|
ينظر المخرج الأميركي تيم بيرتون الى الامور والقضايا والموضوعات من
منظور مختلف ولعله يذهب الى زاوية قد لا يشاهدها أو يبلغها أو حتى يعرفها
إلا القلة، لذا تأتي أعماله بسياق ومنهج مختلف.. ورؤية ابداعية تذهب بعيداً
في طروحاتها ومضامينها والقيم التي تؤكد عليها. زاوية قد تصل حد الجنون،
ولكنه الجنون الذي يدر الملايين، لا شيء عنده تقليدي.. ولا شيء عنده مستعاد
أو مكرر، كل شيء مقرون بطرح يحمل الدهشة والخيال وفي الحين ذاته المقدرة
على إثارة الحوار.
والحديث عن تيم بيرتون يعني الحديث عن مسيرة خصبة وثرية وعميقة، وايضا
مغايرة ومدهشة، تجعلنا في احيان كثيرة نفتح الأفواه دهشة لما يذهب اليه،
وما يقدمه من ابداع سينمائي مكلف.. بل لعله الأغلى سينمائياً.
حول ذلك الجنون الأغلى، والعوائد الأكبر والزوايا المختلفة نطوف معكم
في هذه المحطة لنرصد جوانب من مسيرة هذا المبدع.. المثير للجدل.
ولد تيم بيرتون في 25 أغسطس 1958 في مدينة بيربانك في كاليفورنيا،
والدته جين بيرتون تمتلك محلا للهدايا ووالده لاعب بيسبول سابق، عمل لاحقا
في احدى الادارات في مدينة بيربانك.
في مرحلة مبكرة من صباه، شرع تيم بتصوير بعض الأفلام القصيرة، معتمداً
على تحريك الرسوم، وايضا الدمى. وهذا ما يظل لاحقا، حاضراً في أسلوبه
ومنهجيته السينمائية التي تعتمد الخيال المجنح. صور جملة أفلامه بنظام
(السوبر 8) ومن دون صوت، ويؤكد في احد المؤتمرات الصحافية خلال تواجده في
مهرجان البندقية عام 2007 انه صنع حينما كان في الثالثة عشرة من عمره فيلما
قصيراً بعنوان «جزيرة الدكتور إيغور».
درس تيم الثانوية في بيربانك، ولكنه وكما يعترف شخصيا بأنه لم يكن
الطالب المتميز.. أو حتى الجيد. كان يجد متعته بالرسم والخيالات ومشاهدة
الافلام وهذا ما أثر عليه لاحقاً لينخرط في دراسة السينما، وتبدو تأثيرات
افلام كثيرة واضحة عليه ومنها «دكتور سوس» و«رونالد داهل» وغير ذلك من
الأعمال التي تمزج الرعب والإثارة والمغامرات ومنها «غودزيلا» وغيرها من
نتاجات شركة «هامر».
بعد انتهائه من المرحلة الثانوية، ذهب الى «معهد الفنون» في
كاليفورنيا، حيث درس تصميم وتحريك الرسوم المتحركة.. ومن الذين شاركوه
مقاعد الدراسة في تلك المرحلة كل من براد بيت وجون ليستر وجون ماسكر وهنري
سيلك. وهذا الاخير عاد ليتعاون معه بالذات في فيلم «كابوس قبل الكريسماس»
وفيلم «جيمس والضربة الكبرى».
تخرج تيم بيرتون عام 1979 حيث قدم فيلم «ستيلك مونستر» والذي حصد
كثيرا من النجاح، وأثار اهتمام ستديوهات ديزني، والذي قدموا له منحة للعمل
في ستديوهات ديزني، وعمل معهم في وظيفة محرك و«رسام» وكاتب قصص، ومشرف فني
لاحقاً، ولكن اسلوب وطبيعة وهيئة تيم بيرتون التي تقترب من الجنون، لا
تتماشى مع اسلوب ستديوهات ديزني الملتزمة والمنضبطة، والتي لا تتوافق مع
الفوضى الضاربة التي يعرف بها تيم.. على صعيد السلوك والازياء والتفاصيل
الحياتية.. حتى أنه قال ذات مرة بأنه آخر مرة مشط شعره بها كانت قبل أكثر
من عام..!
من هذه الجزئية، نتعرف على سلوكيات هذا الفنان التي تقترب من الجنون
والفوضى.
ولكن خلال تواجده في ستديوهات ديزني، قدم عام 1982 فيلم «فنسنت» (وهو
عبارة عن 6 دقائق بالأسود والأبيض والرسوم المتحركة العالية الجودة) وقام
ببطولة الفيلم فنسنت بيرز (التعليق).
بعدها حقق بيرتون فيلم «هانسيل وكريتل» عن اقتباس ياباني عن عالم
«الكونغ فو» ثم قدم ايضا فيلم «فرانكيل نوفيا» 1984، عن معاناة طفل اثر
حادث تعرض له كلبه.
وتواصلت المسيرة ولكن الطموحات كانت ابعد من حدود ستديوهات ديزني.
ثم جاءت التجارب الكبرى ومنها «بي وبي هيرمان» معتمدا على نص مسرحي -
استعراضي، ولكن «بي. وبي. هيرمان» الذي قدم عام 1985جاء حافلاً بالمغامرات
والاثارة وشيء من الرعب.
وقد تكلف يومها 8 ملايين دولار وحصد 40 مليون ما جعل اسم تيم بيرتون
يلفت الانتباه، وقد تعاون في تلك التجربة مع الموسيقار داني الفمان، الذي
عاد ليتعاون معه لاحقا في خمسة أفلام ومنها «كابين بوي» و«ايدهود» و«سويتي
تيد»... وغيرها.
في عام 1988، تأتي احدى النقلات والقفزات الكبرى مع فيلم «بيتل جوس»
رعب كوميدي عن الحياة بعد الموت، وقد تكلف 15 مليون وحقق عوائد بلغت 80
مليون دولار، وجعلت اسم وأسهم تيم بيرتون ترتفع عاليا، لانه يتعامل مع
السينما بمضامين تقترب من الجنون... والهوس... او الرغبة في تقديم ما هو
مغاير... ومختلف.
في عام 1989 تصدى لاخراج فيلم «باتمان» وهو ما يمثل أعلى ميزانية
يتصدى لها، ومعه كان مايكل كيتون بدور «باتمان - الرجل الوطواط» والذي عمل
معه من ذي قبل في «بيتل جوس» واستطاع ان يحول الشخصيات التي تحيط بالرجل
الوطواط الى شخصيات تمتاز بالجنون، ومنها الجوكر «جاك نيكلسون» الذي تركه
يلعب الشخصية بمواصفات أدهشت الجميع، بل ان الجميع قد لا يتذكر في ذلك
الجزء الا الحضور الرائع لجاك نيكلسون.
وحينما عرض الفيلم حقق أعلى عوائد، وحطم الأرقام القياسية يومها، يحقق
عوائد بلغت 250 مليون دولار في الولايات المتحدة، واجمالي الأسواق العالمية
بلغ 450 مليون دولار مع اشادات بالأداء غير التقليدي لجاك نيكلسون في فيلم
مغامرات خيالي.
هذا النجاح ساهم في ترسيخ حضور وحظوظ بيرتون، وايضا النهج الذي يعمل
به، والذي يكسر جميع المناهج التقليدية في الكتابة والاخراج والتمثيل.
ولانه مخرج مجنون، لذا راح يبحث عن ممثل مجنون يستوعب جنونه، فكان ان
التقى بالنجم الأكثر هوسا وغرائبية، ونعني جوني ديب، الذي راح يتعاون معه
منذ العام 1990 حتى اليوم، حيث قدم معه افلام «ايدهوت» و«سليبي هويلو»
و«شارلي ومصنع الشكولاته» و«كوربس بيرد» و«سويني تيد» و«أليس في بلاد
العجائب» ومؤخرا «دارك شدو».
من أبرز أعماله ايضا عودة باتمان حيث خلق توليفه جديدة، جمعت ايضا
داني «وفيتو وميشيل فايفر» بدور المرأة القط.
ويعود الى الحنين لأفلام الرعب، من خلال فيلم «كابوس قبل عيد الميلاد
- 1993»، و«كابين بوي - 1994» و«ايدهود - 1994» الذي قدم من خلاله حياة احد
أهم صناع افلام الرعب، والذي وصف بانه «اسوأ مخرج في هوليوود» ثم فيلم «باتمان
الى الابد» و«جيمس والضربة الكبرى» والمريخ بضرب ويعود الى التحف ليقدم
«كوكب القردة - 2001»، ضمن استعادة لاحد أهم تحف هوليوود، ثم «السمكة
الكبرى - 2003»، وفي عام 2005 يقدم انجازا سينمائيا مدهشا بعنوان «شارلي
ومصنع الشكولاته» بقيادة جوني ديب، وتتواصل الاعمال ليقدم، «سويني تيد:
حلاق شارع فليت».
ومع عام 2010 يعود بتحفة سينمائية، تمثل مرحلة متطورة من الانتاج
السينمائي الثلاثي الابعاد بعنوان «أليس في بلاد العجائب» مشيرين الى ان
جميع أعماله الاخيرة، بما فيها فيلمه الاخير «دارك شدو» من بطولة جوني ديب،
وايضا زوجته «زوجة المخرج تيم بيرتون» النجمة البريطانية هينس برنام كارتر
على الصعيد الشخصي، تزوج تيم من لينا جيسك، والتي تركها للارتباط بليزا
ماري، بعدها جاء الارتباط مع النجمة البريطانية هيلينيا برنام كارتر التي
التقاها في فيلم «كوكب القردة» ومنها أنجب طفلين ابنهما بيلي ريمون
وابنتهما نيل.
يعتبر صديقه المفضل والأقرب، هو النجم الاميركي جوني ديب، وهو الأب
الروحي لأطفال تيم.
كما ترأس تيم لجنة التحكيم الدولية لمهرجان «كان» السينمائي الدولي
عام 2010، وفي ذات المناسبة حصل على لقب فارس من الدرجة الاولى، وقلده
الوسام وزير الثقافة الفرنسي فريد ريك ميتران.
ولا نطيل...
حينما نقول باننا امام حالة سينمائية، هي الجنون بكل مواصفاتها،
وتقاليدها... وطرقها.. ولكن هذا الجنون يقترن بالخلق والابداع الفني، الذي
يحصد الملايين.. ويذهب بعيدا في طروحاته ومضامينه، وايضا الأشكال الفنية
التي يقدمها والتي تبدو سهلة، ولكنها في حقيقة الأمر صعبة المنال... لانها
تأتي من مبدع مجنون!
النهار الكويتية في
08/08/2012 |
