يعدان من أبرز وأهم الأسماء على الساحة الفنية خلال النصف
قرن الأخير ولا شك أن الذي سيؤرخ للحياة الفنية في مصر خلال الـ50 عاما
الماضية سوف يتوقف طويلا عند اسم «سهير المرشدي وكرم مطاوع» فقد ارتبطا
اسماهما دائما بالفن الجاد المحترم ولا أذكر أو يذكر غيري أن أيا منهما
تنازل قط عن الجودة والمستوى الرفيع لما يقدمه، فهي فنانة دارسة مثقفة إلى
جانب موهبتهما الفياضة بجانب حالة الدهشة والتميز والاستثنائية الواضحة
التي تقدمها في أي عمل تقوم به أو تشارك فيه ففي السينما ارتبط اسم سهير
المرشدي بالأفلام الجادة ذات المستوى الراقي ولا أحد يتذكر لها فيلما رديئا
أو حتى متوسط أو قليل المستوى وكان هذا- أيضا- أسلوبها وشأنها في أعمالها
الدرامية التلفزيونية فهي ارتبطت مع جمهور الشاشة الصغيرة بالأعمال الناجحة
التي تستمر طويلا في ذاكرة الناس أما في المسرح فحدث ولا حرج فهي واحدة من
سيدات المسرح المصري في الـ50عاما الأخيرة واحدى قاماته الشامخات وعندما
قدمت مسرحيتها الشهيرة «ايزيس» رائعة توفيق الحكيم أطلقوا عليها لقب «ايزيس
المسرح المصري» نظرا للأداء المبهر والمدهش ولما حققت هذه المسرحية من نجاح
هائل واستمرار عرضها لفترات طويلة في معظم الدول العربية.
أما القدير والكبير كرم مطاوع فهو أستاذ المسرح والأكاديمي
الذي تخرج على يديه العديد والعديد من فناني المسرح المصري من خلال
أستاذيته في معهد الفنون المسرحية وهو أيضا احد أهم الذين درسوا المسرح في
أوروبا في نهايات الخمسينيات وبداية الستينيات وعندما عاد إلى مصر كان من
أحد أهم المجددين في المسرح المصري مخرجا وممثلا وأستاذا ومسؤولا ولا يختلف
اثنان على الأسلوب المتفرد لـكرم مطاوع كممثل له أسلوب خاص جدا اشتهر به في
كل أدواره وأعماله على تنوعها واختلافها وارتبط اسمه أيضا بالأعمال
والأدوار الجادة ذات المستوى الرفيع فهو لا يعنيه كثرة الظهور وكثرة
الأعمال بقدر ما كان يعنيه جودة ودهشة هذا الظهور ومستوى هذه الأعمال.
وبالإضافة إلى هذا كله كان هذا الثنائي (سهير المرشدي وكرم
مطاوع) أحد أهم الزيجات الفنية في الوسط الفني خلال الأربعين عاما الأخيرة
وكانت حياتهما كثنائي إنساني مضرب المثل في الحب والتفاهم والاحترام ورغم
أنهما لم يلتقيا فنيا في أعمال عديدة فإن المشاهد من كثرة ما شعر بتقاربهما
الإنساني وهذا الارتباط العاطفي الجميل كان يشعر أن كلا منهما لم يمثل أو
يظهر في أي عمل بعيد عن الآخر، وإذا رأى المشاهد أيا منهما تذكر على الفور
الطرف الآخر.. وهذا - في حد ذاته - يعد قمة الرومانسية والاحترام
.
وإذا كنا هنا لسنا بصدد استعراض المسيرة الفنية لهاذين
النجمتين وهذا الثنائي فإننا وقبل الدخول في تفاصيل علاقتهما الإنسانية
سنتعرض سريعا لملامح خاطفة من مسيرتهما وأهم أعمالهما ونبدأ بسهير التي
امتهنت الفن والتمثيل في سن مبكرة وأثناء دراستها الثانوية كانت قد خططت
لحياتها ومستقبلها بأن تكون ممثلة وصممت على ذلك عندما التحقت بالمعهد
العالي للفنون المسرحية لتدرس الفن والتمثيل الذي أحبته وكان هذا ضد رغبة
أسرتها ووالدها بالتحديد الذي كان- رغم ثقافته- يريد لها طريقا آخر وعندما
أنهت دراستها وبدأت تظهر إمكاناتها كفنانة موهوبة وجادة من خلال عدة
مسرحيات شاركت بها على مسارح الدولة ومن خلال الإشادة الهائلة بها وبجديتها
وموهبتها من قبل النقاد والمسرحيين أصبح الأب فخورا بابنته بل انه وعلى حد
تعبير سهير: «كان المتفرج والمشاهد الأولى لي.. وكان يقول لي أنت ولدتي
لتكوني فنانة وكانت هذه الثقة تجعلني حريصة دائما على مستوى الأعمال التي
أشارك بها».
بعد ذلك انطلقت سهير المرشدي في مشوارها الفني وهي ملتزمة
تماما بالجدية والاختيار الجيد لأعمالها لذلك- كما ذكرنا- ارتبط اسمها
دائما بالأعمال المتميزة ومن ابرز أعمالها سينمائيا أفلام «الزوجة الثانية»
1967 مع المخرج صلاح ابوسيف - «جريمة في الحي الهادي» 1967 من اخراج حسام
الدين مصطفى- «مجرم تحت الاختيار» 1968 من إخراج عبدالمنعم شكري- «الناس
اللي جوه» 1969 من اخراج جلال الشرقاوي- «بنات في الجامعة» 1971 مع المخرج
عاطف سالم- «حكاية بنت» اسمها مرمر 1972 مع بركات- «عودة الابن الضال» 1976
مع يوسف شاهين - «حكمتك يارب» 1977 لحسام الدين مصطفى- «رغبة متوحشة» 1991
مع المخرج خيري بشارة، بجانب كم هائل من المسلسلات التلفزيونية الرائعة
نذكر منها «ليالي الحلمية» - «شجرة الدر» - «أرابيسك» ومسلسلها الأخير
«موعد مع الوحوش» أما في المسرح فحدث ولا حرج فهي صاحبة سجل هائل من
المسرحيات التي شكلت علامات فارقة في مسرح الدولة في مصر فهي ارتبطت طوال
مسيرتها المسرحية بمسرح الدولة ولم تعمل كثيرا في المسرح الخاص إلا في
حالات استثنائية قليلة ومع فنانين المسرح الكبار أمثال جلال الشرقاوي وكرم
مطاوع.
ونأتي إلى هذا الاسم الأخير كرم مطاوع لنشير إلى انه احد
الدارسين للمسرح في الخارج حيث درس المسرح في ايطاليا من خلال بعثة دراسية
استمرت 5 سنوات وحصل على إجازة هذه الدراسة وهي تعادل درجة «الدكتوراه»
وبعد عودته لمصر عمل كأستاذ في معهد الفنون المسرحية إضافة إلى عمله في
المسرح كممثل ومخرج ومؤسس لفرق المسرح الحديث وهو بلا شك أحد أهم المجددين
في المسرح المصري منذ الستينيات مع زملاء جيله من المسرحيين العمالقة أمثال
جلال الشرقاوي وسعد أردش وسمير العصفوري ونجيب سرور ونبيل الألفي وغيرهم من
العمالقة الكبار في فن المسرح وفن التمثيل أيضا.
ولأن كرم مطاوع كان متعدد المواهب فلم يكتف بهذا الدور
الرائد والتنويري في المسرح بل حقق نجاحا واظهر إبداعاً كبيراً كممثل صاحب
أسلوب مميز وخاص جدا في الأداء لدرجة أن هناك من النقاد من أطلق اسمه على
هذا الأسلوب الذي يعرفه الجمهور جيداً وأصبحت طريقة أدائه السلسلة والهادئة
أحيانا والمتفجرة في أحيان أخرى تعرف باسم «أسلوب كرم مطاوع» ولم يكتف
بأدواره المسرحية بل له سجل حافل من الأعمال في السينما والتلفزيون ففى
السينما نذكر له قيامه بدور الموسيقار «سيد درويش» في الفيلم الذي حمل نفس
الاسم وأخرجه أحمد بدرخان عام 1966 أيضا نذكر أفلاما أخرى مثل إضراب
الشحاتين 1967 مع حسن الإمام «اثنين على الهوا» 1985 مع المخرج الفنان يوسف
فرانسيس، وفيلمه الشهير «المنسى» 1993 مع عادل إمام ويسرا والمخرج شريف
عرفه، وفي التلفزيون نذكر له مسلسلات «الحرملك»، «جواري بلا قيود»، «النساء
يعترفن سرا»، «الصبر في الملاحات»، «برديس»، «أرابيسك»، وغيرها من الأعمال
الجادة الرائعة..
ونأتي الآن إلى لقائهما الإنساني وقصة الحب التي جمعتهما
والتي انتهت بالزواج ونسردها على لسان صاحبتها حيث تقول سهير المرشدي: «قبل
أن التقى مع كرم إنسانيا لم أكن أفكر مطلقا في الزواج ولا في انجاب الأطفال
كنت أحقق نجاحات كبيرة في مسيرتي الفنية وكنت أريد أن أتفرغ لفني وكان لدى
أسرة دافئة مكونة من أبي وأمي وأخوتي ولم يكن ينقصني دفء الأسرة وكنت أريد
أن تكون حياتي مكرسة كلها للفن لكن استشهاد أخي (صلاح) في حرب أكتوبر 1973
اوجد هزة عنيفة في حياتي وأصابني بحالة حزن هائلة وقتها شعرت انه لابد وان
تكون هناك قصة حب في حياتي حتى أنسى أحزاني على شقيقي.. في هذه الأثناء
التقيت مع كرم وبدلا من تعاملنا معا كزملاء وقف إلى جانبي وساندني بقوة
لأخرج من أحزاني وبدأت مشاعرنا تنمو داخلنا بقوة وشعرت وشعر هو أيضا أن كل
منا لا يريد أن يفترق عن الأخر كانت مشاعرنا جارفة وعميقة.. وكان زواجنا هو
قمة التتويج لهذه العلاقة الرائعة..».
وتضيف سهير وهي تتذكر تلك الأيام بعد زواجنا كنت أريد أن
أنجب ولدا واسميه صلاح على اسم شقيقي الشهيد لكن الله أراد أن تكون بنتا
فسميناها حنان وسار زواجي من كرم بشكل رائع تملؤه المشاعر الجميلة الدافئة
ومساحة هائلة من الحب والتفاهم والاحترام بيننا وكان هذا مثار إعجاب
واحترام جميع من في الوسط الفني ومن جمهورنا أيضا، خصوصا مع اصرارنا على
تقديم الفن الجاد الملتزم البعيد عن السطحية والإسفاف.. وقدمنا معا أعمالا
مسرحية رائعة اذكر منها «الفتى مهران» و«ليلة مصرع جيفارا» و«روض الفرج»
و«يا طالع الشجرة»... وطبعا مسرحية «إيزيس» التي حققت نجاحا وانتشارا
هائلا.. وسافرنا معا كثيرا وقدمنا معا أيضا مسلسلات وتشاركنا في رحلة فنية
وانسانية طويلة
.
ولمسرحية «ايزيس» قصة طريفة ترويها أيضا سهير وتقول: «في
عام 1983 كنا أنا وكرم نريد تقديم مسرحيته الشهيرة «ايزيس» على المسرح
القومي وذهبت لأقابل كاتبنا الكبير توفيق الحكيم في المستشفى حيث كان يعالج
من وعكة صحية وقتها كان التلفزيون يعرض له مسلسل «شجرة الدر» وكان المسلسل
يحقق نجاحا كبيرا وما أن رأني الحكيم حتى نادني بصوت واهم وقال لي: تعالي
يا شجرة فذكرته بأنني قدمت مسرحيته الشهيرة «يا طالع الشجرة» وتحدثت معه
وأخبرته أنني عائدة لتوي أنا وكرم من رحلة طويلة في البلاد العربية وأريد
أن أقدم مسرحية من مسرحياتك قال لي أنتي تصلحي لايزيس.. لكن لازم يعملها
ولد ألمعى وكان هكذا ينادى كل أبناء جيلي بكلمة «ولد» وأضاف: ولازم يكون
فيها أغاني يكتبها ولد ألمعى فقلت له على الفور يخرجها كرم مطاوع فقال لي:
آه كده جميل ده ولد عبقري ومسرحي، وفجأة دخل علينا الرائع صلاح جاهين وكان
يعالج من بعض المشاكل في القلب بنفس المستشفى وما أن رآه الحكيم حتى قال
على الفور والولد ده يكتب لها الأشعار.. وانتهى هذا اللقاء وبالفعل قدمنا
المسرحية عام 1985 وكانت في اعادة افتتاح المسرح القومي.
انتهى كلام سهير وما نؤكد عليه هنا أن هذه المسرحية التي
أخرجها كرم مطاوع كانت وقتها حدثاً فنيا رائعا في المسرح القومي والمسرح
المصري بشكل عام وحققت نجاحاً أسطورياً واستمر عرضها لفترات طويلة وعرضت في
أكثر من بلد عربي وأطلق النقاد وقتها على سهير المرشدي لقب «إيزيس المسرح
المصري»، وهكذا مضت العلاقة الفنية والانسانية بين كرم وسهير تمثلت في
أعمال مسرحية رائعة اضافة إلى مشاركتهما في بعض الأعمال في المجالات الفنية
الأخرى وكانت رغم قلتها تتميز بالجدية والاحترام والمستوى الرفيع الذي
التزم به هذا الثنائي طوال مسيرتهما الفنية. وبعد رحلة إنسانية وفنية لهذا
الثنائي الرائع امتدت لـ20عاما متواصلة كانت المفاجأة غير المتوقعة للجميع
لقد وقع الطلاق والانفصال بين كرم وسهير وقد احدث هذا الانفصال صدمة هائلة
داخل الوسط الفني ولم يسأل احد عن الأسباب ولا أطراف هذا الانفصال تحدثا عن
أسبابه لكن حالة من الحزن سيطرت على الجميع من فك عرى هذه الزيجة الفنية
الرائعة التي مزيته حسن العشرة والحب والاحترام والتفاهم وهنا لابد أن نشير
إلى شيء مهم جدا وهو أن كرم مطاوع إذا كان الزوج الأول في حياة سهير
المرشدي والتي أحزنها بشدة انفصالها عنها، فانها لم تكن الزوجة الأولى في
حياته فقد كان له تجربة زواج سابقة أثناء دراسته في ايطاليا من الايطالية «مرجريتا»
وهي أم ولديه عادل وكريم اللذين يعتبران الشقيقين الأكبر لـحنان مطاوع من
والدها الفنان الكبير الراحل وفي السنوات الأخيرة أصبحت حنان من الفنانات
والنجمات الشابات على الساحة الفنية في مصر. وبعد الانفصال تزوج كرم
الإعلامية والمذيعة التلفزيونية ماجدة عاصم وبعد زواجهما بشهور قليلة
اكتشفت اصابته بمرض السرطان وعندما اشتد عليه المرض طلقها وانفصل عنها ولم
يكن قد مضى على زواجهما أكثر من عام سافر بعدها للعلاج في الولايات المتحدة
واستمر فترة هناك وعاد للقاهرة لتشتد عليه آلام المرض بقوة ويتم نقله إلى
المستشفى وتسارع سهير المرشدي إليه لتكون بجواره في لحظات مرضه الصعبة وظلت
إلى جواره شهرا كاملا ومات بين يديها يوم 11ديسمبر1996 وقد اثر فيها رحيله
بدرجة كبيرة وأصابتها حالة من الحزب العارم وقالت: لقد عشت مع كرم أكثر مما
عاش مع أبيه وأمه وزوجته الأولى.. لقد عشنا معا أهم وأخصب وأشرف المعارك
منذ الستينيات حتى رحيله لقد كانت عشرة طويلة ورفقة مملوءة بالحب وصحبة
فيها كل التفاهم والاحترام عشنا معا النجاحات والانكسارات.
النهار الكويتية في
22/07/2013 |