الشاطر حسن
في نهاية عام 1930، فوجئ نجيب الريحاني بصحافي لبناني يدعى ناجي صبيح،
سبق أن تعرف إليه في رحلته إلى الشام، جاء يطلب العمل معه، فألحقه بالفرقة
في وظيفة وكيل للإدارة، غير أن ناجي لم يستمر طويلاً وعاد من حيث أتى، وما
كاد يستقر في الشام حتى وصلت منه رسالة إلى الريحاني يطالبه بالحضور فوراً
مع أفراد الفرقة، في رحلة إلى سورية ولبنان.
صادف عرض ناجي صبيح للريحاني وجود التاجر الفلسطيني خضر النحاس في
مسرح الريحاني، فعرض عليه أن يتعهد بهذه الرحلة ويمولها، وبادر فوراً
بإعطائه مبلغ مئتي جنيه كدفعة أولى تحت الحساب.
قام الريحاني بالرحلة، غير أنه لم يجن منها سوى المكسب الأدبي ليعود
منها مديناً لخضر النحاس بالمئتي جنيه «العربون»!
عاد نجيب من رحلة الشام وبدأ يستعد لموسم 1931، وبينما يفكر مع بديع
خيري في عرض مسرحي يقدمانه في بداية الموسم، دخل عليه استيفان روستي ومعه
رجل يبدو من شكله أنه غير عربي:
* استيفان. عاش من شافك… انت فين يا وله؟
= في الدنيا يا عزيزي. انت اللي كنت فين بقالي شهر بستناك؟
* كنت في الشام. بس إيه يا بني… رحلة كلها مكاسب… مكاسب أدبية فقط لا
غير. رحنا مجبورين ورجعنا مديونين. بس ولا يهمك إحنا بنحضر رواية جديدة
وغايته أسبوعين ونبدأ وأنت معانا.
= دا كلام كويس. بس مش هو دا اللي أنا جايلك علشانه. صحيح نسيت أعرفكم
ببعض… المصور الإيطالي «كياريني» ودا طبعاً الممثل المصري الكبير الأستاذ
نجيب الريحاني.
ـ أهلاً وسهلاً.
* أهلا يا خواجة… تشربوا
إيه؟
= سيبك من الشرب والأكل. إحنا جايين وجايبين لك مشروع كبير وعايزينك
معانا فيه.
* شوف أنا لسه راجع من الشام وماعنديش استعداد أسافر تاني دلوقت.
= لا سفر إيه. أنا جاي أعرض عليك تشتغل في السيما.
* إيه؟ سيما! يا وقعتك اللي زي بعضها يا استيفان. سيما مرة واحدة.
= أقل منها؟
* مش حكاية أقل ولا أكتر… بس دي مش لعبتنا.
ـ أستاذ نجيب صحيح السينما فن جديد لكن أنت كمان فنان كبير.
* أيوه يا سي «كاريني» أنا فنان مسرح… اتولدت وعشت وهموت ع المسرح
= وما فيهاش حاجة لما تجرب السيما.
ـ أستاذ نجيب أنا معلوماتي عنك إنك فنان متطور. ما بتقفش عند مرحلة
معينة ودايما بتحاول تطور نفسك… وأنا بقولك صدقني السينما هي اللي جاية.
* ما قولناش حاجة… بس أنا كمان مرتبط بفرقة وروايات وموسم هيبدأ.
= الفيلم مش هيعطلك. عشر أيام أو أسبوعين بالكتير وهنخلص… وأنا المخرج
وكاريني هو المصور.
* بس… يبقى ضمنا نضرب بالصُرم… لا مؤاخذة يا سي كاريني.
كلما أبدى نجيب عذراً، زاد إصرار استيفان وكاريني، حتى قبل أخيراً
واتفقوا على إخراج فيلم «صاحب السعادة كشكش بك».
بعد تجربته السينمائية الأولى، عاد الريحاني إلى بيته الأول المسرح،
وبدأ التحضير لافتتاح موسم 1931 برواية عمل عليها هو وبديع خيري باسم «أموت
في كده»، وكالعادة تمّ تأليف الفصل الثالث فوق خشبة المسرح أثناء التدريبات
يوم العرض، ولأن الوقت كان ضيقاً، طلب الريحاني من اللجنة المخصصة لمشاهدة
المسرحيات قبل عرضها على الجمهور (الرقابة) الحضور لمشاهدة المسرحية صباح
ليلة العرض.
حضرت اللجنة برئاسة إسماعيل بك شرين، مدير إدارة المطبوعات، وكان أحد
أشد المعجبين بفرقة الريحاني وبجهوده في خدمة فن التمثيل، وجلست اللجنة في
انتظار العرض، وبدأ تقديم الفصل الأول ثم الثاني بنجاح، ونالا كل إعجاب
وتقدير من اللجنة، وبينما هم في الاستراحة في انتظار للفصل الثالث، وقف
نجيب مع بديع حائرين، فقد أبت الأفكار أن تأتي ليكتمل الفصل الثالث، وحتى
لو أتت لم يتدرب عليها الممثلون!
تفتق ذهن الريحاني عن حيلة اتفق عليها مع الممثل حسين إبراهيم، فربما
أفلحت وأنقذت سمعتهم أمام اللجنة، وراح حسين إبراهيم ينفذها، فما إن رفع
الستار عن الفصل الثالث، وما كاد ينطق جملة واحدة حتى سقط مغشياً عليه،
وتقدم أعضاء الفرقة لإسعافه، بل الأهم أن أعضاء اللجنة جميعاً هموا لمشاركة
الفرقة في إسعاف زميلهم، وتم نقله إلى غرفته فوراً:
* إحنا آسفين يا حضرات الأعزاء… اللي حصل دا غصب عننا.
= لا أبداً وانتوا ذنبكم إيه؟ إن شاء الله يقوم بالسلامة ويبقى بخير.
* لو بس تأذن لنا يا إسماعيل بك إن حضرتك وحضرات الأفاضل أعضاء اللجنة
تنتظرونا بس عشر دقايق لحد ما أخينا دا يفوق بس.
= لا لا يا أستاذ نجيب. ما فيش داعي إحنا شوفنا الفصلين الأول والتاني
والنتيجة واضحة… وأكيد الفصل التالت مش هيقل متعة ولا إبداع عن الفصلين
الأول والتاني.
* أرجوك يا إسماعيل بك… هما عشر دقايق وإن شاء الله هنكمل الرواية.
= أستاذ نجيب ما فيش داعي إحنا عارفين انكم فرقة محترمة وملتزمين…
وآدي موافقة اللجنة على الرواية. خلوا حسين يستريح لحد معاد العرض في
المسا.
نجحت الحيلة وتم إنقاذ الموقف، وما إن انصرفت اللجنة حتى قام حسين
إبراهيم وتم استئناف البروفة ووضع الفصل الثالث.
اعتراف رسمي
بدأت الحكومة، تحت ضغط الرأي العام، تهتم بالمسرح ومتابعته، لدرجة
أنها وضعت في وزارة المعارف لجنة من أفاضل العلماء والأدباء برئاسة الأستاذ
محمد العشماوي، وعضوية مصطفى عبد الرازق والدكتور طه حسين، مهمتها الإشراف
على ما تقدمه المسارح من روايات، فراحت تزور المسارح مرة أسبوعياً لتشاهد
رواياتها وتحكم على قيمتها الفنية، وإذا ما حاز عمل الفرقة قبول اللجنة
تخصص لها إعانة سنوية تتناسب مع جهود كل فرقة وما تقدمه.
زارت اللجنة فرقة نجيب الريحاني، وجلست لمشاهدة رواية «أموت في كده»
وهال نجيب الريحاني ما سمعه من ثناء من أفرادها، وهز مشاعره ما سمعه
تحديداً من الدكتور طه حسين:
= لا شك أن فرقتكم تستحق أكثر العطف والتقدير، وما تقدمونه في روايتكم
لمسنا فيه من الصدق ومعايشة للطبيعة دون خروج على أوضاعها، أو مغالاة في
تصويرها.
بهذا التقدير نالت فرقة الريحاني من المبلغ المخصص في ميزانية المعارف
لتشجيع التمثيل ذلك العام، ثلاثمئة وخمسين جنيهاً، وكان عدد الفرق التي
منحت مكافآت أربعاً، كانت فرقة الريحاني الثالثة بعد فرقتي جورج أبيض ويوسف
وهبي، حسب الترتيب الذي وضع للمكافآت!
ظهر في فرنسا أديب شاب اسمه مارسيل بانيول وضع رواية أطلق عليها اسم
بطلها «توباز» واختار له أن يكون مدرساً بسيطاً في إحدى المدارس، قرأ
الريحاني الرواية وقرأ ما كتبه عنها النقاد، فقرر فوراً اقتباسها هو وبديع،
وتحويلها إلى رواية مصرية مئة في المئة، فوضعا لها اسم «الجنيه المصري»،
ونالت إعجاب أعضاء الفرقة قبل الجمهور، وافتتح الريحاني بها الموسم بمسرح
«الكورسال» في شارع عماد الدين، وهو يضع يده على قلبه يتحسس خفقاته من
استقبال الجمهور لها.
جاء إيراد الليلة الأولى 30 جنيهاً، ثم تقهقر في الليلة الثانية إلى
ستة جنيهات، وبعدها أربعة، ثم ثلاثة جنيهات، في تياترو الكورسال، أكبر
وأرحب تياترو في مصر، فكانت صدمة وضربة قاصمة للريحاني.
أراد الريحاني تعويض خسارة القاهرة، ففكر في الانتقال بالمسرحية إلى
الأقاليم، علها تكون هناك أكثر حظاً، فقصد المنصورة، غير أن جمهورها لم ير
فيها غير ما رآه جمهور القاهرة، وربما أسوأ، فقد قوبلت الرواية بازدراء
واستخفاف، وانسدت في وجهه السبل، وانهار الأمل، فجلس وبديع وتركا لأفكارهما
العنان، عسى أن يفتح عليهما الله بالفرج بعد الضيق.
يئس الريحاني وفرقته من رواية «الجنيه المصري» فهداه التفكير إلى
اللعب على الجمهور، فجمع وبديع بعض الراقصات وكتبا عدداً من المشاهد
الفكاهية، حشرا بينها النكات والهزليات، وأطلقا على هذا العبث اسم رواية
«المحفظة يا مدام» وكانت الدهشة والعجب، إذ بدأت الفرقة للمرة الأولى على
مسرح «الكورسال» تشاهد الأرقام القياسية في الإيرادات، التي حرمت منها
لفترة غير قصيرة!
اشترطت وزارة المعارف للحصول على الإعانة إخراج ثلاث روايات جديدة على
الأقل في أثناء الموسم، والفرقة قدمت اثنتين فقط، «الجنيه المصري»
و»المحفظة يا مدام». ولم يبق من الموسم إلا شهر أو أقل، وفجأة هبط على
الريحاني صديقه القديم أمين صدقي برواية جاهزة اسمها «الرفق بالحموات» لم
يتردد في قبولها وتقديمها للحصول على الإعانة.
انتهى موسم 1931، وأسدلت الستارة على آخر لياليها، وراح الريحاني يفكر
في ما انتابه خلال هذا العام من تراجع وسقوط، فقرر أن يلجأ إلى الراحة فترة
من الزمن، ليعود بعمل وفكر جديدين يفاجئ بهما جمهوره.
رحلة إلى المغرب العربي
فجأة هبط الصديق القديم علي يوسف على نجيب الريحاني، إثر عودته من
رحلة في بلاد المغرب، وكان قد قام بها مع فرقة فاطمة رشدي كدليل أو
بالاصطلاح الفني «امبرزاريو» وراح يصف للريحاني مقدار محبة أهل المغرب
العربي لفن التمثيل وشغفهم به، وكيف أنهم لا يضنون بأموالهم في سبيل
مشاهدته:
* أيوه دا كلام جميل. بس في الواقع بيكون شيء تاني.
= لا تاني ولا تالت. أنا أضمن لك الرحلة دي برقبتي.
* وأنا هعمل إيه برقبتك يا سي علي يا يوسف؟
= شوف… انتو تبدأوا البروفات وتجهزوا نفسكم… وأنا هاسبقكم على هناك.
أجهز كل شيء وأطبع التذاكر وتجهيزات التياترو والاتفاقات مع المتعهدين في
المدن اللي هتروحوها. وبعدين ابعتلكم تيجوا… ومش هتندم. إن ماعملتش فلوس أد
اللي عملتها في حياتك كلها… يبقى لك الكلام.
بناء على طمأنة علي يوسف له، بدأ الريحاني في تأليف الفرقة التي
سيسافر بها، وواجهته مشكلة المطربة التي ستقوم بالأدوار نفسها التي كانت
تقوم بها بديعة مصابني، غير أنه تمكن من الاتفاق مع تلميذة الشيخ سيد
درويش، المطربة حياة صبري، لكن بسبب طول فترة التدريبات وتأخر السفر، وقعت
حياة عقداً مع فرقة أخرى، ليعود نجيب إلى نقطة الصفر، وفجأة أتى من يقدم له
الحل بعرض لم يتوقعه:
* أنت بتقول إيه؟ معقولة؟!
= زي ما بقولك كدا.
* يعني بديعة مصابني بنفسها هي اللي طلبت تسافر معانا؟
= أيوه يا أستاذ. قالت أنا ما عنديش مانع بس نجيب يوافق.
* إن كان كدا أنا موافق. بلغها دا على لساني. أهلاً وسهلاً بيها.
انتظمت بديعة مصابني في التدريبات، وراح الجميع يجهز نفسه للسفر، لكن
طال الانتظار، فلم يرسل لهم علي يوسف ولو كلمة تطمئنهم بأن الأمور تسير على
ما يرام، حتى فوجئ الريحاني بعلي يوسف أمامه في القاهرة:
* الله!! أنت مش المفروض بتلف ما بين تونس والجزاير والمغرب… إيه اللي
جابك هنا عماد الدين؟
ـ جيت علشان أدبر لكم فلوس تسافروا بيها.
* يا وشك اللي زي طبق قمر الدين. هو إحنا هانشتغل على النوته… هنشتغل
بالآجل؟
ـ لا مش القصد لكن مسرح البلدية في تونس استلم الفلوس وقالوا مش
هايدونا حاجة منها إلا لما الفرقة تيجي ويشوفوها بعنيهم!
راح علي يوسف يبحث عن ممول بأي شكل، حتى عثر صديق له على تاجر يوناني
يدعى «جياكومو» يعمل في بورصة الإسكندرية، على استعداد لتمويل الرحلة،
وبسهولة استطاع أن يقنعه علي بأهمية الرحلة والأموال الطائلة التي سيجنيها
منها، فلم يتردد الرجل وناوله ثلاثمئة جنيه نصيبه في الرحلة.
طاعون بحري
حجز علي يوسف باخرة فاخرة للريحاني وبديعة إلى مرسيليا بفرنسا، على
أساس أن تعرج بديعة أولاً على فرنسا لمدة ثلاثة أيام تنهي فيها مشاهد لفيلم
سينمائي جديد اتفقت عليه، ثم تغادر بعدها إلى تونس ومعها الريحاني، في حين
حجز لبقية الفرقة ومعهم بديع خيري في باخرة درجة ثانية ترشيداً للإنفاق.
وصل الريحاني وبديعة مرسيليا، وانتظرا أن تصل باخرة بقية الفرقة ومعهم
بديع خيري بعدها بيومين، إلا أن الباخرة تأخر وصولها ثلاثة أسابيع!
لم يترك نجيب باباً إلا وطرق للسؤال عن حال الباخرة، حتى ظن أنها
أصبحت في عداد المفقودين، وبعدما كاد اليأس يقطع خيوط الأمل الدقيقة، وبدأ
نجيب يبكي أصدقاءه وأحباءه الأعزاء، وعلى رأسهم بديع خيري، وصلت الباخرة
أخيراً:
* بديع. حمد لله على السلامة… دا إحنا خلاص كنا حسبناكم في عداد
المفقودين وكنا راجعين على مصر بعد تعبنا من التدوير عنكم.
= يا سيدي المركب الهباب اللي حجز لنا فيه سي علي يوسف طلع عليه واحد
عنده والعياذ بالله طاعون. فقام الحجر الصحي حجزنا في أتينا وبعد ما كشفوا
علينا وتبهدلنا بما فيه الكفاية… واطمنوا إن مفيش حد منا حامل للعدوى.
أفرجوا عنا وكملنا الرحلة.
وصلت الفرقة إلى ميناء بينزرت في تونس، واستقبلها أهلها استقبال
الفاتحين يدقون الطبول والزمور، والشعر وخطب الترحيب تتلى من هنا ومن هناك
بشكل لم يروا له مثيلاً، فوقف الريحاني وأسر إلى نفسه:
«اللهم إني أسألك أن تجعل الخاتمة خيراً، وأن لا تسئنا يا رب في
عملنا، ولا تخيب رجاءنا يا أكرم الأكرمين».
وصلت الفرقة متأخرة أربعة أيام عن الموعد الذي قدره علي يوسف وحجز
خلاله التياترو الذي ستقف عليه، إضافة إلى أن المتعهد التونسي كان قد
استدان على حساب الفرقة مبلغ ألفين ومئتي جنيه لتسديد مصروفات المطبعة
والإعلانات والجرائد والتوزيع والمأكل والمشرب، حتى فوجئ الريحاني وقبل أن
تصعد الفرقة إلى خشبة المسرح بالدائنين وقد أتوا للحجز على إيراد الشباك
سداداً لديونهم المستحقة!
أصبح الريحاني في موقف لا يحسد عليه، فمعه فرقة مؤلفة من 40 شخصاً
بينهم ست ممثلات وراقصات، وليس معهم ما يقتاتون به!
وفجأة تقدم شخص إلى الريحاني مرحباً به، وأكد له أنه من هواة التمثيل،
وأنه يرغب في العمل بفرقته، وراح يرافق الفرقة حتى من دون أن يبدي الريحاني
موافقته، وما إن انتقلت الفرقة إلى العاصمة تونس، حتى فوجئ به يحجز له
جناحاً في أفخم فندق في العاصمة ماجيستيك، وبتخفيض لم ير له مثيلاً، لتصل
أجرة الليلة إلى مئة وستين قرشاً، وهو رقم هزيل جداً، أما بقية غرف الفرقة،
فكان أجرة الغرفة 20 قرشاً في الليلة، شاملة كل شيء!
ارتاب الريحاني في الأمر، غير أنه بطل عجبه عندما عرف من بعض الوطنيين
أن الرجل خصصته لهم الإدارة الفرنسية لمرافقتهم والوقوف على ما يفعلونه وما
سيقدمونه، حتى لا يقدم أعمالاً يثير بها حماسة الشعب التونسي، وهو ما يأباه
الاستعمار ويعمل على محاربته بكل وسيلة!
قدمت الفرقة في الافتتاح رواية «الليالي الملاح» التي ظهرت بأفضل ما
يمكن وحققت من النجاح ما لم يتوقعه نجيب أو أعضاء الفرقة، وتكرر النجاح في
«صفاقص، وصوصة، وبينرزت»، ما شجع الريحاني على مواصلة الرحلة إلى الجزائر،
فقرر الريحاني أن يسبقهم بديع خيري إلى هناك لترتيب اللازم بدلاً من علي
يوسف.
وصلت الفرقة إلى الجزائر وأحيت عدداً من الحفلات بنجاح منقطع النظير،
على رغم هروب بديعة من دون إخبار الريحاني، ما جعله يستعين بممثلتين بدلاً
منها، هما فتحية شريف وبهية أمير، فحققتا نجاحاً كبيراً وأنتجت الفرقة
إيراداً كبيراً، استطاع الريحاني بجزء منه أن يسدد جميع ديون الفرقة، ويدفع
بسخاء لأعضائها ما تأخر من رواتبهم، ليعود إلى القاهرة وفي حوزته من الرحلة
ما قدره 50 جنيهاً فقط!
(البقية في الحلقة المقبلة)
صاحب السعادة… سينمائياً
بدأ نجيب العمل في فيلم «صاحب السعادة كشكش بك» بأسلوب عمله في المسرح
نفسه، بمعنى أنه لم يملك فكرة محددة، ودون كتابة سيناريو محدد المناظر
والوقائع، وكل ما هنالك أنهم كانوا يخرجون في السادسة صباحاً من دون أن
يدري أي منهم ماذا سيفعل، حتى إذا جلس الريحاني لعمل الماكياج وارتداء
الملابس، يبدأ التفكير مع بديع خيري في المشهد الذي سيتم تصويره الآن،
وفقاً لسير حوادث الفيلم، فإذا انتهى من الماكياج، يكون قد انتهى من وضع
تصور للمشهد مع بديع خيري والمخرج استيفان روستي، فيبدأ التصوير.
انتهى تصوير فيلم «صاحب السعادة كشكش بك» وبلغت ميزانيته أربعمئة جنيه
مصري فقط لا غير، وعرض فوراً في دور العرض، وأقبل الجمهور على مشاهدته
إقبالاً لم يكن يتوقعه أكثر الناس تفاؤلاً، حتى بلغ الإيراد ألفاً وستمئة
جنيه، كان نصيب الريحاني منها ثلاثمئة جنيه، قيمة أجره.
على رغم ضخامة المبلغ الذي حصل عليه الريحاني في أقل من أسبوعين، إلا
أنه لم يحب السينما، ولم يقع في غرامها مثل المسرح، وزاد من هذا الإحساس
رؤيته لنفسه على شاشة السينما:
* يا نهارك زي وشك يا استيفان… مين دا؟
= أنت طبعا… هيكون مين؟
* دا لا أنا ولا أعرفه!
= أنت عندك حق بالتأكيد لأن دا «كشكش بيه» مش نجيب الريحاني.
* بقى هو دا كشكش بيه… أول مرة أشوفه… علشان كدا لحد دلوقت الناس ما
تعرفش الريحاني لكن تعرف كشكش كويس.
= هاهاها… إزاي يعني؟
* طول عمرى بقدمه على المسرح… وكان نفسي أشوفه بعين الناس… لحد ما
شفته دلوقت.
الجريدة الكويتية في
14/08/2012 |