يبدأ البحث منذ اليوم الأول، ترمى مسلسلات بعد مشهد أو مشهدين، ويصبر
على أخرى
حتى الفاصل الإعلاني، فيما يجذب بعضها انتباه ما يتحول إلى اهتمام يتجلى في
البحث
عن ساعات بثها.
وقد يكون من سوء الحظ الوقوع على عدة مسلسلات من تلك الأخيرة على
محطات «ميسورة»
تستقطب مثل تلفزيون «أبو ظبي» و «دبي» و «ام بي سي». فأمام مسلسل حظي
أخيراً بشيء
من إعجابك، عليك دفع ضريبة زمنية وتحمّل كمّ الدعايات المتكرر
والممل والمضجر، ما
يوجب عليك اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال الأمر. فإما قرار(حكيم؟) بإيقاف
المشاهدة
والتمرد على ما يفرض عليك وصرف وقت مشاهدة التلفزيون الضائع في القراءة، أو
احتجاج
من نوع أخف عبر التنقل بين المحطات. وهنا قد يتم الوقوع على مسلسل آخر أكثر
جذباً
(«زمن العار» مثلاً) فتكون قد انتقمت بطريقتك، أو أخيراً تستسلم بتركهم
يعلنون على
هواهم، وهذا حين لا تريد حقاً أن تفوّت مشهداً من العمل («الرحايا»، «حجر
القلوب»،
كمثال) إنما خلال الإعلان تتنقل بين أرجاء البيت في محاولة لاستغلال الوقت
المستقطع
في تحضير طبق أو الرد على مكالمة....
أما سيناريو عرض الأعمال التلفزيونية (لن نستخدم مصطلح «الدراما»
التلفزيونية
الذي لا نعرف من أين جاءوا به) فهو كالتالي: عند الوقت المحدد للمسلسل وقبل
بدئه
مباشرة، تطل لائحة الراعين له والتي لا تنتهي، والتي ستتكرر عند كل قطع
إعلاني،
تتبعها الشارة التي تستغرق خمس دقائق، وهي مدة زمنية مبالغ في
طولها. ما أن تنتهي
تلك ويحل أخيراً العمل ويبدأ الدخول في أجوائه، حتى تنهمر الدعايات بشكل
منتظم
وبمعدل ست دقائق منها بعد كل تسع دقائق من الحلقة، ما يقلب الأمور ويجعل
العمل
فاصلاً بين سيل الدعايات وما يفسد أية متابعة ويخل بكل اندماج.
صحيح أن المسلسل
التلفزيوني لا يتطلب تركيزاً واندماجاً كالفيلم السينمائي، وحضوره لا
يستلزم جهداً
حيث يمكن الحلول في أي وقت على أي مسلسل لفهم ما يجري، إنما ثمة حد أدنى من
احترام
المشاهد تجب مراعاته.
في فرنسا على سبيل المثل، ينظم مجلس أعلى للسمعي البصري شؤون البث
التلفزيوني
ويحدد قوانينه ومنها تلك المتعلقة بالدعايات، وهو لا يسمح بقطع فيلم
سينمائي أو عمل
تلفزيوني من مسلسلات وأفلام أكثر من مرتين شرط ألا تتجاوز كل واحدة منهما
الست
دقائق كما يلزم مرور عشرين دقيقة من العمل قبل قطعه بالإعلانات.
في المقابل يبدو واضحاً عندنا إن سلوك معظم التلفزيونات العربية تجاه
الجمهور
تأكيد على فكرة أن الشاشة الصغيرة هي للمتعة الخفيفة وللاستهلاك السريع،
وإن من
طبيعة التلفزيون جعل المتعة ناقصة وسطحية.
الحياة اللندنية في
04/09/2009
إيناس الدغيدي ... ومعيار الجرأة
عصام أبو
القاسم
إضافة الى المسلسلات التي يغلب عليها الإنتاج المصري فإن برامج
«المواجهات» أو «المحاكمات»
توشك ان تكون قاسماً مشتركاً بين كل الفضائيات العربية في برمجتها
الرمضانية. فما ان تدير جهاز تلفزيونك الى إحدى القنوات حتى
تجد احد النجوم وقد
حوصر بالأسئلة الصعبة و «الجارحة»!
في احدى قنوات «النيل» المصرية ثمة برنامج بعنوان «مذيعة من جهة امنية»،
وقد
بولغ في تصميمه. فالاستوديو في شكل غرفة تحرٍ، وامعاناً في الايحاء ارتدت
المذيعة
هبة الأباصيري زيّاً عسكرياً، وحولها توزع شرطة وحراسات على طول الممر
المؤدي إلى
«مكان
التحري»!
صحيح ان بعض هذه البرامج يهدف إلى ترسيخ قيم كالمكاشفة والصراحة
والوضوح والصدق
وغيرها، إلا ان غالبيتها تهدف إلى جذب الجمهور باللعب في السيّر الشخصية لـ «النجوم» بالفضح المجاني والاحراج الرخيص!
في برنامج «الجريئة» على قناة «النيل للسينما» أقرت مقدمته المخرجة
ايناس
الدغيدي في حوارها مع الممثلة زينة بأن برنامجها يسعى إلى كشف «فضائح
النجوم».
وأجابت على استغراب زينة من ملاحقة الصحافة
لها في كل صغيرة وكبيرة وتعمد فضحها،
قائلة: «ما هم زيّنا كدا». ولكن يبدو انها كلمة فلتت من
المخرجة المثيرة للجدل، من
دون قصد أو في لحظة انفعال عابرة بشخصيتها «الجريئة»؛ فبرنامجها يبدو
مهتماً
بشخصيتها لا بمن تستضيفهم من نجوم ونجمات. بالتالي فإن موضوع كل حلقة هو
ايناس
الدغيدي، برصيدها المعلوم من المواجهات في مواضيع الجنس، واسئلتها
«الجريئة» لا
اجابات الضيوف بالضرورة. واسم البرنامج يتضمن ذلك؛ فالصيغة المؤنثة تعنيها
هي لا
ضيفاتها أو ضيوفها «الذكور»!
ثم ان البرنامج يتيح لضيوفه ان يطرحوا سؤالاً على المذيعة، في جرأة
الاسئلة التي
طُرحت عليهم، لتجيب عليها مجتمعة في آخر حلقة، نهاية الشهر. وهذا إن بدا
بالنسبة
الى الضيف كفرصة للأخذ بثأره من المذيعة واسئلتها المحرجة، وإن بدا لبعضهم
كطريقة
لتغذية فكرة البرنامج بمزيد من التشويق (تعليق وانتظار)، فإنه
ايضاً، وربما بصفة
أعمق، يرّكز مزيداً من الضوء على «الجريئة» ايناس الدغيدي في حد ذاتها،
ويظهرها
كمعيارٍ للجرأة في المشهد النسوي العربي، ولكن في الاجابات هذه المرة. وقد
يظهر
الضيوف - للمفارقة - في اسئلة أقلّ جرأة...
الم يكتب شكسبير: العبرة في النهاية!
الحياة اللندنية في
04/09/2009 |