الفتوة
رشحت تحية كاريوكا نفسها لانتخابات نقابة الفنانين، بما لديها من رصيد
ضخم لدى زملائها الفنانين من حب وتقدير، فهي التي لم تتوان عن مد يدها إلى
أي منهم حين احتاج إلى ذلك، حصلت على أعلى الأصوات باكتساح…
لفت فوز تحية كاريوكا بمعقد نقيب الفنانين نظر الكاتب الكبير سلامة
موسى فكتب مقالاً في جريدة «الأخبار» معلقا على ذلك:
«حدث قبل أسابيع حادث لم تلتفت إلى دلالته الصحف.. ولذلك لم يتناقش
فيه القراء.. وهو أن نقابة الممثلين للمسرح والسينما والموسيقى انتخبت
الراقصة تحية كاريوكا.. وأعطتها من الأصوات ما لم تعطه لأشهر الممثلين من
الرجال، وهذه النقابة تحوي جميع الممثلين والممثلات أو بالأحرى جميع من
يعملون للمسرح والسينما سواء في الرقص أو الغناء أو الموسيقى أو التمثيل..
وكان عجباً أن تنال إحدى راقصاتنا كل هذه الثقة من طائفة تحوي أذكى العقول
وأرقى الإحساسات.. وقد طاب لي أن أتأمل وأستنتج.. ذلك أن ما يزعمه الكارهون
للشباب والغد بأن المرأة الجديدة في مصر ليست محبوبة من الشعب.. أو أن
اتجاهاتها الحاضرة لا تجد الرضا من الرجال.. إذ كيف يكون حقيقياً وهذه
راقصة تنال من الفنانين كل هذا الحب والإعجاب وتتفوق على كل الرجال؟! لماذا
تحية كاريوكا بالذات هي التي تحظى بإعجاب الممثلين وثقتهم؟
وتضاربت الإجابات.. ولكنها اتفقت على شيء واحد هو أن هذه السيدة
إنسانة قبل أن تكون فنانة.. وأنها لا تعرف معنى للجنيهات التي تكسبها من
تعبها إلا في إنفاقها على تفريج الضيق عن الزملاء والزميلات.. وكثيرا ما
تقع لهم ألوان من الضيق والكرب، ولكن هذه الإجابة لم تقنعني وأخيراً فهمت
أن تحية كاريوكا زيادة على إنسانيتها.. ترى رؤيا لمصر.. وتبصر بالمستقبل..
ومن علامات ذلك أنها دعت إلى قصر العضوية للنقابة في المستقبل على من
يجيدون قراءة النوتة.. أي اللغة الموسيقية، فإن تحية كاريوكا ترى أن في
الموسيقى المصرية أمية.. وهي لذلك تنشد للموسيقيين المصريين نوراً جديداً..
وفهماً جيداً بأن يقرأوا ويكتبوا الموسيقى بلغتها.
وفي مقاله التالي، عاد سلامة موسى ليكتب عن الموضوع نفسه قائلاً:
قرأت صباح أمس في الأخبار كلمة «إلى المحرر» للأستاذ كمال منصور،
انتقدني فيها لأني أكبرت من شأن الفوز الساحق الذي نالته الراقصة تحية
كاريوكا في انتخابات نقابة المهن المسرحية.. أي مهن التمثيل والرقص والغناء
والموسيقى.. ولكنه لم يفهم.. أو لم يرغب في فهم الدلالة التي قصدتها.. فإنه
حمل على رقص البطن.. كما سبق أن حملت أنا عليه وأوضحت سخفه.. ولكن تحية
كاريوكا لم تخترع هذا الرقص الذي يعود إلى نظام اجتماعي ورثناه جميعاً من
أيام القيان والعوالم، ودلالة ما كتبته عنها أن جمهور الفنانين المسرحيين
قد ارتفعوا إلى مستوى التمدن.. فلم يعودوا يحتقرون المرأة لمجرد أنها
امرأة.. بل صاروا ينظرون إلى كفاءتها فقط.. ويميزونها على الرجل إذا كانت
أكفأ منهم، ثانياً أن تحية كاريوكا امتازت بصفات إنسانية بارزة كانت سبباً
لتفوقها في الانتخابات».
حظيت تحية كاريوكا بتأييد مفكر كبير في حجم سلامة موسى، وأصبحت رمزاً
لتفوق المرأة وتميزها حين تدخل مجال الخدمة الاجتماعية وتقدم نفسها متطوعة
لخدمة مجتمعها.
أسبوع التسليح
على رغم فوزها بأعلى نسبة من أصوات الناخبين، إلا أن تحية تنازلت
للممثل الكبير أحمد علام واكتفت بدور الوكيل، في لفتة إيثار تميزت بها طوال
حياتها.
خرجت تحية من انتخابات نقابة الفنانين لتشارك في أسبوع «تسليح الجيش
المصري»، حين أعلن جمال عبد الناصر قراره الشهير بكسر احتكار السلاح
والتحول إلى المعسكر الشرقي لتسليح الجيش المصري.
خرج الفنانون المصريون إلى الشوارع والمحافظات ليجمعوا التبرعات، بل
ليخصصوا دخولهم من أعمالهم الفنية لهذا الهدف الوطني… وشاركت تحية في ذلك
كله. حتى إنها ضربت الرقم القياسي مع أم كلثوم في جمع أكبر قدر من التبرعات
لحساب تسليح الجيش المصري.
في رحلتها لجمع تبرعات أسبوع التسليح، التقت بالثري الشاب عبد المنعم
الذي طلب الزواج منها، ولم يترك لها فرصة للتفكير، ومن دون أن تدري وجدت
نفسها توافق على الزواج منه، ولم يمر وقت طويل على زواجهما، حتى كانت أسرة
عبد المنعم، إحدى أكبر العائلات ثراء في البلد، تجبر ابنها على تطليق تحية،
فتم الطلاق في هدوء.
قبل أن ينتهي عام 1955، فاجأ المخرج صلاح أبوسيف تحية بطلب زيارتها،
فرحبت به فوراً، وفي الموعد المحدد ذهب إليها في بيتها في الزمالك، غير أنه
لم يكن بمفرده، بل بصحبة المنتج رمسيس نجيب ومدير التصوير وحيد فريد،
وبادرها صلاح:
= شوفي يا توحة أنا والأستاذ رمسيس ووحيد فريد عملنا مع بعض شركة
إنتاج.
* ألف مبروك دا خبر جميل أوي.
= وقررنا ننتج أول فيلم وعايزنك تبقى البطلة بتاعته.
* وأنا جاهزة.
«المعلمة شفاعات»
وافقت تحية كاريوكا على القيام ببطولة فيلم «شباب امرأة» من دون أن
تعرف حجم دورها أو طبيعته، ومن دون أن تعرف أجرها، إذ أكد لها صلاح أبو سيف
ووحيد فريد أنها ستتقاضى أجراً ضئيلاً لا يتناسب واسمها ومكانتها، بل لا
يكاد يكفي ثمناً للملابس التي ستمثل بها دورها، فهي التجربة الأولى للشركاء
الثلاثة في الإنتاج، وكل منهم وضع كل ما يملك لأجلها، لدرجة أن المخرج صلاح
أبو سيف اضطر إلى بيع مصاغ زوجته وأثاث بيته، وهو ما فعله تقريباً الشريكان
الآخران، بسبب تحمسهم الشديد للقصة التي كتبها أمين يوسف غراب، التي ظل
صلاح أبو سيف والسيد بدير مع أمين يوسف غراب يعملون عليها لمدة عام تقريبا.
رشح صلاح أبو سيف فاتن حمامة للقيام بدور «سلوى» ابنة «الشرنوبي» الذي
جسد شخصيته سراج منير، وهو دور صغير بالمقارنة بدور «شفاعات» بطلة الفيلم،
فرفضت فاتن حمامة لصغر الدور والأجر، فتدخلت تحية لحل المشكلة التي وقف
أمامها صلاح أبو سيف عاجزاً:
* طب أيه رأيك في شادية؟ نفس السن وكمان صوتها رائع ممكن تستفيد به.
= يا ريت. بس أنت عارفة شادية.. دلوقت لها اسم كبير ولو رضيت بالدور
مش هاترضى بالفلوس.
* مالكش دعوة… هات التليفون دا.
تحدثت تحية مع شادية هاتفياً وعرضت عليها المشاركة في الفيلم وبنصف
أجرها تقريباً، ومن دون أن تعرف حجم الدور أو أجرها لم ترد شادية طلباً
لتحية، وهو ما لم يصدقه صلاح أبوسيف:
= تفضل بقى مشكلة شكري سرحان.
* ماله شكري؟
= مش عايز يحلق شعره.
* أنت عايزه يحلق شعره ليه؟ حتى شكري شعره جميل… دا أنا يا ست بأغير
من شعره.
= ماهو علشان كدا المفروض أن شخصية إمام بلتاجي شاب ريفي فقير وشعره
مش أسود… قصير ومصفر شوية من الشمس.
* خلاص سيب شكري عليَّ.
لم يصدق صلاح أبو سيف أن تحية وافقت على الفيلم، فلم ير غيرها يمكن أن
تجسد «شفاعات» بكل الأنوثة الطاغية، والغريزة الشرهة الجائعة، «النمرة»
التي قد تفترس من يعترض طريقها بلا رحمة.
أنهت تحية كل المشاكل المتعلقة بالفيلم، حتى جاءت المشكلة المتعلقة
بها هي شخصياً، إذ لاحظ صلاح أبو سيف أن وجهها أمام الكاميرا يبدو بشوشاً
مبتسماً في المواقف كافة، حتى وقت العصبية والضيق، فاهتدى هذه المرة إلى
حيلة من تدبيره.
اتفق مع مساعد المخرج طلبة رضوان، أنه قبل تصوير المشاهد التي تستلزم
ظهور شفاعات بحالة من الضيق والعصبية، أن يدخل إليها في حجرتها ويثير غضبها
بمشكلة مفتعلة، فتخرج إلى التصوير وهي في قمة الضيق والضجر، ويأخذ صلاح أبو
سيف الانفعال الذي يريده في المشهد، حتى جاء المشهد الذي ستصفع فيه «حسبو»
الذي يؤدي دوره الفنان عبد الوارث عسر، فحرصت تحية على ألا تقسو في صفعتها
عليه، وهو ما لا يرضي أبو سيف، ما أدى إلى إعادة المشهد 15 مرة، حتى اضطر
عبد الوارث عسر إلى أن يطلب منها ضربه بعنف إلى أن ينتهي المشهد:
= يا بنتي اضربي بقى وخلصيني.
نفذت تحية المشهد كما يريده المخرج، حتى لو على حساب أسنان الفنان عبد
الوارث، فالاتقان والإخلاص كان سر نجاحها وتألقها في كل ما قدمته من أعمال
سينمائية، حتى لو كان دورها مجرد راقصة في فيلم، وبلغت قمة مجدها السينمائي
في دور المعلمة «شفاعات» رمز الأنوثة الطاغية، في فيلم «شباب امرأة» رائعة
المخرج صلاح أبو سيف، مع شكري سرحان وشادية وعبدالوارث عسر، واستحقت عنه
جائزة أحسن ممثلة في مهرجان برلين السينمائي الدولي.
حقق الفيلم نجاحاً غير متوقع، في الداخل والخارج، واحتفى النقاد بتحية
كاريوكا كما لم يحتفوا بفنانة سابقاً، وأعلن عن مولد مخرج يشار له بالبنان،
وضعه النقاد في مصاف كبار المخرجين، ومولد فنانة من طراز رفيع، تباري أكبر
فنانات العالم في أدائهن، إن لم تتفوق عليهن، ما جعل تحية توقن من إنها
أصبحت اليوم ممثلة، وبهذا الفيلم تستحق أن تكون ممثلة، لذا فقد اتخذت
قراراً صعباً على نفسها، عارضها فيه كل الأصدقاء والفنانين المقربين منها،
وإن رحبت به والدتها ترحيباً كبيراً.
القرار الصعب
قررت تحية كاريوكا اعتزال الرقص نهائياً وبشكل قاطع، اعتزلت الرقص بعد
ممارستها له أكثر من ربع قرن، اعتزلت الرقص بعد أن بلغت عامها الحادي
والأربعين من عمرها، اعتزلته حتى في السينما، وإن لم تمانع من أداء رقصة
بشكل عابر إذا تطلب دور ما ذلك، لكن ليس باعتبارها راقصة.
جاء القرار صادماً لكثيرين من العاملين في الوسط الفني وأصحاب الملاهي
والفنادق، وإن رحبت به الكثيرات من الراقصات اللاتي يخطون خطواتهن الأولى
في عالم الرقص الشرقي، مثل زينات علوي، نجوى فؤاد، نعمة مختار، وغيرهن،
فيما تربعت على القمة منفردة الراقصة سامية جمال التي عادت من أميركا بعد
طلاقها من زوجها الأميركي.
أكدت تحية جدارتها كممثلة من خلال فيلم «شباب امرأة»، ثم راحت تثبت
للجميع أن هذا النجاح لم يكن مصادفة، من خلال الدور الذي كتبه لها خصيصاً
في فيلم بعنوان «سمارة» وقدمته أيضا كممثلة فحسب، وقفز بعده اسمها على قمة
نجمات الصف الأول.
جاء نجاح فيلم «شباب امرأة» على المستويين، النقدي والجماهيري، مشجعاً
لمخرجه صلاح أبو سيف ليشارك به في مهرجان «كان السينمائي الدولي»، بعدما
أقنعه أغلب النقاد بضرورة مشاركته في الفيلم، خصوصاً أن الفرصة كبيرة لفوزه
بجائزة.
سافر صلاح أبو سيف ليشارك في مهرجان «كان» في باريس، لتشارك فيه مصر
بعد غياب كبير عنه، واصطحب معه تحية كاريوكا وشكري سرحان وشادية والسيد
بدير.
درس في العروبة
منذ إن وطأت قدما تحية أرض المهرجان حتى شعرت، ومعها بقية الوفد
المصري، بالفرق في المعاملة من القيمين على الترتيبات، فالوفد الإسرائيلي
كان يحظى بكل اهتمام ورعاية من وسائل الإعلام ومنظمي المهرجان، بينما كانوا
ينظرون إلى الوفد المصري على أنه من الدرجة الثالثة!
فكرت تحية كاريوكا في هذا المأزق، وبذكاء «بنت البلد» المصرية هداها
تفكيرها إلى فكرة مجنونة، إذ قامت إلى غرفتها في الفندق وخلعت ملابسها
الباريسية لترتدي «الملاية اللف» التي تميز بنت البلد المصرية، والتي كانت
قد ظهرت بها في الفيلم الذي يعرض لها في المهرجان «شباب امرأة»، وكانت قد
أحضرتها معها لتلبسها أثناء عرض الفيلم ليسهل التعرف إليها بين النقاد
والصحافيين.
ما إن ظهرت تحية على حضور المهرجان بهذه الملابس، حتى جن جنون الجميع،
فالتفت إليها كبار النجوم العالميين والنقاد والمخرجون، وبسرعة خاطفة جرى
الصحافيون والمصورون إلى هذه النجمة المصرية، التي تقدم صيحة جديدة بأكبر
مهرجانات العالم، والتف الجميع حولها وحاصروها بكاميراتهم متناسين المشاهير
من نجمات السينما العالمية، ما ترك في نفوسهن غيرة وحقداً على هذه الفنانة
العربية التي سرقت الأضواء منهن.
دعت إدارة مهرجان «كان» الوفد المصري إلى حفلة غداء كباقي الوفود
الأجنبية المشاركة، وأثناء الحفل تعمدت الممثلة الأميركية سوزان هيوارد أن
تجلس على طاولة قريبة من تحية كاريوكا، وأثناء الطعام فتحت من دون مناسبة
موضوع الصراع العربي – الإسرائيلي، وكيف أن إسرائيل نموذج يثير الإعجاب وسط
مجتمع من «الوحوش والحيوانات» وهو ما قصدت به وصف العرب، وهنا ثارت كاريوكا
وتذكرت أنها المعلمة «شفاعات» اسمها في فيلم «شباب امرأة» وأسمعتها وصلة
«الشتائم» والهجوم عليها وعلى أميركا وإسرائيل، والصهيونية العالمية التي
تنتمي إليها، فقام مدير أعمال سوزان هيوارد بسحبها من المكان كي لا يعرضها
للافتراس بأسنان وأظفار هذه السيدة التي كانت تبدو منذ لحظات وكأنها قد
خرجت لتوها من أحد الصالونات الباريسية الشهيرة… فإذا بها كالوحش الجائع
يبحث عن فريسة!
اشتد غضب النجم الأميركي داني كاي، فاقترب ليرد الإهانة التي لحقت
بزميلته، فعاجلته تحية بصفعة على وجهه… فشلت المفاجأة حركته، وتراجع إلى
الخلف، وانسحب من أمامها مسرعاً قبل أن ينال منها ما هو أكثر!
في الوقت نفسه، لقي الوفد الألماني معاملة سيئة بسبب موقف فرنسا من
ألمانيا النازية، ما جعله يقرر الانسحاب من المهرجان احتجاجا على سوء
المعاملة، ففكرت تحية كاريوكا في الانسحاب هي وبقية أعضاء الوفد المصري
تضامناً مع الوفد الألماني، لكن رئيس البعثة المصرية يحيى حقي رفض الفكرة
وقرر الاستمرار في حضور المهرجان حتى نهايته.
كان على تحية كاريوكا أن تدفع ثمن إهانتها للنجمة الأميركية الصهيونية
سوزان هيوارد، خصوصاً أن رئيس لجنة التحكيم في المهرجان اليهودي الفرنسي
موريس لحمان، مدير الأوبرا في باريس، فجاءت النتائج على عكس ما توقع
الجميع، ولم تفز تحية أو فيلمها بأية جائزة، على رغم ترشيح الكثير من
النقاد العالميين له للفوز بإحدى الجوائز.
الممثلة الأولى
ما إن عادت تحية من باريس حتى وجدت ما حدث في «كان» على صفحات الصحف
والمجلات المصرية، تنشره بعناوين بارزة عن بطولة تحية كاريوكا «وجدعنتها»
في مواجهة نجوم السينما الأميركية ذوي الميول الصهيونية الذين تهكموا على
مصر والعرب ووصفوهم بالوحشية والحيوانات فنالوا ما يستحقون:
«تحية كاريوكا تلقن نجوم ونجمات هوليوود درساً قاسياً في الأدب… قبل
الفن».
قرأ يحيى حقي، رئيس مصلحة الفنون، الصحف المصرية، ويبدو أنه خاف من
المؤاخذة لرفضه فكرة تحية كاريوكا بالانسحاب من المهرجان احتجاجاً مثلما
فعل الوفد الألماني، فراح ينكر الواقعة برمتها، بل راح يرد على هذه الصحف
متهماً تحية بالكذب والمبالغة واتهامها بـ «تضليل الرأي العام المصري»
فثارت عليه واتهمته بأنه هو الذي يعمل على تضليل الرأي العام، واستشهدت على
صدق روايتها بالصحافي جاك باسكال الذي كان ضمن أعضاء الوفد المصري في
«كان»، إذ إنه حضر واقعة الاشتباك بينها وسوزان هيوارد… والأكثر من ذلك أن
تحية تقدمت ببلاغ إلى النائب العام المصري، طالبت فيه بالتحقيق معها في
التهمة التي وجهها إليها الأستاذ يحيى حقي وهي تضليل الرأي العام المصري،
لأنها لو صحَّت لاستوجبت ازدراء الناس واحتقارهم لها!
بلغ الأمر إلى الرئيس جمال عبد الناصر، وعلم بموقف تحية من النجمة
الأميركية وردها على الاتهامات الصهيونية والأميركية، وكيف واجهتهم بشجاعة
نادرة. وكيف اعتدت بنفسها وبعروبتها. وأنه مقابل ذلك كان عليها أن تدفع ثمن
شجاعتها، وحرمانها من جائزة التمثيل في المهرجان، فقرر التعويض عليها.
فوراً قرر الرئيس جمال عبد الناصر منح تحية كاريوكا جائزة الدولة عن
دورها في فيلم «شباب امرأة»، تقديراً لبطولتها وموقفها الصلب في مواجهة
خصوم بلادها وعدم سكوتها على إهانة وطنها على رغم أنها علمت أن ذلك سيكلفها
الكثير، إلا أنها أصرت على رد الإهانة عن وطنها وشعبها مهما كلفها ذلك،
إضافة إلى أنها تستحق الجائزة، وأكبر منها كفنانة قديرة عن الدور الذي
قدمته في فيلم «شباب امرأة».
لم تقتنع تحية كاريوكا بما فعلته رداً على عجرفة سوزان هيوارد
وصفاقتها، فأعلنت عن إنشاء جمعية برئاستها لمقاطعة الأفلام والنجوم من ذوي
الميول الصهيونية أمثال سوزان هيوارد، داني كاي، مارلون براندو، وكيم نوفاك
وغيرهم… ودعت الشباب إلى عضوية جمعيتها الجديدة، وكانت المفاجأة حضور مئات
من شباب الجامعات من الجنسين، معلنين تأييدهم للفكرة والدعوة إليها في
أوساط الجامعات والمنتديات المصرية، لتلقى الفكرة ترحيباً في جميع الأوساط
الإعلامية والثقافية… وكتبت الصحف الصهيونية عن تحية كاريوكا متهمة إياها
بالعداء للسامية والعنصرية… إلى آخر تلك الاتهامات التي يقذفون بها كل
مدافع عن الحق العربي في مواجهة الصهيونية والصهاينة.
لم تخف الصهيونية العالمية، ولا الدول الاستعمارية، إنكلترا وفرنسا
وأميركا، موقفها العدائي من مصر، وذكرت ذلك بوضوح، فما إن أعلن جمال عبد
الناصر عن تأميم قناة السويس، حتى شنت هذه الدول الاستعمارية عدواناً
ثلاثياً على مصر في أكتوبر 1956.
(البقية في الحلقة المقبلة)
الجريدة الكويتية في
13/08/2012 |