قررنا ان نخطف عادل الى ما هو أبعد.. وكنا قد كلمناه عن منطقة الكاظمية وهي
من ضواحي بغداد وبها مسجد ومقبرة الامام الكاظم.. وهي منطقة شعبية تشبه
السيدة زينب والحسين في القاهرة.. حيث المطاعم ومحلات الصاغة والباعة على
الأرصفة.
صالح حسن عبدالفتاح من نافذة السيارة وقد اقتربت من سيارة عادل:
الكاظمية يا زعيم!
ويبدو انه أصر على ذلك وتمسك به.. وانطلق الموكب الى الكاظمية.. بالفعل.
على مشارف الحي كان الصغار يلعبون الكرة.. وأزاح عادل ستائر السيارة ونظر
نحوهم ولمحه احدهم فصاح بنصف لسان:
عادل امام.. عادل امام!
وبسرعة الريح انطلق الخبر.. وكان موكب السيارات ملفتا للأنظار ولأن الشوارع
ضيقة ومزدحمة.. وصلنا بالقرب من مرقد الامام الكاظم.. ونزل عادل من سيارته
صوب محل العصير وفجأة وجد البائع نفسه وجها لوجه امام النجم الكبير لم يصدق
نفسه.. وما هي الا دقائق معدودات حتى تحول الشارع الى كتلة من البشر..
واختفت البضائع المفروشة على الأرصفة تحت أقدام المتلهفين لرؤية نجمهم
المحبوب وخرج زوار المقام.. نساء.. رجالا.. أطفالا... عواجيز وكان من
المستحيل ان نصل الى السيارات مرة أخرى وقد ضاعت وسط التكتلات البشرية
الهائلة.
وبدأ الحراس الأشداء يتصرفون على طريقتهم حتى يبلغ عادل سيارته مرة أخرى..
هم في حالة هلع وخوف عليه وهو في دنيا ثانية بين الناس.. انه لا يخاف ولا
يفكر أبدا بطريقة حراسة لأنه يعرف.. ان هؤلاء سوف يحرسونه ويحافظون عليه
أكثر من الحراس المحترفين.
وبلغ السيارة.. وقف على أعقابها ورفع يديه ملوحا للناس في مشهد نادر
والجموع تحيط به.. ولا ادري كيف نجح حسن وسط هذا الزحام في التقاط اللحظة
والصورة والحدث الذي لا يحتاج الى تعليق أو كلام ولم ينتظر حسن من لهفته
على الصورة ان ينتظر حتى يعود بالأفلام ويقوم بتحميضها في القاهرة ذهب الى
استديو في بغداد وطبع هذا الفيلم وعاد بالصور في صباح اليوم التالي يعرضها
على عادل ونحن حوله نتطلع طويلا الى الصورة التي يلوح فيها للجماهير وقال
وهو يدلل نفسه.. فعلا زعيم!
وهنا صاح حسن: رئيس جمهوريات الكوميديا في العالم العربي وأعجبه التعبير
فقال: تستحق واحد كشري يا (أبو علي) وهو اسم الدلع لحسن!
في نفس الليلة كان زعيم الضحك على موعد مع موقف لم يكن في الحسبان قل انه
«الصدام» أو المواجهة.. بين نجم الفن الذي يجد انتعاشا في التفاف الجمهور
حوله.. ونجم سياسي.. يفترض فيه ان يكون خادماً للجماهير لكنه لابد دائما
وأبداً ان يحتمي بالحراسة من الحضور والمتربصين
أبعدوا الأسلحة
قبل العرض المسرحي جاء من يهمس الى عادل امام بأن طه ياسين رمضان نائب
الرئيس العراقي جاء لحضور العرض.. وأن رجاله الذين يحملون أسلحتهم الشخصية
صعدوا الى خشبة المسرح لتأمينه.. وبسرعة شديدة فكر عادل فيما يمكن ان يترتب
عليه وجود هؤلاء بأسلحتهم الحقيقية الجاهزة.. مع مشهد داخل المسرحية يتطلب
اطلاق نار «فالصو» وتصور عادل بنفس السرعة ماذا لو ان أحد الحراس اختلط
عليه الأمر.. وتصور ان رصاصات المسرحية حقيقية واستخدم سلاحه.. وتحولت خشبة
المسرح الى ساحة قتال.. ورفض ان يفتح الستار وتعطل العرض بالفعل.
جاء احد المسؤولين وبدأت مفاوضات عسيرة.. عادل يصر على نزول الحرس والمسؤول
يؤكد ضرورة ذلك لتأمين الرجل الثاني في الدولة.. وسط مسرح به أكثر من 2500
متفرج..
وفكر عادل في الغاء مشهد المسدس.. ولكنه رأى صعوبة ذلك دراميا.. كل هذا
التفكير جرى في لحظات سريعة.. والناس في غاية القلق داخل صالة المسرح بعد
ان تأخر العرض بشكل ملحوظ.. ومسرح عادل امام معروف بالدقة المتناهية في
المواعيد.. فهو يذهب غالبا قبلها بساعتين ان لم يكن مرتبطا بتصوير سينمائي
حتى يتأقلم مع أجواء المسرح.. وهو الذي يمسك العصا خلف الستار ويدق الدقات
الثلاث الشهيرة.. انها تقاليد توارثها من الأساتذة الكبار الذين عمل معهم..
وبعضهم كان يأتي ويكنس خشبة المسرح اعترافا بفضلها عليه وعلى زملاء المهنة.
أخيرا أقتنع الحراس بالنزول الى الصالة فلم يكن من الممكن أو اللائق اقامة
عرض مسرحي تحت تهديد السلاح على هذا النحو..وسادت حالة من التوتر بين أعضاء
الفرقة المسرحية وقرر عادل ان يتم عمل مشهد المسدس بدون اطلاق الرصاصات
وبذكاء.. وبدون ان يفوت الفرصة وما ان دخل الى المسرح عند بداية العرض حتى
نظر الى الحراس.. وقد أعطوا ظهورهم لخشبة المسرح.. ونظروا صوب الصالة وقال
للجمهور.. ربنا يعديها على خير.. كل الناس تنظر الى خشبة المسرح ماعدا
هؤلاء.. أول مرة واحد يتفرج علي بقفاه!
وضحك الجميع.. بما فيهم الحراس! وهنا تذكرت مقولة د.نهاد مليحة الناقدة
الكبيرة:
عادل عنده طاقة نفسية هائلة تجعل وجهه يتلون من لحظة الى أخرى بسرعة البرق
دون جهد ملموس فالرجل يحمل فوق عظام وجهه عددا لا نهائيا من الأقنعة وهو ما
يدعمه قول الدكتور يوسف ادريس:
انه سائق ماهر يعرف الطرق الخفية للوصول الى قلوب الجماهير بعيدا عن
اختناقات المرور.
أما هو فيقول: أحب عملي حتى الموت.. وهو ما يزودني بطاقة هائلة يفتح مسام
القلب والروح.. ولكن هناك ملاحظة هامة وأساسية.. الضحك الذي يعيش ويؤثر في
الناس هو الضحك الانساني الذي يتسم بالنبل أما الضحك الذي يأتي من «الهبل»
والاستعباط.. فهو نصب واحتيال.. حتى النكتة العادية عندما يكون لها بناء
درامي تعيش وتستمر ويتوارثها الأجيال.
فالضحك الحقيقي يحتاج الى فيلسوف.. وعندما ادخل الى المسرح.. انسى اسمي
تماما لا أتقمص الشخصية لكن هي التي تتقمصني من ساسي الى راسي.. لهذا أتوحد
مع المتفرجين ونصبح جميعا كتلة واحدة أجهزة استقبالهم مرتبطة بكل ما يصدر
عنى من كلمات أو حركات ولهذا تجدهم يضحكون جميعا معا في ثانية واحدة كأنهم
شخص واحد ويصمتون أيضا معا هذه متعة لا تعادلها متعة.. لأنها عبارة عن
استفتاء شعبي يومي.. حول اسعاد الناس.. و«اسعاد يونس»!!
حبك انتحار
من الحب ما قتل.. هذا هو عنوان الذي وقع بالفعل على مرأى ومسمع من آلاف
المشاهدين اكتظ بهم مسرح رمسيس الذي أغلقته نقابة المهندسين بدون مبرر.. لا
هي استفادت منه ولا تركت المسرح مضيئاً.. وكان أيضا يضم شاشة عرض سينمائية.
والمعروف ان البلكون هو أرخص تذكرة في المسرح بعكس السينما وبينما عادل
يؤدي دوره كالمعتاد وسط حالة التوحد والانسجام مع الجمهور.. فجأة صرخ احد
الشبان بلهجة صعيدية.
(أنا جايلك يا حبيبي يا عادل)!
وعلى طريقة مسلسل الأطفال «فرافيرو» أو على طريقة «السوبرمان» الأميركي..
ألقى بنفسه من البلكونة الى صالة المسرح والمسافة تزيد على 3 أمتار.. وتحول
المشهد الى كابوس مرعب للجميع وأولهم عادل امام نفسه!!
حكاية مشهد
ابن الناظر.. كان تلميذاً في سنة رابعة
قبل مسرحية مدرسة المشاغبين كانت الناس تعرف عادل امام وسعيد صالح.. ولكنها
المسرحية منحتهما النجومية.. وأيضا قدمتهما لأول مرة الى يونس شلبي وهادي
الجيار وأحمد زكي الذي ظهر مع مدبولي في مسرحية «هاللو شلبي».
كان يونس شلبي رحمه الله يعتبر عادل امام بوابة الحظ له ولعدد كبير من
أبناء جيله والأجيال التالية ويكشف لنا مفاجأة غير معروفة حيث جاء ترشيحه
لمسرحية المشاغبين عن طريق صلاح السعدني وهو لم يشارك في المسرحية.. لكن
هذا يدلك على ان هذه الأجيال كانت قريبة من بعضها وتتعامل بالحب.
وكان «شلبى» وقتها بالسنة الرابعة بمعهد الفنون المسرحية وقبلها اشترك في
مسرحية بعنوان (الغول) وكانت تعرض بمسرح الجيب.. وجاء صلاح السعدني يشاهدها
وتوقف أمام يونس شلبي واتصل بالمخرج جلال الشرقاوي الذي كان في هذا الوقت
يبحث عن وجه جديد يلعب دور ابن الناظر في المسرحية.. وأخبره الشرقاوي انه
يعرفه حيث يقوم بالتدريس له في معهد الفنون المسرحية.. ومن المعهد أيضا جاء
هادي وأحمد زكي.. وهذه هي ميزة الدراسة ان تكون قريبا من الأساتذة وهم
غالبا من كبار المخرجين في الحياة المسرحية.
ولأن المسرحية بدأ عرضها في مسرح «كوتا» بالاسكندرية فان «شلبي» تركها
مضطرا لأداء امتحانات المعهد وقام مدير المسرح حسن الوحش بدوره.. والحمدلله
حققت المسرحية نجاحا.. ولكنها بكل المقاييس كانت فاتحة خير لانطلاقنا في
السينما والمسرح بعد ذلك والأهم انها صنعت بين فريق العمل صداقة وعيش وملح
وأخوة.
وقد كشف يونس في أحاديث عديدة عن أكذوبة ان عادل امام كانت لديه غيره فنية
من موهبة أحمد زكي.. والذي اعتبره بعض النقاد رئيس جمهورية التمثيل.. ولا
أظن ان عادل امام الناجح مسرحيا وسينمائيا ينظر الى أحد على هذا النحو..
لكنه يحترمه ويحبه وقد انشغل كل واحد منا بأعماله بعد ذلك وكلنا أخذنا
بطولات سينمائية ومسرحية وتلفزيونية عديدة ثم ان المسألة في أولها وآخرها
أرزاق نحمد الله عليها.. والفن في حقيقة الأمر غير حياتنا ونقلنا من حال
الى حال ولذلك تأثرت بيوتنا بفترات المرض لأننا نعيش بقدر ما نكسب والناس
من حولنا تنظر الينا نظرات خاصة وأحيانا تحملنا فوق طاقتنا وقد جرى هذا
الحديث مع يونس -رحمه الله- قبل وفاته بأشهر.
فيلم للعلم
«أضواء المدينة»
إخــــــــراج: فطين عبدالوهاب.
قصة وسيناريو وحوار: علي الزرقاني.
تصوير: وديد سري.
مونتاج: حسن احمد.
تاريخ العرض: 9 يوليو 1972 بسينما ريفولي.
زمن الفيلم: 127 دقيقة.
الأبطال: شادية، أحمد مظهر، عبدالمنعم إبراهيم، إبراهيم سعفان، سهير
الباروني، أحمد رمزي ونادية لطفي.
«القصـــة»
>فيلم استعراضي غنائي كوميدي تدور فكرته حول مخرج كبير يبحث عن بطلة للقيام
بدور البطولة في فليم.. ويتسابق مجموعة من الأصدقاء لتقديم «سعاد» لتلعب
هذا الدور ويعرفون ان المخرج سوف يحضر حفلا كبيرا ويعدون سعاد لذلك لكي
تلفت انظاره.. ويتم اقناع «حوكشة» حارس احد القصور باستخدامه لعمل حفل
ودعوة المخرج باعتبار سعاد أميرة بالفعل.
النهار الكويتية في
02/08/2012 |