افتتح معهد "غوته" في دمشق نشاطاته لهذا الشهر بمعرض تصوير ضوئي حول أعمال
مخرج الافلام الروائية والوثائقية المعروف فيرنر هيرتزوغ مع عرض مجموعة
من افلامه المهمة. يعد المخرج هيرتزوغ بجانب مخرجين ألمان آخرين مثل فولكر
شلوندورف وراينر كلوغه وراينر فيرنر فاسّبيندر وفيم فاندرز واحدا من ملهمي
"السينما الألمانية الجديدة" وأحد أهم أعلامها. فقد استطاع المخرج الذي ولد
في الخامس من شهر أيلول 1942 في مدينة ميونيخ الألمانية وترعرع في الريف
البافاري إخراج أفلام لم تقتصر أهميتها على مسيرة حركة السينما في بلاده
ألمانيا فحسب، بل امتدت إلى الجوار الأوروبي. وفي سن الثانية عشرة، انتقل
هيرتزوغ مع والدته إلى العاصمة البافارية ميونيخ، حيث التحق هناك بالمدرسة.
ويجمع المختصون بالشؤون السينمائية في ألمانيا على أن الشاب كان في حينه
بعيدا كل البعد عن الحياة العصرية في المدن، لدرجة أنه لم يكن يعرف بوجود
السينما أو التلفاز. وفي ميونيخ، تعرف هيرتزوغ إلى أحد أعلام السينما
الألمانية في حينها وهو الممثل كلاوس كينسكي الذي مثل الدور الرئيس في أهم
خمسة أفلام أخرجها هيرتزوغ فيما بعد. وقد صور عنه هيرتزوغ هو الآخر فيلما
وثائقيا وصفيا بعد موته، هو "افضل شياطيني" ( 1999 ) وهو عنوان يلخص بشكل
رائع خيال "هيرتزوغ" الساخر، والمتأثر دائما بتناقضات الصداقة الحميمة وبعد
إكماله مرحلة المدرسة، التحق هيرتزوغ في جامعة ميونيخ ودرس التاريخ وعلوم
المسرح. وبعد ذلك حصل على منحة دراسية ساعدته على الالتحاق بفرع السينما في
جامعة "بيتسبورغ" في الولايات المتحدة. ومنذ سنوات الدراسة، بدا واضحا أنه
مولع بالسينما وصناعتها. ولهذا باشر هيرتزوغ في سن العشرين بإخراج فيلمه
الوثائقي الاول "هيراكليز" (1962) واخرج عدة افلام قصيرة وثائقية قبل فيلمه
الاول الطويل الذي حمل اسم "آثار حياة" ( 1967 ). وقد حصل هيرتزوغ عن هذا
الفيلم السينمائي على مساعدة مالية وفرت له الظروف اللازمة للتفرغ للعمل،
كما حصل أيضا على الجائزة الألمانية لأفضل أول فيلم. وفي عام 1963 دخل عالم
صناعة السينما، إذ أسس شركة لصناعة الأفلام، حملت اسمه. لقد وصل هيرتزوغ
إلى العالمية، حيث ظهرت له أفلام عديدة باللغة الالمانية والإنكليزية فيها
بصمة شخصية قوية.
كان يحب السفر والاتصال بالشعوب والثقافات الأخرى التي زودته بمواضيع
أفلامه لاحقاً وعن كل بلد أو تجربة صنع فيلما إبداعيا رائعا. في عمر
الثامنة عشرة سافر الى السودان وفي وقت أزمة الكونغو، وأقام عدة مرات في
فترات متقطعة في اليونان "خرج عن ذلك فيلم بعنوان علامات الحياة" وأقام في
المكسيك وجزر الكناري"وخرج عن ذلك فيلم الأقزام يولدون صغاراً أيضاً" وفي
أفريقيا"أبدع فيلما بعنوان ناثان مورغان" وفي البيرو أبدع فيلم "آغير أو
غضب الآلهة" وفي الغوادلوب أبدع فيلم "
la Soufriere" وفي أيرلندا "قلب الزجاج" وفي هولندا وتشيكوسلوفاكيا أبدع
"نوسفيراتو مصاص الدماء" و "فوزيك" وفي أميركا اللاتينية في غابات الآمازون
أبدع "فيتزكارالدو" الخ ...
قدم هيرتزوغ في فيلم «كاسبر هاوزر» (1974) حياة انسان مليئة بالاسرار
وملامح لتساؤلات فلسفية في مواضيع الموت والحياة. وفي فيلم "ستروستسك" 1976
– 104 دقائق – نتابع "برنو " مغني برليني يؤدي غنائه في الشارع يحرمه البشر
من حقه بوجود كريم. يهاجر الى اميركا بحثا عن حظه الكبير. وعندما بدأت
المشاكل المادية تواجهه تذهب أحلامه أدراج الرياح وتنتهي حياته بالفشل.
وقام هيرتزوغ بإخراج جديد لفيلم مورناو الصامت الرائع "نوسيفيراتو –
سمفونية الشر" عام 1978 تحت عنوان "نوسفيراتو – شبح الليل" وفيه
يلتقي جوناثان هاركر، الموظف في احدى الشركات العقارية في فيرماز، مهمة
السفر الى ترانسلفانيا البعيدة حيث يود الدوق دراكولا "كلاوس كينسكي" شراء
بيت في مدينة على بحر البلطيق. يمتطي حصانه وينتقل مثقل القلب دون ان يعلم
ان الشر ينتظره. في فاتحة فيلم نوسفيراتو حيث يولد من الخراب الذي سببه
نوسفيراتو أمل عندما يخرج الناس رامين بكل ما يملكون من ثروات كأنهم في
حالة من التطهر، يرمونها في الشوارع وهم في حالة من الهياج والفرح يرقصون
ويغنون ويعلنون عن تخليهم عن أنانيتهم إذ يصبح دراكولا هو نبي التغيير في
عالم برجوازي ينبغي أن يتغير، كما صرح المخرج نفسه ذات مرة في ما يخص شخصية
بطله نوسفيراتو. يقول هيرتزوغ عن إخراجه الفيلم المرعب (نوسفيراتو): "إن
مجتمعنا أصبح يمارس القمع والقهر .. وهذا المناخ ينعكس، بالضرورة، على
الأدب والسينما .. ولهذا فنحن نشهد ميلاد ثقافة مضادة، كرد فعل ضد مجتمع
مادي، وآلي، إلى أقصى حد.. وفي رأيي أن أفلام مصاصي الدماء غالباً ما تظهر
بعد الثورات المجهضة.. وأنا شخصياً لا أستطيع الهروب من التأثيرات التي
يمارسها علينا مجتمعنا".
وذهب هيرتزوغ الى منطقة الامازون في نهاية القرن التاسع عشر بفيلم "فيتسكارالدو"
عام 1982 مدة العرض: 157 دقيقة. من المعروف عن هيرتزوغ أنه لم ينجز أياً من
أعماله بشيء من الفتور وإنما تميز بالحماسة المفرطة. عندما صور "فيتسكارالدو"،
انطلق المخرج بالرحلة ذاتها التي تدور فيها أحداث فيلمه إلى أعماق الأدغال
في أميركا الجنوبية بعيداً من تكلف استوديوهات التصوير. فالفيلم يرصد قصة
مدير فرقة موسيقية "كلاوس كينسكي" المهووس بعمله وأكثر ما يرغب في هذه
الحياة هو إحضار إينريكو كاروسو وبناء دار اوبرا في وسط غابات الامازون
العذراء. ولعل أبرز ما في قصة الفيلم هو الجهد الجبار الذي يبذله
فيتسكارالدو لجرّ قارب بخاري يزن أكثر من 300 طن فوق الجبال، علماً بأن
المخرج لم يلجأ إلى أي حيلة سينمائية في تصوير هذا المشهد المرهق الذي جعل
الفنيين السينمائيين في أميركا الجنوبية يقسمون بأنهم سيكتمون أنفاس
هيرتزوغ إذا وطأت قدمه أرضهم مرة ثانية. وفي النهاية يثبت هيرتزوغ بأن هدفه
الوحيد الذي دفعه إلى تصوير الفيلم بهذه الطريقة غير المألوفة إنما يتساوى
مع هدف بطل فيلمه ولعل اطلاع جمهور المشاهدين على هذه الحقيقة سيزيد عنصر
الإثارة في "فيتسكارالدو".
في فيلم "كوبرا فيرده" 1980 – 106 دقيقة – يعود هيرتزوغ الى منطقة الامازون
في نهاية القرن التاسع عشر. يعين المحتال فرنسيسكو المدعو كوبرا فيرده من
قبل احد تجار قصب السكر الاغنياء ليشرف على مزارعه التي تحتوي على 600 عبد.
ديناميكية هذا الوصولي أثارت مخاوف المجتمع المخملي. يرسل كوبرا فيرده الى
افريقيا على امل ان يلقى حتفه هناك، الا انه يستطيع أيضا ان يثبت اقدامه في
محيطه الجديد ليحصل على منصب مساعد الملك ويجر البلد بمساعدة رجال من
الامازون الى الثورة. نرى في هذا الفيلم كلاوس كينسكي في أجمل أدواره.
في فيلمه "دروس العتمة" رؤية استشرافية لنهاية العالم، يصوغها فيرنر
هيرتزوغ في حقول النفط الملتهبة في الكويت بعيد حرب الخليج، كأنها صورة
لعالمنا يحترق برمته. فيلم مؤسلب تكاد لا تميز في صوره كوكب الأرض الذي
تعرفه. وحشية الحرب وحريق الصحراء، ما كان يفترض أن يكون الجحيم بعينه،
تراه جليلاً مهيباً بعيني واحد من أكبر المبدعين السينمائيين.
الفيلم الجديد لهيرتزوغ
rescue dawn من بطولة مارشال بيل وكرستين بال. من انتاج عام 2006. أحداثه تسجل
قصة حقيقية تدور أثناء الحرب الأميركية على فيتنام في فترة الستينات.
Obado2@maktoob
.com
إيلاف في
29/08/2009 |