|
الصبر في الملاحات
على بعد خطوات من الضفة الغربية لقناة السويس، في قلب المدينة الحديثة
الإسماعيلية مركز القيادة الإنكليزية في الشرق كله، ووسط حالة من الغليان
تعم الشارع المصري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، بسبب هيمنة
الاستعمار الإنكليزي على مقدرات البلد، وضعت فاطمة الزهراء مولودها الأول
من محمد علي كريم النيداني في 22 فبراير عام 1915، في حين كان زوجها كعادته
في إحدى رحلاته التجارية خارج مصر.
لم يخب إحساس فاطمة الزهراء وأنجبت أنثى، أطلقت عليها الاسم الذي
اتفقت عليه مع والدها بدوية.
جاءت بدوية إلى الدنيا ولم تتوقف عن البكاء، كأنما ولدت ثائرة… ثائرة
على اغتصاب وطنها واحتلاله بالقوة، متمردة على كل ما حولها، فلم تكد تمر
ثلاث سنوات على مولدها، حتى اندلعت ثورة الشعب المصري في كل مكان، بعد
القبض على الزعيم سعد زغلول، لترفع مصر كلها شعار «الاستقلال التام… أو
الموت الزؤام» ويردده المصريون كلهم، ليكون أول ما يصل إلى سمع بدوية.
على رغم حالة الثراء الواضحة التي يعيش فيها محمد علي كريم، إلا أن
ذلك لم ينعكس مباشرة على بدوية ووالدتها (الزوجة السابعة)، فقد عاد من سفره
وعرف بوصول بدوية، لكنه لم يبد فرحاً أو لهفة لرؤيتها، بل جاءت مشاعره
محايدة، لم يسعد ولم يحزن، حتى إنه لم يقبلها لدى رؤيته لها، واكتفى بنظرة
عابرة ثم التفت إلى والدتها:
* معلش أنا مش هقدر أقعد هنا اليومين دول لحد ما تشدي حيلك وتقومي
بالسلامة.
= أنا كنت فاكره أنك هتبقى فرحان ببنتك وملهوف عليها… وأول ما ترجع من
السفر هتقعد جنبها مش هتسيبها.
* ماخلاص اطمنت عليكم… ولا انت عايزاني أسيب شغلي ومصالحي واقعد
جنبكم؟!
= أنا ما قلتش كدا يا سي محمد بس أقله تخليك جنبنا شويه… ولا احنا
مالناش فيك زيهم؟
* أنا ما بحبش كلام الحريم دا… وبعدين انت مش ناقصك حاجة لا انت ولا
بنتك
= ناقصنا تكون جنبنا اليومين دول.
سرعان ما أصبحت فاطمة الزهراء أحدث زوجات محمد علي «قديمة»، يتعامل
معها كمجرد زوجة بين أربع زوجات في ذمته، ليعود بعدها إلى سيرته الأولى مع
النساء، وتعيش فاطمة وابنتها بدوية حياة تعسة ذاقتا فيها مرارة العيش. لم
يمض وقت طويل حتى بدأت المكايد والمضايقات للزوجة الأخيرة وابنتها، فيما لم
يدافع الأب عنهما، وزاد من صعوبة الأمر أنه رحل فجأة عن الدنيا، لتشعر
بدوية باليتم مبكرا ولم تكن قد بلغت عامها الخامس.
يُتم مبكر
رعت فاطمة الزهراء ابنتها، وحرصت على أن تلحقها بالمدرسة لتنال حقها
من التعليم الذي قد يعوضها عن غياب الأب واليتم المبكر، غير أنها لم تستطع
أن تستمر طويلاً وسط عائلة لا ترحب بها. وأمام إلحاح أسرتها بضرورة الزواج
مجدداً، خصوصاً أنها لا تزال في ريعان الشباب، استجابت فاطمة الزهراء وقررت
الزواج، لتفاجأ برد فعل عائلة زوجها بحرمانها من ابنتها!
أصبحت بدوية يتيمة الأب والأم، في ظل حياة الأم، لتتكفلها جدتها
لوالدها، إلى جانب أختها مريم من والدها لزوجة أخرى، غير أن الجدة رأت في
الصغيرة بدوية عوضاً عن فقد ابنها، خصوصاً أنها، على حد زعم جدتها، أقرب
أخوتها شبهاً بوالدها الراحل.
أظهرت جدة بدوية عطفاً وحناناً لحفيدتها اليتيمة وراحت ترعاها وتتابع
دراستها، وأرسلت مريم إلى شقيقها مرسي لتعيش مع أولاده، فيما امتنع أخوتها
غير الأشقاء عن منحها شيئاً من ميراث والدها، مشددين على أن ميراثها موجود
إلى حين بلوغها سن الرشد. لكن الجدة ألحت على منح الصغيرة جزءاً من ميراثها
يكفل لها حياة كريمة في هذه المرحلة من عمرها، حيث بلغت الثالثة عشرة وبدأت
تظهر عليها علامات الأنوثة، فقرر شقيقها الأكبر أحمد أن تنتقل إلى العيش
معه ليتكفل بمعيشتها باعتباره وصياً عليها، في حين ظلت مريم لدى مرسي.
فوافقت الجدة على هذا الاقتراح ظناً منها أن أخوتهما سيعوضانهما عن فقد
الأب وغياب حنان الأم.
ورث أحمد محمد علي كريم كل شيء الأب، الثروة والتجارة، والأهم قسوة
القلب وحبه للنساء وكثرة الزيجات. حتى إنه سار على دربه في زواجه من غير
المصريات.
ثمن الرقص
تحملت بدوية ظلم شقيقها لها على أمل أن يأتي اليوم الذي تصل فيه إلى
سن الزواج، وتخرج من بيت أخيها إلى بيت زوجها، حتى ولو كان رجلاً يكبرها
مسناً مثلما أرادوا أن يفعلوا بشقيقتها مريم، فهو في الحالات كافة سيكون
أهون حالاً من الجحيم الذي تعيش فيه، بين الأخ وزوجته التي لم يكن لها مهمة
سوى الاعتناء بنفسها وزينتها، والسهر ومشاهدة حفلات الفرق الراقصة التي
تأتي من القاهرة إلى «الحي الأفرنجي» أو أحد النوادي التي يقيمها الأجانب
في الإسماعيلية، فيما مُنعت بدوية من حضور مثل هذه الحفلات أو الأفراح.
جاء موعد زفاف ابنة أحد جيرانهم، وعرفت بدوية بأمر الحفلة الكبيرة
التي ستقام بهذه المناسبة، خصوصاً أن أسرة العروس استقدمت فرقة للرقص
والغناء من القاهرة.
ألحت بدوية على أخيها لحضور الفرح غير أنه رفض، بل ومنعها من أن تنظر
حتى ولو من الشرفة، مع التشديد على زوجته أن تراعي ذلك.
راحت بدوية تستعطف زوجة أخيها كي تحصل من أحمد على موافقة بحضورها
الفرح:
* نفسي أحضر الفرح يا مرات أخويا… ربنا يخليك أروح معاك.
= أنا مش عايزه مشاكل مع أخوك. أحمد صعب وراسه ناشف… لما يقول لا يبقى
لا.
* بس هو بيسمع كلامك وممكن يوافق لو قلت له.
= مش ممكن يا بدوية. أنا هاروح بس علشان الجيران وأجي على طول.
* أصل العروسة «كاتينا» صاحبتي هي صحيح أكبر مني بشوية بس صاحبتي وكنت
باشوفها على طول.
= بتشوفيها! بتشوفيها فين؟ انت بتخرجي من ورانا؟
* لا لا يا مرات أخويا… كنت بشوفها من التراسينا بس وهي رايحة وجايه.
خللي أخويا يوافق وأنا هاكون تحت أمرك في أي حاجة تطلبيها مني.
أمام إلحاح بدوية رق حال زوجة أخيها لها، واستطاعت فعلاً أن تنتزع منه
موافقة على حضور بدوية الفرح بعد تنبيهات عدة:
ـ ماتقعدش أكتر من نص ساعة.
= حاضر.
ـ وتقعد مع الحريم… مفيش حد يشوفها.
= حاضر.
ـ وماتشفش الرقص والمسخرة والكلام الفاضي دا.
= هو الرقص كلام فاضي يا سي أحمد؟
ـ هاتسمعي اللي بقول عليه ولا أحلف ماهي رايحه.
= لا خلاص حاضر حاضر.
حضرت بدوية الفرح، فيما حرصت زوجة أخيها على أن تلتزم بتنبيهات أحمد،
غير أن بدوية ألحت أن تلقي نظرة واحدة فقط على المغنين الذين حضروا لإحياء
الليلة، واضطرت زوجة أخيها إلى الموافقة على طلبها بعد الإلحاح أمام
صديقاتها.
وقفت بدوية مشدوهة أمام ما تراه، عالم آخر ربما سمعت عنه من بعض
زميلاتها، أو ترامى إلى سمعها بعض من حكاياته على ألسنة بعض الجيران، أو
حتى من حكايات زوجة أخيها عندما تحكي عن الحفلات التي تحضرها، غير أنها لم
تكن تتصور أن يكون بهذا السحر والإبهار.
الأضواء كانت تتلألأ، تخطف الأبصار، بحر من النور، وملابس «العوالم»
من الراقصات بألوانها الزاهية، فيما يجلس في الصدارة «تخت الصييته» تتقدمهم
«المغنية» سيدة ممتلئة القوام، الجميع كان يطلب ودها، ولا تلقي بالاً لأي
منهم، تغني فتسمع الآهات تصل عنان السماء.
لفتت نظر بدوية الراقصات اللاتي يتمايلن كأنهن يعانين ألماً في
بطونهن، لم يعجبها رقصهن على رغم أنهن المحترفات اللاتي جئن من مصر، وتلقى
الجنيهات تحت أقدامهن من الحضور كأنهن ملكات متوجات، فراحت بدوية تهمس
لنفسها:
* هم دول بقى العوالم اللي بيقولوا عليهم؟ والناس هتتجنن بيهم وبيرموا
كل الفلوس دي تحت رجليهم. أمال لو كانوا بيرقصوا حلو كانوا عملوا لهم إيه؟
ولا لو شافوا رقصى كانوا عملوا إيه؟
من مكانها الذي تقف فيه، حيث زاويتها الضيقة راحت بدوية تحاول الرقص
بهدوء ومن دون أن تهز جسدها كي لا يلاحظ أحد من الحضور ما تفعله. انتظمت
حركتها مع نغمات الموسيقى، وإن كانت لم تتحرك فالمكان حيث تقف وتتحرك لم
يزد على متر مربع. لم تلفت بدوية أنظار إلا اثنين، أحد أصدقاء أخيها أحمد
الذي سأل عنها وعرف أنها ابنة محمد علي النيداني، شقيقة أحمد محمد علي
النيداني.
أما الشخصية الثانية التي لفتت نظر بدوية فهي المغنية التي ما إن
شاهدت بدوية تتراقص على أنغام الموسيقى، بل وتؤدي أفضل عشرات المرات من
المحترفات، حتى أشارت إليها بيدها فلم تستجب بدوية. كررت الإشارة إليها،
فنظرت بدوية وأرادت أن تتأكد من أنها تقصدها، وذهبت إليها على استحياء،
واتخذت ساتراً خلف المسرح كي لا يراها أحد:
* أنا… أنا؟
= أيوا انت تعالي. انت خايفه ليه وواقفه كدا مداريه.
* علشان لو حد شافني وأنا بكلمك وقال لأخويا يدبحني.
= متخافيش. انت اسمك إيه.
* بدوية محمد علي كريم النيداني.
= اخت مرسي وأحمد.
* أيوا. انت تعرفيهم؟
= أيوا أعرفهم. وانت بتعملي إيه يا بدوية؟
* ما بعملش حاجة… بتفرج.
= لا أنا قصدي بتشتغلي يعني؟
* لا…
= واتعلمتي الرقص فين؟
* أنا ما تعلمتش حاجة. أنا مارقصتش… أخويا يدبحني.
= ما تخفيش ما تخفيش. أنا قصدي إنك بترقصي حلو أوي… أحسن من الراقصات
الي في الفرقة معايا.
* أنا ما عرفش. أنا كنت بهز نفسي كدا بس وأنا بتفرج.
= طب يا بدوية. لو عوزتي حاجة أو نزلتي مصر ابقي تعالي. فوتي عليا…
العنوان أهه… في شارع عماد الدين. اسألي بس عن سعاد محاسن وألف مين يدلك.
الهروب
قبل أن تعود بدوية وزوجة أخيها إلى البيت كان أخوها أحمد قد وصل إليه
من صديقه خبر رقصها، فدخل البيت هائجاً لا يرى أمامه، يبحث عنها وما إن
وجدها أمامه حتى أوسعها ضرباً، وبينما راح يحمي سيخاً من الحديد لكيها به
غافلته وهربت من المنزل، واتجهت إلى بيت شقيقها مرسي.
لم يرحب مرسي بها ونهرها بسبب ترك بيت أخيها من دون علمه، وطلب منها
مغادرة بيته والعودة إلى بيت أحمد، لولا إلحاح نجله عثمان الذي يكبرها في
السن، في أن يترك عمته لتمضي الليلة معهم. لكن قبل مرور ساعة، كان أحمد قد
توصل إليها واستطاع أن يعيدها إلى قبضته، وسط صراخ وتوسلات بدوية وعثمان
ابن شقيقه، لكن شيئاً لم يفلح في إثنائه عن أخذها بالقوة.
لم يكتف أخوها بضربها وكيها بالنار، بل قص شعرها الذي تتباهى به،
لتصبح شبيهة بالذكور، الأمر الذي أحزنها بشكل كبير. لو أنه قتلها لكان أهون
عندها من أن ينزع من فوق رأسها تاج الأنوثة، ثم قيدها بجنزير من الحديد في
وتد في سطح منزله، مع التنبيه بحرمانها من الطعام والشراب كي لا تضطر إلى
قضاء حاجتها، على أن تبقى على هذا الوضع ثلاثة أيام عقابا لها.
علم عثمان بأمر ما فعله عمه أحمد بعمته بدوية، فقرر أن ينقذها من هذا
العذاب. تسلل إلى سطح منزل عمه ليلاً، بعدما نام أهل البيت، وصعد وفك
قيدها، وأحضر لها معه بعض الطعام والماء:
= يلا يا عمتي بسرعة مفيش وقت أحسن لو عمي حس هيربطني جنبك هنا
* أنا بحبك أوي يا عثمان… انت حنين أوي.
= وأنا حبيتك يا عمتي. حسيت انك مظلومة وغلبانه أوي.
* بس مش عارفه أروح فين دلوقتي. لو رحت عندكم أخويا هييجي ياخدني
تاني.
= اسمعي. ما تروحي عند أمك في المطرية.
* أخويا قاللي إنها اتجوزت. ولو رحت عندها جوزها هيضربني ويطردني.
= ولا هيضربك ولا حاجة… خدي دول قرشين صاغ كل اللي معايا ممكن يوصلوكي
لحد هناك. تنزلي دلوقتي ومن هنا على هناك على طول.
في الطريق، راحت بدوية تتخيل ما قد يفعله بها أخوها حتى لو كانت بين
أحضان أمها، فقد سبق وشاهدت وهي صغيرة، مدى خوف أمها نفسها من أخيها أحمد،
فلن تكون آمنة عند أمها، ولا عند أي من أخوتها الموجودين في الإسماعيلية،
فأين تذهب إذن؟
راجعت الكلام الذي سمعته من المغنية سعاد محاسن، لكن أين هي؟ وماذا
سأفعل عندها؟
ليس مهماً الآن أن تجد إجابة واضحة ومحددة لكل هذه الأسئلة، المهم أن
تنجو بنفسها من الجحيم. لكن كيف تصل إليها؟
* أيوه افتكرت… هي قالت أروح شارع اسمه «علاء الدين» في مصر. أيوه هو
كدا… شارع «علاء الدين» وهناك ألف مين يدلني.
البقية في الحلقة المقبلة
رقص بالإجبار
انتقلت «بدوية» إلى بيت شقيقها، حيث أحدث زوجاته التي كانت تحمل
الجنسية المالطية. كانت صاحبة مزاج حاد وأخلاق جافة، فأصبحت بدوية في هذا
البيت «خادمة» لها، تهتم بالنظافة والغسيل وإعداد الطعام.
لم يخفف عنها معاناتها سوى بعض الأوقات التي كان يتغيب فيها شقيقها عن
البيت، فتستغل زوجته ذلك بسماع الموسيقى وتطلب من بدوية أن تهز جسدها على
أنغام الموسيقى لترقص!
ظلت بدوية تقاوم ما تطلبه منها زوجة شقيقها إلى أن تصادف وجودهما في
إحدى المرات في حجرة النوم، والتفتت بدوية بجسدها لترى نفسها للمرة الأولى
وهي ترقص أمام المرآة… لفتت نظرها حركاتها البسيطة الهادئة التي هي أقرب
إلى المحترفات حيث رأت بعضهن في أفراح الجيران. هكذا تحول إكراهها على
الرقص إلى رغبة تفعلها برضا، بل راحت تفعل ذلك بعيداً عن زوجة الأخ، لدرجة
أن الأخيرة استغلت وقوع بدوية في عشق الرقص، واتخذت منه نقطة ضعف تهددها
بها عند أخيها إذا لم تستجب لكل ما تطلبه منها، وتنجز الأعمال المنزلية.
على رغم ذلك، لم تسلم أكثر من مرة من الضرب المبرح بسبب حب الرقص، بل إن
العقاب الأهم والأشد هو قرار أخيها أحمد بخروجها من المدرسة للتفرغ لخدمة
زوجته وإنجاز كل طلباتها!
* بس أنا كنت عاوزه أكمل علامي يا أخويا.
= احنا ماعندناش بنات للعلام… كفياك مسخرة وكلام فاضي. عايزه تروحي
المدرسة علشان البنات تعلمك الرقص والمسخرة.
* المدرسة ما فيهاش رقص. أنا بتعلم هناك. دا أنا بقيت شاطره أوي وبعرف
اتكلم فرنساوي كمان.
= مافيش كلام من دا. لو خرجت من باب البيت هاشق بطنك بسكينة. وشعرك
اللي انت مسيباه ده وفرحانه بيه لميه بدل ما أقصه لك وأخليك عبره.
تحولت «بدوية» في بيت أخيها أحمد إلى خادمة، بعدما أجبرها على ترك
الدراسة والتفرغ لأعمال بيته وخدمة زوجته، على رغم أن حاله ميسورة وقد تصل
إلى حد الثراء، وباستطاعته أن يستعين بخادمة أو اثنتين في بيتي زوجتيه.
لكنه مارس على اخته القهر والإذلال انتقاماً منها، لأن والدتها، الزوجة
الأخيرة لوالده تصغره في السن، ما جعله يظن هو وشقيقاه مرسي وعلي وبقية
أفراد الأسرة، أنها تزوجت أباه طمعاً في الثروة والميراث!
لم يكن يمر يوم أو يومان من دون أن تنال «بدوية» عقاباً غير مستحق من
أخيها ولأتفه الأسباب، وأحياناً كثيرة بلا سبب، تارة بالضرب، وطوراً بالكي،
فربما لو أنه استعان بالفعل بخادمة في بيته لأحسن معاملتها عما يفعله مع
أخته التي تصغره بما يقرب من خمسة وثلاثين عاماً، فلديه من الأولاد من
يكبرونها، ومع ذلك لم يرق قلبه لها، أو حتى قلب أي من أخوتها الآخرين. ذلك
كله كان يعذب شقيقتها مريم التي كانت تشعر بها وتحبها، فضلاً عما تعانيه هي
أيضاًَ من عذاب لأنها تعيش نفس مرارة الظلم من أخوتها، وإن كانت تعاني
ظلماً من نوع آخر: إرغامها على الزواج من رجل مسن.
الجريدة الكويتية في
21/07/2012 |
