بدأت رحلة الفن في طفولتها من خلال الاعلانات والكليبات, ثم اتجهت
للمسرح الذي تعشقه وتدين له بالكثير, فقدمت العديد من الأعمال من خلاله.
تحلم الفنانة الشابة ميرنا درويش بأن تصبح نجمة صاحبة رسالة, ويحفل ارشيفها
باعمال مهمة... هنا تتحدث عن مسيرتها القصيرة وطموحاتها:
·
تستعدين حاليا للمشاركة في احدى
المسرحيات, فماذا عنها?
خلال أيام سيبدأ عرض مسرحية" القهر والخلاص" وألعب فيها دور "نورة"
الرومانسية التي تدعم حبيبها بكل ما لديها من اخلاص بعيدا عن أي مغريات
مادية.
·
كانت بدايتك من خلال المسرح,
فماذا عن هذه التجربة?
قدمت مسرحيتين, الأولى بعنوان " بحر البقر" وكانت بالفصحى, وجسدت دور
الأم الصامدة المعادية لاسرائيل, والثانية مسرحية "حكاية روح " وجسدت دور
الفتاة الأقرب في ملامحها للملائكة, ولكن الظروف تجبرها على الحياة في
الملاجئ وتعيش حياة الذل.
·
ماذا تعلمت من المسرح?
تعلمت الجرأة, وأن لا أخشى أحدا منذ اعتلائي خشبة المسرح,
ولا أبالي بالعيون التي تتبع كل خطواتي وتنصت لكلامي, وبجانب ذلك
تعلمت النظام والالتزام بالوقت واحترام الجمهور.
·
اذا عدنا لبدايتك, كيف كانت?
أحببت افلام الرسوم المتحركة منذ طفولتي حتى أنني كنت أقلد أصواتها,
وعندما بدأت أعي ما حولي, وعرفت ماهية التمثيل أحببته جدا, وتعلقت به
وأصبحت مدمنة لكل ما يعرض من أفلام, ومنذ ذلك الوقت شعرت بأنني لا أصلح الا
للعمل كممثلة, ورغم أنني قدمت مع بعض المخرجين عدة اعلانات وكليبات ولكني
لا أجد نفسي الا في التمثيل.
·
هل هناك فنانة كان لها الدور
الاكبر في عشقك للتمثيل?
اكيد السندريللا سعاد حسني, فمن عشقي لها أكاد أحفظ كل ادوارها,
وتعلمت منها التلقائية والجرأة والرومانسية.
·
اذا كنت تحبين التمثيل بهذا
الشكل, فلماذا التحقت بكلية التجارة وابتعدت عن دراسته بشكل أكاديمي?
هذا ما أسعي اليه, فلدي رغبة في التعمق في هذا المجال بالدراسة
والتدريب المستمر, دون الاكتفاء بالموهبة فقط, أما بالنسبة لالتحاقي بكلية
التجارة فهذا لأني احب بجانب الفن مجال البنوك رغم بعده عن الفن, وأتمني أن
أستطيع الجميع بين المجالين.
·
ألا تحلمين بالسينما?
بالطبع أحلم بها, وهناك أكثر من فرصة جاءتني منها فيلم" جدو حبيبي "
مع الفنان الكبير محمود ياسين وبشرى ولكن لظروف الدراسة اعتذرت عنه ونفس
الأمر تكرر مع فيلم " ابن القنصل" مع الفنان احمد السقا, وكنت وقتها أقترب
من الامتحانات فأعتذرت أيضا.
·
ما نوعية الأدوار التي تحلمين
بها?
كل دور يمنح من يشاهده الأمل والقوة والتحدي والتفاؤل, وذلك من خلال
الشخصيات القريبة مني مثل الفتاة الشقية والكوميديانة.
·
هل هناك أدوار معينة يصعب عليك
تقديمها?
أي ممثل يمكنه تجسيد كل الشخصيات وبالنسبة لي أميل أكثر للأدوار
العاطفية.
·
لماذا العاطفية تحديدا?
لأن الشخصيات العاطفية, ذات تأثير كبير على من حولها, ولديها القدرة
على احتوائهم.
·
هل يمكنك تقديم الاغراء?
أتمنى أن لا يعرض علي مثل هذه النوعية من الادوار ولكني أرى أنه مثل
أي دور ويمكن تقديمه شرط ان يكون مكتوبا بشكل جيد, ومن يخرجه يمتلك رؤية
فنية في تنفيذه.
·
إذن فأنت لا تمانعين من القيام
به?
اذا كان الدور سيقدم دون خدش حياء الجمهور سأقبله, وغير ذلك سأعتذر
عنه.
·
هل هناك مخرج معين تتمنين العمل
معه?
المخرج مجدي ابوعميرة, لأنه صاحب تاريخ فني كبير وعلم أجيالا كثيرة.
·
ما هواياتك?
السباحة, وربما يرجع ذلك لنشأتي في الاسكندرية حيث البحر.. كما أهوى
التسوق جدا, واعتبره متعة كبيرة في حياتي, وهناك أيضا عالم الانترنت فأنا
اقضي فيه ساعات طويلة لأتزود بأحدث الأخبار في مختلف المجالات, وأتحدث مع
أصدقائي, علاوة على متابعة أحدث ما وصلت اليه الموضة في كل مكان.
·
الى أي برج تنتمين?
الميزان, وهو برج اجتماعي, من أهم صفاته حب الناس والصدق والأمانه
والاخلاص, كما أنه رومانسي جدا وعطوف, وعندما يحب يغرق في حبه حتى الجنون,
كذلك يحب الهدوء, ويبحث دائما عن الأمان والاستقرار.
·
ما عيوبك?
أنا رقيقة جدا وحساسة لدرجة أنني من كلمة أو نظرة أبكي كثيرا, وأكاد
اشعر بأن دموعي أقرب من أي رد فعل..., ومن أهم عيوبي أيضا, القلق.
·
ماذا عن الحب في حياتك?
حتى الآن لم يدق قلبي لأحد, كما أن هذا الأمر لا يشغلني حاليا, وأسعي
أولا لأثبات نفسي كممثلة.
·
ما صفات فارس أحلامك?
أهم صفة أن يحافظ علي ويقدر حبي ويحبني, كما أتمناه صاحب شخصية قوية
وصادقة وروح جميلة لا تعرف النكد.
·
أخيرا.. ما أحلامك?
أحلم بالنجومية في الفن, سواء من خلال السينما أو المسرح أو
التلفزيون, والنجومية في قاموسي تعني أن يكون لدي رسالة أعمل على توصيلها
للناس, وان يستقبلونها بكل الود ويعملون على فهمها وتنفيذها.
السياسة الكويتية في
11/11/2011
أكثر من 300 ممثل و200 ديكور ونص ثلاثي الأبعاد
«مشرفة».. كيف تصنع مسلسلاً عظيماً؟!
شريف صالح
«مشرفة: رجل من هذا الزمان»، مسلسل غاية في المتعة، والعمق الفكري.
والمتعة هنا، ليست في رؤية الممثلات الحسناوات وملابسهن المثيرة، ورقصهن
ودلعهن، ولا في إطلاق «الأفيهات» المجانية والارتجالية، ولا الاستظراف حد
السماجة، ولا الحركات البهلوانية لغصب الجمهور على الضحك، ولا اختراع
شخصيات «قص ولزق» بكل المبالغات الممكنة، ولا سرد حكايات مملة عن الخيانة
الزوجية والفقراء الذين أصبحوا أباطرة. فكل ما سبق ليس سوى «استرزاق»
وتجارة باسم الدراما.
إنما المتعة الحقة، هي متعة روحية وعقلية، لا تتملق الغرائز السفلى بل
تتسامى بها، تجعلنا نتماهى مع حياة ومصائر أربعة شباب وشقيقتهم الكبرى،
وجدوا أنفسهم أيتاماً في مواجهة حياة صعبة، بعد أن توفي والدهم التاجر
المتدين إثر خسارته أمواله في بورصة القطن.
والأبناء الخمسة هم: علي (أحمد شاكر)، نفيسة (منال سلامة)، مصطفى
(ياسر فرج)، عطية (تامر يسري)، حسن (حسام فارس).
ورغم أن فرق السن بين الأشقاء ليس كبيراً، لكن «علي» يدرك أنه أصبح
أباً لأخوته، كما تدرك «نفيسة» أنها أصبحت أماً في سن مبكرة لأخوتها،
وعندما تتزوج من التاجر محمد بك الجندي، تحافظ على دورها المزدوج كزوجة لها
بيتها، رغم أن زوجها (مفيد عاشور) رجل «بصباص»، وكأم لأخوتها الصغار.
هذا هو المحور الدرامي الأول، فنحن أمام أسرة تنتمي إلى الطبقة
المتوسطة، بقيمها العريقة، فالوفاة المبكرة للأبوين كان من الممكن أن تذهب
بالأشقاء الخمسة إلى الفقر والضياع والانحراف. لكن تمسك الأخوة بمحبتهم
لبعضهم، وبالقيم التي تربوا عليها، كان عاصماً لهم من الضياع.
وتتلخص قيم الطبقة الوسطى الأساسية كما صورها المسلسل في: التضامن
الأسري واحترام الصغير للكبير وحدب الكبير على الصغير، حب الوطن دون مزايدة
أو ادعاء، التدين الفطري البعيد عن التعصب والمتاجرة بالدين، الإخلاص للعمل
وليس التكالب على المال وجمعه بأي طريقة كانت، الحرص على العلم والتعلم،
استغلال أوقات الفراغ في هوايات مفيدة مثل القراءة وعزف الموسيقى.
وإذا عدنا إلى رسم الشخصيات، سنجدها جميعاً تكرس تلك القيم، فثلاثة من
الأشقاء هم علي، مصطفى، وعطية حصلوا على شهادات الدكتوراه، والرابع «حسن»
أصبح ضابطاً كبيراً في البوليس، وجميعهم شاركوا في الحركة الوطنية إلى درجة
أن مصطفى اضطر إلى الهرب إلى انكلترا 15 عاماً لأنه كان مطلوباً من
الاحتلال. كما كانت لهم هوايات فنية وأدبية، فالأخ الأكبر علي كان موسيقياً
بارعاً، ومصطفى كان أديباً، وفي سلوكهم الاجتماعي ليس ثمة خروج على قيم
وتقاليد الطبقة الوسطى.
صورة رسمها الكاتب محمد السيد عيد والمخرجة المبدعة إنعام محمد علي،
بمثالية إلى حد ما، فعلى سبيل المثال يحافظ علي على استقلاليته كعالم ويرفض
التزلف للملك وحاشيته، كما يرفض التوسط لتعيين أخيه «عطية» في الجامعة،
والأمر نفسه يرفضه أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد، رغم أنه كان مدير الجامعة،
وصهر عطية في الوقت نفسه.
وجميعهم -باستثناء مصطفى- تزوجوا من أسر محافظة ومحترمة زواجاً
تقليدياً، وكانوا في سلوكهم وحوارهم ومداعباتهم وملابسهم نموذجاً للرصانة
والأناقة، رغم أنهم ليسوا أثرياء.
وتم إثراء هذا المحور عبر العلاقات العاطفية والإنسانية التي عاشها
الأشقاء، فالأخ الأكبر علي عاش قصة حب في منتهى الرقة والجمال مع الفتاة
الإنكليزية «ليز» (هبة مجدي) التي كانت في غاية الرقة والإحساس والعفوية،
لكن تحجر والدها الضابط الإنكليزي (أحمد خليل) وعنصريته ضد أبناء بلد محتل
من قبل بريطانيا العظمى، أجهض قصة الحب. ليتزوج مشرفة زواجاً تقليدياً من
«دولت» (هنا شيحة) سليلة عائلة الباشوات والزوجة الكريمة التي تساند زوجها
وتضحي من أجله بكل شيء.
أما مصطفى فعاش قصة حب رائعة في المنفى مع الممرضة التي كانت تساعده
في تجاوز مرض معضل أشبه بالشلل أو تيبس أجزاء من جسده، وهي هيلدا (نرمين
زعزع) التي أدت دوراً بمنتهى الذكاء والإحساس، لكن هيلدا تكتشف أنها عقيم،
ويصبح الحب على محك قدري رهيب، لكنهما يقاومان، وبعد الاستقرار في مصر
أثناء الحرب العالمية الثانية تتطوع هيلدا في جيش بلدها انكلترا، فيتورط
مصطفى غصباً عنه في حب فتاة بريطانية أخرى ويتزوجها بالفعل بعد انفصاله عن
هيلدا.
كذلك يعيش الشقيق الأصغر «حسن» قصة حب ملتبسة ومتوترة مع فتاة شعبية
هي «محروسة» (منة فضالي) عطف عليها في بداية حياته العملية كضابط ثم جمعت
الأقدار بينهما بعدما تزوجت محروسة وأصبحت ثرية، وظلت تطارده لكنه يقاوم
مشاعره حفاظاً على سمعته وأسرته.
إن الصورة المرسومة لعائلة مشرفة، تثير شجناً وحنيناً إلى مصر ما قبل
ثورة يوليو، فمن لا يتمنى الانتماء إلى أسرة بهذه الأناقة والروح والنضال
والإيمان. وهي أشبه بقصيدة شعرية مضادة لإفرازات ما بعد ثورة يوليو
والتحولات العنيفة التي عانى منها المجتمع المصري خصوصاً في عصري السادات
ومبارك، وأدت إلى انهيار الطبقة الوسطى، وتفكك نظام الأسرة، وتراجع
مكتسباتها وقيمها، فأصبح التدين غير التدين، وانفصل كسب المال عن قيمة
العمل، وحلت «الفهلوة» بدلاً من العلم، والثقة بدلا من الكفاءة. فمن بُلورة
أسرة مشرفة الصغيرة جداً نستطيع أن نرى وحل المستقبل الذي حل بمصر خلال
الستين عاماً التالية!
هذا المحور في حد ذاته يصنع دراما حقيقية، خصوصاً أنه اشتغل على
الجانب اليومي والتفاصيل الإنسانية، وقصص الحب. وليس من قبيل المبالغة أن
نجوم العمل، ومعظمهم من الشباب، قدموا واحداً من أفضل أدوارهم على الإطلاق،
بلا فذلكة، وكانوا في غاية الانضباط والوعي بشخصياتهم وتحولاتها، ومن الصعب
القول أيهم كانوا أكثر تميزاً عن الآخر.
بالطبع يحسب للمخرجة إنعام محمد علي براعتها في اختيار هذه الوجوه
الشابة، وحرصها على تناغم الملامح، إلى درجة أن المتفرج يعتقد أنهم أشقاء
فعلاً، وإصرارها على أن يخرج كل ممثل أفضل ما لديه، ويتعامل مع الدور حتى
لو كان عشرة مشاهد باعتباره بطولة مطلقة. وهذا ليس جديداً على مخرجة أبدعت
عشرات الروائع وعلى رأسها «أم كلثوم».
سيرة عالم
من عنوان المسلسل «مشرفة: رجل من هذا الزمان» ندرك بوضوح أننا أمام
سيرة أحد أعظم العلماء العرب على مر العصور، هو علي مصطفى مشرفة نابعة
الفيزياء والرياضيات، وصديق آينشتاين، والذي ولد في دمياط في 11 يوليو 1898
ورحل في 15 يناير 1950، دون الثانية والخمسين من عمره.
ويكفي أن نذكر أنه الصبي الذي نال شهادة البكالوريا وكان الثاني على
القطر المصري وعمره 16 سنة، والذي حرص على التفوق دائماً كي يحصل على منح
مجانية لاستكمال دراسته فلا يحتاج إلى مساعدة أحد، ورغم تفوقه العلمي آثر
الدراسة في دار المعلمين العليا وليس في الطب والهندسة، فحصل على المركز
الأول ما أهله للابتعاث إلى بريطانيا، فحصل على بكالوريوس في الرياضيات من
جامعة توتنغهام في ثلاث سنوات بدلاً من أربعة، ومع اشتعال ثورة 19 كتب إلى
صديقه مصطفى النقراشي راغبا في العودة إلى وطنه للمشاركة في الثورة لكن
النقراشي قال له: «نحن نحتاج إليك عالماً أكثر مما نحتاج إليك ثائراً»!
ونظراً لنبوغه اقترح أساتذته على وزارة المعارف المصرية أن يكمل
تعليمه في الكلية الملكية في لندن، عرين نوابغ العلم في انكلترا، ومنها حصل
على شهادة الدكتواره في فلسفة العلوم عام 1923 ( في عمر 25 عاماً فقط) على
يد أستاذه السير تشارلز ويلسون الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء، وفي
العالم التالي وخلال ثلاثة أشهر فقط حصل مشرفة على درجة دكتوراه العلوم وهي
أعلى درجة علمية، ليصبح بذلك أول عالم مصري وعربي يحصل على هذه الدرجة.
ورغم العروض التي تلقاها في فترات مختلفة من عمره للعمل في أوروبا
وأميركا، لكنه آثر العودة إلى وطنه كي ينفع الأجيال المختلفة بعلمه، فأصبح
أول عميد مصري لكلية العلوم وهذه المناصب كانت حكراً على الإنكليز، وتتلمذ
على يديه العديد من النوابغ أشهرهم محمد مرسي، عطية عاشور وسميرة موسى. كما
نشر عشرات المقالات في الصحف وقدم عشرات الحلقات الإذاعية لتوعية الجمهور
العام بأهمية العلم ودوره في نهضة الأمم، وكان من أوائل العلماء الذين
أدركوا أهمية الذرة في مجالات السلم والحرب.
تلك السيرة الفذة، شكلت المحور الرئيس للمسلسل، ورغم جفاف المادة
العلمية التي تتعلق بالذرة ونظرية النسبية، والحياة النمطية التي يعيشها
عالم يقضي كل وقته في مكتبه، إلا أن الكاتب والمخرجة مزجا ببراعة ما بين
جفاف السيرة العلمية، والتفاصيل الإنسانية والحياتية، مثل تأخر حمل زوجته
ثم تعرضها للإجهاض، والمنافسة مع بعض زملائه خصوصا صديق عمره د.أحمد زكي
رائد علم الكيمياء وغيرته الحميدة من تفوق رفيق دربه. كما تم تبسيط بعض
الأفكار العلمية وتفكيكه من خلال الحوار اليومي مع زوجته دولت المهتمة
بتشجيع زوجها ومناقشة أفكاره والاستفادة منه.
لكن لا يعني النبوغ أن الطريق أمامه كان مفروشاً بالورد، فأحد
الأساتذة الإنكليز (يوسف فوزي) كان حاقداً على تفوقه مثبطاً له على الدوام،
والبعض اشتكى من تعيينه عميداً لكلية العلوم وهو في الثامنة والثلاثين من
عمره، ووصل الأمر إلى مجلس الأمة فدافع عنه سعد زغلول بنفسه.
وعندما وصل إلى منصب وكيل الجامعة والقائم بأعمال مدير الجامعة، تعرض
لحرب شعواء من الملك فاروق لأنه انتقد سياسته خصوصا حادث 4 فبراير، ولأنه
لم يقدم فروض الولاء والطاعة خصوصا بعدما منحه الملك لقب الباشاوية، لأن
مشرفة كان مؤمناً بأن لقب العالم أقدس وأجل.
لكن ضغوط الملك ضده كانت حادة وقاتلة، بعد الوقوف ضد حصوله على جائزة
الدولة في الرياضيات مرتين، ومنعه من المناصب القيادية، والتضييق عليه، ما
انعكس على صحته ونفسيته، حتى أنه فكر في نهاية العمر في الهجرة إلى أميركا
لكن القدر لم يهمله، وقضى إثر أزمة قلبية وهو يجلس في الصالون وطفلته
الصغيرة دون الأعوام الثلاثة تداعبه في مشهد مؤثر.
هذا المحور بالغ الأهمية، لأنه يعيد إلى وعينا قيمة العلم، وأن
العلماء ورثة الأنبياء هم المفتاح الحقيقي لأية نهضة. وتلك رسالة واضحة أكد
عليها صناع المسلسل، كما لفتوا الأنظار إلى واحدة من أخطر القضايا وهي
استقلالية الجامعة بالمعنى الحقيقي للكلمة بعيداً عن ضغوط الحكومة وأجهزة
الأمن والمزايدات السياسية المختلفة، وهنا لعب أحمد لطفي السيد (عبدالعزيز
مخيون) أول رئيس مصري للجامعة، وطه حسين (إبراهيم يسري) دوراً نضالياً في
الحفاظ على الاستقلالية وعدم الرضوخ للضغوط واضطرارهما إلى الاستقالة. وهما
ممثلان مخضرمان أديا أداء متميزاً، وقدم يسري تحديداً واحداً من أفضل
التجسيدات لشخصية عميد الأدب العربي.
ثورة وفساد
نأتي إلى المحور الثالث للمسلسل، ونعني به السياق السياسي والعصر
المضطرب الذي عاش فيه مشرفة عمره القصير نسبياً، فلعلها مصادفة تاريخية أن
ينال درجة الدكتوراه عام 1923 وهو نفس العام الذي أثمرت فيه ثورة 19 عن
إصدار دستور مصري، ربما يكون الأفضل بين الدساتير اللاحقة، وتحجيم الوجود
البريطاني.
في هذا المناخ الوطني الجامح، ربطت مشرفة صداقة وطيدة بين اثنين من
تلامذة سعد زغلول هما مصطفى النقراشي ومكرم عبيد، كما ربطته صداقات مع
مشاهير عصره مثل الموسيقار عبدالوهاب. وفي تلك الأجواء نرى الحس الوطني
والزعامات في مجالات مختلفة، مثل سيد درويش في الموسيقى، مصطفى النحاس في
السياسة وأدى دوره باجتهاد طارق عبدالعزيز.
ونرى الفساد والصراعات التي عصفت بحزب الوفد قائد الحركة الوطنية، عقب
وفاة سعد، وخلال زعامة النحاس وانقسام رفاق الدرب إلى وفديين وسعديين وغير
ذلك، ومحاولات الملك فاروق الحثيثة للتخلص من زعامة النحاس التي كانت اشد
تأثيراً من زعامته، بتأليب رفاقه عليه واستقطابهم وتشجيع الانشقاقات
والائتلافات الحزبية الصغيرة، لتعيش مصر حالة من الغليان السياسي من
محطاتها اغتيال أحمد ماهر باشا ثم النقراشي باشا، وحادث 4 فبراير، وغير
ذلك، لتأتي وفاة مشرفة المباغتة تزامناً مع نهاية عصر بأكمله.
ولاشك أن وضع شخصية مشرفة في سياقها التاريخي والسياسي، أضفى على
المسلسل حيوية وثراء درامياً، ورسم لوحة بانورامية لواحدة من أكثر مراحل
التاريخ المصري خصوبة، ولا تخفى الرسائل المبطنة التي بلورها صناع العمل
لتحاكي اللحظة التاريخية الراهنة.
فضاء الصورة
أكثر من ربع قرن من الأحداث والصخب والنضال على مستوى مجتمع كامل،
وأسرة صغيرة، عبر 34 حلقة وحوالي ثلاثمئة ممثل، ومئتي ديكور، من البيوت
والجامعة والشوارع، ما بين بريطانيا ومصر، فنحن إذن أمام ملحمة درامية
بصرية.
وعلى الرغم من غلبة المشاهد الداخلية، بحكم طبيعة الشخصيات خصوصا بطل
المسلسل علي مصطفى مشرفة الذي أداه بحب وإخلاص أحمد شاكر في دور عمره، إلا
أن المخرجة كسرت ذلك بالعديد من المشاهد المفتوحة والخارجية، على صعوبة
استعادة فترة زمنية مرت عليها ستة عقود.
إن تسيد المشاهد الداخلية، أعطى الأولوية للكوادر المتوسطة من أسفل
الكتفين للممثلين، لكنها مرسومة بعناية وحميمية ودفء الإضاءة، ونعومة
الحركة والقطع، والحرص على التوتر الدرامي في كل مشهد، والحفاظ على إيقاعه،
دون الترهل المعتاد في الثرثرة التلفزيونية، ودون أيضا السرعة المبالغ فيها
والتي تتجافى مع زمن وطبيعة الأحداث. وفي معظم تلك المشاهد ثمة إيهام بعمق
المجال من خلال الإضاءة أو ظهور شخصية ما أو توجيه العين إلى قطع الديكور.
وابتعدت إنعام عن استعراض عضلاتها الإخراجية بكوادر قد تكون جميلة في
ذاتها لكنها منفصلة عن التكوين الدرامي للمشهد، وهذا التأطير المحكم ساعد
كل ممثل على الإبداع في تجسيد شخصيته والعناية بتفاصيل الأداء.
قد تكون ثمة هنات، لأن الكمال لله وحده، فمثلا اجتهاد طارق عبد العزيز
في أداء شخصية النحاس، لم يكن مقنعا بالنسبة لي في إبراز الكاريزما الخاصة
بأهم زعيم سياسي عرفته مصر طيلة ربع قرن، وبعض الديكور والأزياء والإضاءة
لم تعط ذلك الإحساس بالعتاقة والقدم ورائحة ذلك الزمن، ربما لأنها أنيقة
ومصقولة بعناية، وأيضاً شخصية النقراشي التي قدم بهاء ثروت دور عمره من
خلالها، عرضت بصورة ثورية ومثالية ووطنية رغم أنه من الشخصيات التاريخية
المثيرة للجدل، ففي عهده تم حل جماعة الإخوان وحادث كوبري عباس المأساوي،
والهزيمة في فلسطين وإعلان دولة إسرائيل، كذلك فإن مشاهد مشرفة في بيته غاب
عنها أطفاله أكثر مما يجب.
عدا ذلك، ليس غريباً أن يعتبر البعض «مشرفة: رجلاً من هذا الزمان»
أفضل مسلسل قدم في رمضان، أو أحد أعظم المسلسلات العربية، ودون أية مبالغة
في رد الفعل، فالمسلسل جدير بأن تشاهده كل أسرة عربية وتحرض أولادها
وشبابها على مشاهدته، للقيم الأسرية والعلمية والسياسية التي يطرحها والتي
نحن أحوج ما نكون إليها، وللمستوى الفني تمثيلاً وإخراجاً وتنفيذاً، وأيضاً
للكتابة الدرامية الاحترافية التي سبكت المحاور الثلاثة: الأسرة، السيرة
العلمية، والعصر السياسي، بذكاء وسلاسة وإبداع، وهذا ليس غريباً على أديب
وكاتب درامي مخضرم مثل محمد السيد عيد، فهو ليس ممن يسلقون نصوصهم في عدة
أسابيع، بل يكتب بعد قراءة وبحث ووعي بموضوعه.
ويا ليت تتم استضافة هذين الاسمين الكبيرين في الكويت، خصوصا أن
تلفزيون الكويت كان أول قناة عربية تبادر بعرضه بالتزامن مع التلفزيون
المصري، لكن للأسف دون أي دعاية تليق به! ونعني بالاستضافة هنا إقامة ورشة
يتعلم منها الشباب الراغب في إبداع دراما محترمة وليس تلك الأعمال التي لا
طعم ولا معنى لها سوى تضييع الوقت. وأخيراً تبقى الإشارة الطريفة أن
المسلسل إنتاج «حكومي»، وكلفته ليست فلكية، واشتراه تلفزيون الكويت بمبلغ
زهيد! في حين أن أعمالاً أقل ما توصف به أنها «تافهة» تسوق بمبالغ فلكية!
لماذا؟ الإجابة عند من يبيع ومن يشتري؟!
Sherifsaleh2000@gmail.com
النهار الكويتية في
11/11/2011 |