمشاركة في
حد ذاتها نقطة تحسب لصالح المبدعين، وعدم الفوز ليس كارثة،
ولكن الفتور الذي
تستقبل به الأفلام ليس مؤامرة، وإنما درس يجب الاستفادة منه لتقديم الأفضل
والأحسن في المستقبل القريب.
أعود من جديد إلي قناة
نايل سينما
التي كانت نافذتنا علي مهرجان فينسيا
خاصة في حفل الختام،
ولكن الحلو
دائما لا يكتمل، كانت هناك ملاحظات مثلا علي قصر مدة الرسالة اليومية، وعلي
الاكتفاء باللقاءات الإعلامية السريعة مقارنة بعملية العرض والتحليل
والمناقشة
العميقة، واستأثرت الفواصل بمساحات واسعة من زمن الرسالة
القصيرة
أصلا،
وفي حفل الختام جاءتني نوبة من الضحك وأنا أستمع إلي المترجم
الفوري وهو يتحدث عن فيلم اسمه ساندرين بونير لنكتشف أنه لا يعرف اسم النجمة
الفرنسية الشهيرة عضو لجنة التحكيم، كما نطق اسم المخرجة الإيطالية الشهيرة
ليليانا كافاني
بطريقة غير صحيحة، كان من الواضح أن المترجم عنده فكرة عن
اللغة الإيطالية ولكن ماعندهوش فكرة عن السينما العالمية وهو أمر مؤسف ومزعج،
واستكملت المذيعة التي كنت تحاور يوسف شريف رزق الله الصورة الضبابية وهي
تستنتج أن إحدي الفائزات وهي
شيرين نشأت من أصل عربي، فاضطر أن يصحح لها أن
مخرجة الفيلم الألماني نساء بلا رجال من أصل إيراني،
ولا علاقة لها بالعروبة
من قريب أو بعيد.
أغلقت السينما المصرية صفحة
فينسيا، وبدأت
صفحة أفلام العيد، علينا ألا نتوقف أبدا عن المشاركة والمحاولة بأفلام
مختلفة بها
مساحات واسعة للمبدعين الشباب،
وعلي وزارة الثقافة ألا تتوقف عن الإنتاج والحماس
لمشروعات مدروسة يتم تحقيقها خلال برنامج زمني منضبط،
ودعوني أقترح أن يكون أحد
أبرز تلك المشروعات تنفيذ سيناريو إخناتون..
مأساة البيت الكبير
للمبدع الراحل (شادي عبدالسلام)،
وليكن إنتاج الفيلم مشتركا مع منتج مصري أو
أجنبي فردا كان أو هيئته أو مؤسسة، علينا أن نؤمن بأن السينما المصرية مليئة
بكنوز من المبدعين الذين يحتاجون الدفع بهم إلي الأمام ليقدموا الأفضل بكل
حرية
ودون خوف، صدقوني نحن قادرون علي المنافسة دون إسراف في
المبالغة أو في الإحباط،
ونأمل أن يستكمل موسم العيدين وما بينهما حلمنا بصورة عام سينمائي قوي
ومختلف...
قولوا يا رب!
روز اليوسف اليومية في
19/09/2009 |