نفس المشهد الذي تراه في الأفلام أمام غرفة العمليات يتجمع
بعض الأقارب والأصدقاء لكن في باريس الوضع مختلف.. حيث لا تسمح المستشفيات
بهذه الفوضى.. لان غرفة العمليات لها حرمة.. ويجب احترام من يعمل بداخلها..
الأطباء اجتمعوا لقراءة التقارير وفحص الاشعات.
ساعات تمضي ببطء وهي تتطلع الى من حولها وتقرر اجراء
العملية.
وهبطت شريهان في الثامنة صباح يوم العملية لاجراء الاشعات
ورسوم دقيقة بالكمبيوتر.
وبدأت العملية الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً واستغرقت
4 ساعات والنصف.. واشترك مع الطبيب الفرنسي المتخصص الطبيب المصري الدكتور
سمير الملا وطبيبان متخصصان في العظام والأعصاب و14 ممرضة.
وحتى الساعة الرابعة بعد الظهر لم تكن شريهان قد خرجت من
حجرة العمليات وكان الكسر في الفقرة القطنية الثانية يحتاج الى استعداد
كبير من ناحية التكنولوجيا الطبية كما يتطلب عناية خاصة.
كان القلق بادياً على وجه جيهان خورشيد (الأخت الكبرى
لشريهان) التي لفت جسمها في عباءة سوداء وجلست بجوار السرير بينما شغل
الحجرة معها جمال أنور مدير أعمال الفنانة شريهان وأختها هويدا خورشيد ثم
زوجها المخرج كريم ضياء الدين.
وجلس أقارب شريهان خارج غرفة العمليات.. في رعب وخوف..
يتمتمون بالكلمات.. والدعوات.. كانوا يتبادلون المخاوف.. وكأنهم يشجعون
بعضهم البعض.
يقول زوج أختها المخرج كريم ضياء الدين: أخشى ان يقوم
البروفيسور كامي بوضع مسمار من البلاتين لربط الفقرات المصابة الأمر الذي
يثير مخاوفنا جميعاً حول مستقبل شريهان الفني خصوصاً أنها تعتمد في كثير من
أدوارها على الرشاقة والاستعراضات الراقصة.
لقد نصحنا د. سمير الملا ان نحضر معنا كاسيتات فيديو
لشريهان مسجلاً عليها مجموعة من استعراضاتها حتى يكون بوسع البروفيسور
«رواكامي» تصور ظروف شريهان ولكي يضع في اعتباره أثناء اجراء العملية ان
الهدف هو علاج هذا الكسر والحفاظ في الوقت ذاته على قدرة شريهان على الحركة
والرقص الاستعراضي.
وطلبت شريهان من أختها هويدا ان تضع على الحائط القريب من
السرير الذي ترقد عليه مجموعة من الصور التي تسجل حركاتها الاستعراضية
ورقصاتها.. حتى يراها الأطباء ويحددون علاجها على ضوئها.
وخرج الطبيب المصري بعد العملية يردد.. تمت العملية دون
تعقيدات.. ويمكن معرفة النتيجة بعد يومين.
ونقلت شريهان الى غرفة الانعاش.. وبدأت تفيق من غيبوبتها
بعد ساعتين.
قال الدكتور الملا لوكالات الأنباء العالمية ان العملية
الجراحية كانت لازالة الجزء الصغير المكسور من الفقرة القطنية والذي كان
يضغط على العصب وأدى الى احداث تنميلات في قدميها وساقها.. كما تم تثبيت
الفقرات المجاورة لها بشرائح من البلاتين حتى لا تتحرك.
وقال الدكتور الملا ان العملية نجحت.. وستعود شريهان الى
نشاطها الفني.. واكتست السعادة وجوه الحاضرين.. وأسرعت شقيقتيها يزفان
الخبر لأصدقائهن في القاهرة وتناوب أفراد أسرة شريهان الذين لحقوا بها في
باريس على رعايتها.
حراسة على باب غرفتها ليلاً ونهاراً بعد ان توافد على
المستشفى العديد من المصريين وأبناء الجالية العربية المقيمين بعد ان عرفوا
«بالخبر».. ومكان تواجدها في المستشفى.
وأمر الطبيب الفرنسي بوضع لافتة ممنوع الدخول الا بعد
الرجوع الى الممرضة على باب الحجرة الخاصة بالمريضة.. خشية حدوث أية
مضاعفات.. أو تعرضها لأخطار.
وفي اليوم التالي للعملية.. تم عمل قسطرة لشريهان في
السابعة صباحاً بعد ان نامت ساعات قليلة حيث كانت تشعر بالقلق الشديد حتى
الساعة الثانية صباحاً ما اضطر الممرضات الفرنسيات الى اعطائها حبة منومة.
وفي الصباح الباكر ظلت أختها الكبرى جيهان تقرأ لها آيات من
القرآن الكريم.
وصرحت الدكتورة صوفي كوهين المشرفة على انعاش شريهان
لوكالات الأنباء بان قدميها بدأت تستجيب لأية مؤثرات خارجية وهو مؤشر طيب
للغاية.
وقام الطبيب الفرنسي «رواكامي» بزيارة شريهان بعد ساعات من
العملية للاطمئنان ومتابعة الحالة.. وخاصة حالة الساقين.
وانتشرت في الأندية قعدات «النميمة» تروي اشاعات غريبة
«مسمومة» حول الفتاة المسكينة.. ولم أصدق كل هذه الاشاعات.. وسقطت الكلمات
وسط الحقيقة الماثلة في الأوراق.
وزادت المتابعة الصحافية الموقف اشتعالاً بعد ان توجهت
أقلام تطالب نقابة الصحافيين بمساءلة الصحافة التي شوهت الصورة.. وساهمت في
الاثارة.. ضد مصلحة المريضة شريهان.. كما طالبت الأقلام المجلس الأعلى
للصحافة ان يراجع ما نشر عن الحادث ويبحث التحقيقات وأقوال المجني عليهم
والشهود وان يعلن أسماء الذين اختلقوا هذه الوقائع «جميعاً» وان يحاسبهم.
ولتكن هذه بداية حساب النفس مع الصحافة.. ولو تم ذلك فان
الصحف المصرية ستراجع نفسها، وستمتنع عن اتهام الفنانات المصريات.
مسكينة شريهان.. كسرت عظامها وشوهت سمعتها بايحاءات لا
تغتفر.
فتاة الإشاعات
يقول الكاتب الكبير فاروق فهمي:
طاردت الاشاعات شريهان منذ طفولتها.. كانت الحقائق تلوي..
والأكاذيب تطفو.. تنسج لها أدق البراويز.. لتبدو صادقة.
وتزامنت الاشاعات مع الأقلام «القاتلة» التي كانت تقف منها
موقف العداء.
كانت شريهان أكثر نجمة طاردتها الاشاعات وأخبار النجوم.
في الحادث الأخير.. انفجرت الحكايات والرويات «تنهش» نفس
الجسد المريض.. بعد ان وجد أصحابها الفرصة الذهبية لاغتيال الضحية.
حاولت بعض الأقلام ان يفصّلوا للكذب أردية محكمة.. ليبدو
كلامهم مقنعاً يصدقه الناس.. يبنون عليه الأحكام.. وكل ما ورد عن شريهان
ليس دقيقاً.. رغم محاولات التبرير.. ووضع البراهين.. التي اصطنعها
«الخبراء».. ولن أناقش الاشاعات التي اجتاحت قعدات «النم».. والصالونات
المريحة في الأندية.. التي يغشاها أصحاب الفراغ والمتطفلين.. والأقلام
«المأجورة» ولكنها.. مواجهة لهذه الراويات.. فاخفاؤها أو التستر عليها
يعطيها فرصة للرسوخ في أذهان سامعيها.
وسمعت شريهان مئات الحكايات التي أصابتها بالاحباط والغضب
والاستفزاز حتى قررت ان ترفع قضية تعويض على صحافي تطالبه بـ5 ملايين جنيه
لما سببه لها من آلام.
ولكن روح التحدي والقوة التي ملكت ناصيتها قادرة على «قهر»
كل قول.. وكل كذبة حتى ولو بدت «بيضاء».
عقب وقوع «الحادث».. ترددت اشاعة ان شريهان كانت تقيم في
فيلا بالعجمي.. مملوكة لها أو لحسام أبو الفتوح.. والفارق بين الحالتين
مثير.. وذكر الرواة.. ان «الفيلا» مخصصة لقضاء اجازات نهاية الأسبوع.. أو
«الهروب».. وزادت التفاصيل.. تبني قصراً من الأكاذيب.. ويأتي من يهمس بصوت
عال.. «حرام» البنت مظلومة.. كانت شريهان في الاسكندرية مع صديقات لها
للاستذكار في هدوء.. بعيداً عن ضجيج القاهرة وتليفونات الأصدقاء والسهرات
«الصباحي» ومطاردات المخرجين.
والمكان الذي «كانت» تقيم فيه قصراً مهجوراً في منطقة
ستانلي يملكه رئيس وزراء سابق في العصر الملكي.. الأبواب مغلقة دائماً..
والستائر مسدلة باستمرار.. والأضواء لا تضاء.
كانت شريهان تقيم في هذا القصر قبل الحادث بأسبوع.. ولم يكن
يشعر أحد بان القصر المهجور تسكنه النجمة اللامعة.
ولم يلاحظ الجيران الا ان القصر يسكنه «ناس» عندهم سيارة
مرسيدس «500 سوداء» ولكن لاحظوا ان القصر أصبح شعلة من الحركة بعد ان تحول
الى سهرات حتى الصباح.
سهرات كثيرة جداً بدأت تقف أمام البوابة يختفي أصحابها في
الداخل فترات.. لتعود القافلة للانطلاق وسط المدينة الهادئة وتعود مع الفجر
كل ليلة.. كان أصدقاء «شريهان».. يقضون سهراتهم معها... ولم تستعد للمذاكرة
واعتذرت عن الامتحان.
وقبل الحادث بساعات.. اتجهت شريهان وقافلة من ثلاث سيارات
الى كنج مريوط.. لتكملة سهرة بدأت عقب العشاء لتكون سهرة «وداع» قبل العودة
الى القاهرة لدخول الامتحان.. ولم تصل السيارة الى كنج مريوط.. ولكن انقلبت
على الطريق.. وهكذا لم تكن شريهان تقيم في فيلا في العجمي كما أشاع عنها
الوشاة.
وانطلقت الاشاعة الخطيرة.. بعد انتشار تردد اسم «حسام» في
القضية.. كانت «المساء» أول صحيفة لفتت النظر لوجوده.. وبدأ أصحاب الروايات
يربطون بين وجودها.. واسم وكيل السيارات العالمية.. اقسموا على أنهما زوجين
أو في الطريق للزواج.
وزادوا في روايتهم أنهما كانا من رواد الحفلات والسهرات..
وتحولت الاشاعة الى نار تجتاح كل شيء.. شريهان.. وحسام.. والشهود..
والأطباء الذين عالجوها.. والضباط الذين حققوا في الحادث.
وأصبح «الحديث» عن الثنائي الجريح.. محور الكلام.. وانتشرت
الاتهامات انتشار الهشيم في النار وتحول الى مطاردة مثيرة للصحافيين
المصريين والأقارب الذي التفوا حولها في باريس.. كان اهتمامهم يدور في
قعدات «النم».. أهم من متابعة صحة الراقدة في الحجرة «737».
وكان السؤال الذي يسأله أي صحافي يقابل «مصري» في باريس:
-
هل شريهان حقاً زوجة رجل الأعمال وأنه كان يركب معها
السيارة أثناء الحادث؟.
-
وكانت الاجابة التي يجيب بها كل «مصري».. لا أعرف.. ولم
أسمع ان شريهان تزوجت.. وكيل السيارات العالمية أو غيره.. وكان أصحاب
السؤال يصرون:
-
شريهان والرجل رددا أكثر من مرة أنهما زوجان.. وكانت
الاجابة:
-
مجرد شائعة لا أساس لها من الصحة.
وزادت الاشاعات.. فنانة عربية أقامت فترة في القاهرة وكونت
صداقات عديدة في مصر.. كانت تردد: شريهان أصيبت في حادث.. سينتهي بالقضاء
عليها وعلى مستقبلها كفنانة.. لامعة تزلزل العروش.
وكان المستمعون لكلمات «الفنانة» يضحكون.. فهذا التدبير ليس
من طبيعة الفنان المصري.. والتصفية الجسدية ليس من طابع الانسان المصري.
والفنانة «نفسها» عاشت في مصر سنوات طويلة واختلطت بكل
نوعيات الفن.. وكانت هي الأولى في فنها.. لم يزحزحها أحد حتى تركت مصر
لتعيش في الخارج.
وقالت فنانة أخرى.. تأكيدا غريباً ان الحادث وراءه غيره
عاطفية.
وضحك سامعها قائلين:
-
أعوذ بالله.. كل انسان معرض للاصابة في حادث في أي وقت..
وهذا قدرها.. وهذه هي الحقيقة.
وأشعلت الصحف العربية ميدان الاشاعة في متابعة يومية تلتقط
الأخبار من أفواه أعضاء قعدات «النم».
كل شائعة اعتبروها «حقيقة» وملؤوا بها صحفهم.. لايهمهم ما
تشعر به شريهان وهي على سرير المرض.
كانت أكاذيبهم سهاما تنطلق الى صدرها.. تحاول ان تقضي على
مقاومتها.
كان أصحاب الصفحات «الصفراء» يشغلهم زيادة التوزيع
والانتشار حتى ولو كان على حساب سمعة انسان.
كان بين الأخبار الزائفة ان شريهان فقدت خلال الحادث
مجوهرات قيمتها مليون جنيه منها خاتم يزن 25 قيراطا.. وان هناك دعوى قضائية
أمام المحاكم.. بعد وقوع الحادث!! وتعويض مليون جنيه..
وكل هذه الأخبار عارية من الحقيقة.
وزادت الاشاعات عقب سفرها.. وفراغ «الميدان للرغي» فلم يكن
أصحابها يفكرون أنها سترد عليهم وهي راقدة على فراش المرض في المستشفى في
باريس.
قالوا.. ان الحادث لم يكن بسبب سيارة!!
وصفعتهم المحاضر التي قام بها ضباط قسم سيد جابر في المحضر
رقم 13 والمحضر رقم 2841 جنح قسم محرم بك بالاسكندرية والتي تمت تحت اشراف
الرائد محمد السعدني بعد نصف ساعة من وقوع الحادث والمعاينة التي قام بها
العميد علي السيسي مأمور قسم محرم بك.. وكلها تؤكد وقوع الحادث بسبب انقلاب
«السيارة».
وترد عليهم أقوال الرائد احمد سليط المدير الاداري لمستشفى
سموحة الذي استقبل المصابين.. وأقوال الأطباء الذين شخصوا الحالة بعد وقوع
الحادث.
ولم تنته الروايات والاشاعات.. تنكسر أنصالها على صدق
الحقيقة.
تقف الحقيقة «ناسخة» كل «زائفة» قيلت للهو والمزاج
والمبالغة.
ولكن هل فكر أفراد «عائلة الرغي».. ماذا أصابوا شريهان بعد
انتهاء حكاويهم. ظهرت صفة التحدي الموروثة.
طلبت شريهان.. من محاميها سمير عيسى قبل مغادرتها مستشفى
سموحة اتخاذ الاجراءات القانونية لاعادة التحقيق في حادث السيارة.
وقام المحامي بالفعل في تقديم بلاغ للمحامي العام
بالاسكندرية لاعادة التحقيق وسماع الشهود.
وأكد سمير عيسى ان الأحاديث الصحافية التي نسبتها بعض الصحف
الى موكلته بعيدة عن الحقيقة ووقائع الحادث.. كما نشرت بعض الصحف أقوالا
منسوبة اليها دون ان تلتقي بها وسيؤدي اعادة التحقيق أمام النيابة لايضاح
الحقيقة «كاملة» أمام الرأي العام.
الناس في انتظارها ومعها أسرار اللغز.. حتى لو كانت الأحداث
عادية.. لكنها شريهان.. الحكاية المعجونة بالاستفهامات والغموض أنها تتكلم
قليلا.. لذلك تقوم الاشاعات بملء الفراغ.. بديلا عن الحقائق.
شريهان تستقل الطائرة فهل يكون معها ما تطفئ به شرارة القيل
والقال بعد عودتها؟!.
النهار الكويتية في
02/08/2013 |