يحمل لواء الأداء الكوميدي في فيلم «طير إنت» ثاني أعمال المخرج الشاب
أحمد
الجندي والذي شارك أيضاً في كتابته مع بطل الفيلم وكاتب السيناريو الصحافي
عمر
طاهر، باقة من الممثلين يجسد كل منهم أدواراً متباينة، في مقدمهم الفنان
أحمد مكي
والموهبة المنطلقة بقوة الصاروخ دنيا سمير غانم والتي حصلت
أخيراً على جائزة خاصة
في مهرجان الإسكندرية عن دورها في فيلم «الفرح». هنا في «طير إنت» تظهر
دنيا فنانة
شاملة متعددة المواهب، خصوصاً في المشهد الذي يدور في أجواء هندية فتملأ
الدنيا
بهجة بالرقص والغناء في الحدائق الغنّاء. يشارك في الفيلم
الفنان ماجد كدواني
وزميله لطفي لبيب الذي يقدم هو الآخر مشاهد مؤثرة تفجر الكوميديا من البؤس
لتكتسب
تلك المشاهد رؤية سياسية واجتماعية.
في مصيف للأثرياء يستجدي لبيب مساعدة من أحمد مكي الذي ينتظر فتاته في
سيارته
العصرية فيشكو اليه حاله وعياله فلا يكون من مكي إلا أن يعطيه دعوة لحضور
حفل على
حمام السباحة في إحدى الفيلات. وفي موقف آخر يعيد تمثيل مشهد الذروة في
فيلم «شيء
من الخوف» لحسين كمال إذ يتأخر لبيب الفلاح المعوز عن دفع
الإتاوة للكبير أحمد مكي
شاكياً له ضيق الحال وانقطاع الكهرباء وماء الشرب فيظهر الكبير تعاطفاً معه
قبل أن
يستولي على بهيمته. وفي موقف آخر من الفيلم يسخر من دور الإعلام في توجيه
الشباب،
إذ يقدم برنامجاً إذاعياً ينصح فيه الفتاة دنيا سمير غانم بأن
تفتح قناة للتعارف
على الشاب الذي يحبها.
فانتازيا ونقد
في «طير إنت» قدم المخرج عرضاً ديناميكياً ممزوجاً بالفانتازيا، ما
يشيع البهجة
ويفجر الضحكات، فيما يلامس النقد عدداً من القضايا في مجال التربية
والتعليم
والفجوة بين الطبقات. في مستهل الفيلم يسخر المخرج من العملية التعليمية في
شخص
العفريت الذي بلغ 112 سنة من دون أن يحصل على الشهادة
الإعدادية على رغم اعتماده
على الكتاب الخارجي «سلاح العفريت»، مشيراً إلى سلسلة الكتب الشهيرة، لتكون
فرصته
الأخيرة أن يعاون إنسياً على تحقيق إحدى أمانيه، يهبط على الدكتور بهيج
ليلة عيد
ميلاده حيث يعاني من الوحدة والإحباط لفشله في لفت نظر ليلى
(دنيا سمير غانم)
فيعطيه العفريت 7 فرص لتغيير جلده، خصائصه وخصاله لعله يستطيع أن ينفذ إلى
قلب
فتاته.
تنتقل الكاميرا إلى أحد مصايف الأثرياء حيث يلامس الفيلم هنا قضية
الخواء
الثقافي للشباب المنتمي الى تلك الشريحة، وتفريغ التربية من القيم والأخلاق
عارضاً
صوراً للسفه وانعدام الجدية. يحقق العفريت أمنية بهيج (أحمد مكي) في أن
يكون
نموذجاً للجاذبية. وهكذا ما إن ينطق بكلمة السر «طير إنت» حتى
يتحول بهيج إلى شاب
في هيئته ومظهره حتى في لغته وعاداته وطراز سيارته ويصبح أحد الحضور في حفل
في إحدى
الفيلات. وهنا يقترب الفيلم من تلك الشريحة العاتية والتي لا يشغلها شاغل
في أي من
مناحي الحياة. ومن الحفل يصطحب بهيج فتاته في سيارته إلى مكان هادئ ليقطع
خلوتهما
مجهولان يرغبان في الفتاة لنكتشف تدني قيم بهيج حين يتهرب من
حماية الفتاة خشية أن
تصيبه ضربة مطواة تفسد طلعته وهو في صدد المشاركة في مسابقة «مستر إيجيبت»،
فما
يكون من الفتاة إلا أن ترهب الرجلين وتنجو بنفسها معطية فتى الإعلانات
درساً في
الرجولة التي يفتقدها ليعود خائباً إلى العفريت.
الفتاة «الجدعة»
وهنا لا يفوتنا أن نقدر للمخرج والمؤلف عنايتهما بتقديم الفتاة خلال
السرد
كشخصية إيجابية شجاعة ومقدامة ومناصرة للقيم، إذ إنها بعد أن ترهب
مختطفيها، تقود
حركة تمرد الفلاحين ضد زوجها المتسلط وتنصرف عن نجم الأغنية الناعم رافضة
أن تكون
سلعة تباع في سوق النخاسة.
خلال الفيلم ما إن ينطق العفريت بكلمة السر حتى تنغرس الكاميرا في
أعماق الريف
لتعيد تسجيل مشهد الذروة في فيلم «شيء من الخوف» بالتزامن مع شريط الصوت
الرهيب
وكأن الزمن توقف والظروف لم تتغير! يهرع الفلاحون الغلابة إلى داخل بيوتهم
حين يهل
الكبير أحمد مكي، على فرسه بين رجاله ليواجه صميدة (لطفي لبيب)
فيستولي على بهيمته
وتتجلى شراسة هذا «الكبير» حين يهمس له أحدهم بأن زوجته، أو رهينته في واقع
الأمر،
قد هربت من السرايا ولكنه تمكن من إعادتها فيلقى المسكين جزاء سنمار.
يحتشد الفلاحون في موكب رهيب على ضوء المشاعل (في مشهد متطابق مع
الفيلم القديم)
ويحاصرون السرايا مطالبين «الكبير» بالرحيل فيشتاط غضباً بينما تتفجر
الضحكات حين
يعرف أن زوجته هي ذاتها قائدة التمرد من معقلها في السرايا من طريق الـ
S.M.S.
ويعود «الكبير» خائباً إلى العفريت وقد فشل في اكتساب محبة فتاته.
تتنوع الشخصيات التي يقدمها العفريت اللطيف لبهيج، من دون أن تتحقق
أمنيته
فيحوله إلى نجم الأغنية الرومانسي جداً الناعم فتضيق برقته حبيبته الفاتنة
اللبنانية (هي ذاتها دنيا سمير). ثم يمنحه العفريت شخصية نجم الملاعب مدرب
الفريق
القومي ومعه تنتقل الكاميرا إلى الاستاد وسط الجماهير حيث يدير
المباراة الفاصلة،
غير أن الفتاة تنصرف عنه حين يخسر المباراة بسبب تعسفه وتسلطه.
وهنا يقع كل من العفريت وبهيج في دوامة الحيرة ويتفقان على أن المال
هو المفتاح
السحري لقلوب العذارى وفي لمح البصر يلبس بهيج شخصية ثري خليجي يتبعه خادمه
الفيليبيني الذي ينوء بحمل المشتريات، وهنا يلمس المشهد عبث مؤسسات الصناعة
برموز
النضال الوطني طالما أنها تؤدي دوراً في الترويج لبضاعتها
السخيفة وذلك حين تطبع
صورة الثائر غيفارا على قميص مطرز بالخرز من الساتان اليمني.
وهنا تلفت البائعة في محل العطور (هي ذاتها أيضاً دنيا سمير) نظر ثري
خليجي
فيظنها صيداً سهلاً ويهديها مشترياته الغالية من العطور ثم يلاحقها بسيارته «الهامر» حتى تلتقي به في أحد الملاهي على
وعد بالزواج. وفي الملهى يبعثر أمواله
على رأس مطرب مغمور وعلى قائمة من أصناف الطعام تكفي لإطعام حي
بأكمله، ويصل المشهد
إلى ذروته حين يلح عليها أن تسأل والدها كم يريد لإتمام الزيجة فتعطيه
درساً عن
كرامة الفتاة وتتركه مذهولاً.
هنا، أخيراً، يحين الوقت للعفريت كي يرحل خائباً. فهو لن يحصل على
الإعدادية
ولكنه قبل أن يرحل يطمئن الشاب الى أنه إنسان طيب يملك جوهرة في قلبه
الناصع البياض
وينصحه بأن يبقي على خصاله حتى يأتي من يبادله الإعجاب.
في «طير إنت» يستمتع المشاهد بعرض جذاب ولكن بعد أن يكون قد تحمل
تطويلات المخرج
الذي استهل الفيلم بمقدمة اتسمت بالتطويل للتعريف بالدكتور البيطري بهيج
وعمله
وعلاقته بزملائه ونصوع سجله العاطفي، ثم معاناته في وحدته بعد رحيل أهله
الذين
عملوا سنوات في البلاد العربية وكل هذا قبل أن ننتقل إلى
مشكلته الخاصة المتعلقة
بفشله في التواصل مع (ليلى) والتي أتت المستشفى لعلاج كلبها، ولكن في
الختام يهنأ
المشاهد بلقاء (ليلى وبهيج).
يحسب للمخرج وفريق الفيلم أنهم قدموا كوميديا سلسة من دون تدن في
الهزل. كوميديا
تطرح فكرة إنسانية يتعاطف معها المشاهد وذلك في عرض جذاب يمتع الكبار ويبهج
الصغار
ويمنح الجمهور الثقة في أن يكون نفسه ويحافظ على خصاله فسيأتي يوم لا محالة
يلتقي
فيه بمن يقدره ويحبه... شرط أن يصبر على تطويل البداية.
الحياة اللندنية في
04/09/2009 |