بينما تتمسك مصر بلقب هوليوود الشرق، وقد كانت ولم تزل قبلة الفن،
يبدو أن السوريين يسعون صوب اللحاق بما قدمه المصريون وليكونوا القبلة
الموازية للفن والدراما في العالم العربي، مشرعين أبواب الشراكة أمام كل
ريح عربية تهب عليهم دون شرط سوى الشرط الفني، ويقبل السوريون على تنفيذ
أعمال درامية مشتركة تبقي لكل فنان عربي مشارك لهجته، وحين يتطلب الأمر
تخليه عن لهجته المحلية يكون ذلك لصالح أعمال تقدم باللغة العربية الفصحى
الأم.
عامان من الإنتاج العربي المشترك تبلورت خلالها رغبة السوريين السابقة
بتبني هذا النوع من الأعمال، بل أن البعض ذهب إلى القول إن السوريين بالغوا
في تبني هذه الأعمال لدرجة إزاحة أنفسهم عن دائرة الضوء لصالح تقديم وجبة
عربية خالصة لا ينفع نسبها إلى أي بلد عربي دون الآخر.. هكذا كان حال
السوريين العام الفائت في مسلسل «عرب لندن» و« أسمهان» وهما مشروعان سوريان
خالصان، إذا ما قيس الأمر بولادة الفكرة وعرابها، فالأول كان عرابه الفنان
عابد فهد والمخرج أنور قوادري، والعمل الثاني أي «أسمهان» كان عرابه الفنان
فراس إبراهيم، وكلا العملين عند التنفيذ تحولا إلى دراما عربية خالصة شارك
في إنتاجهما أموال عربية مشتركة، وقام بتجسيد الأدوار فيها فنانون عرب من
عدة أقطار عربية وقد حافظ كل منهم على لهجته المحلية.
التوجه السوري الذي بدأ يأخذ ملامحه كاملة من خلال «عرب لندن» و
«أسمهان» عاد ليدخل مرحلة التكريس هذا العام من خلال ثلاثة أعمال عربية هي
بالأساس مشاريع سورية ولكنها قدمت بصيغة عربية خالصة هي مسلسلات «صدق وعده»
و«هدوء نسبي» و«آخر أيام الحب» وفي هذه المسلسلات كان المضمون هو المبرر
الرئيسي المقنع لنسمع عدة لهجات محلية في مسلسل درامي واحد، ففي مسلسل «آخر
أيام الحب» للمخرج وائل رمضان يختار السيناريست هاني السعدي فترة الوحدة
بين سوريا ومصر ليحيك حكاية حب تجمع بين فتاة سورية (سلاف فواخرجي) وشاب
مصري (ياسر جلال) يُكلل بالزواج والحمل.
لكن خلاف العائلتين يؤدي في النهاية إلى الانفصال. و بطبيعة الحال
ستتوزع الأحداث بين سوريا ومصر وبالتالي نحن أمام لهجتين وبيئتين محليتين
على الأقل معهما لا يمكن الجزم بأن مسلسل «آخر أيام الحب» سوري أو مصري،
وإن كان الإنتاج هو لجهة مصرية ( أوسكار فيلم وأفلام محمد فوزي) فالإخراج
والتأليف هو للسوريين، وبالتالي ربما يصح القول أنه مسلسل سوري- مصري
مشترك..والأصح تسميته بالمسلسل العربي.
إن كنا سنكتفي بتوصيف مسلسل «آخر أيام الحب» بأنه عمل مشترك بين سورية
ومصر، فإن مسلسل مثل «هدوء نسبي» لا يمكن قبوله إلا بوصفه مسلسلاً عربياً
خالصاً دون تقسيم قطري ، فالإنتاج جاء عربياً مشتركاً بين سوريا ومصر
والسعودية بميزانية تصل إلى 4 ملايين دولار، ومخرج العمل هو التونسي شوقي
الماجري، ومؤلفه هو السوري خالد خليفة أما الممثلون فهم من مصر وسوريا
وتونس والعراق وفلسطين ولبنان والأردن والخليج.. وهؤلاء جميعاً سيلتقون
جميعاً في فضاء درامي يقبلهم جميعاً.
فالعمل يرصد حكايا مراسلي الحرب الأميركية الأخيرة على العراق ومن
الطبيعي أن يجتمع هناك مراسلو من كل الأقطار العربية يتكلم كل لهجته..في
العمل سنتابع حكايات صحافيين عرب آخرين قاموا بالتغطية الإعلامية للحرب
الأميركية على العراق وبعيداً عن نيران الحرب والدمار وهواجس العمل الصحفي
ستعود قصة حب قديمة لتتجدد على حافة الموت من خلال قصة ناهد الصحافية
المصرية(نيلي كريم) والصحافي السوري ناجي (عابد فهد) حيث سيلتقي الاثنان
بعد سنوات من الفراق في بغداد وقد جاء الاثنان لتغطية أحداث الحرب.
على الأقل يمكن لنا أن نشير إلى مضمون آخر للأحداث لا يتقاطع مع
السياسة ولكنه يصلح ليكون موضوعا لمسلسل عربي مشترك هو الدراما التاريخية
ولا سيما الدينية منها والفانتازيا، حيث تأتي اللغة العربية الفصحى لتحل
مشكلة تعدد اللهجات حين توحدها في لهجة واحدة مفهومة من قبل الجميع.. تلك
هي حال المسلسلات التاريخية السورية منذ التسعينات حين قدم الفنان اللبناني
رفيق علي أحمد شخصية كليب في مسلسل «الزير سالم» ولمع نجم الفنان المغربي
محمد مفتاح في المسلسلات التاريخية التي أخرجها حاتم علي تالياً بدءاً من
مسلسل «صلاح الدين»، وجاءت أعمال المخرج نجدة أنزور لترفع رصيد المشاركات
العربية في المسلسلات السورية ولاسيما الفنانين اللبنانين مثل بيير داغر
ودارين الجندي...
إلا أن الصيغة التي قدمها مسلسل «صدق وعده» الذي نتابعه في الموسم
الرمضاني الحالي بدت الأكثر وضوحاً لجهة تقديم أعمال عربية مشتركة تضم
ممثلين من أكثر من بلد عربي ففي المسلسل الذي كتبه عثمان جحا على قصة
للكاتب المصري الراحل عبد السلام أمين بعنوان (أنوار النبوة) وأخرجه محمد
عزيزية سنتابع جانباً من الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية
التي كانت سائدة في الجزيرة العربية قبيل ظهور الإسلام بعدة سنوات وصولاً
إلى بدء الدعوة الإسلامية وهجرة الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة المنورة..وذلك من خلال حكاية حب مفترضة بين جارية اسمها عناق(
الفنانة السورية ريم علي) وفارس عربي اسمه تيم(النجم المصري خال النبوي)
وشخصيات العمل سيجسدها فنانون من مصر ولبنان والأردن أما الإنتاج فيتقاسمه
قطاع الإنتاج المشترك في مصر وشركة (سامة) للإنتاج الفني السوري.
قالب واحد
مفارقة الأعمال العربية المشتركة تكمن في أن السياسة التي جعلت من
الوطن العربي أثنين وعشرين بلدا عربيا، تعود اليوم في الدراما، على ما
يبدو، لتجمع أبناء العرب في قالب واحد لا يفرق بينهم حدود أو جوازات سفر
وتأشيرات إقامة ففي المسلسلين السابقين ( آخر أيام الحب) و( هدوء نسبي)،
وقبلهما مسلسلي «عرب لندن» و«أسمهان» ستكون الأحداث السياسية (الوحدة بين
سورية ومصر، الحرب الأمريكية على العراق، هجرة العرب إلى الدول الغربية
والاحتلال العثماني ولاحقاً الأنكليزي والفرنسي..) هي الحامل الرئيسي
لحكايات المسلسل، سواء كمحور رئيسي للأحداث الدرامية أو خلفية لها..دون أن
يمكننا الجزم أن كانت تلك الأحداث السياسية الموجعة هي الوحيدة التي تقبل
حكاية تضم عدة لهجات عربية محلية وتجعل المشاهدين العرب يتواصلون مع
الحكاية الإنسانية اولا.
البيان الإماراتية في
10/09/2009 |