على الرغم من أن تجربته الفنية التي انطلقت قبل نحو 15 عاما بدأها من
التمثيل ومن أمام الكاميرا؛ فظهر في كثير من الأعمال التلفزيونية الكوميدية
والاجتماعية المعاصرة وغيرها، فإنه، وفي السنوات السبع الأخيرة، قرر أن
يكون خلف الكاميرا مخرجا وليس ممثلا، ويبدو أن اختياره كان موفقا، حيث قدم
كمخرج كثيرا من المسلسلات التلفزيونية السورية الاجتماعية المعاصرة
والشامية والتاريخية والكوميدية، فكان، وحسب كثير من المتابعين لتجربته
الفنية من نقاد ومهتمين، ماسكا لكل أدوات الإخراج وفاهما لمتطلباته
ومفرداته من حيث إنه يجب أن يكون المايسترو والقائد في أي عمل تلفزيوني
ليضبط إيقاعه ويوصله لبر الأمان، منجزا بالشكل التقني والإبداعي المطلوب
والمرجع الهادئ للعاملين معه من ممثلين وفنيين بما يحقق مقومات النجاح
والتميز ويترك بصمته على العمل التلفزيوني، في ظل وجود منافسين أقوياء له
في مجال الإخراج الدرامي السوري. إنه الفنان والمخرج السوري سيف الدين
سبيعي، الذي التقته «الشرق الأوسط» في دمشق فكان الحوار التالي:
·
ما هي الأعمال الجديدة التي
أخرجتها أو تخرجها حاليا؟
- انتهيت مؤخرا من تصوير مسلسل «تعب المشوار»، وهو عمل اجتماعي معاصر يتحدث
عن التعب الذي يصادف مختلف الأجيال بسبب الجري وراء تحقيق الأحلام،
والانكسارات التي تصيب مختلف الأعمار، وهو من تمثيل مجموعة كبيرة من
النجوم، ومنهم عباس النوري وباسم ياخور وكاريس بشار وديمة قندلفت وآخرين،
وإنتاج شركة «بانه»، وأحضر حاليا لإخراج مسلسل «طالع الفضة»، وهو اجتماعي
تاريخي، وليس له علاقة بالبيئة وعناصر البيئة على الرغم من أن أحداثه تجري
بين أعوام 1914 و1920 أيام سفر برلك، وتجري أحداثه في حارة تحمل نفس الاسم،
وتقع في آخر سوق مدحت باشا بدمشق القديمة، وكانت تضم أناسا يعيشون مع بعضهم
ينتمون للأديان السماوية الثلاثة؛ يهودية ومسيحية وإسلام، وهو يقدم قصصا
اجتماعية بقالب تاريخي، والعمل من تأليف الكاتبة عنود خالد زوجة الفنان
عباس النوري.
·
أخرجت أعمالا من البيئة الشامية،
مثل الجزء الثاني من «أهل الراية» و«الحصرم الشامي»، هناك رأي للكثير من
المتابعين والمهتمين أن هذه الأعمال خيالية وفانتازيا شامية؟
- «الحصرم الشامي» ليس عملا من البيئة، بل هو تاريخي، وتجري أحداثه في
دمشق، وباللهجة الشامية، وشخصياته موثقة وحقيقية، وفيما يتعلق بأعمال
البيئة، وعلى الرغم من أنني أخرجت أحدها، وهو الجزء الثاني من «أهل
الراية»؛ فلي رأي في هذه الأعمال، وهي أنها «قصص جدات»؛ فلا المكان حقيقي،
وكذلك الزمان والظرف ليسا حقيقيين؛ فهي كلها قصص متخيلة الهدف منها تحفيز
شعور النخوة لدى الناس من خلال قصص خيالية لم تحصل ولن تحصل، وخطر بذهني أن
أكتب في مقدمة عمل «أهل الراية» في الشارة أن هذه القصة لم تحدث ولن تحدث.
·
ولكن هذه الأعمال حققت جماهيرية
واسعة؟
- أنا شخصيا بت أخاف من مقولة الجماهيرية، ولم تعد تعنيني، لأن الذائقة
العامة في تراجع، ولذلك صرت أشعر بأن العمل عندما يصير جماهيريا فهو
بالضرورة عمل متراجع، ولذلك صار لدي تصور هنا، هو أن أي عمل أخرجه أرغب في
أن أرى أناس أحبته، والعكس بالعكس، وهذا ما حصل في مسلسلي «الخوف»
و«العزلة»، وأرى هنا أن العمل الذي يحبه الناس جميعهم هو عمل سيئ فنيا.
·
ولكن يقال إن أعمال البيئة
الشامية خدمت الدراما السورية وانتشارها؟
- هذه الأعمال أضرت بتاريخ دمشق وبتاريخ المجتمع السوري، وقزمّت شكل المرأة
والرجل وصورتيهما لدى الجمهور، ودمشق مدينة أعقد بكثير مما قدمته هذه
الأعمال؛ فهي أعقد من «حارة الضبع» ومن «القبضايات»، ولكن هناك نقطتان
إيجابيتان لها وهما أنها عملت تسويقا للممثلين وللهجة الدمشقية.
·
هل إذا عرض عليك إخراج عمل بيئي
شامي لن تقبل؟
- قطعا، لن أخرج بعد اليوم وفي حياتي أي عمل بيئي شامي، وهذا قرار نهائي لا
رجعة عنه.
·
هناك منافسات قوية تواجه الدراما
السورية، ومنها الأعمال المدبلجة والدراما المصرية والدراما الخليجية ما
رأيك بذلك؟
- هذا أمر طبيعي؛ فالدراما المصرية تراجعت لفترة، ولكنها عادت بقوة كما حصل
في العام الماضي، والدراما الخليجية تتطور باستمرار، إضافة إلى أن المحطات
التلفزيونية الرئيسية هي خليجية، أما الدراما التركية فهي خيار وتقدم
باللهجة السورية، ولذلك في رأيي أن حماية الدراما السورية تنبع من إيجاد
سوق حقيقية لها في سورية، مثل اعتماد المصريين على محطاتهم التلفزيونية،
حيث حموا أعمالهم بمحطاتهم، ويمكن بكل بساطة أن يكون في سورية عشر محطات
ستستوعب كل الإنتاج الدرامي السوري، حيث لدينا نماذج حياة مختلفة، ولدينا
غنى بالتشكيلة الاجتماعية بشكل يساعدنا على تأسيس كثير من المحطات
التلفزيونية، وهذه الطريقة الوحيدة لحماية الدراما السورية، وإلا ستتحول
إلى منتج غير مرغوب، أو ستقل الرغبة عليه في ظل وجود هذه المنافسة الكبيرة.
·
هل عُرض عليك إخراج عمل درامي
مصري؟
- عرض علي نحو 4 أعمال، ولكنني اعتذرت لأن النصوص لم تعجبني وأنا لست ضد
العمل مع الدراما المصرية، حيث أعمل في أي مكان إذا كان المشروع جميلا
والنص جميلا، ولذلك ما عرض علي لم يعجبني على الصعيد الفني، ولم أجد أنه
أهم مما أخرجه هنا في سورية، ولذلك عندما أجد العمل المميز، فسأخرج عملا
مصريا.
·
كيف تنظر لتجربة المخرجين
السوريين مع الدراما المصرية؟
- في رأيي أن التجربة الوحيدة المختلفة والمتميزة هي تجربة حاتم علي في
الملك فاروق، ولا يمكن اعتبار العمل مصريا لأن الإنتاج سعودي وبطله سوري،
وهناك مشاركة ممثلين مصريين، وقد قدمت مقترحا مختلفا وخدمت الدراما
المصرية، أما تجربة المخرجين الآخرين فلم أرها متميزة، ولم تضف شيئا
مختلفا، ولذلك تجاربهم لا تذكر، وهي عادية، ومرت مرور الكرام ولم تعمل
تحولا في الدراما.
·
يلاحظ أنك تعاملت مع العملية
الإخراجية بإتقان ومهارة، وهناك رغبة لكثير من الممثلين في العمل معك، كيف
ترى هذا الأمر؟ وما هي أدوات التميز الإخراجي لديك؟
- الحمد لله، أنا أتمنى أن يعمل جميع الممثلين معي، وفي رأيي أن هذا الشيء
سببه الأرضية الصلبة التي أوقفني عليها المخرج هيثم حقي، وهي بشكل أساسي
الثقافة، حيث كان المحرض الأكبر لي لأن أكون مخرجا؛ يعرف ماذا يعمل وأهم ما
علمني هيثم حقي هو أن أجيب على أي سؤال أتعرض له؛ فأي شيء أعمله في الإخراج
يجب أن يكون جوابه حاضرا، وهذا الأمر جعلني أعمل بمسؤولية وأعرف أين أضع
الكاميرا وأحركها في الاتجاه الصحيح، ولذلك الممثل يرتاح عندما يشعر أنه
يعمل مع مخرج يعرف ماذا يريد؛ فيقرر أن يكون معه بكل تفاصيل الدور، لأن
الممثل بحاجة دائمة لمن يراقبه بالشكل الصحيح.
·
يقال إن المخرج الديكتاتوري
العصبي يبتعد عنه الممثلون.
- في رأيي أن كل شيء له علاقة بالعصبية يكون ناتجا عن قلة ثقة بالنفس،
ولذلك يحاول أن يغطي هذا الشيء بالصراخ وبترهيب الناس، بينما كلما كان
المخرج يعرف ماذا يعمل ويعرف ماذا يريد؛ فلا حاجة للصراخ ولا للديكتاتورية؛
فعندما يأتي ممثل ولديه اقتراح، فإذا كان متناسبا مع وجهة نظر المخرج للنص
فيجب على المخرج الأخذ بهذا الاقتراح، أما إذا لم يتناسب فيقول له «لا يمشي
الحال للأسباب كذا وكذا»، فلماذا يرد المخرج على اقتراح الممثل بديكتاتورية
وعدم اكتراث، لماذا لا يبرر له عدم قبوله لمقترحه بكل بساطة وهدوء؟
·
ما صفات المخرج المجتهد والناجح
في رأيك؟
- الثقافة.. فلا يجوز أن يكون مخرجا وغير مثقف، ولا يجوز ألا يعرف بكل شيء؛
حتى الطبخ والسياحة والكتب والروايات والأدب والرسم، فسلاح المخرج الثقافة،
فلا يمكن أن أرى مخرجا لم يقرأ على الأقل 200 رواية، كيف يمكن أن يكون
مخرجا ولم يقرأ عشرات الروايات ومئات المسرحيات؟! كذلك عليه أن يكون متابعا
للتطورات والأحداث فمهنة الإخراج مهنة لا تنتهي عند حد معين، وأي مخرج يشعر
أنه وصل لذروة المهنة فعليه أن يتقاعد عن العمل الإخراجي، فالمطلوب من
المخرج أن يظل يتعلم طيلة حياته، حتى لو صار في الثمانين من العمر، المخرج
العالمي ريدلي سكوت عمره في السبعينات وما زال يقدم مقترحاته.
·
ما رأيك بتجربة الممثلين
المخرجين؟
- هناك تجارب نجحت وأخرى فشلت وتوقفت، وعرف الممثل أنه ليس مخرجا؛ فالعمل
الإخراجي متعب، والبعض من الممثلين يعتقد أن العملية الإخراجية نزهة،
فيدخلها، ولكنه يشعر حينها بتعبها وكيف عليه الاستيقاظ مبكرا ومتابعة
الكادر والممثلين، فيعدل عن العملية الإخراجية.
·
ما رأيك في الدراما المدبلجة؟
- هي تشبه أي شيء سائد يحبه الناس، وكما تستفز الدراما الشامية النخوة لدى
الناس فإن الدراما التركية المدبلجة اخترعت عالما رومانسيا طويلا وممطوطا
ومملا، ولكن الناس تحب متابعته بشكل يومي، ولكنه يبقى عالما رومانسيا فيه
الحب والعلاقات المتباينة من «زعل» وأحداث طويلة، مرة شاهدت حلقة كاملة من
عمل مدبلج لم يحصل فيها أحدث! ولذلك يكون المسلسل مائة حلقة وأكثر، ولكن
يبقى لها فوائد، حيث وفرت فرص عمل لممثلين كثر لم يكونوا يعملون في
التلفزيون وكانوا يعيشون من الإذاعة أو من مشاركات بسيطة، ولذلك الدراما
المدبلجة فتحت باب رزق، ولذلك هي شيء جيد.
·
أخرجت كل أنواع الأعمال
التلفزيونية؛ أين تجد نفسك؟
- في النص الجيد مهما كان نوعه، حتى لو كان بدويا، فعندما يكون معك ورق جيد
يكون المسلسل جيدا، أما إذا كان الورق ضعيفا فلن يخرج عملا تلفزيونيا جيدا،
ولذلك مهما كانت المادة ونوعها فإنها تغريني إذا كانت جيدة وبنية النص
جيدة، حيث لا يوجد لدي تحفظ على أي نوع درامي ولا على المكان، في ظل وجود
النص الجيد.
·
حتى لو كان هناك أفكار ونصوص
مكررة؟
- أفكار ماذا؟ لم يعد هناك أفكار جديدة، فكلها مكررة، مثل الحب والزواج
والطلاق والخيانة وغيرها، كلها قدمت عبر تاريخ الدراما، ولكن طريقة تناولها
وعرضها هنا هو المختلف ما بين العمل والآخر.
·
ما العمل الذي كنت ترغب في
إخراجه، ولم تتح لك الفرصة لذلك؟
- لا أرى أن هناك عملا كبيرا تمنيت أن أخرجه أنا وأخرجه غيري، ولكن هناك
عمل قديم تمنيت لو كنت أخرجته، وهو مسلسل «وادي لمسك» وكنت طفلا عندما قدم،
حتى إنني ظهرت في مشهد فيه أسير وأنا طفل بجانب والدي في الحارة، وحتى الآن
لدي رغبة في إعادته كإخراج جديد، ومن الممكن أن يحصل ذلك من خلال ممثلين
جدد.
·
هناك ظاهرة حاليا في الدراما
السورية، وهي إعادة إنتاج وتصوير أعمال قديمة، مثل «أسعد الوراق» و«دليلة
والزيبق»؛ كيف تنظر لهذه الظاهرة؟
- في رأيي أن إعادة مسلسل «أسعد الوراق» أضر به، لأن حكايته بسيطة وصغيرة،
وما أساء له هو تقديم عالم آخر ليصبح العمل أطول وفي ثلاثين حلقة، وهذا ما
أضر بحكايته الأساسية التي قدمت في سبع حلقات فقط، ولذلك لم أكن مع هذا
العمل وإعادته بهذا الشكل، أما إعادة إنتاج وتصوير أعمال قديمة فهذه طبيعية
وموجودة في كل الأمكنة والبلدان، حيث أعيد تصوير أفلام سينمائية عالمية
لمرتين وثلاث.
·
هل لديك هوايات أخرى؟
- أحب الغناء، ولدي فرقة، وأغني معها، ولكن لا أقدم نفسي كمطرب، بل أغني
ضمن إطار هذه الفرقة، واسمها «مرمر»، وتقدم حفلات ونحضر لألبوم غنائي جديد
سيظهر في شهر فبراير (شباط) المقبل، وهي تقدم موسيقى غربية شبابية، ولكن
كلمات أغانيها عربية، ومواضيعها سورية. ولدي هواية القراءة ومشاهدة أفلام
بكثرة، ولكن أعمالي لا أشاهدها عند عرضها، حيث أكون قد شاهدتها عدة مرات في
المونتاج والمكساج وغير ذلك، فلا أطيق مشاهدتها على القنوات التلفزيونية.
·
كيف هو وضعك العائلي؟
- لدي وزوجتي، سلافة معمار، طفلة بعمر أربع سنوات، واسمها «دهب».
·
هناك من يتساءل عن سبب انخفاض
وزنك بشكل كبير في السنة الأخيرة؛ ما الأسباب؟
- خفضت وزني 44 كيلوغراما، ووصلت حاليا لوزني الطبيعي، وقد أجريت عملية
تصغير معدة.
الشرق الأوسط في
04/02/2011
«حرب»
القنوات
مالك القعقور
الوصف الذي يمكن المشاهد العربي أن يطلقه على ما يجرى في محطات
التلفزة العربية،
الفضائية والأرضية، المنشغلة بتغطية الأحداث التي تجرى في مصر هو «حرب
القنوات».
فالمعركة السلمية الى حد بعيد، لا يبدو أن رحاها تدور في ساحات
القاهرة وشوارعها
وكذلك في مدن مصرية أخرى فقط بل أيضاً على الشاشات العربية التي انقسمت إلى
اثنين:
قسم يوالي النظام، وقسم يؤيد التحركات
الشعبية لئلا نقول يعارض النظام.
فالقسم الأول لم يقتصر على الإعلام الرسمي المصري الذي لم يتحرر من
سلطة النظام
عليه، بل شمل وسائل إعلام عربية فضائية لها صفة المحطة الإخبارية، إنما بدا
واضحاً
من خلال متابعتها وتغطيتها أنها لم تكن مهنية تماماً لئلا نقول إنها لم تكن
منصفة.
والتلفزيونات التي دارت في هذا الفلك، ودخل معها بعض المحطات الذي
طالما تخصص
بالمسلسلات والمنوعات مؤازراً التلفزيون الرسمي المصري بنقل صورته وأخباره
ومحلليه،
كانت تختار ضيوفها ممن لهم ملاحظات ومواقف من التحركات الجارية والمندمجين
فيها
والمنظمين لها، وراحت تفتح لهم مجال بثها ليكرروا شعارات عمّرت
عقوداً.
وكذلك جعلت هذه المحطات أخبار السرقة و«البلطجة» التي حدثت غداة
اندلاع الأحداث،
الخبر الأول وراحت تبثه وتكرره وتضخّمه حتى يكاد المشاهد يظن أن هدف ما
يجرى هو
السرقة والبلطجة وان المتظاهرين بلطجيون وسارقون. ولكن حين عرضت تلك
المحطات نفسها
في اليوم التالي بضعة شبان قيل إنهم أوقفوا بتهمة السرقة، أدرك المشاهد أن
الأمر
خلاف ذلك، وأن هؤلاء الشبان أصبحوا في تلك اللحظة مجنياً عليهم
من قبل التلفزيونات
التي وافقت على إصدار الأحكام بحقهم وتنفيذها تشهيراً، من دون محاكمة.
أما القسم الثاني فانساق كثيراً وراء الأحداث وراح يهاجم النظام علماً
أن هذا
الإعلام لا ينطق باسم المواطنين ولا يمكنه أن يكون مصرياً أكثر من المصريين
أنفسهم.
فضخّم الأمور بطريقة جعل المشاهد يعتقد أن
النظام سيسقط في اليوم التالي ولن يبقى
صامداً 10 أيام (حتى الآن).
لكن النظام بقي قادراً على إصدار قرارات طاول بعضها هذا الإعلام وأوقف
بثه كما
راح يطلق المبادرة «الإصلاحية» تلو المبادرة علّه يقنع جمهور الملايين من
الشعب
المصري بأنه منحهم ما يطالبون بتحقيقه.
وعلى رغم هذا الأداء الذي لم يكن مهنياً تماماً، فإن الجهد الذي يبذله
الإعلام
العربي كبير ويستحق التقدير مع الأخذ في الاعتبار أن بوصلة المهنية تضيع
أحياناً في
العواصف، لكن على هذا الإعلام أن يعيد بعد فراغه من مهامه الميدانية، النظر
في
التجربة وتقويم أدائه ليخلص إلى اعتماد نهج يعتمده في الملمات
وبخاصة حين تكون داخل
البيت، على أن يكون أساسها القاعدة القائلة إن الإعلام ناقل للحدث وليس
صانعاً
له.
الحياة اللندنية في
03/02/2011
عندما تحولت 'الجزيرة' الى 'صوت الثورة'
سليم عزوز
يصنع المصريون في هذه اللحظات أروع ملحمة، عندما يواجهون بصدور
عارية، وقلوب مطمئنة لنصر الله، مليشيات الحكم، التي تود أن
تحقق بالملابس المدنية،
ما عجزت عن تحقيقه بالزي العسكري.
أكتب هذه السطور، في صباح الخميس، وبعد يوم
دام، حاولت فيه المليشيات التي تتبع الحزب الحاكم، استرداد ميدان التحرير،
ففشلت
بعد أكثر من ثماني ساعات، وبعد ان استخدموا القنابل الحارقة والسيوف
والخيول،
وأعادونا إلى زمن الليل والخيل والبيداء تعرفني، وكان في
مواجهتهم شباب وشيوخ
وأطفال.. نعم أطفال، فأصابوا المئات، لكنهم في النهاية فشلوا في مهمتهم،
وأظن أنهم
سيعيدون الكرة من جديد، فمبارك يريد أن يحكم حتى آخر نفس لآخر مواطن مصري.
بعد
خطاب 'سيد العاطفي' الذي استمعت إليه عبر مذياع لسيارة شرطة، في طريق عودتي
إلى
منزلي، سيراً على الأقدام، فالقاهرة تعيش في ظل حظر التجول،
استقر الرأي عندي على
ضرورة الدعوة لوقف المظاهرات فقد حققنا نصف نصر، بعد أن أعلن الرئيس أنه
يريد فقط
تسعة شهور إلى حين نهاية دورته الحالية، وانه لم يكن ينتوي الترشح أصلا
لدورة
جديدة، مع أنه سبق له أن أعلن انه سيكتم على أنفاسنا، 'ما دام
هناك قلب ينبض وروح
تخرج'، وقلت: لا بأس.
وكانت دعوتي إلى ضرورة، وقف المظاهرات وترك المفاوضات
السياسية تأخذ مجراها، لاسيما وأنني عندما عدت إلى منزلي استمعت إلى أبو
العز
الحريري عبر قناة 'الجزيرة' وهو يعلن ان هناك مليشيات قامت باقتحام مظاهرات
الإسكندرية بالسيوف والسلاح الأبيض، فقلت فلنفوت الفرصة على
'نيرون'.
في صباح
الأربعاء تأكد لي أن الرجل يريد هدنة معاوية، وبعدها يلتقط الأنفاس ليواجه
معارضيه،
وكانت المظاهرات التي خرجت لتقول له: نعم، كاشفة عن حيلته، فعندما يحين
الحين يتم
تسيير مظاهرات تعلن تمسكها به، فيقبل دورة جديدة نزولاً عند
رغبة الجماهير.
في
طريقي إلى ميدان 'التحرير' صباح الأربعاء شهدت حالات من التحرش
من بلطجية الحكم
بالمتظاهرين، وكان الشباب يتعامل معهم برقي، لا يصلح أصلاً مع 'المسجلين
خطر'،
الذين يستعين بهم الحزب الحاكم في العملية السياسية، وعندما اختفت الشرطة،
لتنفذ
الخطة التالية القائمة على السلب والنهب وإشاعة الفوضى، تم فتح السجون
وإخراج 17
ألف سجين، من بينهم من هو محكوم عليه بالإعدام، ولم يعد الرئيس
في خطابه بمحاكمة
وزير الداخلية المعزول على جريمته، لأنه بات واضحاً انه كان ينفذ سياسة
حكم، فهو
كان فقط جهة تنفيذ لا أكثر.
كان تلفزيون الريادة الإعلامية، يقول ان هناك
الملايين خرجوا في القاهرة وغيرها يقولون نعم للرئيس مبارك، في حين ان هناك
عشرات
يجتمعون في ميدان التحرير.
أداء هذا التلفزيون طيلة فترة الأحداث مثل جريمة
مهنية ووطنية، وكان رأيي ان القوم في حالة دفاع عن رواتبهم، وعبد اللطيف
المناوي
رئيس قطاع الأخبار بالتلفزيون، ورجل جمال مبارك القوي في مبنى ماسبيرو
يتقاضى 400
ألف جنيه شهرياً، ليؤكد فشله، هو والتابعون له من غير 'الاربة'، في لحظة
احتشاد
دفاعاً عن هذا الراتب، الذي يتقاضاه خمسة من المذيعين بقناة
كبرى تبث من دولة
بترولية هي 'الجزيرة'.
المظاهرة المليونية
يوم الثلاثاء 31 كانون
الثاني/يناير كان يوم المظاهرة المليونية، وقد تجاوز عدد المتظاهرين
الملايين
الثلاثة، على الرغم من وقف حركة القطارات في هذا اليوم، ومنع
السيارات القادمة من
المحافظات من دخول القاهرة، واكتظ ميدان التحرير بالبشر، فتحولت منطقة وسط
البلد
كلها إلى ميدان للتحرير.
والحال كذلك، فان تلفزيون الريادة الإعلامية، كان يعلن
أنهم بضع مئات فقط لا غير، يعبرون عن القلة المندسة، ولا أدري
سر اهتمام تلفزيون
عملاق كالتلفزيون المصري بمظاهرة تحضرها قلة قليلة، لا يمكن لها أن توقف
نهر العطاء
المتدفق، وأن تحمل الرئيس مبارك على الرحيل.
والغريب أن هذه القلة الحاقدة
والمندسة، أجبرت الرئيس على أن يقيل الحكومة، ويعين نائباً له، وقد بحت
أصوات
المصريين منذ ثلاثين عاماً، وهم يطالبونه بان يفعل هذا وهو يرفض، لكنه خضع
للقلة
التي احتشدت بميدان التحرير، والتي تقدر بالمئات، فضلا عن
العشرات الذين خرجوا في
المحافظات الأخرى، في الإسكندرية، والسويس، وبور سعيد، وغيرها.
والأغرب من هذا
أن هذه القلة التي تقدر بالمئات في ميدان التحرير أجبرت الشرطة على الهروب
من
الميدان، ودفعت بالجيش إلى الخروج للشارع ليسد الفراغ الذي
خلفته هذه الشرطة. ولا
تهبط الجيوش إلى الشوارع إلا عندما يكون هناك خطر ساحق ماحق، ومن عجب أنها
في
الحالة المصرية نزلت، مع أن هناك مئات.. فقط مئات، في ميدان التحرير..
وعشرات.. فقط
عشرات، في عدد من المحافظات الأخرى.. سحرة هؤلاء المتظاهرون.
في يوم الاثنين 30
كانون الثاني/يناير خرج عدد من القضاة بقيادة المستشار زكريا عبد العزيز
رئيس نادي
القضاة السابق، في مسيرة إلى ميدان التحرير، وخرجت مسيرة أخرى
من شيوخ الأزهر
الشريف، ونفى تلفزيون الريادة أن تكون مسيرة للقضاة او للشيوخ قد خرجت،
وتجلى مذيع '
الغبرا' وهو يقول ان الذين خرجوا هم عدد من
العاملين في الأزهر، وليسوا من
العلماء، مما يوحي بأنهم سعاة مثلاً، أو موظفون إداريون.
ثم تجلى سيادته أكثر،
وهو يستدرك، ويقول ان من شارك من الأزهر لهم (ميول دينية).. انظر إلى
العبقرية في
الأداء، فقد ذكر عبارة (الميول الدينية) باستنكار كما لو كان
الأصل في علماء الدين
أن تكون لهم ميول الحادية.
لم نكن بحاجة إلى شهادة مجروحة من تلفزيون فاقد للثقة
والاعتبار، فقد كان العشرات من شيوخ الأزهر بزيهم المعروف وسط المتظاهرين
منذ اليوم
الأول، وأحدهم اخرج لي هويته رداً على إبداعات مذيع قطاع الأخبار ووجدت في
خانة
المهنة: واعظ.
القلة المندسة
هذه القلة - يا قراء - دفعت النظام ان يحشد
مظاهرة لتقول: نعم للرئيس مبارك، وتم الدفع بالمتظاهرين المؤيدين للذهاب
إلى
المؤيدين المعترضين، وهم يقدرون بالمئات فقط، للتنكيل بهم، وشاهدنا الأسلحة
البيضاء
بجميع أنواعها، والقنابل الحارقة التي ألقيت على رؤوس
المتظاهرين من البنايات
المجاورة، ولا شك ان هذا ينم عن إخلاص عذري من هؤلاء المتظاهرين لسيادة
الرئيس.
كانت كل المحطات تنقل المجزرة، بما في ذلك المحطات التي يرى المتظاهرون
أنها 'موالسة'، مثل 'العربية' في حين ان تلفزيوننا الرائد يقول
إنها مجرد (اشتباكات
بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه).. ونعم المؤيدين بصراحة، فكل حاكم يستحق
مؤيديه.
المجزرة وقعت في منتصف النهار، واستمرت إلى ما بعد التاسعة مساء، وقد
قاوم الشباب ببسالة منقطعة النظير، ونجحوا في دحر العدوان،
وإلقاء القبض على
العشرات من البلطجية المعتدين، ومنهم من يحمل هويات تفيد بأنهم ينتمون
للشرطة
النظامية، وقد تركت الميدان، وهناك من يقوم بتجهيزها وبثها عبر مواقع
الانترنت،
الذي عاد في هذا اليوم بعد انقطاع استمر خمسة أيام، وكانت خدمة
الهواتف النقالة قد
انقطعت أيضاً لمدة يومين، فقد كان هذا النظام يريد أن يسحقنا فلا يسمع
بأمرنا
أحد.
لقد تعامل أهل الحكم مع قناة 'الجزيرة' باعتبارها 'صوت الثورة' وكانت
بالفعل كذلك، وإذا كنت
في الأسبوع الماضي أخذت عليها تجاهلها لثورة الغضب التي بدأت
يوم الثلاثاء 25 كانون الثاني/يناير، فقد نشر المقال يوم السبت بينما
'الجزيرة' تقف
على خط النار، وتنقل صورة حية من ميدان القتال، بعد جمعة
الغضب، التي انتشرت فيها
الشرطة السرية والنظامية في كل مكان.
كنت قد عقدت النية على الصلاة في مسجد
الاستقامة بالجيزة، حيث أعلن الدكتور محمد البرادعي انه سيصلي هناك، لكني
تلقيت
اتصالاً هاتفياً من زملائي الذين قضوا ليلتهم في نقابة الصحافيين، يفيد بأن
مسؤولا
بالنقابة أصدر تعليماته، وهو نائم في بيته، بإخراج غير الصحافيين، لاسيما
وان اليوم
عطلة عمل، في أقل من نصف ساعة كنت هناك، وكان الجميع قد خرجوا
للصلاة في مسجد مصطفى
محمود بالمهندسين، واستغل أمن النقابة ذلك وأغلقها.
كانت الشرطة في كل مكان،
والشوارع تبدو خالية من البشر، وصليت وزميلي عادل صبري رئيس تحرير 'الوفد
الالكتروني' في زاوية مجاورة، وكان معنا ثلاثة من شباب
الصحافيين بالوفد، وعدد من
الزملاء بـ 'الأسبوع'، حيث ان مقرها قريب من المكان، وبدا باقي المصلين من
الشرطة،
وخرجنا لنجد أيمن نور الذي قال انه صلى في مسجد الفتح بميدان رمسيس واكتشف
ان
الشرطة تحتل المسجد بالكامل، حتى لا تعطي فرصة لأحد ليصلي
فيه.. بدا الموقف كئيباً،
وان الأمن نجح في إحكام قبضته، وبعد ساعة، من السير في شوارع وسط القاهرة،
شاهدت
عشرات من الشباب يجرون وهم يهتفون: الشعب يريد إسقاط النظام.
رمز
السيادة
وبعد قليل كنت وسط مظاهرة حاشدة، ناضلت من اجل ان تقتحم ميدان التحرير،
الذي تعامل معه امن النظام على انه رمز السيادة، وقذفونا
بأطنان من القنابل المسيلة
للدموع، حتى شعرت بأنني أموت. وتم استخدام الرصاص المطاطي وأصابوا به
العشرات،
واحدهم سقط بين الحياة والموت.
شاهدت عزيمة لا تلين، وحرصاً على دخول ميدان
التحرير، وبعد أكثر من خمس ساعات من الكر والفر، هرب جهاز الأمن، وجروا
أمام
المتظاهرين كما الفئران المذعورة، وظللنا ساعتين لا نستطيع دخول الميدان
الذي تحول
إلى كتلة من الدخان، وارتدت الشرطة الملابس المدنية، وذهبت
لتقوم بعمليات السلب
والنهب واثارة الرعب.
وساهم تلفزيون الريادة في بث الرعب في القلوب، كانت أصوات
نسوة: الحقوني.. اقتحم اللصوص بيتي.. قتلوا ابني.. اغتصبوا ابنتي.. وعلمت
من مصادري
أنها أصوات لجالسات في الحجرة المجاورة للأستوديو.
وخرج الشعب المصري ليحمي نفسه
بنفسه، وفي اليوم التالي قال مذيع الغبرا.. ان 'الجزيرة' تفبرك وتقول ان
ميدان
التحرير به مظاهرات مع أن به فقط (تجمعات).. انظر إلى التجليات.
كانت الجزيرة هي
العدو لأهل الحكم، وكان طبيعياً أن يتم سحب اعتماد مراسليها، وإغلاق مكتب
القاهرة،
والتشويش عليها، ووقف بثها على القمر نايل سات، لكنها بسبب ذلك
ارتفعت لتكون 'صوت
الثورة'، وقد وضعت شاشة كبرى تنقل ما تبثه 'الجزيرة'، ورفع المتظاهرون
ترددها في
لافتاتهم، وقاموا بتوزيعه في منشور، كلما تغير، وحققت هذه المحطة شعبية
بالمنع، لم
تكن لتصل إليها بالسماح.
ان مصر على الرغم مما شاهدتموه من مذابح عبر شاشات
التلفزيون تعيش أجمل أيامها، بعد ان تحرك الشعب المصري ليدافع عن نفسه في
مواجهة
سلطة مغتصبة، ونظام يريد أن يحرق البلد ليبقى.
صحافي من
مصر
azouz1966@gmail.com
القدس العربي في
04/02/2011 |