عندما دققت الأنظار في صاحبة هذا الوجه الذي يحاول ان يختفي
خلف نظارة سوداء.. وقد أجهده المرض وأعياه تأكدوا ان هي.. نعم.. البنت
الأروبة.. اللهلوبة.. التي شغلت الناس بحكايات تجاوزت أحياناً ألف ليلة
وليلة التي قدمتها بشخصيات عديدة فطيمة / كريمة / حليمة.. هي كذلك في
حياتها.. صاحبة أكثر من وجه.. النجمة والانسانة والمرغوبة والأم والمريضة
والثائرة.
يا سبحان الله.. شريهان من الأستوديو والمسرح الى الميدان..
هكذا أطلت بعد غياب كانت فيه هي الحضور بعينه.. وعبر رحلتها بكل ما فيها
نستطيع ان نقول بان شريهان «خطاب يبحث عن عنوان».
كيف لهذه البنت المدللة المرفهة ان تتحول صوب السياسة
والثورة وان تصر على قول كلمتها وسط الناس.. هل اشتاقت الى الجمهور؟.. هل
كانت تبحث عن مصر في ميدان تحريرها.. هل نزلت لتقول للجميع لست عنكم ببعيدة
وان غبت رغم أنفى؟.. أنك عندما تنظر اليها تلحظ ان البريق الذي كان يتلألأ
في عينيها ما يزال كما هو وان نضج وأتخذ أشكالاً أخرى ولماذا رفضت كل
محاولات العودة الى الفن؟.. وهل أكتفت فقط بمتابعة ما يحدث على الساحة عن
بعيد؟.. وترى مستوى الفن قد تدهور كما هو حال معظم أنشطة حياتنا.
البنت التي ربطت الشائعات والحكايات والأقاويل بينها وبين
علاء محمد حسني مبارك هل خرجت الى الميدان لكي تثأر لنفسها ما جرى معها
عندما وجدت أنها ملقاة بين الحياة والموت في حادث قيل أنه مروري وليس له من
دافع.. وان كانت الدوافع عديدة وغامضة ورويداً رويداً تنكشف الأسرار وبعضها
ما يزال كامناً في مرقده.. والسؤال من أين نبدأ؟.. والبداية النمطية
التقليدية معروفة.. فليكن الابحار كما يقول كاتب سيناريو كبير من نقطة
ساخنة!.
في قصر الرئاسة
اشتدت حدة الخلاف بين الأخوين علاء وجمال مبارك نجلي الرئيس
المصري السابق، ليلة الخميس 10 فبراير 2011 والتي كانت من أكثر أوقات
الأزمة حدة، حيث نشبت مشادة بين الاثنين داخل القصر الرئاسي عقب تسجيل
والدهما الرئيس مبارك لخطابه، احتد علاء على شقيقه وأتهمه بأنه كان السبب
فيما جرى في مصر من أحداث أجبرت والدهما على ان يظهر في تلك الصورة
والنهاية التي لا تليق به.
علاء قال لشقيقه: «لقد أفسدت البلد عندما فتحت الطريق أمام
أصحابك وهذه هي النتيجة، بدلاً من ان يتم تكريم أبيك في نهاية حياته ساعدت
على تشويه صورته على هذا النحو». وكاد يحدث تشابك بينهما بالأيدي، وزاد
انفعال علاء بعد ان استمع لكلمة والده الى الشعب أثناء تسجيلها، خاصة ان
مبارك كان قد أشار في تسجيله الأول الذي لم يذع، الى أنه سيسلم سلطاته
المدنية الى نائبه اللواء عمر سليمان وسلطاته العسكرية الى القوات المسلحة.
وعلاء الذي اختار الابتعاد التام عن السياسة والاتجاه الى
عالم الأعمال والتجارة، أحاط نفسه بغموض كبير، الأمر الذي جعله مادة خصبة
للشائعات التي لم يحسم صحة بعضها وأغلبها كان يدور حول تدخل علاء بشكل
مباشر كشريك مفروض على المشاريع التجارية والصناعية الكبرى التي تنشأ في
مصر مستخدماً في ذلك نفوذ والده الرئيس.
ومن الأقوال المشهورة التي كان يتناقلها الناس: «ما هو علاء
وجمال زي ولادك يا وجيه»، وهو تعليق الرئيس السابق على شكوى وجيه أباظة،
وكيل عام شركة بيجو عندما طُلب منه دفع عمولة لأبني الرئيس عن كل سيارة
يبيعها.
ثروة علاء
بعد تنحي الرئيس، لم يعد علاء مبارك شخصاً مبهماً، فقد قدرت
صحيفة الجارديان البريطانية ثروة عائلة مبارك بـ70 مليار دولار موزعة بين
استثمارات داخل مصر وخارجها، وكان لعلاء نصيب الأسد من هذه الثروة حيث بلغت
حسب التقديرات بـ30 مليارا، بينما كشفت وثائق جديدة نشرتها عدد من الصحف عن
ممتلكات عائلة الرئيس مبارك بالخارج، وتحديداً في دولة قبرص، حيث يمتلك كل
من علاء وجمال، شركات عديدة، وهذه الوثائق صادرة من البنك المركزي في قبرص
والبنك المركزي الأسباني.
وكشفت وثائق صادرة عن البنك المركزي في قبرص ان علاء يمتلك
شركة قبرصية اسمها «انترناشيونال سيكيوريتيز فوند»، ويقع مقرها بمدينة
ليميسوس، وتنشط الشركة في القطاع المالي، حيث تعمل بشكل خاص في مجال الأسهم
والسندات، وهو الغطاء الذي تتخذه الشركة لتحويل الأموال من مصر نحو قبرص
وصولاً الى أسبانيا، عن طريق شركة «بيليون كومباني ليمتد» التي يمتلكها
علاء أيضاً.
وتوضح الوثائق ان علاء مبارك يدير الشركة برفقة رجل أعمال
من قبرص، الى جانب مصري يحمل الجنسية القبرصية واسمه عزت جراح، وهو صاحب
مجمع يضم شركات متنوعة احداها متخصصة في صناعة لوائح واكسسوارات السيارات،
يمتلك علاء مبارك أسهماً فيها.
وتكشف احصائيات للبنك المركزي الاسباني عن قيام شركة «بليون
كومباني ليمتد» بتحويل أموال من قبرص الى اسبانيا، تحت غطاء تمويل
استثمارات.
معركة تكسير العظام
لا يكاد يذكر اسم شريهان الا ويذكر معها اسم علاء مبارك،
باعتباره هو المسؤول الأول عن غيابها عن الساحة الفنية بعد ان كانت في أوج
نجاحها، وكانت شريهان من أكثر الفنانين حماساً خلال ثورة 25 يناير التي
نادت باسقاط نظام الرئيس الأسبق، وتساءل البعض هل ستخرج شريهان عن صمتها أم
لا؟.
واذا كانت شريهان لم تقر صراحة بان الحادث الذي تعرضت له
منذ 15 عاماً تقريباً، الذي كاد ان يؤدي الى شللها التام، كان علاء مبارك
المتسبب الرئيسي فيه أم لا، فان الأمر بات جلياً بعد اصرارها على تشجيع
المتظاهرين للمضي قدماً حتى يسقط النظام تماماً، وصرحت بأنها تود ان تتبرع
للجرحى بالدم ولكن دمها مسرطن.
حادث أليم تعرضت له شريهان أدى الى كسور في جميع عظام
ظهرها، وكادت تتعرض للشلل، وسافرت لتلقي العلاج في فرنسا حيث خضعت لعملية
جراحية خطيرة جداً، وصرحت يومها أنه لا توجد عظمة واحدة في ظهرها الا
وتهشمت، غير ان الفنانة عادت بارادة قوية الى المسرح.
وقيل في هذا الوقت وبحسب محضر الشرطة ان شريهان كانت مع رجل
الأعمال الشهير حسام أبو الفتوح في شقته بالاسكندرية وان زوجته علمت بذلك
فأرسلت مجموعة من البلطجية اقتحموا شقة أبو الفتوح واعتدوا عليهما بالضرب
وألقوا بشريهان من شرفة الشقة فأصيبت بكسور، وقيل أيضاً ان حسام أبو الفتوح
اتصل بمحطة خدمة
«B.M.W»
في طريق مصر الاسكندرية الصحراوي ليحضروا سيارة مرسيدس
مهشمة وتركوها بطريق مصر الاسكندرية الصحراوي ثم وقف أبو الفتوح وشريهان
بجوار مصابين وادعيا أنهما تعرضا لحادث تصادم.
ورغم ان شريهان ذكرت في التحقيقات ان أبو الفتوح كان معها
فعلاً، الا أنها رجعت ونفت تصريحاتها، وقالت انها كانت في الاسكندرية
وتعرضت لحادث تصادم وان سكرتيرها هو الذي استدعى أبو الفتوح بعد الحادث
بحكم الصداقة الذي تجمعه بأسرتها، ما يزيد المؤشرات نحو تورط علاء مبارك في
القضية، أما السبب فيقال انها رفضت الزواج منه حينما تقدم اليها، الأمر
الذي دعاه لتأديبها، وفي رواية أخرى قبلت الزواج ولكن أسرة علاء رفضت ذلك
وحاولوا أيضاً تأديبها.
صورة علاء
علاء مبارك مقل في الظهور بوسائل الاعلام، غير أنه كثف
تواجده على محطات التلفزيون والصحف أثناء أزمة أم درمان بين مصر والجزائر
عقب مباراة كرة قدم لعبها فريقا البلدين انتهت بفوز الفريق الجزائري وتأهله
لبطولة كأس العالم 2010، وعلى الرغم من المديح والثناء الذي حصل عليه علاء
في هذا الوقت نتيجة لموقفه من الجزائر، الا ان بعد فترة تداولت أنباء ان
هذه الأزمة كانت مفتعلة لزيادة شعبية علاء وجمال مبارك الذين حرصا على حضور
تلك المباراة في السودان رغم معرفتهما الجيدة بالعواقب.
وكانت الجماهير المصرية التي خاضت المباراة في السودان قد
تعرضت لهجوم بالأسلحة البيضاء من جانب الجماهير الجزائرية، مما تسبب في
حالة من الذعر والقلق لكل المصريين، بمن فيهم بعض القيادات السياسية التي
كانت في الملعب.
وخرج علاء وقتها بتصريحات نارية انتقد فيها الشعب الجزائري
ووصفه بأنه «مجموعة من المرتزقة» و«شوية صيع» لم يكونوا مشغولين بالنتيجة
وانما همهم الوحيد هو الاعتداء على الجمهور المصري الذي حضر المباراة،
ولاقت هذه التصريحات قبولاً كبيراً لدى الجمهور المصري المشحون، حتى كادت
ان تقطع العلاقات بين مصر والجزائر نهائياً.
وبعد سقوط حكم محمد حسني مبارك، وأثناء التحقيقات مع حبيب
العادلي وزير الداخلية في نظام الرئيس المخلوع، تم الكشف عن غرفة تسمى
«غرفة جهنم» وهي المتخصصة بصنع الأزمات، لذلك أرجع البعض ان تكون الأزمة
بين مصر والجزائر مفتعلة خاصة ان الفيفا حسم الأمر لصالح الجزائر.
ورغم ان السبب الأكيد لمشاركة علاء في تلك الأزمة لازال
خفياً حتى الآن، الا ان صحيفة النهار الجزائرية أكدت وقتها ان علاء وجد
المباراة بين مصر والجزائر فرصة للانتقام من السلطات الجزائرية على خلفية
رفض الجزائر ان يتولى التوسط في صفقة شراء طائرات مدنية بقيمة أكثر من
مليار دولار.
وأوضحت الجريدة ان علاء مبارك الذي يملك شركة تعتبر الوكيل
المعتمد لشركة «لوكهيد مارتن» الأميركية، حاول قبل ثلاثة أشهر من الأزمة
التوسط بين الجزائر وتلك الشركة، في صفقة كان سيجني منها أكثر من 100 مليون
دولار، ولكن السلطات الجزائرية رفضت العرض الذي تقدم به علاء، وقامت
باقتناء طائرات عن طريق وكيل فرنسي.
أصل الحكاية
تفاصيل الحادث يرويها الصحافي الكبير فاروق فهمي نائب رئيس
تحرير الجمهورية وكما سجلها في كتابه بنت اسمها شريهان.
حادث شريهان.. واحد من أهم الأحداث بل وأكثرها اثارة.. جاء
النبأ وسط هدير البرقيات ورنين التليفون في مثل هذا الوقت من النهار
الصحافي. قال مندوب الجريدة في الاسكندرية تفاصيل كثيرة حول الحادث
الأليم.. وهو يمليها لزميله في القاهرة. والتقطت سماعة التليفونات وكلمات
الحادث تبدو شاردة.. متوترة لاستمع منه كلمات قليلة.. شريهان تعرضت لمصادمة
عنيفة وهي تقود سيارتها أدت الى كسر في العمود الفقري وهي بين الحياة
والموت.
وتوقفت الكلمات من الزميل.. وطلبت منه مواصلة الحديث..
فالكلمات المتناثرة لا تعطي صورة كاملة عن الحادث المروع.
أين كانت؟.. ومن كان يقود السيارة.. وهل قبضوا على السائق..
وغيرها من التفاصيل طلبت ان يوافيني بها.. فالحادث مهم ومثير يشد انتباه كل
القراء.
وتناقضت الروايات.. وخرجت صحف القاهرة بقصص مختلفة.. الا في
حقيقة واحدة وهي ان الحادث الأليم أدى الى كسر بعض فقرات عمودها الفقري
ووضعها في قميص أو جلبابا من الجبس.. وتفكر أسرتها في سفرها الى باريس
للعلاج.
وهزني النبأ.. وأنا أقرأ كل الكلمات التي كتبها أصحاب
الأقلام من النقاد ومحرري الفن والحوادث.. وكلها تعكس الحالة الأليمة التي
تعيشها الفتاة المسكينة في أزمتها المفاجئة.. ولكنها تبدو متناقضة تضيع
فيها الحقيقة!!
وأصبحت شريهان حديث الناس أياماً عصيبة.. بدأت الأنباء
تتواتر عن اصابة حسام أبو الفتوح المليونير الشاب.. وأنه كان يرافقها في
السيارة المنكوبة.. يقود السيارة بنفسه عندما وقع الحادث.
وتصاعدت الهمسات والاشاعات.. ولم يعد أحد يهتم بمصير الفتاة
والشاب المليونير.. وركزوا حديثهم على تفاصيل وروايات.. ومغامرات.. وأسباب
انكار حادث الطريق.
كانت الأنباء التي ذكرتها صحف القاهرة متناقضة.. توحي بشيء
ما!! نشروا أحاديث على لسانها وهي تواجه أقسى حالات العذاب.. وكان لسانها
لم يتأثر بانكسار العمود الفقري ودخولها في دوامة النزيف والصدمة العصبية..
ولم يصدق الناس ما أدلت به الصحافة عن شريهان.. وتحولت السطور المكتوبة الى
ألغاز تحتاج الى كمبيوتر لحل كلماتها المتقاطعة لتقنع الناس بان ما وقع
لشريهان.. قضاء وقدر.
واتهم بعض أقلام الصحافة شريهان.. بأنها سبب الحادث.. وأنها
حاولت ان تنتقم من شيء ما فوقع الحادث.. اتهموا حسام أبو الفتوح بأنه كان
يقود سيارته الـ
«B.M.W»
ولم يستطيع تفادي النور المبهر لسيارة نقل قادمة في الطريق
المعاكس.. وعندما حاول تفاديها انقلبت منه عجلة القيادة فوقع الحادث..
ونشرت الصحف معلومات وأخبار.. وتحولت شريهان وحسام الى مادة خصبة لهواة
الخيال.. فنسجوا القصص والروايات.
وتحول الحادث الى سيناريو من الآلام.. بطلته الفتاة الرقيقة
شريهان.. وزاد توزيع الصحف.. والمجالات التي تناولت الحادث الأليم.. وزادت
معها الاشاعات.. وضاعت الحقيقة بين محترفي الاشاعات.. وفبركة الوقائع..
لتبقى شريهان جسد مشدود على سرير أبيض في انتظار «الطبيب» ليتدخل في الوقت
المناسب لينقذها من المصير المحتوم.. وأصبح هم القراء ان يعرفوا ماذا حدث
لشريهان.. ولم يسأل أحد عن اصابة حسام أبو الفتوح.. ولم يهتم أحد بمصير
السيارة المنكوبة.. ومصير السائق المتسبب في الحادث.
وبقي السؤال.. ماذا وقع لفنانة الفوازير؟.. وهل كان الحادث
عابراً؟.. يقع كل دقيقة على أي طريق أم كان مدبراً وراءه كذا وكذا.. وغيرها
من الراويات.
وأستمر الهمس.. بصوت عال.. والأنباء تتوارد.. والأحداث
تتصاعد.. وطائرة خاصة تنقلها الى باريس.. وطبيب فرنسي متخصص يجري لها عملية
دقيقة يعيد الأمل لآلاف المعجبين.. وتصريحات وردية بعودتها لفنها وكان ما
وقع كان لحظة عابرة.. لم تؤثر في حياة شريهان. هكذا سقطت الفتاة الصغيرة..
وسط بحيرة الدم والاشاعات.. تغطي الدماء ملابسها وتدشدش الاصابة عظامها..
ويحتاج قدرها لدور آخر ينقذها من آلام النفس ومخلفات الاشاعات.. والروايات.
وتبدو الحقيقة من بعيد كسراب وسط بحيرة من الرمال.. والناس
تحدق في حياتها وتلوك تفاصيلها.. ترصد لها «نزواتها».. وحماقاتها.. وتنسى
ما قدمت لهم من حب وسعادة.. عاشوا معها فيما قدمته من أفلام ومسلسلات
وفوازير.
ولان حياة الفنان ملك لعشاقه ومحبيه.. فالكلام عن حياته..
أمر مباح!!
ويوماً قالت صوفيا لورين: ان جمهوري كظلي لا يتركني أستمتع
حتى بالوحدة.. ولم يترك الناس شريهان تعيش محنتها القاسية.
الكثيرون.. قدموا لها الورود والدعوات.. الكل أعتبر صغيرته
لا تستحق كل العذاب.. أرسلوا لها دعوات دافئة تخفف من آلام الجسد المحموم..
وتترفق بالنفس المعذبة والقليلون.. رفعوا عصا «التشفي».
النهار الكويتية في
25/07/2013 |