يجمع النقاد على أن آخر أفلام جيمس كاميرون، المخرج الأميركي الشهير
بأفلام مثل «التايتانيك» ومسلسل أفلام «المدمر»، الذي عرض 15 دقيقة فقط منه
لمعرفة ردة الفعل عليه وما قد يحمله من أفكار جديدة، سيغير مفهومنا عن
السينما ويفرض علينا لونا وذوقا جديدا في مشاهدة الأفلام التي ستتحول إلى
الأبعاد الثلاثة بمجملها.
المخرج الحائز على عدة جوائز أوسكار أطلق مؤخرا عينة قصيرة من فيلم «افاتار»،
الذي قيل إنه «قد يغير صناعة الأفلام إلى الأبد، وله من قوة تأثير خارقة
على عقل الشخص، وأن مشاهدته تشبه الحلم، لكن هذا الحلم يحدث وعيونك
مفتوحة». بهذه الكلمات عبر عنه أحد النقاد البريطانيين، والذي جاءت كلماته
لتعكس إجماعا من قبل النقاد بعد مشاهدتهم 15 دقيقة فقط من فيلم الخيال
العلمي، أخرجها كاميرون للتذوق فقط.
الشهر الماضي عرض الفيلم، الذي سيطلق رسميا في ديسمبر (كانون الأول)
المقبل، في صالات «ايماكس للأبعاد الثلاثة» في عدد من المدن العالمية، مثل
لندن وسان دييغو بكاليفورنيا.
وبعد العرض وصف العاملون في صناعة السينما الفيلم بأنه يمثل
«المستقبل»، وبعضهم قال إن مشاهدة هذا الشريط القصير وضعهم في حالة من
الحلم المستمر، وكأنهم تناولوا جرعة من مخدر والآن ينتظرون الحصول على جرعة
كاملة بعد أن أصبحوا مدمنين.
وراح بعض المشاهدين إلى أبعد من ذلك. وقال بعض المختصين في جراحة
الدماغ إن الفيلم نشط أجزاء من المخ لم تتمكن الأفلام التقليدية من الوصول
إليها.
واعتبر البعض فيلم «افاتار» بأنه يمثل بنقلته الجديدة ما قامت به
الأفلام عندما أضافت الصوت للأفلام الصامتة وكذلك اللون لأفلام الأبيض
والأسود. «هذه التجربة الجديد هي الأولى لجيمس كاميرون منذ التايتانيك،
الفيلم الذي أدخل بدوره أيضا تحسينات على صناعة الفيلم»، قال جاك ورنر من
مجلة «سكرين إنترناشونال»، المتخصصة بصناعة السينما، مضيفا «وهذا ما قام به
أيضا في أفلام مثل سلسلة المدمر. هذا ما يعمله، يقضي السنين الطويلة في
تطوير التكنولوجيا لتطبيقها في رؤيته الخاصة».
إلا أن بعض النقاد يرون أن أهمية «افاتار» تكمن ليس في الإبداع فقط،
وإنما في وجود صعوبة في نسخ أفلام الأبعاد الثلاثة، وبهذا يمكنها التغلب
على القرصنة، الأمر الذي يجذب إليها استوديوهات هوليوود. «ولهذا يأمل
العاملون في صناعة السينما في أن يقوم افاتار ليس فقط في تغييرها وإنما في
الحفاظ عليها من القرصنة».
التوقعات بالنسبة للمشاهدين والعاملين في مجال هذا الفن الإبداعي كانت
عالية جدا، لمعرفتهم بأن كاميرون قضى أكثر من 14 عاما يطبخ بهذه الفكرة،
قبل أن يقدم فيلم التايتانيك، الذي حقق نجاحا خارقا من الناحية التجارية.
وبالرغم من هذه القراءة للفيلم من الناحية التقنية ومن التوقعات
العالية لما قد يحققه، إلا أن كاميرون صرح قائلا «لا أعتقد أن الفيلم سيكون
مطابقا للتوقعات».
الفيلم يتتبع جاك، الجندي، الذي يعاني من إعاقة جسدية بسبب انخراطه في
معركة على الأرض. ولهذا فإنه ينضم إلى «برنامج افاتار» الذي يمنحه جسما
يسكنه خاليا من العيوب. ويسافر هذا الجندي إلى كوكب باندورا البعيد، عالم
مليء بالغابات الاستوائية ويحتوي على مخلوقات من العالم الخارجي الغريبة.
تمكن كاميرون من تطوير نظام تصويري (فيوجن) متداخل من كاميرات
تكنولوجيا ثلاثية الأبعاد. النظام يستخدم كاميرات عالية الوضوح مع
تكنولوجيا تصويرية متحركة قادرة على التقاط تفاصيل دقيقة خصوصا تعابير
الوجه للممثلين.
وفي بريطانيا تقوم السينمات بالتحضيرات المطلوبة بتطوير أجهزة العرض
إلى تكنولوجيا رقمية من أجل عرض الفيلم عند إطلاقه في ديسمبر (كانون الأول)
المقبل. ويحتاج المشاهد إلى نظارات خاصة بأفلام الأبعاد الثلاثة لمشاهدة
«افاتار»، إلا أن هذه هي من نوعية تختلف عن سابقتها وتشبه هذه النظارات
الشمسية.
وقال أحد المعجبين بعد مشاهدة المقطع القصير من الفيلم، إن جميع ما
كان يدور حول مشاهدة أفلام الأبعاد الثلاثة يعتبر، مقارنة بما قد يقدم
لاحقا من خلال افاتار، «لعبة غير جدية». «في افاتار تشعر أنك لا تشاهد فقط
الغابات والمخلوقات الغريبة وإنما أنت جزء منها، وأن كل هذه الأشياء تحيطك
من كل جانب»، قال دانيال بيتريدج لصحيفة «التايمز» البريطانية اليومية، بعد
مشاهدته هذا الجزء من الفيلم في «كوميك ـ كون إنترناشونال» في سان دييغو
بكاليفورنيا.
وحذر بعض المعلقين من أن الفيلم يشكل تحديا كبيرا لاستوديوهات «تونتيث
سينتشري فوكس»، التي تمتلك جزءا منها «نيوز كوربوريشن».
تواجدت أفلام الأبعاد الثلاثة في السوق السينمائي منذ الخمسينات من
القرن الماضي. لكن المشاهدين ما زالوا يجلسون أمام شاشات تستخدم لعرض
الأفلام العادية ذات البعدين.
وشهد هذا العام طفرة نوعية في عالم أفلام الأبعاد الثلاثة لاستوديوهات
هوليوود مثل كارولاين و«بلاداي فلانتاين» و«مومسترز مقابل ايليانز» و«بيكسار»
الذي عرض في مهرجان كان السينمائي. وكلها حققت أرباحا لا بأس بها، لدرجة أن
فيلم «مومسترز مقابل ايليانز» حقق أرباحا أعلى من النسخة العادية للفيلم.
لقد استثمرت الاستوديوهات أكثر من 200 مليون دولار في هذا المشروع،
ولهذا تشعر أن هناك حاجة ماسة للنجاح من الناحية التجارية. وحسب الأرقام
المتوفرة، فإن هذا الرقم هو ما استثمر من أجل إنتاج فيلم تايتانيك. لكن
مداخيل هذا الأخير كانت الأعلى في تاريخ السينما، وحصل على 1.8 مليار دولار
حول العالم.
* تاريخ أفلام الأبعاد الثلاثة
* 1894 ـ وليام فريز يتقدم للحصول على تسجيل ملكية طريقة المشاهدة
للأبعاد الثلاثة، مستخدما شاشتين متقابلتين.
* 1915 ـ سرقة القطار الكبرى
* المخرج إدوين بورتر يقدم وصلات قصيرة من اللونين الأحمر والأخضر
لاختبارها، إلا أن تجربته لم تتكرر.
* 1920 ـ «قوة الحب»
* فيلم (فقد) استخدم التقنية التي طورها روبرت الدار، وكان أول فيلم
يعرض تجاريا في لوس أنجليس.
* 1922 ـ لورنس هاموند وووليام كاسيد يستخدمان آلتي عرض وسمع في نفس
الوقت، ومن خلال ذلك تمكنا من إنتاج أفلام قصيرة وواحد طويل، «رجل من
المريخ»، وعرض في سينما واحدة فقط مجهزة بأجهزة خاصة.
* 1936 ـ ام.جي.ام تحصل على جائزة الأكاديمية الأميركية للأفلام كأفضل
موضوع قصير تم تطويره من قبل جون نورلينغز.
* 1952 ـ 1955
* شهدت الفترة طفرة في إنتاج هذا النوع من الأفلام تجاريا، كان أولها
«بوانا ديفيل».
* 1973 ـ اندي وورهول وبول موريسي يقومان بتطوير «فليش فور
فرانكينستاين».
* 1979 ـ 1985
* شهد إعادة إنتاج العديد من الأفلام الشهيرة باستخدام تكنولوجيا
الأبعاد الثلاثة مثل «فرايدي ذي 13» و«جوز».
* 2003 ـ جيمس كاميرون ينتج فيلما مستخدما هذه التكنولوجيا، ويقوم
المشاهدون بزيارة ركام سفينة التايتانيك التي تقبع في قاع المحيط.
الشرق الأوسط في
18/09/2009
في فيلم «ناين»
بطل من الخيش له قلب ذهبي في عالم غامض وقاس
نيويورك: أي أو سكوت*
الشخصية الرئيسية في فيلم «ناين» (تسعة) هي شخصية «ناين» وهو في حجم
وشكل التماثيل الصغيرة التي توضع على سطح الطاولة والتي يستخدمها طلاب
الفنون. لناين جسد من الخيش، وسحاب في منتصف صدره، تومض عيناه الكبيرتان،
مثل عدسة الكاميرا، اللتان ترصدان وتسجلان عالما من الرعب والألغاز.
في نسخة تصل مدتها إلى عشر دقائق من فيلم الرسوم المتحركة الذي يحمل
اسم «ناين» ـ الذي أعتقد أنه يمكن أن يطلق عليه إنسان آلي بالرغم من أنه
أكثر ليونة واستدارة من شكل الروبوت التقليدي ـ يتنقل ناين ورفيقه بدون
حوار.
ولكن في الفيلم الطويل، أصبح صمت الشخصية الرئيسية عائقا مؤقتا، يجد
بعدها ناين نفسه محاطا بثماني شخصيات أخرى من الشخصيات الآلية المرقمة التي
تظهر بدون ترتيب وكأنها صف في لعبة السودوكو. (سوف يلاحظ الذين يؤمنون بعلم
الأعداد أن تاريخ افتتاح الفيلم هو 9/9/2009). وتتحدث بعض هذه الشخصيات
(الأرقام) بالصوت المعالج لعدد من الممثلين المشاهير من أمثال جون ريلي
وجنيفر كونلي وكريسبين غلوفر.
وعندما يمنح «تو» (مارتين لاندو) البطل «ناين» صوتا، فإنه يبدأ في طرح
الأسئلة من خلال صوت الممثل إليغاه وود. وتعد إحدى مميزات «ناين» في الفيلم
الطويل (كلا الفيلمين من إخراج شين أكر الذي شارك في كتابة الفيلم الطويل
مع باميلا بتلر) هي أنه لا يقفز إلى الإجابات؛ حيث تستمر أحداث الفيلم في
مكان غريب ومريب يعج بالإشارات إلى تاريخ الفن، والرسوم المتحركة، والأدب
الخيالي، وشمولية القرن العشرين. وبالتالي فهناك الكثير من الأحداث التي
يتم استعراضها في مدة الفيلم التي تصل إلى 88 دقيقة بالإضافة إلى نشاطات
الوحوش، والتتابع السريع للمعارك وسلسلة المشاجرات بين «ناين» و«وان
(كريستوفر بلامير) حول أفضل طريقة يواجهان بها المخاطر التي تعترضهما (يريد
«وان» أن يبقى آمنا، مختبئا وغير مرئي، بينما يرغب «ناين» في أن يقاتل
ويستكشف ويتعلم. ويمكنك أن تخمن من الذي انتصر في النهاية). ولكن بالرغم من
أن الفيلم يعج بالأحداث في بعض الأحيان وينتهي بمعركة غير مقنعة لها نهاية
حزينة ومحملة بالهراء، يعكس «ناين» خيالا استثنائيا، وتكاملا بصريا.
ومن جهة أخرى، جمع المخرج أكر بين فكرتين مستهلكتين من أفكار الخيال
العلمي ـ أحد الكواكب الذي تعرض لكارثة طبيعية وآلة تتسم بالذكاء والحساسية
ـ كما صنع نموذجا من الأخطار التكنولوجية المثيرة والملغزة. وبالرغم من أنه
يستخدم أحدث تقنيات الكومبيوتر، تحمل شخصياته لمسة فنية يدوية تعطيك إحساسا
بأن أدواته لم تكون فأرة الكمبيوتر ولوحة المفاتيح بل كانت إبرة وخيطا.
وتحمل الأجهزة الشريرة التي لا نرى فيها إلا كائنات شيطانية لها عيون
براقة وشهية شرهة، غضبا شديدا تجاه الإنسان الآلي ذي الجسد اللين، ويعد سر
حماستهم لعمليات القتل هو إحدى الأحجيات التي يجب على «ناين» فك شفرتها
خلال صراعه من أجل البقاء.
ويبدو التشابه بين الفيلم وفيلم «وول إي» ـ قصة أخرى من قصص الآلات
الحساسة في بيئة فاسدة ومهجورة ـ واضحا للغاية وذلك بالرغم من أن «ناين» لم
يصل إلى شاعرية شخصية وال إي. وتستطيع رصد تأثير المخرج أكر بدءا من
استعانته بمصممي الرسوم المتحركة التجريبيين مثل جان سفانكماغر و«برازرس
كويس» وصولا إلى تيم بارتون منتج فيلم «ناين» لأجواء الفيلم الضبابية
والغائمة والتي تحمل إيحاء أوروبيا، كما توحي الآلات بالكوابيس المستقبلية
التي وجدت منذ الأبد.
يعدو «ناين» ورفيقه بين المباني المهدمة مثل المغيرين في أرض محتلة
يراوغان طائرا جارحا وعدوا آخر يبدو كالعنكبوت، وفي نفس الوقت يتشاجران معا
ويحاولان جمع تاريخهما. وتدور بخلد «ناين» ورفيقه أسئلة وجودية مثل، ـ من
صنعهما ولماذا؟ ـ وأسئلة عملية من قبيل: مما صنعا وكيف يعملان؟ ويحاولان
إجابة تلك التساؤلات في لحظات هدوئهما وخلال اندفاعاتهما الصاخبة.
وتأتي أحداث الفيلم في تتابع متلاحق ومكثف؛ حيث يثير الأشرار الجوعى
الرعب في قلب المشاهدين، كما أن الجو العام للفيلم مظلم ومثير خاصة بالنسبة
للأطفال الصغار. ويحاول الفيلم الذي يمتاز باستخدام التكنولوجيا المتطورة
والشخصيات الخيالية ذات السحر الخاص تخطي حدود العائلات المتحفظة.
فيلم «ناين» يصنف (بي جي 13)، أي أنه فيلم يجب على الأطفال عدم
مشاهدته نظرا لاحتوائه على بعض المشاهد المخيفة التي يظهر فيها الكثير من
المخاطر والتدمير.
*خدمة «نيويورك تايمز»
الشرق الأوسط في
18/09/2009 |