تفتخر اليابان بجلالة الامبراطور وسلالته وتاريخهم العامر بالقدسية
والاجلال للدور الكبير الذي لعبته تلك الاسرة في الوصول باليابان الى بر
الامان وأيضا النهضة الحضارية التي تعيشها، ومن مصدر التقدير والاحترام
لهذا المبدع الكبير نطلق عليه لقب «الامبراطور»، وهو أهل للاستحقاق للمكانة
التي بلغها، وللانجازات السينمائية التي حققها والتي رسخت اسمه واسم
السينما اليابانية في ذاكرة ووجدان الحرفة الفنية، والفن السابع على وجه
الخصوص، هكذا هو المخرج الياباني اكيرا كيروساوا.
وعلى المستوى الشخصي أتذكر جيدا حينما قابلت المخرج الياباني القدير
شوهي ايمامورا حينما قدم فيلمه «رحلة نارياما» وأخبرته انني قابلت اكير
كيروساوا فانه قام بالنداء على مرافقه الصحافي وأخبره بأنني قابلت اكيرا من
هناك ايضا عرفت قيمة ومكانة اكيرا عند صناع السينما في بلاده، فهو الاب
الروحي للسينما اليابانية الجديدة.
ونعود للامبراطور اكيرا كيروساوا الذي حلق بعيدا بالسينما اليابانية
وباسم اليابان، فكان ان حصد أكبر عدد من الجوائز من بينها «الأسد الذهبي»
في مهرجان فينسيا السينمائي ثم السعفة الذهبية وايضا الاوسكار التقديرية
لشمواره وابداعاته وانجازاته السينمائية الخالدية. بل ان هوليوود لطالما
اقتسبت من أعماله وبالذات «الساموراي السبعة» الذي تحول في هوليوود الى
العظماء السبعة.
ان أحد أهم عظماء السينما ليس على مستوى اليابان بل على مستوى العالم،
مخرج وكاتب سيناريو ومنتج ومونتير وهو قبل ذلك فنان تشكيلي.
ولد اكيرا في 23 مارس 1910 في منطقة اموري في ضواحي العاصمة طوكيو،
والده «سامو» مزارع تعود أسرته الى الساموراي ووالدته تنتمي الى عائلة ثرية
من اوزاكا.
يحتل اكيرا المرتبة الثانية والاخيرة بين اخوته، وقد شاهد اكيرا
السينما لاول مرة حينما كان في السادسة من عمره، وتمثل تلك التجربة محطة
اساسية في ذاكرته.
خلال دراسته وزع اكيرا نشاطه بين الفن التشكيلي والمسرح، واستطاع ان
يقترب من صناع السينما الصامتة، ولاحقا مع ستوديوهات توهو اليابانية، كما
عمل مساعدا لعدد من المخرجين، بالاضافة لكتابته السيناريو والحوار لعدد من
الاعمال، كما تعاون كيرو ساوا مع عدد من المخرجين ككاتب وكمساعد ومنهم
كاجيرو ياماتو.
فتأتي نقاط التحول حينما اختار كيرو ساوا مع فيلم «الابطال» معتمدا
على نص روائي عن الحرب الاميركية - اليابانية، وتعهده ستديوهات تاهو
بالانتاج، في حين تفرغ كيروساوا للسيناريو والاخراج.
وحمل الفيلم عنوان «سانشيرو سوغاتا» وتم تصويره في ديسمبر 1942 في
يوكوهاما، وعرض في 25 مارس 1943 حينما بلغ أكيرا الثالثة والثلاثين من
عمره.
في تلك التجربة تعرف على الممثلة اليابانية يوكو باغوشي التي تزوج بها
في 1945، وظلا سويا حتى وفاتها عام 1955 ومنه انجبت ابنها «هيساو» الذي
يعمل حاليا في الاخراج السينمائي وايضا شقيقه كازوكو الذي يعمل في مجال
تصميم الازياء.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وعندها بدأ بالتفكير في تقديم
نتاجات سينمائية جديدة تعمل على اعادة وجه السينما اليابانية التي غرقت
لسنوات بأفلام الحروب والمواجهات وعندها قدم فيلم «لا عزاء للشباب» عام
1946.
وبعدها قدم فيلم «يوم أحد جميل» (1947)، وهو عبارة عن قصة حبر، ففي
الوقت الذي كان يتفرغ فيه للاخراج كان لا يتوقف عن الكتابة حيث قدم سيناريو
لفيلم «محاكمة سنو» الذي أخرجه مواطنه سنكشيي تانجوشي، ومن خلال هذه
التجربة تعرف على الممثل الياباني الشاب وقتها توشيرو موفيني الذي أصبح
لاحقا صديقه المقرب الذي شارك في بطولة النسبة الاكبر من أعمال وتحف
كيروساوا الخالدة، حيث استعان به في المرة الاولى في أفلامه في فيلم
«الملاك الثمل» ليقدمه بدور أحد زعماء المافيا.
وتشير السيرة الذاتية لكيرو ساوا انه تعاون مع موفيني في 16 فيلما،
وعلى الصعيد الشخصي لم يكونا يفترقان الا نادرا.
والراصد لمشوار كيروساوا يعلم جيدا انه قارئ نهم وراصد من الطراز
الاول لابداعات اليابانيين في مجالات الرواية والمسرح، وفي جملة نتاجاته
عمل على الاعتماد على نصوص روائية ومسرحية لمبدعين يابانيين كبار، عمل على
ايصال أعمالهم الى العالم.
في نهاية الاربعينيات أسس مع عدد من أهم صناع السينما اليابانية أسس
«مؤسسة فنون السينما» وتحت مظلتها حقق أفلاماً عدة، ومعهم حقق فيلم «سترى
دوك»، وهو فيلم عن عالم التحقيقات حيث يميل كيرو ساوا الى لعبة الالغاز
التي تتيح له التعامل مع رسم المشاهد والظلال وتطوير مفردات الشك والترقب.
وتأتي النقلة الاساسية مع فيلم «راشامون» المأخوذ عن مسرحية بالاسم
نفسه في عام 1950 حيث حقق الفيلم كثيراً من النجاح والانتشار رغم صعوبته في
الشكل السينمائي الذي حققه.
وتواصلت ابداعاته ومنها «الفضيحة» وفي كل مرة يعتمد كيروساوا على
ميزانية عقلانية حتى لا يحمل الشركات المنتجة أعباء مادية كبرى.
ونشير هنا الى ان «راشامون» تم عرضه في مهرجان فينيسيا وحقق كثيراً من
النجاح والكتابات النقدية العالية والايجابية.
وسيظل صناع السينما اليابانية يتذكرون يوم 10 سبتمبر 1951 حينما فاز
فيلم «راشامون» بجائزة الاسد الذهبي لمهرجان فينيسيا، وهنا يلتفت العالم
لهذا المبدع ويتم توزيع الفيلم لانحاء العالم، ومن بينها الاسواق الاميركية.
ونستطيع القول ان هذا الفوز أسهم بأن تفتح شركات التوزيع على الافلام
اليابانية وبالذات الافلام الفائزة بجوائز ومنها أفلام كنجي فيرو جوشي
ومنها «حياة اوهارو» و«يوغيتسو» و«سانشو» وايضا المخرج ياسوجيرو اوزو ومن
أفلامه «قصة طوكيو» و«ذات شتاء بعد الظهر».
ولاحقاً ايضا التفت نقاد العالم وشركات التوزيع والانتاج الى عدد آخر
من السينمائيين اليابانيين ومنهم تأجير اوشيما وشوهي ايمامورا وجوزو اوتامي
وتاكيشي كيتانو وتاكيشي ميكي، لكن يظل الفضل دائما لكيروساوا الذي فتح
الباب على مصراعيه أمام السينمائيين اليابانيين.
بعدها انتقل كيروساوا عائدا الى الاستوديو الذي طالما عمل فيه وهو
ستديو «تاهو» الذي حقق فيه لاحقا 11 فيلما.
كما اشتغل كيرو ساوا مع عدد من أهم الروائيين اليابانيين فقد انفتح
على أعمال وليم شكسبير ومكسيم جورجي، وتأتي القفزة الثانية الاهم مع فيلم «الساموراي
السبعة» معتمدا على نص لسانجلوا ايرا الذي اقتبسته هوليوود في أكثر من عمل
ولعل أهمها «العظماء السبعة».
مسيرة حافلة بالابداعات على مستوى كتابة الاعمال السينمائية وايضا
الاخراج، مخرج معلم ومخرج مؤلف ومخرج مبتكر.
ونشير هنا الى أن أفكار وابداعات كيروساوا اعتمد عليها الكثير من أهم
صناع السينما ومن بينهم الاميركي جورج لوكاس في سلسلة «حرب النجوم» الذي
تأثر كثيرا بفيلم «الحدود الخفية»، هذا وتربط الثنائي كيروساوا ولوكاس
علاقة وطيدة، وهكذا الامر بين كيروساوا وكابولا وكيروسوا ومارتن سكور سيزي
وستيفن سبيلبرغ.
وقد سخرت تلك الاسماء الكبيرة لكيروساوا ميزانية ضخمة لانتاج تحفته «كاجيموشا»
(محارب الظل) الذي فاز عنه بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان «كان»
السينمائي في عام 1980، ثم عاد مجددا الى كان عام 1986 بفيلم «ران» معتمدا
على رواية «الملك لير» لوليم شكسبير.
في 6 سبتمبر 1998 توفي كيروساوا عن عمر 88 عاما في طوكيو.
مبدع سينمائي من الطراز الاول، بل من النادر ان تجنب السينما
اليابانية والعالمية مبدعا يمتاز بذلك الحس الابداعي الرفيع الذي استطاع ان
يحافظ على هويته وشخصيته اليابانية، ويقدم الى العالم حيث الانسان والمجتمع
والفكر الابداعي والتجديد والاكتشاف والتاريخ المليء بالقيم والمعاني.
هكذا هو امبراطور السينما اليابانية الخالد اكيرا كيروساوا.
النهار الكويتية في
05/08/2012 |