من يشاهد هذا القدر الهائل من
الاعلانات التي تمتليء بها قنوات التليفزيون في رمضان قد يتخيل
أن اقتصادنا منتعش،
ويكاد يتفوق علي الاقتصاد الصيني الذي يترنح تحت هجمات المنتجات المصرية،
بل
ربما يتخيل أن المصريين هم أكثر شعوب الأرض رفاهية، وأن الأزمة الاقتصادية
العالمية عبرت بجوار مصر دون أن تلمسها.
وهل هناك دليل علي ذلك أكبر من أن
تصبح نسبة الاعلانات التي تبث عبر القنوات أعلي من مساحة
المادة الاعلامية وبدرجة
تتجاوز أي نسبة عالمية مسموح بها، أو أن تقوم شركة اعلانات بافتتاح قناة لتبث
عبرها سيل الاعلانات الذي لا ينقطع علي مدار اليوم مثل قناة »القاهرة
والناس«
التي اكتفت بالمراهنة علي بعض البرامج القليلة التي تم الانفاق عليها
بسخاء، وتم
الترويج لها باعتبارها »الأجرأ« والأكثر إثارة للجدل عبر حملة من الاعلانات
التي تروج للاعلانات!
»القاهرة
والناس« ظاهرة في مجال الاعلام أعتقد انها
غير مسبوقة في أي بلد آخر.
صحيح أن هناك قنوات اعلانية بالكامل،
ولكن المشاهد
يقبل عليها للبحث عن سلع وبضائع ليشتريها كما يفعل حين يحصل علي نسخة
مجانية من
جريدة الوسيط، ولكن لم يسبق
- علي حد علمي المتواضع -
ان وجدت قناة تقدم
نفسها باعتبارها قناة اعلامية عادية في حين
انها بالأساس قناة اعلانية لمدة شهر
واحد تستغل طيبة المصريين واستعدادهم لتقبل وتحمل أي شيء، كما تستغل ولعهم
بالنميمة والفضائح، وتقدم لهم خليطا عجيبا من الاعلانات التي يتخللها دقائق
معدودة من البرامج الحوارية التي تستضيف بعض الفنانين ومشاهير السياسة
والصحافة
والمجتمع لتوجه لهم بعض الأسئلة
»الجريئة«.
هذه الجرأة المزعومة تتلخص
غالبا في نوع من الخوض في الأعراض والذمم المالية بدرج محسوبة
جدا لا تغضب أحدا..
وفي الحالات القليلة التي تم فيها توجيه أسئلة أغضبت الضيوف الي درجة
الانسحاب من
البرنامج أو التعبير عن استيائهم فقد كان يتم الاعتذار لهم واعادة التصوير
مرة أخري
بعد حذف الأسئلة أو تخفيفها،
وذلك تحت اشراف صاحب القناة نفسه الذي أشرف أيضا علي
مونتاج كل البرامج لينزع عنها أي دسم يمكن أن يتسبب في مضايقة
الضيف، أو
المسئولين في الدولة، أو اضافة أي قدر من الاحساس بالحرية لدي المشاهد.
ربما
تصور أصحاب القناة، مثل كثير من وسائل الاعلام المصرية،
أن الحديث عن العلاقات
العاطفية هو دليل علي الحرية،
وأن علنية الحياة الجنسية هي الصفة الوحيدة التي
تميز بيننا وبين المجتمعات »الحرة«..
ولكن الحديث عن الحياة الجنسية الخاصة في
الاعلام الغربي يكاد يكون حكرا علي الصحافة الصفراء وبعض القنوات
الفضائحية،
بينما لا يشغل من مساحة الاعلام السائد الجاد سوي جزء بسيط ضمن
أشياء أهم بكثير
تتعلق بالحريات السياسية والأداء المهني للسياسيين والشخصيات العامة والنظم
الاقتصادية والقانونية.. الي آخره من الأشياء التي تمس حياة وحريات
المواطنين.
إذا طبقنا ذلك علي أهم برنامجين لقناة
»القاهرة والناس«
وهما
»لماذا؟«
الذي يقدمه المذيع اللبناني طوني خليفة، و»باب الشمس«
الذي تقدمه
الفلسطينية الايطالية رولا جبريل يمكن أن نكتشف حدود وملامح »حرية«
قناة »القاهرة والناس«.
طوني خليفة محاور معروف ببرامجه الجريئة في التليفزيون
اللبناني مثل »ساعة بقرب الحبيب«
و»لمن يجرؤ فقط«،
علي الطريقة الغربية في
حوارات النجوم التي تدور
غالبا عن حياتهم الخاصة العاطفية وصراعاتهم
ومشاكلهم مع
غيرهم من النجوم، ومعظم الحلقات التي قدمها خليفة في
»لماذا« هي استنساخ
لحوارات سابقة أجراها مع نفس النجوم في برنامجه اللبناني.
هذه النوعية غريبة
علي القنوات المصرية التي تستضيف النجوم
غالبا للحديث عن أمجادهم وعظمتهم
وحلاوتهم، مع استثناءات قليلة محدودة مثل برنامج »حوار صريح جدا«
الذي كانت
تقدمه مني الحسيني في رمضان.
طوني خليفة محاور جيد جدا،
وله أسلوب مميز في
استخراج الكلام من أكثر الضيوف تحفظا، أو تحفزا، ولكن كما قلت فإن معظم حلقات
لماذا تثير لدي المشاهد المطلع علي برامج خليفة السابقة بأنها »ديجا
فو«، أي
تم مشاهدتها من قبل.
القناة،
إذن،
لم تغامر بتقديم شيء جديد، ولكنها
اعتمدت علي أعمال سبق نجاحها من قبل، وهو الأسلوب الذي
اتبعته شركة طارق نور في
اعلاناتها المستنسخة من اعلانات أجنبيه، وهو ما كاد يتسبب في فضيحة للقناة قبل
أيام من رمضان عندما قام بعض الشباب النبيه،
أو أحد المنافسين،
ببث بعض
الاعلانات الأجنبية الأصلية علي الانترنت، والتي قامت قناة
»القاهرة والناس«
بـ»اقتباسها«!
حتي في اعلاناتها ليس هناك شيء أصيل في
»القاهرة والناس«
سوي شخصية صاحبها الذي حقق نجاحا هائلا علي مدار عقود في عالم الاعلانات
بفضل
ثقافته الأجنبية وصوته المميز وشخصيته الجذابة التي فتحت له الكثير من
الأبواب
المغلقة في عالم البيزنس والسياسة في مصر.
لقد انضم طارق نور الي النخبة التي
تحكم مصر الان،
مثل أحمد عز وحسام بدراوي وكثير من رجال الأعمال في مختلف
المجالات، والذين يمكن أن تجد عددا من الصفات المتشابهة
بينهم، أهمها انهم
يمثلون نموذجا جديدا من الحاكم المدني العصري الأكثر شبابا وجاذبية..
جاذبية
جنسية أكثر من كاريزما سياسية..
ولكن هذا موضوع آخر ليس مجال هنا..
أنا أذكره
فقط لأؤكد علي فكرة الاعلام البديل الذي قدمه لنا طارق نور،
في تعاون جديد ومثير
للاهتمام مع التليفزيون المصري ووزير الاعلام أنس الفقي.
قناة »القاهرة
والناس«
هي نموذج مبدئي لاعلام خاص وحكومي في الوقت
نفسه، يبدو جديدا وجريئا
علي السطح، ولكنه في الحقيقة لا يختلف عن الاعلام أو نظام الحكم القديم،
بل هو
أشد مكرا وخطورة.
هل شاهدت مثلا الحلقة التي استضافت فيها رولا جبريل صاحب
القناة طارق نور.. أنصحك بمشاهدتها عندما يتم اعادتها فهي تكشف بوضوح عن
ذلك
الوجه الجريء للقناة والسياسة التي ورائها.
رولا جبريل كما تم الترويج لها قبل
رمضان بأسابيع هي »أجرأ«
مقدمة برامج في ايطاليا، وكماجاء في الفيلم الوثائقي
الذي صنعته قناة الجزيرة عنها،
وقامت »القاهرة والناس«
بـ»استعارته«
منها،
فقد تسببت رولا بجرأتها في استقالة وزير العدل الايطالي الذي
اتعمداهانة رولا علي
الهواء في غضب: »من هذه المذيعة السوداء التي أتيتم بها
لتحاورني؟«.
الحقيقة الواضحة كالشمس من الفيلم الوثائقي وحديث رولا نفسها الذي
تسبب في استقالة وزير العدل الايطالي هو الاعلام الايطالي الذي اعتبر اهانة
رولا
علي الهواء اهانة لكل الاعلاميين في ايطاليا والعالم..
والسبب الثاني هو مناخ
الحرية الحقيقية في الاعلام الغربي الذي سمح لمذيعة من أصول أجنبية أن
تحاور وزيرا
بمنتهي الحرية وتواجهه بعدائه للأجانب وعنصريته.
هل قدم برنامج »باب الشمس«
حلقة واحدة يمكن أن تقترب من هذه الجرأة التي تطيح بسياسيين
وأنظمة حكم في كل بلاد
الله خلق الله ما عدا بلادنا العربية؟ طبعا لا..
وأجرأ سؤال تم توجيهه لوزير
كان عن المرتب الذي يتقاضاه من شركة بترول يرأسها، وهي معلومة معروفة
كتبتها
الكثير من الصحف.وكما علمت من مصادر قريبة من القناة فقد تم حذف عشرات من
الأسئلة
والمواجهات داخل البرنامج..
وعندما فكرت رولا جبريل ذات حلقة أن تفعل كما فعلت مع
الوزير الايطالي وتقوم بإلغاء حلقة مع الكوميديان محمد هنيدي بعد أن رفض
الاجابة
علي أسئلتها، قام فريق انتاج البرنامج بإعادتها الي الاستوديو
وقالوا لها ما
معناه »الكلام ده عندكم في ايطاليا..
هنا ما ينفعش تنتهي الحلقة قبل ميعادها..
علشان الاعلانات اللي جايبينها ديه نوديها فين؟«.
وعندما انسحبت ليلي علوي
ورفضت استكمال الحوار مع رولا جبريل تم تطييب خاطرها والاعتذار
لها، واجبار رولا
وفريق الاعداد علي استكمال تصوير الحلقة بعد عدة أيام وبعد أن قاموا بتدجين
الأسئلة
حتي لا تغضب النجمة مرة أخري!
هذا ما حدث مع ليلي علوي ومحمد هنيدي،
فهل
يمكن أن يكون هناك جرأة حقيقية في قناة خاضعة بالكامل لرغبات المعلنين
وأصحاب
القرار وحكام البلد؟!
كل برامج القناة هي نسخة معدلة بدرجات من الحلقة التي
جرت بين رولا جبريل وطارق نور التي جرت أسئلتها واجاباتها علي النحو
التالي: تسأل
مذيعة القناة: »علي ماذا تعتمد قناة »القاهرة والناس«..
الجرأة أم الجمال أم
المضمون؟« فيرد صاحب القناة: »انظري الي المرآة لتعرفي بنفسك انها تعتمد علي كل
هذه الأشياء«.
أو تعلق مذيعة القناة: »أنت جذاب جدا..
فهل تعتمد في نجاحك
علي مدي جاذبيتك للنساء؟«
فيعلق صاحب القناة:
»غريبة أول مرة حد يقول لي كده..
علي الهواء!«.
أخبار النجوم المصرية في
17/09/2009 |