لا أستطيع أن أخفى إعجابى الكبير بالإعلامية لميس الحديدي، التى تتألق
يوما بعد يوم، وبرنامجا بعد آخر، بل أرى أنها أصبحت من الإعلاميين المهمين
المعدودين فى مصر والوطن العربي، وأعتقد أن الصدفة الجيدة وضعتها هذا العام
فى مقارنة مع مذيعين آخرين ـ سواء مصريين أو غير مصريين ـ ما كان سببا فى
وضوح تفوقها وموهبتها الحقيقية، فالصدفة التى وضعتها فى قناة واحدة ـ
القاهرة والناس ـ مع المذيعة "المستوردة رولا جبريل"، والمذيع اللبنانى "طونى
خليفة" أعطى الفرصة كاملة للإعلامية لميس الحديدى من خلال برنامجها "فيش
وتشبيه" لكى تظهر إمكانياتها وتفوقها وقدراتها، وتكشف وهم الآخرين!
فعلا هناك وهم كبير يصنعه من يقفون خلف عجلة الإعلام ـ وتحديدا
الوكالات الإعلانية ـ للدفع بأسماء بعينها وتقديمها للجمهور العربى على
اعتبار أنها أسماء لم تحدث فى تاريخ الإعلام العربي.. لنكتشف بعد ذلك أننا
وقعنا فى فخ كبير وكنا ضحية عملية تلميع إعلامى مقصودة.
من خلال متابعتى للمذيعة رولا جبريل التى تم تقديمها فى قناة "القاهرة
والناس" قبل بدء حلقاتها من برنامجها "باب الشمس"على نفس القناة، على
اعتبار أنها "سوبر ستار" بين مذيعات العالم كله، وليست مذيعات الوطن العربى
فحسب، وأنها قامت بمواقع حربية إعلامية وغزوات لم تحدث من قبل، وأنها
التي.. والتي.... إلخ!
حرصت على متابعة رولا منذ الحلقة الأولي، وحتى كتابة هذه السطور، وفى
كل حلقة كنت أنتظر وأصبر نفسى بأن "التقيل ورا" وأن الحلقات لم تسخن بعد،
وحلقة بعد أخرى حتى اكتشفت أن الشهر انتصف، أى مر نصف الحلقات تقريبا، ولم
أر ثقلا ولم أشعر بسخونة إلا فى جسدي!
هل هذه هى المذيعة التى أقاموا الدنيا ولم يقعدوها من أجل تقديمها، لم
أر شيئا خارقا، لم أر صواريخ ولا مدافع ولا طائرات.. حتى ولو طائرات ورق..
بل مذيعة عادية جدا، أسئلتها أكثر من عادية.!
تماما مثلها مثل الأستاذ طونى خليفة الذى يقدم على نفس قناة "القاهرة
والناس" برنامج "لماذا؟"، مجرد أسئلة عادية ليس فيها من السخونة سوى
المبالغ الضخمة التى يتقاضاها ضيوفه فقط، والتى اعتقد أنها كانت مقرونة أو
مشروطة ببعض الأسئلة التى هى من وجهة نظر معد البرنامج ومقدمه "أسئلة
ساخنة" أو محرجة، وهى فى حقيقة الأمر أسئلة أكثر ما توصف به أنها عادية بل
وسبق أن وجهت لأصحابها عشرات المرات من مذيعين ومذيعات عاديين من نوعية منى
الشاذلى ومنى الحسينى وغيرهما!
هذا يجعلنى أعود مرة أخرى للمذيعة لميس الحديدى وأؤكد أنها مذيعة
متميزة جادة تعرف كيف تحاور ضيفها، تعرف كيف تحضر للحلقة جيدا، تذاكر تاريخ
الضيف ومواقفه وتعرف من أين تدخل ومتى تخرج من سؤال إلى آخر، وإن كان لى
عتاب عليها، فقط أطلب منها أن تصعد دائما بضيوفها ولا تنزل عن مستوى محدد،
وأقصد هنا حلقات بعينها مثل الحلقات التى كان فيها ضيوفها عمرو مصطفى وجاد
شويري.. فهى أكبر من ذلك كثيرا.
حالة لميس الحديدى وتفوقها فى الموقف الذى وجدت فيه بين اثنين من
الإعلاميين غير المصريين "رولا وطوني" يؤكد أن لدينا كوادر إعلامية مصرية
لديها قدرات هائلة، فقط إذا أتيحت لها الفرصة، وتم تقديمها بشكل صحيح بما
يتناسب وقدراتهم وإمكاناتهم، دون إهدار الوقت والملايين بلا طائل ولا عائد
على تافهات يقدمها التليفزيون المصرى طوال الوقت ويظن أنه يقدم شيئا لم
يحدث من قبل، وانه يوم أن يفكر فى التغيير والتجديد والتطوير، يجرى وراء
الأسماء والأوهام والهالات الكبيرة و"البلالين"، ما أثبت فشله تماما،
والتجربة خير دليل على ذلك.
هذا الكلام ليس تحيزا أو عنصرية ضد "رولا وطوني" باعتبارهما ليسا
مصريين، فهذا ليس صحيحا بالمرة، فأنا ضد هذا المبدأ تماما، بل إننى أرحب
بأى كفاءة عربية على أرض مصر، سواء فى مجال الإعلام أو فى الفن، ولكن فقط
للتأكيد على أننا لدينا إمكانات وقدرات كبيرة نهدرها ونبخسها حقها، ولدينا
إعلاميون وإعلاميات على قدر كبير من التميز والموهبة، ولكنهم للأسف تائهون
وسط زحام و"دوشة" ماسبيرو، وضائعون وسط تفاهات التليفزيون المصرى وعدم
التقدير وإظهار الغث من الثمين، وتقديم المحسوبية وأهل الثقة على الموهبة
والقدرات التى تستحق.!
العربي المصرية في
08/09/2009 |