المشهد السينمائي الصغير وميض إبداعي له سحر أخاذ لا ينتهي، يطل من خلال
شاشة عرض بيضاء، سرعان ما تتحول إلي نافذة عريضة، تتنوع عليها الألوان،
وتختلف مساحات الأضواء، لتضاهي أحيانا واقع الحياة، وتتحدث بلغتها أو بلغات
متنوعة، وتتلون من خلال تجارب وأفكار المخرجين، وعشاق السينما يتابعون ذلك
مشدوهين بإبهار ما تقدمه، فهي جسر عبورهم إلى عوالم أخرى، تأخذهم إلي حيث
تريد، تحرك عقولهم، وتترك بصماتها على مشاعرهم، وتجعلهم في شوق لموعد آخر
ينتظرونه بفارغ الصبر.
هذا هو الهدف الذي دفع بمبادرة أطلقها مهرجان دبي السينمائي في بداية
ديسمبر 2007، لتفعيل علاقة خاصة مع جمهور السينما، وكما يقول عبد الحميد
جمعة رئيس المهرجان: هذه العلاقة تمتد وتستمر على مدار العام من خلال نادي
المشهد، ليكون محفلا سينمائيا، يلتف حوله هواة ومبدعو الفن السابع في
الدولة، في محاولة للرقي بذوق الجمهور من خلال تجارب نادرا ما تأتيه عبر
دور السينما التجارية.ويضيف جمعة قائلا: من خلال فعاليات هذا النادي على
مدار العامين الماضيين، أري انه ساهم في إشعال حماس الشباب، من خلال
التواصل مع أعمال جديدة ومتنوعة، فمهرجان دبي السينمائي لا يتوانى في تدعيم
هذه الفكرة ماديا وفنيا، ويقدم لها أفلاما تم عرضها في دوراته السابقة، أو
عرضت عالميا في أكثر من مهرجان وملتقى.
وتؤكد المخرجة الإماراتية نايلة الخاجة، التي تتولى مهمة الإشراف والتخطيط
للنادي، ما عرضه عبد الحميد جمعة وتواصل بقولها إن «المشهد» مرتبط بعالم
السينما الثري والمليء بتجارب شديدة الخصوصية. وترى أن الارتقاء بالسينما
والوصول بها إلي المعنى الحقيقي، يترجم من خلال الإقبال والتفاعل مع ما
يقدم من أفلام، وهذا ما نراه في كل مره نعرض فيها عملا، يتم انتقاءه ويكون
له هدف ومغزى، وما نشاهده اليوم في كثافة الحضور، لمتابعة فيلم «راماشاند
الباكستاني» الذي عرض في أكثر من 12 مهرجانا دوليا، يعطينا مؤشرا إلي أين
وصلنا، وكيف نخطط للمستقبل.
وبالفعل لم يخف منتج الفيلم الباكستاني جيفيد جبار، اندهاشه من عدد
المشاهدين، والذي تعدى ال500 شخص، وعبر عن ذلك بقوله: كنت أتوقع حضور 30 أو
50 شخص في أحسن الأحوال، لكن ما أراه اليوم يجعلني أصفق لمجهود هذا النادي.
وتواصله مع الجمهور بهذا الشكل، وأتمنى أن يتطور هذا المشروع، ويواصل عروضه
لأعمال تحتاج إلي نوعية مختلفة من المتفرجين، ففيلم اليوم عن حادثة حقيقية
لطفل باكستاني وقع ضحية لسياسة حول الحدود التي يسهل اختراقها بين الهند
وباكستان، ولم أكسب ماديا من إنتاجه، لكني استطعت إلقاء الضوء حول هذه
القضية، وكسبت من خلالها تعاطف العالم.
فيلم (راماشاند الباكستاني ـ
Ramchand Pakistani)
هو العمل الروائي الطويل الأول لمخرجته الشابة الباكستانية مهرين جبار، وقد
حصل على تنويه خاص في مهرجان لندن، كما عُرض في كل من مهرجان ترابيكا
وبوسان والقاهرة ودبي السينمائي، ويدور حول صراع اجتماعي وسياسي في المنطقة
الحدودية بين باكستان والهند، ويعتمد على قصة حقيقية لعائلة عبرت الحدود
الباكستانية للبحث عن ابنها الذي تخطى الحدود إلى الهند عام 2002.
وتتناول أحداثه حكاية راماشاند، وهو طفل من الطوائف الدنيا للهندوس الذين
يعيشون في باكستان، وبعد مشادة مع والدته يترك بيته وينتهي به الحال في
الصحراء، لكنه سرعان ما يكتشف أنه توغل في أرجائها وعبر الحدود إلى الهند،
يتبعه والده ويتعرض كلاهما للاعتقال باعتبارهما جواسيس باكستانيون ويلقي
بهم في السجن بعد استجوابهم.
تمر الأشهر، وتعيش الأم لوحدها في باكستان، ويصبح عليها التعامل مع الخسارة
الفادحة في أسرتها، خصوصا عندما تكون مطمعا من الآخرين، ولا يكون لديها
خيارا في النهاية سوى الارتباط برجل يضمن لها صراعها من أجل البقاء، ومن
ناحية أخرى، يتعلم راماشاند الصغير مواجهة الانفصال بالقوة عن والدته وفوضى
السجن مدى الحياة، ومدى ما يراه داخل أسوار الحبس من قصص كارثية لبشر فقدوا
إنسانيتهم وعاشوا مع المخدرات والشذوذ والجنس.
كما يلقى الفيلم الضوء على تنوع الأديان ومنها طبعا الإسلام، دون تعرض واضح
لصراعها، مركزا خطه الأساسي على الأسرة التي أنفرط عقدها، وقوة ترابط الابن
مع الأب الذي يستمد منه المبادئ والمثل، مركزا بصورة سينمائية مثيرة وجميلة
على نمط البيئة الشعبية وفلكلورها التراثي من أزياء وعادات يومية وموسيقى.
خطوه هامة أن نرى سينما من مكان ما زالت تجاربه محدودة، فالأفلام
الباكستانية لا تضارع الهندية، سواء من حيث الكم أو النوع، لكنها أعمال
مبشرة، وتحتاج إلى الرعاية والدعم، هذا ما يؤكد عليه المنتج جيفيد جبار
متواصلا مع (الحواس الخمس): أعرف أننا ما زلنا صغارا واستكشاف المقارنة بين
السينما الهندية والباكستانية، يحتاج إلى وقت للرصد والمتابعة، حتى نحقق
بعض مما أنجزوه.
وكان قرارا واعيا من بلدي إنتاج هذا الفيلم، ولكن، هناك حاجة لعمل مزيد من
القصص عن باكستان، فهناك الكثير من القضايا التي لم يسمع عنها أحد، ومع
افتتاح العديد من قنوات التلفزيون والسينما في باكستان أصبح تبادل
المعلومات أكثر نشاطا، وآمل أن يتعرف العالم علينا، وأن نعرف المزيد عن
بعضنا البعض أكثر من ذي قبل.
وعن سؤال: هل تعتقد أن أفلام مثل «راماشاند الباكستاني» والمزيد من مثل هذه
الأعمال مهمة لتغيير صورة باكستان، خاصة في سياق ما بعد 11 سبتمبر؟
أجاب جبار قائلا: اعتقد أن هذه نقطة هامة، وهناك حاجة كما قلت سابقا إلى
مزيد من القصص لتغيير صورة باكستان في عيون الغرب، نحن نعرف أن الإرهاب
مشكلة، والأشخاص الذين يقومون بذلك على خطأ، ولكن علينا أيضا أن نتفهم
السبب وراء ذلك، ونريد سيناريو يقوم برمته حول هذا الموضوع، في ظل تعدد
الأديان لدينا، حيث ينبغي أن نعرض مواضيع تحلل هذا المجتمع، الذي تتعايش
فيه شرائح متعددة مسلمة وهندية وهندوسية ومسيحية، يناضلون من أجل التعامل
وفهم حياتهم اليومية.
وبعد رصدنا لردة فعل الجمهور الذي شاهد فيلم «راماشاند الباكستاني»، خرجنا
ببعض الانطباعات:
الباكستانية مريم شوبا التي تأثرت من بعض مشاهد الفيلم التي أغرقت عيونها
بالدموع أجابت: ما رأيناه قضية إنسانية بالمعيار الأول، وشخصية في توجهها
ثانيا، وكانت مشاعر الأم رائعة، ومشاهد السجن قاسية، وتعبيرات الابن معبرة
إلي أقصى درجة.
إبراهيم فرحات ـ مصمم جرافيك: جذبني العمل وهذه أول مره أشاهد فيها فيلما
باكستانيا، وتعرفت عن قرب على موضوع كنت أتابعه في نشرات الأخبار.
عبد الله عوض ـ موظف بريد: كنت أتمني أن يكون للفيلم ترجمة عربية، ولاحظت
أن هناك مثلي من أراد ذلك، حتى يشعر بتفاعل مع العمل والمنتج الضيف.
ناتشا الكسندرافيتش ـ روسية مقيمة: سعدت بالفيلم وتعرفت على ثقافة أخرى،
وأرجو أن أرى سينما بلدي على شاشة «المشهد».
بعد نهاية فيلم «راماشاند الباكستاني»، الذي عرض مساء الخميس الماضي في
مركز المؤتمرات بقرية المعرفة، دارت حلقة نقاش شارك فيها الجمهور، الذي لم
يكتف بما رآه، بل طرح تساؤلات عن كل صغيرة وكبيرة، حول أماكن التصوير،
والممثلين الذين شاركوا في الفيلم، والسجن وما حدث فيه، وعكست الإجابات
فرحة المنتج الباكستاني، بمستوى ثقافة جمهور نادي المشهد، الذي وعدت مشرفته
نايلة الخاجة، بإستضافات أخرى من دول مختلفة، رغم الأعباء المالية التي
تتكلفها من تذاكر سفر وإقامة وتجهيز أماكن عرض لائقة بالضيوف والمشاهدين.
البيان الإماراتية في
06/08/2009 |