يُحسب للدراما
اللبنانية أنها استطاعت الدخول في ساحة
المنافسة الرمضانية مجدداً هذا العام، عبر
المسلسل اللبناني «شيء من القوة»، بعدما حصدت نجاحاً مقبولاً في عدد
من المسلسلات
كان أبرزها «ورود ممزقة» السنة الماضية. كما يُحسب للدراما اللبنانية الجهد
المبذول
في سبيل تخطي بعض الثغرات، لا سيما أن العمل الراهن جريء في تناوله موضوع
حساس عن
كيفية فرض موازين القوى العائلية في بعض القرى اللبنانية حيث لا تزال بعض
المناطق
أسيرة الثأر وعواقبه الوخيمة.
انطلقت الحلقات مع اغتيال أستاذ جامعي يدعى «خطار»
(باسم مغنية)، وقد آثر القاتل اصطياده بواسطة مسدس مزود بكاتم للصوت في حرم
الجامعة، وأكمل سيره بكل هدوء. لم يطل تساؤل المشاهد عن سبب هذه الحادثة،
إذ يتضح
بعد دقائق أن مقتل «خطار» هذا ليس حلقة من سبحةً اغتيالات يتولاها أصحاب
النفوذ في
الضيعة، وأن القتيل هو ابن أحد شيوخ هذه الضيعة يدعى «فواز الصايغ» كان قد
قتل، قبل
أشهر، شاباً من آل حبيب اثر شجار حصل بينهما. فأتى الرد من آل حبيب بقتل
شاب من آل
الصايغ، كانت ضحيته «خطار».
إذاً هي سيرة طويلة من شد حبال القتل المتبادل تعود
جذورها بحسب السيناريو إلى مئة عام تقريباً، وضحيتها الشباب اللامع في
المجتمع.
هكذا، تتحدث الحبكة في حلقات لاحقة عن إجماع آل الصايغ، بعد موت «خطار»،
على ضرورة
الأخذ بالثأر، وعلى هذا الأساس وقع الاختيار على الأستاذ الجامعي «بسام
حبيب» (بديع
أبو شقرا) كي تتم تصفيته.
إلى هنا، ينقل «شيء من القوة» صورة واقعية عن
المجتمع، فهذه وقائع حصلت وما زالت تحصل في بعض القرى اللبنانية. لكن يبدو
أن
السيناريو اللبناني مصرٌ على الوقوع في شرك الإبحار في الخيال، والسير على
دأب
المسلسلات التركية والمكسيكية رغم كل ما يُقال ويُكتب في هذا الخصوص. من
ناحية
أخرى، يقع هذا العمل، على غرار الأعمال اللبنانية عامة، أسيرَ دائرة
السيناريو
البديهي، فمنذ اللحظات الأولى التي قررت فيها «سارة الصايغ» (بيرلا شلالا)،
شقيقة
القتيل اللحاق بـ«بسام حبيب» إلى المغرب، تيقن المشاهد اللبناني أن قصة حب
عميقة
سوف تنشأ بينهما في تذكير بسيناريوهات عديدة سابقة تبنتها الدراما
اللبنانية في
أكثر من مسلسل وفيلم سينمائي، وبالتالي بات متوقعاً أن يكون ذلك الحدث
سبباً لصفاء
القلوب والتسامح بين عائلتين تناحرتا على مدى سنوات.
وكما دأبت العادة في
الأعمال الدرامية اللبنانية، تتم الاستعانة
بقاعدة «محاسن الصدف»، حتى يكتمل
السيناريو بسهولة. فمن محاسن الصدف أن عدداً من أقرباء «سارة» يعيشون في
المغرب،
حيث هرب «بسام حبيب»، كما أن قريبتها تعمل في مطعم لبناني تصطحبها إليه في
كل ليلة،
ولمحاسن الصدف أيضاً أن شاباً يدعى «جاد سليمان» وهو زميل «بسام» وقع في
غرام
المطربة «رانيا» (بريجيت ياغي) التي تغني في المطعم نفسه. فبات الشابان
زائرين
دائمين بدورهما. ما سهل تعارف «بسام» و«سارة».
في هذا السياق، يمكن طرح السؤال
التالي على منفذي الدراما اللبنانية عامة: لماذا تعتمد مسلسلاتنا المحلية
على قصص
الحب كعنصر أساسي وشبه وحيد في العمل الدرامي وتبرزه على حساب العوامل
الأخرى
الاجتماعية والاقتصادية التي يعيش المواطن اللبناني في كنفها وتحرك يومياته
وتصرفاته؟ ألا تضمن معالجات أخرى واقعية أكبر عبر إعطاء مجال لنقاش مسائل
آخرى (كالصداقة
وليس الغرام على سبيل المثال لا الحصر)؟ ألا يحصل العمل على النتيجة
المرجوة ذاتها من دون ان يقع في فخ السيناريو المصطنع ومن دون ان يتخذ صبغة
العلائقية الاجتماعية بدل الصبغة الغرامية أو الرومانسية؟
في جهة أخرى، تقع
العين على علاقة حب ثانية في المسلسل يعترض
طريقها المال والسلطة. لكن العاشق
الولهان «جاد سليمان» (مازن المعضم) يرفض الاستسلام. والجدير بالذكر أنه
وقع في
غرام لا نهيان عنه بعد لقاءين فقط مع «رانيا» كانا عبارة عن صدفتين اقتصرتا
على
نظرات ودية وبضع كلمات.
وإذا أردنا التطرق إلى تفاصيل صغيرة هي حقيقةً في صلب
العمل، يبدو أن التخلي عن الجمال البرّاق مهمة مستحيلة لدى العديد من
الممثلات في
المسلسل بعكس بعض الضرورات الدرامية، فالجميلة شلالا وبرغم حزنها العميق
المفترض
على أخيها المغدور في العمل، لم تتخلّ عن المساحيق التجميلية بشكل واضح،
وظهرت بعد
أيام من مقتل أخيها كاملة الزينة.
بعد كل هذا، قد تطرأ بعض الهواجس لدى المشاهد
اللبناني ويطرح تساؤلات مثل: لماذا يبدع الفنان اللبناني عندما يخرج من
عباءة
الدراما اللبنانية لكنه يبقى محايداً ويخضع لسلطة الكاميرا عندما يتعاطى مع
سيناريو
تكثر الملاحظات عليه؟ من مِن كتاب السيناريو والمخرجين وأصحاب رؤوس المال
سوف يغامر
بصيغة تختلف عن النصوص التي باتت معتادة و«مُجربة» تلفزيونياً؟
أخيراً وليس
آخراً، يحمل العمل الدرامي المحلي «شيء من
القوة» حفنة من الأسئلة التي تشعل فيه
عامل التشويق، وهي نقطة تحسب له إذ انه،
حتى اللحظة، لا يمكن التكهن بما ستحمله
الحلقة النهائية (بعكس بعض الحبكات فيه)
ولا الحلول التي سيقدمها العمل لمعضلة
الأخذ بالثأر، وهو ما يجعل متابعيه يكملون
في مشاهدة دراما لبنانية محلية في ظل
عجقة الأعمال العربية المتقنة.
السفير اللبنانية في
04/09/2009
/لقطــة/
مكياج كامل برغم كل
الظروف!
هيثم
حسين
لم يعد هناك من شك أن
صناع الدراما العربية قد تنبهوا إلى أهمية الماكياج كركيزة أساسية من ركائز
أيّ عرض
مصوَّر. فالكل بات يجمع ان الماكياج كما الديكور والتمثيل والإخراج
والأزياء من
العناصر الرئيسة في الدراما، له دور في إظهار الصورة المعروضة
بالحلّة الأنسب، كما
يمكنه أن يساهم في دعم أداء الممثل أو العكس، إي إعطاء صورة مغايرة للرسالة
التي
يريدها النص. ولأهمّيّته الاستثنائيّة، تمّ اللجوء في محطات سابقة إلى
اختصاصيين في
الماكياج أثناء تصوير انتاجات ضخمة واستقدام فرق أبرزها من
إيران، كما لمعت أسماء
مثل محمد عشوب من مصر وكلود ابراهيم من لبنان (عمل على ماكياج الفنان أشرف
عبد
الباقي في مسلسل «أبو ضحكة جنان» عن الفنان اسماعيل ياسين).
مع هذا يبقى واضحاً
على الشاشة، التضحية أحياناً بضرورة الاقناع تلبية لرغبة ظاهرة أو مُضمَرة
عند
الممثّل للبروز بالصورة الأجمل على الشاشة، فتأتي الصورة مناقضة للنص وتحل
اللادقة
محلّ الاقناع المنشود.
هذا الموسم، ظهرت عدّة مشاهد، وفي أكثر من عمل، كان
التكلّف سمة ظاهرة فيها، منها مثلاً، مشهد في مسلسل «قلبي معكم» أفاق فيه
الفنّان
عبّاس النوريّ الذي يؤدّي دور «الدكتور بِشْر» من النوم فجأة،
بعد تلقّيه مكالمة
أنبأته أنّ هناك مَن يقوم بهدّ البناء الذي يحلم الدكتور بتحويله إلى مشفى
للتجميل.
لكن على غير عادة المستيقظ من النوم
متفاجئاً، كانت تسريحة عباس ثابتة، لم تخرج
فيها أية خصلة شعر عن مكانها المعتاد، كما بدا بكامل أناقته
المعهودة ما عدا اصطناع
بعض النعاس، إضافة إلى أنّ تعابير وجهه كساها الماكياج المعتاد الطبيعي.
على ان
تنفيذ ماكياج من أفاق من نومه مذعوراً منتفخ العينين بعض الشيء أمر من أصعب
ما
يكون، ويتطلب وقتاًَ قد لا تسمح به ميزانية وحساب وقت مشهد
سيمر بثوان قليلة، إلا
ان الملاحظة لا يمكن إلا ان تسجل نظراً إلى تكررها في أكثر من مسلسل. وإن
كان هناك
من عذر قد يساق هنا لتبرير غياب الماكياج الملائم إلا انه يبقى لمسلسل
«صبايا»
نصيبه من اللامبالاة إزاء الحرص على صدق الصورة، فعلاوة على ما تبدو عليه
الصبايا
من مكياج كامل حتى وهنّ نائمات أو مستيقظات توّاً، يزداد الطين بلة في
حلقات معينة،
كما حين ظهرت الفنّانتان نسرين طافش «ليلى» وجيني إسبر «ميديا»،
وقد علقتا في صحراء
بادية الشام وهما في طريقهما إلى تدمر لتقديم عرض للأزياء، فبدتا في أجمل
حلّة
ممكنة، مكياجهما تامّ من أحمر الشفاه إلى الكحل والماسكارا وصولاً إلى
تناسق لون
البشرة وأحمر الخدود، فبدا انه لم تنتقص من زينتهما أيّة ذرّة
بعد افتراض نوم ليلة
في السيّارة في أجواء صحراويّة كئيبة. وكان قد سبق هذا المشهد آخر، انتقلت
فيه
الفنّانة ديمة بياعة «نورة» من الجلوس على الكنبة إلى مكالمة خطيبها
«وائل»، فبدت
في المشهد الأوّل من دون مكياج يُذكَر إلا انها سرعان وعادت في
المشهد التالي لتطل
بماكياج شبه كامل ولو لم يكن بين المشهدين أيّ فترة زمنيّة.. اللهم إلا إذا
كان
السيناريو قد منحها قدرات خارقة على وضع مساحيق التجميل خلال ثوان قليلة
تمتد بين
رنة هاتف وأخرى.
هنا تشتبك أخطاء المونتاج مع أخرى لها علاقة بتنفيذ الماكياج،
ليقع الضرر على الحلة النهائية على العمل، وهي عينة من ملاحظات تضاف إلى
ظاهرة
تتعلق بالمبالغة في وضع المكياج في المسلسلات الخليجيّة، حتّى
درجت ظاهرة ما بات
يعرف شعبيّاً بـ«المكياج الخليجيّ»، الذي يتّسم بأنّه صارخ و«فاقع»، من ذلك
في
مسلسلَي: «العنود» «عجيب غريب»، حيث تكاد ألوان الماكياج الصارخة حيناً
والداكنة
حيناً آخر تكون الحاضر الأبرز في عدد من المشاهد بشكل يحول
النظر عن أداء الممثلين.
السفير اللبنانية في
04/09/2009
/لقطــة/
«قلوب
صغيرة»: جرأة
منقوصة
هيثم
حسين
في المسلسل السوريّ
«قلوب
صغيرة»، الذي اشتركت الفنّانة يارا صبري في كتابته مع ريما فليحان، تُطرح
مجموعة من المواضيع الهامّة منها ما هو قانونيّ. لكنّ الطرح يبقى مجزوءاً
عندما
يلامس بعضاً من الخطوط الحمر، ففي أحد المشاهد من الحلقة
الخامسة تحديداً، تحار
الشخصيّة الرئيسية وهي من أمّ سوريّة وأب مصريّ (أي «أجنبيّ» بحسب القانون
السوريّ)
في تعاملها مع قانون الأحوال الشخصية، فهي
تقول إنّها لم تغادر الأراضي السوريّة
منذ ولادتها، وإنّها مولودة على هذه الأرض، ودارسة في أحد
المعاهد الملتزمة بتوظيف
خرّيجيها. لكن يبدو أنّه فات أصحاب العمل أن يدقّقوا ويتمعّنوا في القوانين
السوريّة الموضوعة، على الرغم من أنّهم يتحرّشون بها على استحياء، حيث لا
يُسمح،
بموجب القانون، لغير المواطنين السوريّين بالدراسة في المعاهد
الملتزمة التابعة
للدولة. تبعاً لذلك، تبقى المحاولات والمساعي التي تقوم بها الشخصيّة،
محاولات
شكليّة لتزجية الوقت والتسلية الدراميّة خصوصاً وهي تنتقل من موظّف إلى آخر
مستفهمة
عن وضعها، وكلّ واحد يتبرّأ من المهمّة/ التهمة، ويقول بأنّ الموضوع أكبر
منه..
ويحتاج إلى تغيير في قوانين الجنسيّة.
لربّما لا تدخل المسلسلات في سجال حول
مواضيع محرَّمة كونها لا تفلت من وسواس الرقابة. كما قد يعتبر
البعض ان في طرح
موضوع الأجانب في سوريا ـ دراميّاً - الكثير من الجرأة، كون هذه المشكلة
مستفحلة في
المجتمع السوريّ، الذي ما تزال فئات واسعة من أبنائه محرومة من الجنسيّة،
تحديداً
الأكراد السوريّين الذين يبلغ عدد المجرّدين من الجنسيّة منهم
أكثر من ثلائمِئة
ألف، عدا عن مكتومي القيد، الذي لا تعترف بهم الدولة أساساً، ما يستجرّ
الكثير من
المشاكل الاجتماعيّة المستعصية، سواء أكانت تلك المرتبطة بتسجيل بعض
الممتلكات
بأسماء مواطنين ينكرونها على أولاد الأجانب أو ذويهم في ما
بعد، أو رفض بعض الأهالي
تزويج بناتهم لأحدهم لأنّه أجنبيّ. ذلك أنّ الأجنبيّ محروم، عدا الجنسيّة،
من معظم
الأمور الضروريّة، أي يحيا غير مصنَّف في التراتبيات الاجتماعيّة، يرزح في
الدرجة
الثانية من الرعاية والاهتمام ولا يمنح الجنسيّة على الرغم من
أنّ القانون يقضي
بمنح الجنسيّة السوريّة لمن مضى على وجوده في الأراضي السوريّة أكثر من
خمسة أعوام.
يبدو أنّ «قلوب صغيرة» عمل بمقولة: «ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه»،
ومن ذاك «الجلّ»
أخذ البعض، كي يمرّر في ظلّ الرقابة الصارمة. هكذا، يؤكّد المسلسل في مشاهد
منه أنّ القوانين السوريّة عادلة في تعاملها مع الجميع
بالطريقة نفسها، لكنه يعود
ويلفت إلى الثغرات كمن يقول بخفر دعونا لا نلتفت إلى الشعارات العريضة
المرفوعة.
السفير اللبنانية في
03/09/2009 |