''الزمن
الباقي'' تحقيق شاعري للمخرج الفلسطيني إيليا
سليمان مع صالح بكري وسمر طنوس. إنه الفيلم الثاني الذي يعرض
لذات المخرج في مهرجان
كان السينمائي. وإن لم يحظ الفيلم بأي جائزة بخلاف الفيلم الأول الذي عرض
في 2002
فإنه ألقى الضوء على فلسطين أخرى غير تلك التي نعرفها، وهو ما دفع الصحافية
الفرنسية ماري نويل ترانشان إلى تقديم قراءة ثانية له في صحيفة
''لوفيجارو'' متضمنة
قراءة في فكر وعقل المخرج. تقول الصحافية الفرنسية:
لا تشبه فلسطين التي يقدمها
إيليا سليمان في أفلامه تلك التي نراها في وسائل الإعلام والتي تمتلئ
بالكثير من
صور العنف. إنها دولة باطنية تتعلق بطفولة المخرج أكثر ما تتعلق بالتاريخ،
وحيث
يجتمعان معا يجعلان من أرض الميلاد (مسقط الرأس) افتقادا
للأرض. إنه عالم حقيقي جدا
غني بالمشاعر والذكريات، وأيضاً بالنزاعات والحب.
يقول المخرج ''كان لي والدان
محبان ومرحان. تربيت في جو يملؤه كثير من الحنان رغم أن الظرف السياسي ثقيل
جدا''.
لقد اتخذ لنفسه من هذا الواقع أسلوباً: لمحة سريعة على أشياء كئيبة
متقاطعة مع دعابة حادة من المشاهد الصغيرة المألوفة لبقايا عصر
ممزق. بعد فيلمه ''يد
إلهية'' الذي حصل على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان العام ,2002 وهو
لوحة
ساخرة كاريكاتورية حالمة عن المأساة الفلسطينية، يقدم سليمان نفس السحر
والجمال مرة
أخرى، حيث يستعيد في ''الزمن الباقي'' مصير عائلته بين مدينتي
الناصرة ورام الله،
من 1948 إلى يومنا هذا.
البعض اتخذ طريق المنفى، آخرون مثل والديه أصبحوا من عرب
إسرائيل، وهم ''غير مرغوب فيهم ويعاملون كدخلاء''. سليمان المولود في 1960
رحل
للدراسة في الولايات المتحدة وعمره 22 عاماً، إلا أن عمله بالكامل مرتبط
بهذه
الأرض، وبهذا الشعب، محولا الهزيمة إلى مشاهد شاعرية.
يوضح إيليا سليمان ''هذا
العمل تكملة لأفلامي السابقة ولكن مع خيط تاريخي أطرقه للمرة الأولى. قبل
أن يصاب
أبي بالسرطان طلبت منه كتابة ذكرياته على هيئة يوميات، وهي
التي ألهبت حماستي
لسيناريو يقوم على الزمن الذي لم أعرفه''.
تصنف أسرة سليمان ضمن طبقة
البورجوازية المتوسطة في الناصرة، التي تسكن منازل جميلة محاطة بحدائق أعاد
المخرج
بناءها بعناية بالغة، باحثا عند العجائز الباقين عن بعض
الأواني وأشياء أخرى تدل
على حياة اختفت، بعد أن نزعت الأرض من ملاكها.
يلخص سليمان في أحد المشاهد دخول
عصابات الهاجاناه المنتصرة إلى مدينة الناصرة: صف من الجنود الإسرائيليين
يتشحون
بكوفية المحاربين العرب مصحوبين بمجموعة من الجنود الإسرائيليين غير
المتنكرين،
جاعلا الجمهور يعتقد أنها ملهاة.
يقول سليمان ''أبي هو هذا الشاب الفلسطيني
المقاوم الذي نراه في الفيلم، كله حيوية وقوة وفخر. ولكن ماذا عساه أن يفعل
كل هذا
أمام الهاجاناه الذين تلقوا التدريب في الجيش الانجليزي؟ خصوصا وأن العرب
لم يقدموا
مساعدات حقيقية للفلسطينيين، باستثناء عبدالناصر''.
ويضيف ''تعرضت دائما للهجوم
بسبب مثل هذه الآراء، ولكني أرى أن القضية الفلسطينية خدمت بشكل خاص مصالح
هؤلاء
الذين استحوذوا عليها. المشكلة هي في معرفة من هم الفلسطينيون. لقد حولوا
هذا الشعب
إلى شعب من الدمى ورسوم الكاريكاتير والإيديولوجيين، وجعلوها
فلسطينية أكثر من
الطبيعة''.
«الاستمتاع
بالحياة يقلل العنف»
المرارة السياسية لدى إيليا
عميقة، وتشاؤمه يذهب إلى أبعد من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، متضمنا ضعف
ورخاوة
ولا مسؤولية العالم الغربي، يقول المخرج ''لا يوجد شيء صحيح في أوروبا''.
وهو وإن
كان يحترم شخصية أوباما فإنه يجده وحيدا تماما، مستغلا أملاً مغالى فيه
يمكن أن
ينقلب عليه في أي وقت.
''فيلمي
يتحدث عن الماضي، ولكن عنوانه ـ الزمن الباقي ـ
يتطلع للمستقبل ليس لفلسطين وحدها ولكن للعالم بأسره وهو ما
يعطي للفيلم بعدا كونيا
يجعل العالم كله وطنا فلسطينيا (...) أعتقد أن لدينا قليلا من الوقت إن لم
يكن قد
فات أوان الخروج من أنانيتنا البلهاء، لكي نكون صادقين ونعمل بشكل جيد''.
سليمان
لا يثق في المهارة التي كثيرا ما تقود إلى الفساد، ولكنه يبقيها في قصيدته،
كما
تظهرها أفلامه. ''أتطلع لإعادة لحظات قصيرة من الحياة. أدون
العديد من الملاحظات
على الأشياء البسيطة في الحياة اليومية، مثل صفير الرياح على شجرة، وهو ما
يشكل
خلفية من الصور والأصوات التي يمكنها أن تترسخ في فيلمي. عندما تكون صادقا
تماما ـ
إذا اتخذت موقف الدقة والبساطة ـ فإن سمو المشاعر ينتقل إلى
الآخرين، حيث يجدون
الحقيقة الداخلية الخاصة بهم.
كل حياة هي أرض مؤثرة وإذا كنت مزجت مشاعرك تماما
في التفاصيل العادية للحياة، وإذا أخذت فقط وقتا للنظر والتمتع فإنك ستجد
الأشياء
الأفضل. ''الاستمتاع بالحياة يقلل العنف''.
إيليا سليمان مقاوم ومتفائل مثل
أبيه، وأيضا وحيد وضعيف في مجال صناعة السينما. إذا لم يقابل المنتج هاني
فارسي،
وهو رفيق سلاح ما كان باستطاعته إخراج فيلمه. ويقول ''إنها ليست قضية أموال
فقط.
كثير من الأشخاص في السينما يأسرونك روحيا، إنهم يحاولون أن يقدموا مزيجا
اجتماعيا
مع ذاك الذي يتشاركون معه إنسانيا''.
وفي تعليقها على الفيلم تقول الإذاعة
البريطانية ''بي بي سي'' يفتح ايليا سليمان في نهاية فيلمه بابا من الأمل
الذي
بدونه لا يتحقق أي عمل فني حسب رأي المخرج، فهناك ''زمن باق وأجيال صاعدة
لها
أسلوبها في التعبير عن الذات وهناك شعور قوي بالهوية
الفلسطينية''.
الوقت البحرينية في
20/08/2009 |