أحيانا يجد المرء نفسه مضطرا إلي تكرار ما هو معروف وبديهي ليواجه ما
هو عبثي وغير معقول.. ومما أكرره هنا أن السيرة الذاتية هي ما يكتبها
صاحبها عن حياته، مثل "أيام" طه حسين. وعليه فإن طوفان المسلسلات الذي يغرق
رموزنا السياسية والثقافية والفنية - ويغرقنا معها - بدعوي تقديم مشوارها
علي الشاشة، لا يصح تسميته "أعمال سير ذاتية"، لأنه ليس من وضع أصحاب هذه
السير، حتي وإن كان بموافقتهم، أي أننا - في رمضان الحالي وفي غيره - إزاء
مسلسلات سير "غير ذاتية"، تشهد اعتداء تجار الفيديو علي تاريخ المشاهير
والشخصيات المهمة. مما أكرره أيضا، أن المرء ليس مضطرا أن يأكل البيضة كلها
لكي يدرك أنها فاسدة. وعليه فإنني لست مضطرا أن أشاهد الحلقات الكاملة لهذه
النوعية من المسلسلات هذا العام لكي أدرك أنها رديئة، وتعليقي عليها بعد
مشاهدة عدة حلقات، ليس فيه أي قدر من التجني. شهد رمضان الحالي تجرؤ صناع
المسلسل السوري "في حضرة الغياب"، من إنتاج وبطولة فراس إبراهيم وتشاركه
الممثلة سلاف فواخرجي عن نص للسوري حسن يوسف وإخراج نجدت أنزور، علي رمز
ثقافي ووطني بحجم وقيمة الشاعر الكبير محمود درويش.. ولا أعرف من أين جاء
البعض بهذه الجرأة، فالمرء يتحسب قبل مجرد قراءة درويش، فما بالك باستباحة
حياته وخصوصياته. بيان المؤسسة مؤسسة محمود درويش لم تنتظر نهاية الحلقات
مثلي، وأصدرت بيانا تعقيبا علي المسلسل قال: يعرض علي شاشات بعض الفضائيات
العربية مسلسل " في حضرة الغياب"، الذي يتناول ، كما أعلن القائمون عليه،
سيرة وحياة الراحل الكبير الشاعر محمود درويش. ويهم مؤسسة محمود درويش أن
تؤكد أنه لا علاقة لها بهذا العمل أو بالقائمين عليه، وأنها تري فيه إساءة
للشاعر وصورته وحضوره في الوعي الثقافي العربي والإنساني، وهو الموقف الذي
قامت المؤسسة بإبلاغه بوضوح للقائمين علي إنتاج المسلسل، والذي تعود
لتأكيده عبر دعوتها إلي وقف عرض حلقات العمل. أؤيد تماما ما جاء في البيان
من أن غياب القوانين الخاصة بحقوق الملكية الفكرية، وضعف العمل بالتشريعات
المتعلقة بالحقوق الثقافية، والارتجال والخفة في تناول حياة ومنجز أعلام
الفكر والثقافة في منطقتنا، هو الذي سمح بتجرؤ البعض علي إرث الراحل
الكبير، سواء عبر انتحال حضوره علي الشاشة أو من خلال الالتفاف علي اسمه
وموقعه بالوسائل المكتوبة والمرئية والمسموعة، وهو ما قالت مؤسسة درويش
إنها ستعمل علي التصدي له في إطار القوانين والأعراف. قد أثار عرض المسلسل
جدلا وغضبا واستنكارا واستهزاء إلكترونيا كبيرا من قبل العديد من المشاهدين
العرب الذين طالبوا بوقف عرضه ووصفوه بالمهزلة عبر صفحاتهم علي الفيس بوك..
ولا تزال حملاتهم مستمرة بهدف جمع أكبر عدد من التوقيعات لوقف عرضه علي
القنوات الفضائية لإساءته الكبيرة وعلي أكثر من مستوي لدرويش. عمل سطحي
حملت الصفحات العديد من الأسماء التي تطالب بالحفاظ علي صورة الشاعر، مثل
"المشاهد العربي يريد الاحتفاظ بصورة محمود درويش"، و"معا لإيقاف عرض مسلسل
في حضرة الغياب"، وغيرها الكثير. وتحمس عشرات المثقفين الفلسطينيين للتوقيع
علي عريضة للمطالبة بوقف المسلسل، قالوا فيها: "نحن الموقعين أدناه من
مثقفين ومواطنين وقراء وناشطين في المجالين الأدبي والثقافي في فلسطين
والعالم العربي والعالم، ندعو إلي وقف عرض مهزلة مسلسل فراس إبراهيم، ذي
الطابع التجاري الذي يسيء بشكل مخز إلي صورة العظيم درويش وحقيقة حياته،
ونبدي استغرابنا الغاضب من تورط تليفزيون فلسطين في عرض هذا المسلسل، الذي
تم التحذير من أهدافه ودوافعه التجارية منذ أشهر عديدة، كما ندين تورط
الفنان مارسيل خليفة والكاتب حسن يوسف والمخرج نجدت أنزور في هذا العمل
السطحي المقيت". كما عاني المسلسل أزمة تسويق كبيرة بسبب مساندة معظم صناعه
للنظام السوري الحاكم ومعاداتهم الثورة الشعبية السورية، وأصدر مخرجه أنزور
بيانا قال فيه: إنّ هناك قراراً عربياً غير معلن يقضي بمقاطعة الدراما
السورية، أو شرائها بأقل الأسعار. وسخر من ذلك بقوله: "صرنا بحاجة إلي
خريطة طريق كي نصل إلي المحطات العربية"، معتبراً أنّ الفن لا ينفصل عن
السياسة، وقد "سيس الفن من قبل تلك المحطات بما يفقده الكثير من القيم
الأخلاقية والإنسانية"، علي حد قوله. مشكلات وقضايا أما مسلسل "الشحرورة"،
الذي يتناول حياة الكبيرة صباح، بموافقتها كما قيل، فهو كارثة فنية بكل
المقاييس، تعيد إلي الأذهان الجريمة التي ارتكبها تجار الفيديو في حق سعاد
حسني قبل سنوات، بدعوي تقديم قصة حياتها في مسلسل حمل اسم "السندريلا"، في
حين كان من المفترض أن يسمي "الكابوس". المسلسل، وهو من بطولة كارول سماحة
وتأليف فداء الشندويلي وإخراج أحمد شفيق، شديد الضعف والخفة والتفكك، ويبدو
كوميديا مثل أعمال الشندويلي السابقة، خاصة في أداء إيهاب فهمي شخصية فريد
الأطرش بهذه الطريقة الكاريكاتيرية البلهاء.. أما سماحة، فقد ابتعدت تماما
عن روح - فضلا عن شكل - صباح، وكأنها تقدم شخصية أخري غير تلك التي عرفها
العرب علي مدي عشرات السنين وارتبطوا بها وحفظوا عن ظهر قلب كل حركاتها
وسكناتها. بدأ المسلسل مواجهة المشكلات قبل حتي عرضه، حيث أعلنت المطربة
الكبيرة فيروز عن تحريرها دعوي قضائية أمام قاضي الأمور المستعجلة في بيروت
ضد شركة "صباح إخوان" تطالب فيها بوقف عرض المسلسل بسبب عدم رغبتها في
تعرضه لشخصيتها أو شخصية زوجها الراحل عاصي الرحباني، والمطالبة بحذف
المشاهد التي تشير إلي شخصيتهما.. وقالت ريما الرحباني، ابنة فيروز: إنها
أجرت عدة اتصالات مع الصباح إخوان لتطلب عدم التطرق إلي شخصيتي والديها،
وتم التأكيد لها علي ذلك. وأشارت إلي أنها كانت دائما تقرأ في المجلات
والصحف أن المسلسل سيتناول والديها (فيروز وعاصي) لكن بأسماء وهمية.. وما
زالت الدعوي أمام قاضي الأمور المستعجلة لإيقاف العمل إذا لم يتم حذف
الشخصيتين بشكل نهائي من العمل. تهديد أسري المفاجأة الحقيقية أن صباح
نفسها قررت حذف أي مشهد يذكر سيرة ابنتها هويدا في المسلسل، وذلك بعد أن
تلقت منها تهديدا باللجوء للقضاء لو أن أحدا جسد شخصيتها أو تناول أسرار
حياتها الشخصية. أكدت صباح في مكالمة هاتفية لإذاعة صوت لبنان قبيل عرض
المسلسل أنه لن يتضمن أي فضائح، ولن يكون وسيلة لتشويه سيرة أحد، سواء كان
حيا أو ميتا، وقالت إن الغرض منه استعراض قصة حياتها وما اشتملت عليه من
أحداث فنية وسياسية واجتماعية عاصرتها وأثرت وتأثرت بها. وربما لم تكن
المطربة الكبيرة تعرف - وهي تدلي بهذه التصريحات - أن المسلسل لن يكون
وسيلة لتشويه أحد سواها، بدليل ما تردد من أنباء بعد بدء العرض حول عدم
رضاها عن العمل، وتأكيدها أنه يعج بالأخطاء التاريخية والفنية. أما مسلسل
"رجل من هذا الزمان"، الذي يتناول حياة العالم المصري الكبير الراحل مصطفي
مشرفة، من بطولة أحمد شاكر وإخراج إنعام محمد علي، فلم تتسن لي رؤية أي من
حلقاته، وبالتالي لا يمكنني الحكم عليه، وإن كانت مخرجته لم تقدم منذ مسلسل
السيرة الآخر "أم كلثوم" ما يرقي إلي مستواه.
جريدة القاهرة في
09/08/2011
تسطيح العقل.. علي شاشة برامج
تليفزيون رمضان!
بقلم : ماجدة خير الله
هذا العام يزدحم رمضان بالبرامج التي تكالبت وتهافتت علي عدد محدود
ومكرر ومعاد من النجوم والتيمة المطروحة في معظم البرامج عن القوائم
السوداء وعلاقة كل فنان بثورة يناير هل وقف ضدها أم شارك في أحداثها أم
اكتفي بالفرجة؟ وسط هؤلاء لابد وأن تشعر بالتقدير والاحترام للنجم الكوميدي
أحمد عيد الذي رفض كل الإغراءات المادية التي وصلت في بعض البرامج إلي
أرقام تسيل اللعاب حتي يشارك في هيصة الهجوم أو الهجوم المضاد علي الزملاء
الذين أساءوا للثورة كأن شيئاً لم يكن، فمعظم البرامج التليفزيونية لاتزال
تتنافس علي تسطيح عقل المتفرج وافراغه من أي مضمون، مع كونها تفتقد كل
مقومات الجذب أو الطرافة، بل إنها تفتقد ايضا للإبداع والابتكار فهي منقولة
من مصدر واحد مع تصرف، أو بدون تصرف، تخيل معي برنامجين يقدمان علي قناتين
مختلفتين ومتنافستين لهما نفس الشكل والمحتوي ، الاول اسمه رامز قلب الأسد،
ويقوم علي فكرة استضافة احد النجوم لتسجيل برنامج ما، واثناء صعوده في
الاسانسير يتخلف المضيف ويتركه يركب المصعد بمفرده، ثم يتعطل به المصعد في
احد الادوار، وهنا يتصل به رامز جلال مدعيا انه مسئول الصيانة، ويدور
بينهما حوار قصير ثم يفتح باب الاسانسير في أحد الادوار، ويفاجأ النجم انه
أمام اسد يسد عليه الباب، طبعا يصاب بالذعر بينما رامز جلال يتفرج عليه من
خلال شبكة دائرية ترصد ردود فعله، ويستلقي علي قفاه من الضحك والسادية
بينما الضيف في حالة هائلة من الرعب والتوتر. خواء فكري إذا افترضنا أن هذا
الموقف يحدث بجد، وان ليس هناك ثمة اتفاق بين جميع الاطراف، وتمثيلية متقنة
تتم بين فريق البرنامج والضيف نكون امام جريمة متكاملة الأركان ، لأنه ممكن
للضيف أن يصاب ابأزمة قلبية نتيجة المفاجأة المرعبة، أو علي الاقل تنتابه
صدمة نفسية عنيفة، ولا اعرف ما الذي يضحك في الفرجة علي رجل يفاجأ بوجود
اسد رابض امام المصعد!! حقيقي أن الاسد مقيد في سلاسسل وحالة لا يسر عدو
ولا حبيب لكن المفاجأة تلغي العقل وتمنع الضيف من إدارك عدم خطورة الاسد
وهو علي هذه الحال ، ثم إن الفرجة ثلاثين يوما علي نفس الموقف يتكرر مع
ثلاثين شخصا بنفس التفاصيل مما يؤكد حالة الخواء العقلي لدي صناع البرنامج،
"رامز قلب الاسد" توتر وهلع علي قناة الحياة، وعلي قناة المحور يقدم برنامج
مشابه لكن بدون الاسد ويحمل اسم "بين السماء والارض" وهو اسم فيلم اخرجه
صلاح أبوسيف في الخمسينات من القرن الماضي، ويحدث في البرنامج ما حدث في
الفيلم حيث يعطل المصعد وداخله مجموعة من الاشخاص بينهم احد النجوم، وبعد
فترة من الوقت يصاب البعض بحالة من التوتر والهلع وتتباين ردود الفعل التي
يرقبها البرنامج، وقد تصل أحيانا الي حد الصدام بين ركاب المصعد نتيجة حالة
الخوف والقلق التي تصيبهم جميعا! وبرضه حا اسأل نفس السؤال مالذي يضحك في
هذا الامر؟ إنه الافلاس الذي يصور لشركات الانتاج أن مثل هذه البرامج يمكن
أن تلقي صدي واقبالا جماهيريا، ولكن هذا علي مدي علمي لم يحدث! أكل عيش شهر
رمضان يعتبر موسم أكل عيش واسترزاق لمعظم النجوم إن لم يكن من خلال تقديمهم
للمسلسلات، فمن خلال ظهورهم في البرامج التي يتقاضون فيها مبالغ خرافية، لا
تكلفهم إلا ساعات قليلة يقضونها في تسجيل الحلقات التليفزونية التي تدور
معظمها في إطار واحد منذ عدة سنوات، وهو اطار البحث عن الاثارة بأي أسلوب
كان، المهم أن الاثارة تجلب الاعلانات، وكل نجم وشطارته، فبعضهن تتاجر في
حياتها الشخصية وتفضح نفسها وتخلع ورقة التوت ، وتكشف عن ادق الاسرار في
حياتها الشخصية مقابل حفنة من الدولارات، والبعض يتاجر في مواقف سياسية
والبعض يهاجم الزملاء وهو اضعب الايمان. القوائم السوداء هذا العام يزدحم
بالبرامج التي تكالبت وتهافتت علي عدد محدود ومكرر ومعاد من النجوم،
والتيمة المطروحة في معظم البرامج عن القوائم السوداء وعلاقة كل فنان بثورة
يناير، هل وقف ضدها أم شارك في أحداثها أم اكتفي بالفرجة، والعجيب والغريب
أن نفس الوجوه التي اساءت للثورة والثوار أو اظهرت تعاطفا وشحتف علي الرئيس
المخلوع تعود للظهور مرة اخري بدلاً من أن تتواري خجلا للابد حتي ينسي
الجمهور ماكان منها، ولكن عندما يغضب الله علي انسان يحرمه نعمة الخجل
والاحساس بالخطا ومن ثم يكرر هذا الانسان أخطائه ويعيد زلاته مرات ومرات،
واتعجب من اصرار طلعت زكريا علي الظهور في برنامج "الشعب يريد" الذي يقدمه
طوني خليفة في قناة «القاهرة والناس»، ليقدم وصلة من البكاء والشحتفة علي
الرئيس المخلوع، وكذلك تصر عفاف شعيب علي الظهور من خلال برنامج "من أنتم"
الذي تقدمه بسمة علي قناة «القاهرة والناس» برضه، واحمد بدير ويسرا وايناس
الدغيدي وعمرو مصطفي وكل الوجوه التي احترقت مثل وجه الرئيس اليمني محمد
علي صالح، أكاذيب مفضوحة وسط هؤلاء لابد وأن تشعر بالتقدير والاحترام للنجم
الكوميدي أحمد عيد الذي رفض كل الاغراءات المادية التي وصلت في بعض البرامج
الي ارقام تسيل اللعاب حتي يشارك في هيصة الهجوم أو الهجوم المضاد علي
الزملاء الذين أساءوا للثورة، ولايمكن أن ينسي الجمهور مداخلته التليفونية
لبرنامج «48 ساعة» الذي كان يذاع علي قناة المحور واستضاف فتاة تدعي أنها
عميلة مأجورة من إحدي الدول الاجنبية لتدرب الشباب علي الثورة، وجاءت
مداخلة أحمد عيد لتحرج مقدمي البرنامج وتفضح كذبتهم ، قال كلمته ثم مضي دون
أن يطلب ثناء ولاشكوراً، كلمة حق قالها في الوقت الذي كان فيه النجوم
يتهافتون علي نفاق الرئيس المخلوع قبل أن يسقط من عرشه، احمد عيد من
القلائل الذين لهم موقف لا يحيد عنه فهو لايتاجر بموقفه من الثورة، حتي
لوكان المقابل رقما ضخما من الدولارات التي يمكن أن يكسبها مقابل ساعة يظهر
فيها في أحد تلك البرامج الرمضانية التي لا تهدف الا للإثارة والفرقعة!
مرحلة اليقين سوف تحار في امر الفنانة يسرا، فهي رغم صداقتها بمجموعة من
النجوم والشخصيات العامة التي شاركت في ثورة يناير أو علي الأقل تؤمن بها
وتدعمها بمواقف مشرفة، إلا أنها لم تصل بعد الي مرحلة اليقين، وتبدو وكأنها
غير متيقنة بأن مافات قد مات، وأن عصر مبارك لن يعود، وبالطبع لن يعود
رجاله والمنتفعون في عهده لن تقوم لهم قائمة، ولكنها تتحفظ وتراوغ كلما
جاءت سيرة الثورة، وفي لقاء لها مع طوني خليفة، ابدت تشكهها من أن ماحدث
"تقصد ثورة يناير" إنما هو مؤامرة خارجية وتنفيذ لاجندات ! وطالبته ـ اي
طوني ـ أن يقرأ كتاب كيسنجر، ولم تقل لنا اي كتاب ولا ماذا تضمن هذا الكتاب
وما علاقته بالثورة؟ مجرد حالة من التشويش العقلي وعدم اليقين، وشذرات كلام
سمعتها من هنا أو هناك دون أن تستوعب معناها، أو تعرف قيمه مايحدث، أو
اسباب تعطل الثورة في تنفيذ مبادئها وأهدافها؟ وكأنها تنافس المخلوع في
حالة الغيبوبة التي عاشها، وجعلته لا يعي ما يحدث حوله رغم توفر مصادر
المعلومات في كل مكان، إلا أنه كان يصم أذنيه عن سماع ما يزعجه أو مايخالف
قناعاته! واستمرارا لحالة مغالطة النفس ضد النظام تؤكد يسرا لطوني خليفة في
برنامجه «الشعب يريد» أنها كانت ضد النظام السابق وكانت تنتقده من خلال
أعمالها الفنية وضربت مثالا بافلام طيور الظلام ، ودم غزال ، وعمارة
يعقوبيان! وطبعا مع شديد الاحترام ليسرا وغيرها من النجوم الذين شاركوا في
هذه الافلام فإن الممثل يؤدي دورا مرسوما له ، وينطق بحوار كتبه السيناريست،
وأن مواقف شخصيات الافلام لاتعبر عن معتقداتهم ولكنها آراء ومعتقدات وخبرات
مؤلف تلك الافلام أو كاتب السيناريو! وإذا كان كل ممثل سوف يدعي أنه كان
يهاجم النظام من خلال ما قدمه من شخصيات سينمائية يبقي لابد وأن نحاسب من
لعب دور قاتل أو لص أو منحرف؟ ثم إن شخصية يسرا في تلك الافلام الثلاثة
التي ذكرتها لم تخرج عن بائعة هوي أو بغي عصرية، فأين هو الموقف المضاد
الذي أتخذته من الفساد؟ وأين هي المواقف العنترية؟ثم ظهر ما تحمله من مشاعر
سلبية ضد الثورة، و"لا اعرف لماذا " عندما طلب منها طوني خليفة أن تسقط
القناع عن إحدي صورتين إحداهما لميدان التحرير وهو يعج بالثوار، والثانية
للقصر الجمهوري، واختارت أن تسقط القناع عن ميدان التحرير وهو الأمر الذي
اصاب طوني بحالة هائلة من الدهشة، وسألها وما هو القناع الذي تريدين أن
تسقطيه عن الميدان وهو يعني أن الميدان وثواره قدموا رسالة واضحة لا تحتاج
للبس ولايزالون في حالة اصرار علي تكملة مسيرتهم مهما كانت العقبات أو
التضحيات، ولم تجد يسرا ما تقوله واكتفت بقلب وجهها وابداء بعض الامتعاض
وأخيرا قالت إن هناك أناسا اندسوا بين المتظاهرين وافسدوا الصورة؟ أما
القصرالجمهوري وما به من كل أشكال وألوان المفاسد التي عرقلت مسيرة الوطن
ونهبت ثرواته خلال ثلاثين عاما فلم تجد به ما يستحق الاسقاط أو الكشف
!البعض يلوم علي طوني خليفة أنه يفضح ضيوفه ويظهرهم بصورة غير لائقة ولكن
الحققيقة أنه لا يفعل ذلك بل هم الذين يفضحون انفسهم ويكشفون ما بداخلهم من
عور ونقائص!
جريدة القاهرة في
09/08/2011
الوهج الزائف في برامج التليفزيون
وأقواس الرفض والقبول تواجه سيل المسلسلات
بقلم : د. رفيق الصبان
ما إن يهل هلال رمضان .. وتبدأ الصحف والدعايات تتوالي عن المسلسلات
التي ستعرض علي الشاشات الأرضية والهوائية .. حتي تباغتني الأسئلة من كل
جانب: ما الذي تنصحنا برؤيته ضمن هذا الكم الكبير من الأعمال الفنية
المعروضة .. سواء من مصر أو من البلاد العربية .. إن طاقتنا العقلية
والعاطفية لا تحتمل رؤية أكثر من خمسة أو ستة مسلسلات .. فما علينا أن
نختار ضمن الثلاثين أو الأربعين مسلسلا التي تقدمها لنا الشاشات العربية
(ونحمد الله علي أننا لا نواجه سيل العام الفائت الذي وصلت فيه أعداد
المسلسلات المعروضة علي الجمهور إلي الستين أو السبعين مسلسلا) هذا إذا
وضعنا جانبا أيضا البرامج الفكاهية والمسابقات التي تقدم جوائز يسيل لها
اللعاب.. ( وإن كان بعضها وهميا ذا وهج زائف) وبرامج فضائحية وأخري سياسية
تحاول ركوب الموجة أو السير ضدها.. كل ذلك في آن واحد وفي وقت واحد والزمن
قليل والساعات معدودة والبرامج والمسلسلات والأفلام في ازدياد واضح، فما
العمل؟ رغبة حقيقة والحق هذه التساؤلات جاءت في محلها.. وتعكس رغبة حقيقية
من المتفرجين في الاعتماد علي أذواق النقاد لإرشادهم السبيل الصحيح إلي
رؤية ما يجب رؤيته رغم ايماني العميق بأن الأذواق لا يمكن أن تتوافق جميعا
علي رأي واحد وأن ما يعجب النقاد قد لا يعجب الجمهور والعكس صحيح .. ولكن
وظيفة الناقد كانت منذ البداية أن يعلن رأيه مهما كانت نوعية هذا الرأي
وسواء تواكبت وجهة نظره مع وجهة نظر الجماهير الكبيرة أو اختلفت. وهنا تكمن
المسئولية الحقيقية للناقد .. أن يحاول المحافظة علي اتزانه الفني ورؤيته
الصادقة .. بغض النظر عن جماهيرية نجم ما أو موضوع خاص وأن يحاول أن يقول
ما يعكس رؤيته الفنية دون أن يعاكس التيار أو يتعالي علي ما يرغب الجمهور
في رؤيته.. فالجمهور آخر الأمر هو المقياس الحقيقي لنجاح أي مسلسل
واستمرارية أي نجم، مهما كان رأي الناقد أو المحلل الفني. هدير الأمواج من
ضمن هذا الخضم .. وقبل أن يبدأ هدير الأمواج.. وقبل أن يجرفنا التيار علينا
أن نختار «السحل في الماء» تاركين لتوقعاتنا المجال الأكبر.. وفاتحين أمام
أنفسنا أقواسا كثيرة للرفض أو القبول بعد أن نشاهد جزءا من الحلقات . أول
هذه المسلسلات التي تثير الفضول والدهشة وهو بالطبع مسلسل «الحسن والحسين»
الذي يخترق الدوائر الحمراء كلها .. ويفتح صفحة جديدة للتعبير الفني في
القضايا الدينية المهمة التي مازالت تعتبر من المحظورات في نظر بعض الفقهاء
كظهور شخصيات الصحابة وتجسيدها علي الشاشة، رغم اننا في زمن أحوج ما نحتاج
إليه هو اظهار مثل هذه الشخصيات النقية النادرة لتكون ترسا منيعا نواجه به
الهجمات الظالمة والطعنات الغادرة التي توجه للإسلام. «الحسن والحسين» هما
مصدرا الفتنة الكبري في الإسلام، كما يصفها الدكتور طه حسين والتي اشتعلت
بعد مقتل الإمام علي وتحول الدين الإسلامي الديمقراطي (وأمرهم شوري بينهم)
إلي ملكية وراثية علي يد معاوية بن أبي سفيان. لا أدري التوجه الذي سيسير
عليه المسلسل ولا الطريقة التي سيعالج بها الأمر وإلي أي ضفة سيتجه.. ولكن
نقطة الارتكاز والأهمية هي أنه سيفتح المجال لمناقشة أهم حدث سياسي مر علي
الإسلام في بداياته واستطاع أن يغير من مساره. حكم مكة الديمقراطي إلي حكم
الأمويين الملكي وذلك في إطار دموي رهيب سالت فيه دماء المسلمين أنهارا
وأطلق عليه عميد الأدب العربي صفة «الفتنة الكبري». دراسة متعمقة أما
المسلسل الثاني الذي يثير فضولي وشغفي فهو مسلسل «رجل من هذا الزمان» الذي
يروي مسيرة العالم المصري الكبير «د. مشرفة» كما ستقدمه لنا مخرجة ملتزمة
موهوبة اعتادت أن تتحدي الصعاب وأن تقدم حتي الآن أعمالا فذة لاتدانيها
أعمال أخري سواء حققتها عن شخصيات عامة كأم كلثوم مثلا أو دراميات عاطفية
تعرف دائما كيف تشبك أحداثها وتقدمها بدقة فائقة وعذوبة فنية لا يجاريها
فيها أحد مع تعمق في التفاصيل ودراسة معمقة للشخصيات كلها. عمل ثالث يثير
الانتباه والفضول معا هو «الشوارع الخلفية» الذي كتبه عبد الرحمن الشرقاوي
وتمثله ليلي علوي إلي جانب جمال سليمان، فبالإضافة إلي قوة القصة
واسقاطاتها المعاصرة رغم أن أحداثها تدور في الأربعينات فإنها تقدم لنا
نجمين كبيرين « في موسم رمضاني شحت فيه النجوم». ليلي علوي وجمال سليمان في
عمل درامي مشوق أخرجه مخرجان شابان كما يلحق بعروض رمضان نجمان أعتقد أنهما
سيعوضاننا عن الكثير من اشباه النجوم الذين اختفت اسماؤهم تماما خلال هذا
الشهر الفضيل. هالات المجد «عابد كرمان» هو المسلسل الرابع الذي تسني لنا
مشاهدته العام الماضي من خلال لجنة انتقاء برامج رمضان والتي كنت عضوا فيها
المسلسل مأخوذ من ملفات المخابرات كتب له السيناريو بإبداع بشير الديك
وأخرجه بعين فنان صادق نادر جلال ومثله بطبيعية أخاذة «تيم الحسن» إلي جانب
مجموعة مختارة من النجوم.. وصورت أحداثه في كثير من المدن الأوروبية
والعربية. مسلسل سيحقق لأصحابه نجاحا يستحقونه وسيمنح لكاتبه ومخرجه وممثله
الأول هالات مجد يستحقونها بجدارة. شيء كثير من الفضول ينتابني ويدعوني
لرؤية الحلقات الأولي عن مسلسل «الشحرورة» الذي يروي قصة حياة المطربة صباح
وحياتها العاطفية والفنية المليئة بالأحداث والمفاجآت. لا أدري خط السير
الذي سيعيش عليه المسلسل وهل سيكون صورة أخري مشوهة لمسلسل عبدالحليم وسعاد
حسني وليلي مراد أم يحاول إعطاء صفة بطولية لصباح كما فعل مسلسل «أم كلثوم»
لسيدة الغناء العربي أم يقدمها بحلوها ومرها كما فعل مع اسمهان. أعترف أن
كثيرا من الفضول يجذبني لرؤية الحلقات الأولي من هذا المسلسل فضول مرده
اعجابي العميق بمسيرة فنانة تمكنت من تحدي الزمن والمجتمع والتقاليد..
وأصبحت رمزا وأمثولة رغم سيرها عكس الاتجاه السائد والتقاليد الأخلاقية
الصارمة. أرجو أن يكون المسلسل جديرا بهذه الفنانة التي عرفت كيف تكون وكيف
تستمر وكيف تقاوم الزمن ببطولة فنية خارقة. قطرات صغيرة قد تبشر بقدوم مطر
كريم أو قد تكون نفحات كاذبة تعيدنا إلي مرحلة اليأس التي لازمتنا كثيرا
خلال المواسم الرمضانية الفائتة.. وكل عام وأنتم بخير.
جريدة القاهرة في
09/08/2011
مسلسل «الحسن والحسين» يعيد طرح
إشكالية تجسيد «آل البيت»
بقلم : محمد شبل
«مجمع البحوث الإسلامية» اتخذ قرارا بإرسال خطاب
للمجلس العسكري يطالب فيه باتخاذ قرار لوقف عرض مسلسل «الحسن والحسين» لما
يحتوي عليه من مخالفة للشريعة الإسلامية «جريدة التحرير بتاريخ 29 يوليو
2011» ولم يقدم المجمع «الدليل الشرعي» الذي يستند إليه في هذا المنع،
والحقيقة أن منع تجسيد الأنبياء «والصحابة والمبشرين بالجنة وآل البيت» لا
يوجد نص شرعي به، وليس ثمة رأي فقهي قديم في المسألة، إلا أن العلماء
المعاصرين قرروا هذا المنع لأسباب قدروها باجتهادهم، ربما يوضحها الكاتب
الإسلامي «فهمي هويدي» بقوله: «إن نماذج الأنبياء (عليهم جميعا صلوات الله
وسلامه) ينبغي أن يحتفظ لها بصورتها المثالية في الاذهان، بحيث يظل النبي
الحامل لكلمة الله رسالته في مكان النجم الهادي والمضيء في الوعي والضمير،
ويظل الأنبياء شموسا تشرق علي الناس دائما من علٍ بإضاءات القيم والتعاليم
التي بشروا بها، وهو إطار يخدش - لا ريب - إذا تقمص النبي شخص ما في سياق
عمل فني ما فبدا علي ما ينبغي أن يكون عليه الأنبياء من سمو وطهر وورع، ثم
قدر لهذا الشخص ذاته أن يلعب أدواراً أخري في أعمال فنية تظهره مرة مهرجا،
ومرة أخري شريرا ومجرما، وفي مرة ثالثة ماجنا وعابثا أو معتوها ولئن حدث
ذلك فقل لي بربك ألا يؤثر حينئذ علي صورة النبي في الوجدان العام، وألا
ينال من توقير الأنبياء والرسل في نهاية المطاف»؟ أ.هـ طريق الاجتهاد ومن
حيث إن المنع كان باجتهاد بشري «وليس بنص شرعي» يظل الطريق مفتوحا لأي
اجتهاد جديد. أقول: إننا نخشي أن هذه الصورة الغيبية التي ترسم للأنبياء
والرسل في الوجدان العام قد ترفعهم فوق البشر، وقد يؤدي ذلك إلي بعض
المزالق. أولا: موضوع الأسوة «القدوة»: فقد قضي الله سبحانه أن يكون الرسول
قدوة لأتباعه، قال تعالي: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة»، وهذا
يستلزم أن يكون الرسول بشرا مثل المرسل إليهم هكذا كان الرسل السابقون
وهكذا كان خاتم المرسلين، ودليل ذلك قوله تعالي: «وما أرسلنا من قبلك إلا
رجالا نوحي إليهم» وقوله عز وجل «وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم
ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق»، وقال لنبينا الكريم: «قل إنما أنا بشر
مثلكم يوحي إلي» نعم هم بشر علي خلق عظيم، ومعصومون من الخطأ في تبليغ
الرسالة فقط، لكن فيما عدا ذلك يظل النبي بشرا يخطئ ويصيب في اختياراته
اليومية، وقد نبه الله إلي بعض أخطاء الأنبياء، وانظروا في القرآن إلي قصة
«آدم» و«يونس» و«موسي»، وصحح - سبحانه - لمحمد «صلي الله عليه وسلم» بعض
اجتهاداته واثبت ذلك في القرآن الكريم، بل إن بعض الأنبياء كاد ينزلق،
فـ«يوسف» الصديق (عليه السلام) همت به امرأة العزيز وهمّ بها لولا أن رأي
برهان ربه، وكان ضغط الغواية عليه شديدا حتي استنجد بربه قائلا: «وإلاّ
تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين». جواز الخطأ وما نحسب الحق
«سبحانه» قد ركز علي بشرية الأنبياء، وعلي جواز الخطأ عليهم إلا ليبث في
اتباعهم الاقناع بامكانية الاقتداء بهم، لأنهم لو كانوا فوق البشر لقال
الاتباع: وكيف لنا أن نقتدي بهذا النجم العالي أو نتأسي بهذا الرمز الذي لا
يطال، وعندئذ تنهدم فكرة الأسوة من أساسها. تهاويل التقديس ثانيا: المنزلق
الثاني - إذا غابت بشرية الرسل وسط تهاويل التقديس - أن يفتن الاتباع
بالرسول - فيشغلون بالرسول عن الرسالة، ويظلون يرفعون منزلته من الحب
والتقدير، إلي التعظيم، إلي التقديس، إلي التأليه، وقد حدث ذلك من اتباع
«المسيح»، ويحدث لنا- نحن اتباع محمد - شيء قريب من ذلك، وعليه بعض
الإشارات: 1- انشغلنا أكثر بشخص الرسول، والأخبار التي رويت عنه، وجعلنا
نقلده في المظهر والمأكل والملبس، وأغفلنا الرسالة «كتاب الله القرآن
العظيم» بما فيه من أوامر ونواه «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي
القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي». 2- سمعت بأذني «المؤذنين» في
القرية يختمون الأذان بالصلاة علي النبي، ومن الصيغ التي يهتفون بها:
«الصلاة والسلام عليك يا نور عرش الله، فكيف ذلك والله - عز وجل - نور
السموات والأرض؟! 3- ما سمعته من خطيب الجمعة وهو يتلو خطبته من ورق منقول
من كتب تراثية فقال: «إن البقعة التي تضم جسد النبي هي أشرف بقعة في الوجود
بما في ذلك العرش والكرسي»! ولما راجعته بعد الصلاة قال: هي مكتوبة كده!
واحترت بين الكتاب المتجاوز والخطيب المقلد، وكان الله مع المتلقين! 4-
ماورد في كتاب «التذكرة في أحوال الموتي وأمور الآخرة» للإمام القرطبي» حول
ما حكاه «الطبري» عن فرقة أنها قالت في تفسير آية: «عسي أن يبعثك ربك مقاما
محمودا» إن «المقام المحمود» هو: أن يجلس الله محمدا معه علي كرسيه»! تلك
إشارات تشير إلي الاقتراب من دائرة الشرك، وما أحسب الله تعالي: قد أكد علي
بشرية الرسل والأنبياء إلا ليدرأ مثل هذه الفتنة، ويحمي المؤمنين من
أنفسهم، وإن النفس لأمارة بالسوء! وجدان المتفرج هذا من ناحية، ومن ناحية
أخري نحن لسنا مع الرأي القائل بأن صورة النبي إذا تقمصها شخص ما في سياق
عمل فني ما، ثم قدر لهذا الشخص ذاته أن يلعب أدوارا أخري تظهره شريرا أو
مهرجا أو ماجنا، فإن ذلك سوف يؤثر علي صورة النبي في الوجدان العام وينال
من توقير الأنبياء والرسل، لسنا مع هذا الرأي لأن كل صورة تستقر بذاتها في
وجدان المتفرج وكل شخصية تأخذ موضعها الخاص في ذاكرته، وأنا أحكم من واقع
خبرتي الشخصية، وما استشعره تجاه هذه الشخوص المختلفة التي يمثلها ممثل
واحد، فإني حين استدعي من ذاكرتي - مثلا- شخصية: «صلاح الدين الأيوبي» الذي
جسده الممثل: «أحمد مظهر» يحضر إلي مخيلتي «صلاح الدين» بكل شجاعته
وكبريائه وشهامته، ولا يؤثر عليها دور «أحمد مظهر» الشرير الماجن في فيلم
«الطريق المسدود» أو شخصية سائق القطار غليظ القلب الذي تقمصها في فيلم
«غصن الزيتون». كما أن صورة المجاهد الليبي «عمر المختار» بتضحيته ووقاره
وإنسانيته التي قدمها الممثل العالمي «انتوني كوين» لم تؤثر عليها بأي حال
شخصية المليونير المنطلق في فيلم «أوناسيس» أو المرح السكير في فيلم «فيفا
زاباتا» اللتين قدمهما. إن كل شخصية - كما قلنا - تأخذ مكانها في الذاكرة،
وتظل منغزلة تماما عن الآخري. وفي نهاية الحديث عن الأنبياء اعترف لكم بأن
فيلم «حياة المسيح» الذي توزعه الكنيسة، شاهدته والعائلة، وأثر فينا تأثيرا
بالغا ذلك الممثل الذي جسد شخص «المسيح» برقته ودماثة إيمانه، لقد جعلنا
نقترب من المسيح الإنسان، نحب الخير والبر فيه، ونحب السماحة التي عاش بها،
وأحسب أنه لن يؤثر علي هذه الصورة أبدا أي أدوار أخري يلعبها هذا الممثل،
فقد أخذ «المسيح» مكانه في الوجدان وانتهي الأمر. ثم نتحدث عن «الصحابة» -
الممنوع ظهورهم في الأعمال الدرامية - فتقول: إنهم بشر مثل بقية البشر،
منهم الصالح ومنهم الطالح، ومنهم المؤمن والمنافق «تذكر رواية الصحابي الذي
كان يقاتل مع رسول الله، وقتل وقال عنه الرسول: «إنه في النار في بردة
غلها، أي بسبب عباءة اختلسها من الغنائم، والذين يحتجون باستثناء الصحابة
بأية «رضي الله عنهم ورضوا عنه «نقول لهم إن نفس الصيغة نزلت في الصادقين
من المسلمين (المائدة 119)، ونزلت في الذين آمنوا وعملوا الصالحات (البينة
7،8). اتجاه عاطفي ولا فرق - فيما أري بين صحابي وأي مسلم في عصرنا، فإن
الصحابي سمع القرآن من النبي «صلي الله عليه وسلم» أو من صحابي آخر،
والمسلم المعاصر يسمع القرآن من قارئ أو يقرأ في المصحف، والفيصل في طاعة
ما قرأ وسمع هذا وذاك ما جاء بالقرآن من أوامر ونواه، فمن يطع يدخل الجنة
بمشيئة الله،أكثر من ذلك أقول ما أخبرنا كتاب الله من أن من يطع الله
والرسول يصعد إلي عليا الجان فقال تعالي ومن يطع الله ورسوله فأوالئك من
الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك
رفيقا» (النساء 69) أي أن «المسلم» الطائع ليس فقط مع «الصحابة» بل مع
«الأنبياء».. فهل بعد هذه الآية يستطيع أحد أن يقول: إن الصحابة طبقة خاصة
لها امتياز وحصانة تمنع الحديث عنهم، وتجسيدهم بل حتي نقدهم؟ لكن بعض
الفقهاء يقدمون المرويات «ظنية الورود عن الرسول» علي الآيات القرآنية
(قطعية الورود عن الرسول» وقد يكون هذا الاتجاه العاطفي نابعا من العشق
الشديد لرسول الله لكن ذلك لا ينبغي أن يجعلنا نغفل عن حقائق القرآن. موقعة
الجمل بل إنك تستطيع أن تأخذ من حوادث التاريخ ما يؤيد أن الصحابة «ومنهم
المبشرون بالجنة» كانوا رجالا يصيبون ويخطئون، واختلف بعضهم مع بعض، وقاتل
بعضهم البعض، وخذ كمثال علي ذلك«واقعة الجمل» إبان الفتنة الكبري كان علي
رأس أحد الجيشين «علي بن أبي طالب» (رضي الله عنه) وهو من المبشرين بالجنة،
وعلي رأس الجيش الآخر «طلحة بن عبيد الله» و«الزبير بن العوام» وهما من
المبشرين بالجنة، وتقاتلوا وقتل «طلحة» و«الزبير» في هذه الواقعة، فكيف
يتقاتل المبشرون بالجنة بعضهم مع بعض؟ إن الخلاف حين يصل بين طرفين إلي حد
رفع السلاح فإن ذلك يدل علي فرق شاسع بينهما في المنطلقات الفكرية، فمن كان
علي الحق ومن كان علي الباطل، وكلهم مبشرون بالجنة، وكلهم من رسول الله
ملتمس؟ واقفز من عصر الصحابة إلي عصر اليوم، وإلي ما حدث من التيار
الإسلامي في ميدان التحرير يوم الجمعة 29 يوليو، وأقول: إن ما أدي إلي
تقاتل الصحابة ما كان إلا بسبب دخول السياسة في الدين لأن دين الصحابة لا
تشوبه شائبة، لكن انظر إلي خطورة السياسة، فإذا كان لها هذا الأثر علي
المسلمين الأوائل فماذا سيكون أثرها علي الأواخر، الذين شاب تدينهم الكثير
من الشوائب؟! واهتف بقول الإمام «محمد عبده» «أعوذ بالله من السياسة، ومن
لفظ السياسة، ومن معني السياسة، ومن كل حرف يلفظ من كلمة السياسة، ومن كل
خيال يخطر ببالي من السياسة، ومن كل أرض تذكر فيها السياسة، ومن كل شخص
يتكلم أو يتعلم، أويجن أو يعقل في السياسة، ومن مساس ويسوس ودسائس ومسوس»!
ولك الله يا مصر
جريدة القاهرة في
09/08/2011
منع المسلسلات..علي طريقة «بنت من
شبرا»!
بقلم : سمير الجمل
نستطيع أن نضرب مثالا لمسلسل «بنت من شبرا» المأخوذ عن رواية الأديب
الكبير فتحي غانم التي تحمل الاسم نفسه، ولعبت بطولته ليلي علوي وإخراج
جمال عبدالحميد .. جاء العمل وقتها جادا وسط طوفان من الهزل الدرامي .. ومع
ذلك قرر وزير الإعلام وقتها ممدوح البلتاجي منعه بجرة قلم .. فإذا بالانظار
والاهتمام تتجه نحو محطة «MBC» التي تصرفت بذكاء وقررت إذاعة المسلسل
وكانت ضربة موفقة وبدا قرار البلتاجي كمن تجرد من ملابسه كاملة إلا من
كرافته فقط. منطق سياسي قد يقول قائل ان الوزير تصرف بمنطق سياسي بحت لكي
يبعد عن دماغه ما يترتب علي إذاعة العمل من جدل وصداع وهو منطق ساذج ...
لأن جمهور التليفزيون المصري الذي استهدف القرار حرمانه من المسلسل لأنه
يتناول قصة حب بين مسيحية ومسلم هو نفسه الذي اتجه خلف المسلسل في المحطة
العربية ولأنه تليفزيون حكومي يري الأعمال الفنية بوجهة نظر مخابراتية إن
كانت مع النظام أو ضده ويجوز أن يتخذ الأزهر الشريف موقفا تجاه تجسيد
الصحابة الكرام ومن قبلهم الخلفاء الراشدين ويمكنه أن يعلن هذا في بيان
تحليلي يقدم الاقتناع .. لأن زمن المنع انتهي وراح.. وإذا كان سلطان الأزهر
يصل إلي قنوات الدولة .. فإن هذا السلطان لا معني له مع القنوات التي تعمل
داخل الدولة لكنها خاصة غير تابعة للحكومة.. حتي لو كانت تمتلك القمر
الصناعي الذي يتم من خلاله بث هذه المحطات وأنا شخصيا من الذين يتحفظون علي
تجسيد الخلفاء والصحابة وآل البيت، ولا أقول هذا من منطلق الحرام والحلال
.. لكن بوجهة نظر فنية بحتة حيث لا نضمن إذا فتحنا هذا الباب ألا نجد من
يفكر في تجسيد النبي محمد «صلي الله عليه وسلم» ثم يتجرأ أكثر ويدعي باسم
حرية الإبداع أنه يريد تصوير رب الكون سبحانه وتعالي حتي لو تم ذلك بأسلوب
غير مباشر. أنا أيضا من الفئة التي تعتبر هذه النوعية من الأعمال التي تجمع
بين التاريخي والديني مادة مطلوبة وضرورية جدا في عصر الصورة أو قل زمن
القراء المرتبة التي يمكن لمن يجهل الأبجدية أن يقرأها. وقد بلغت معدلات
مشاهدة مسلسل «يوسف الصديق» ذروتها وكان المتفرج يراه بمعدل خمس أو ست مرات
علي قنوات مختلفة .. وباعته الشركة المنتجة إلي أكثر من 170 محطة محققة
«بذلك ثروة مادية ومعنوية وهو العمل الذي تكلف وقتها حوالي 7 ملايين دولار
وهو رقم متواضع قياسا بمسلسلات فارغة يتم انتاجها عندنا. نعم كان هناك في
المسلسل بعض الأخطاء التاريخية والفنية لكنه تجاوزها بالمستوي الفني
البارع.. وكيفية تحريك المجاميع في المشاهد الخارجية وهي النسبة الأعلي في
المسلسل إلي جانب الأداء الهادئ الرزين. قرار المنع الذي أصدر بحق «يوسف
الصديق» في شكل فتوي - هنا وهناك كان مردوده عكسيا.. وحدث نفس الشيء مؤخرا
مع مسلسل «الحسن والحسين» ومن قبل مع «خالد بن الوليد» وهناك مسلسل عن أمير
المؤمنين «عمر بن الخطاب» ينتجه التليفزيون القطري بمباركة من كبار علماء
الدين وعلي رأسهم الشيخ القرضاوي وهو أيضا أحد الذين وافقوا علي الحسن
والحسين. تنظيمات سياسية العجيب أن التنظيمات الاسلامية عندما قررت النزول
إلي الميدان الفني مثل «الإخوان المسلمين» تركوا كل الموضوعات والسير
الإسلامية التي يمكن تقديمها في مواجهة ما يسمي بالمد الشيعي.. وصب
اهتمامها علي سيرة الإمام الشيخ حسن البنا فهل هو أعظم شأنا من الإسلام
نفسه الذي يحتاج إلي عشرات الأعمال التي تقدمه إلي العالم المعاصر بالأسلوب
الذي يفهمه ويحترمه وما أكثرها حتي لو كانت حديثة فلا يعقل أن يتم التعامل
مع الشيخ البنا مع كامل احترامنا له بهذه القداسة حتي فوق عشرات الموضوعات
التي تهم المسلم وغير المسلم في أرجاء العالم ويكفي أن يتم تقديم صورة
مقنعة عن سماحة الإسلام وكيفية تعايشه مع الديانات الأخري تحت مظلة «لكم
دينكم ولي دين» .. وبذلك يخرجون من تلك الدائرة الضيقة التي يحاصرون أنفسهم
داخلها.. وتستمر حالة الشك بينهم وبين الآخرين حتي وأن تحولوا إلي أحزاب
سياسية. منع ومصادرة المنع بهذا الشكل يخدم الأعمال ولا يقرها ويقدم لها
دعاية مجانية وقد حدث هذا مع مسلسل «السيد المسيح» وهو إنتاج إيراني تم بث
بعض حلقاته الأولي وقبل أن يتم سحبه منها.. وذلك في العام الماضي لكنه بعد
ذلك جرت إذاعته هنا وهناك وأري بدلا من التشدد في أمر المنع والمصادرة، وقد
ثبت عدم جدوي مثل هذه القرارات في ظل السموات المفتوحة والقنوات المنتشرة
علي أقمار عديدة.. أري أن تعلن المؤسسات الدينية علي اختلافها رأيها في
العمل ثم تترك حرية المشاهدة لمن يرغب .. أو تقدم هي أعمالا من وجهة
نظرها.. تواجه به ما ترفضه بالاقناع والحسني .. المسلسل بالمسلسل والكتاب
بالكتاب والحجة بالحجة وإما تقنع غيرك أو يقعنك هو.. ولا بأس هنا من أن
نقرر بأن الدراما موجودة في القرآن الكريم بأشكال متعددة منها المكتوب مثل
القصص، وفي الكتاب الكريم سورة تحمل هذا الاسم ثم نري مثلا في سورة يوسف
سيرة ذاتية كاملة تكاد تنطق بما فيها من مشاهد في شكل سيناريو بديع وحوار
بليغ.. والله سبحانه وتعالي أعلم بعباده فهل خالفهم وقد أنزل إليهم كتابه
في قالب يحبونه ويقبلون عليه وكلما تطورت حياتهم وتقدمت بهم أسباب الحياة
اكتشفوا أن القرآن الكريم يمضي معهم ان لم يكن يسبقهم لأنه الكتاب الخالد..
وسنجد ذلك أيضا في الكتاب المقدس بما يحتويه من بلاغة وقصص وتراتيل تهز
اشجار الروح.. فهل تغير قرار المنع والمصادرة بقرار فتح الباب أمام الإنتاج
الجاد والناس في لهفة وشوق لمعرفة تاريخ دينها وهي تعيش دنياها.
جريدة القاهرة في
09/08/2011 |