لأنهم يعيشون دائما في «بقعة الضوء» يأتي نجوم الفن في
مقدمة المشاهير الذين يستحوذون على اهتمام الناس.. أخبارهم وقصصهم
وحكاياتهم لها الحيز الأكبر من اهتمام وسائل الإعلام وربما- لا توجد صغيرة
ولا كبيرة في حياة هؤلاء دون أن تكون محل متابعة الملايين .. هذه هي ضريبة
الشهرة والنجومية التي يدفعها هؤلاء لدرجة أن الكثيرين منهم أو معظمهم بلا
حياة خاصة أو خصوصيات لا يعرفها الناس خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمشاعر
والعاطفة وقصص الحب والزواج.
وعلى مدى تاريخ الوسط الفني المصري والممتد منذ سنوات بعيدة
امتلأ هذا الوسط بالعديد من قصص الحب والزواج فهؤلاء النجوم أولا وأخيراً
وقبل النجومية وبعدها بشر يحبون ويتزوجون ويفترقون ويتألمون لكن الاختلاف
هنا في الشهرة الواسعة والجدل الكبير حول هذه القصص والحكايات.
ونحن هنا ومن خلال هذه الحلقات نستعرض أشهر قصص الحب
والزواج التي عرفها الوسط الفني
المصري، عبر تاريخه ونكشف عن العديد من الأسرار العاطفية
والحياتية لهؤلاء النجوم الكبار وليس الهدف والغرض أو القصد من هذا هو
الإثارة أو «النبش» في الماضي أو نكأ جراح وذكريات بل هدفنا ومقصدنا إلقاء
المزيد من الضوء على مسيرة وحياة هؤلاء النجوم الكبار فالراحلون منهم
مازالوا وسيظلون يعيشون في وجدان الجماهير جيلا بعد جيل بإبداعاتهم الراقية
وبعطائهم الفني الذي خلدهم، فالفنان يرحل بجسده فقط وتبقى سيرته ومآثره
الفنية باقية وربما ضد الموت.. أما الذين مازالوا يمتعوننا بفنهم الراقي
فنتمنى لهم المزيد من التألق والعطاء الفني.. ويظل التقدير والاحترام منا
ومن كل الجماهير لكل هؤلاء النجوم الكبار. «ليلى هانم.. أنا جاي اعرض عليكي
بطولة فيلمي الأول.. أنا حأدخل مجال الانتاج وعايزك بطلة لأول فيلم أنتجه
وأقوم ببطولته». هذه هي الكلمات التي قالها أنور وجدي لليلى مراد عندما ذهب
الى غرفتها في «استديو مصر» أثناء تصوير فيلمها «شهداء الغرام» ليعرض عليها
بطولة فيلمه «ليلى بنت الفقراء» الذي سيقوم ببطولته المطلقة لأول مرة على
شاشة السينما وهو باكورة انتاج شركته التي كونها مع بعض الشركاء وكان أول
فيلم من تأليفه أيضا وفيما بعد سيكون أول أفلامه كمخرج.. هذا الفيلم الذي
كان سببا في قصة الحب والزواج بين أنور وجدي وليلى مراد وهي واحدة من أهم
وأشهر قصص الحب والزواج بين الفنانين ليس في الأربعينيات والخمسينيات فحسب
بل في تاريخ السينما المصرية كله وذلك لما شابها من أحداث درامية مثيرة على
المستوى الانساني وأيضا لأنها قدمت للسينما واحداً من أهم وأشهر الثنائيات
الفنية على شاشتها وقدما معا عددا من أهم الأفلام الغنائية والاستعراضية
التي اعتبرها النقاد من كلاسيكيات هذا الفن.
وقبل التعرض للرد الذي قالته ليلى مراد لأنور وجدي خلال هذا
اللقاء وقبل الدخول في تفاصيل قصة الحب هذه وكيف تم الزواج؟ وماذا حدث
بعدها نعود قليلا الى الوراء لنستعرض سريعا أحداثا ومواقف وقعت في المسيرة
الفنية لكل منهما وأيضا الحالة الانسانية والاجتماعية التي كانا عليها قبل
هذا اللقاء وقبل ارتباطهما بالحب والزواج.
ولنبدأ بأنور وجدي لنرى ان رحلته الفنية بدأت من الصفر ودون
الدخول في تفاصيل كثيرة واستعراض كبير للبداية والنشأة والمسيرة الفنية
نقول انه ينتمي لأسرة متواضعة للغاية ماديا واجتماعيا وبدأ مشواره الفني
كعامل اكسسوار في فرقة «رمسيس» المسرحية لمؤسسها وصاحبها وبطلها ومؤلف
ومخرج عروضها الفنان يوسف وهبي الذي سرعان ما حول اتجاه أنور من عامل
اكسسوار الى كومبارس يقف على المسرح ويشارك في بعض العروض ثم بدأ يتطور حتى
أصبح يشارك في بعض الأدوار الصغيرة التي اثبت فيها موهبته وذلك ما جعل يوسف
وهبي يشركه في دور صغير في فيلمه «أولاد الذوات» الذي أخرجه محمد كريم عام
1932 وكان أول فيلم مصري ناطق وكان هذا الفيلم الظهور السينمائي الأول
لأنور وجدي.
بعد هذا الفيلم قرر أنور ان يترك المسرح ويكثف كل جهده في
السينما.. رغم انه بدأ يحقق بعض النجاحات والشهرة في المسرح وهنا يقول
المؤرخون: ان أنور قرر ان يتجه للسينما لأنها أكثر دخلا ربما وانه كان يحب
المال ومن العشاق الكبار للنقود، وان اتجاهه للسينما ليس حبا فيها بقدر حبه
للمال.. المهم ان أنور انطلق سينمائيا وأصبح يشارك في الكثير من الأفلام
وكانت وسامته ونعومته سببا في ان يسند اليه مخرجو السينما في ذاك الوقت
ادوار الشاب الماجن الارستقراطي وأحيانا ادوار الشر- الفهلوي- خفيف الظل-
أو ابن الذات الذي يجرى وراء الفتيات ولا هم له سوى نزواته. وحقق أنور
تفوقاً كبيرا في هذه الأدوار مما جعله ينتقل من نجاح الى نجاح وبدأت أحواله
المادية تتحسن كثيرا
وفي عامي 1938 و1939 كانت الانطلاقة السينمائية الكبرى في
مشواره، ففي العام الأول شارك في بطولة فيلم «أجنحة الصحراء» الذي أنتجه
وأخرجه وقام ببطولته أحمد سالم وفي العام الثاني كانت مشاركته مع حسين صدقي
وفاطمة رشدي في فيلم «العزيمة» الذي أخرجه كمال سليم رائد الواقعية الأول
في السينما المصرية ويعد هذا الفيلم من كلاسيكيات السينما المصرية وضمن
قائمتها الذهبية لأفضل مائة فيلم. وقد حقق أنور من خلال مشاركته في بطولة
هذا الفيلم قفزة هائلة وبعض النقاد يعتبرونه البداية السينمائية الحقيقية
لأنور وجدي وكان لكمال سليم دور بارز جدا في تهذيب موهبة أنور وتخلصه من كل
نقائص الأداء التمثيلي ورغم ان حسين صدقي كان البطل المطلق «للعزيمة» الا
ان أنور انطلق بعد هذا الفيلم كجواد سينمائي جامح وأصبح نجما ساطعاً بل انه
أصبح «موضة» كل الأفلام خصوصا بعدما التصق به لفترة دور شخصية «ابن
الذوات»المخادع الوسيم المغامر وأصبح شرير الشاشة المغلف بالحب والمرح وخفة
الظل وهذا ما جعله يحقق نجاحاً هائلا في كل أدواره واستمر أنور على هذه
النجومية وهذه الانطلاقة الهائلة طوال السنوات الأولى من حقبة الأربعينيات
وأصبح حضوره طاغيا ومنتشرا وكبيرا وفاقت نجوميته أي نجم آخر حتى الذين كان
يلعب معهم البطولة الثانية في أفلامهم فاقهم نجومية وانتشاراً لدرجة انه في
عام 1944 شارك في 18 فيلما دفعة واحدة
.
كان هذا هو أنور وجدي وكانت هذه مكانته السينمائية عندما
ذهب الى ليلى مراد ليعرض عليها بطولة فيلم «ليلى بنت الفقراء» لكن ورغم
المكانة الهائلة تلك لأنور الا ان ليلى كانت وقتها تفوقه نجومية فقد كانت
كمطربة وكنجمة سينمائية هي الأعلى قيمة ومكانة على ساحة السينما وأعلاهن
أجراً حيث كانت تتقاضى ما بين «12 و15» ألف جنيه عن الفيلم الواحد وهو رقم
أسطوري يتجاوز 3 أضعاف ما كانت تتقاضاه أي نجمة سينمائية أخرى في مصر..
وعلى مستوى الغناء والطرب كانت في ذاك الوقت هي المنافس الأول لأم كلثوم في
عالم الغناء والطرب وليس بعد ذلك نجومية ومكانة كمطربة وكنجمة سينمائية
ونتوقف هنا لبرهة قصيرة ونعود للوراء قليلا ونسترجع جانبا من مسيرة هذه
النجمة فهي ابنة الموسيقار والمطرب المعروف زكي مراد الذي شعر بموهبة
وحلاوة صوت ابنته ليلى وهي في العاشرة من عمرها.. وعندما كبرت قليلا كان
يأخذها معه الى الحفلات التي يشارك فيها لتغني وبدأ صوتها يلفت الأنظار
ويطرب كل من يستمع اليه.. وكانت النقلة الفنية الأهم في مشوارها الفني
عندما استمع اليها الموسيقار محمد عبدالوهاب وأعجب بصوتها للغاية وتبناها
فنيا فزادت شهرتها كفنانة ومطربة واعدة وأصبحت مطلوبة بشدة في الحفلات
الكبيرة والطبقة العليا.. وجاءت بداية مسيرتها السينمائية من خلال
محمدعبدالوهاب أيضا عندما اختارها مع المخرج محمد كريم لتشاركه بطولة فيلمه
«يحيا الحب» عام 1938 وكان من انتاج عبدالوهاب وشاركهما البطولة زوزو ماضي-
محمد عبدالقدوس- عبدالوارث عسر..
في هذا الفيلم أثبتت ليلى موهبتها كممثلة واعدة كما أكدت
موهبتها كمطربة صاحبة صوت جميل ورائع وكان هذا الفيلم نقطة الانطلاق
السينمائية الهائلة لها فأصبحت مطلبا من كل منتجي ومخرجي السينما المصرية
وخلال سنوات قليلة كانت هي النجمة السينمائية الأولى والأعلى مكانة والأغلى
أجراً.
أما أنور وجدي فبعد النجاح الهائل والقفزة الأسطورية التي
حققها كنجم سينمائي والتي اشرنا اليها هذه المكانة لأنور جعلته يفكر في
استغلال أكثر لاسمه ونجوميته بدلا من ان يستغلها منتجون آخرون يحققون
أرباحاً وأموالا كبيرة من الأفلام التي يشارك في بطولتها ومن هنا بدأ يفكر
في الانتاج السينمائي لأفلامه وكتب بالفعل سيناريو أول أفلامه «ليلى بنت
الفقراء» الذي كان باكورة انتاجه وجمع بالفعل كل ما كسبه من أموال طوال
السنوات السابقة وقرر خوض تجربة الانتاج، صحيح انه رفع أجره أكثر من مرة
كلما كان نجاحه يزداد وكانت شهرته تكبر لكن حبه للمال ورغبته في عدم
استغلال الآخرين لمكانته وجهده جعلت الانتاج هو هدفه الأول وبالفعل كون أول
شركة للانتاج السينمائي حملت اسم «شركة أفلام أنور وجدي وشركاه» وكان
شركاؤه في هذه الشركة موزعا سينمائيا لبنانيا ثريا للغاية هو «جورج منصور»
وصاحبا جريدة «المصري» الشقيقان «محمود وحسين أبوالفتح» وكان من أشهر
الصحافيين في مصر وقتها وكانت جريدتهما من أكثر الصحف انتشاراً.. واتفق
أنور وجدي مع شركائه ان يكون باكورة انتاج الشركة فيلم «ليلى بنت الفقراء»
الذي كتب له السيناريو وان يقوم أستاذه كمال سليم باخراج الفيلم.. واتفق
أنور وكمال وشركاء الانتاج على ان تكون ليلى مراد هي بطلة الفيلم واقترح
كمال سليم ان يكون أنور بصفته البطل المطلق للفيلم والمنتج له أيضا هو من
يعرض الأمر على ليلى مراد رغم ان ليلى في ذلك الوقت كانت تصور فيلم «شهداء
الغرام» الذي يخرجه كمال سليم.
ونعود الآن الى هذه المقابلة بين ليلى وأنور التي ذكرناها
في بداية الحلقة فبعد ان عرض أنور عليها بطولة هذا الفيلم بمنتهى الاحترام
والتقدير والشياكة وبعد ان انصرف أخذت ليلى تفكر في الأمر بجدية وهي بالفعل
قالت له «اعطينى بعض الوقت لأفكر وارد عليك» وكان تفكير ليلى منصبا على
حضور أنور اليها والعرض الذي قدمه لها.. صحيح أنهما يعملان في مجال واحد هو
السينما وجمعتهما أفلام مشتركة كانت هي بطلتها وكان هو يقوم ببعض الأدوار
السينمائية في هذه الأفلام لكنها على المستوى الشخصي لم يحدث ان خالطها أو
اقترب منها ولم تكن تربطها به أي معرفة شخصية وكان كل معرفتها عنه انه شاب
موهوب عصامي بدأ مشواره من الصفر حتى وصل الى ما وصل اليه كافح كثيرا وتحمل
كثيرا من تقلبات الحياة. أيضا كانت تسمع الكثير من القصص حول غرامياته
ومغامراته النسائية وعلى الفور شعرت ان هدف أنور من هذا الفيلم هو محاولة
التقرب منها واستغلال نجوميتها لصالحه وهو يشق طريقه نحو البطولة المطلقة
وان وجودها معه في فيلم ما هو الا نوع من الدعاية الهائلة لهذا الفيلم.
ورغم هذا التفكير من جانب ليلى تجاه أنور بعد العرض الذي
تقدم به اليها ورغم أنها في مقابلتها معه بدت متدللـه عليه ولم تبد رغبة
هائلة في الموافقة أو حتى الترحيب الشديد به الا أنها وبشكل مفاجئ وافقت
على ان تشاركه بطولة الفيلم وشجعها على هذه الموافقة ان كمال سليم، الذي
سيخرج الفيلم، تكن له احتراما وتقديرا هائلا وشعر أنور بسعادة غامرة
لموافقة ليلى على بطولة الفيلم رغم أنها ستتقاضى منه كمنتج هذا الأجر
المادي الكبير للغاية ورغم ما عرف عنه من عدم الاسراف الذي يصل الى حد
«البخل» الا ان سعادته فاقت الحدود ورأى النقاد وقتها ان ليلى تريد ان
تساعد أنور في مشروعه الأول كمنتج وبطل مطلق وأيضا كمؤلف لهذا الفيلم.
وبدأت جلسات العمل والتحضير للفيلم بين ليلى وأنور والمخرج
كمال سليم وفي هذه الجلسات بدأ أنور يبدي اهتمامه الشخصي بليلى ويبثها
كلمات الحب والغرام لكن بشكل مستتر وقبل التصوير بأيام قليلة رحل عن الدنيا
وبشكل مفاجئ كمال سليم وتوفي وهو في سن صغيرة وفي أوج مجده الفني.. وكان
الحزن عليه كبيرا وأصابت الحيرة أنور وجدي ماذا يفعل في فيلمه الجديد الذي
كان على وشك ان يبدأ تصويره وكان الحل على يد ليلى عندما فاجأته قائلة: «انت
محتار ليه يا أنور ما تخرج أنت الفيلم» ورغم دهشة أنور ألا انه وجدها فكرة
تستحق الدراسة فهو مؤلف الفيلم وأيضا أصبح صاحب خبرة من كثرة الأفلام التي
شارك فيها ولم يفكر طويلا فهو من خلال عمله اكتسب جزءا كبيرا من المهارة
الفنية بالاضافة الى موهبته الفطرية الخلاقة وبدأ فعلا تصوير الفيلم كمخرج
وكبطل مطلق له وكمنتج أيضا وأثناء التصوير كانت قصة الحب قد نمت وكبرت بين
ليلى وأنور الذي استخدم كل مهارته العاطفية وجاذبيته للجنس الآخر في
الايقاع بـ «ليلى» التي بادلته المشاعر نفسها وتم الزواج أثناء هذا الفيلم
وكان زواجهما طريفاً اذ تحول مشهد الزفاف في الفيلم بين البطل والبطلة الى
مشهد زواج وزفاف حقيقي بين ليلى مراد وأنور وجدي وكان هذا عام 1945، الذي
كان أشهر قصص الحب والزواج في الوسط الفني والسينمائي خلال الأربعينيات
والخمسينيات واعتبره البعض أشهر زواج في تاريخ السينما لأنه كان سببا في
تواجد هذا الثنائي الشهير جداً في مسيرة السينما المصرية. وهنا نتوقف قليلا
لنستعرض سريعا الحالة العاطفية والاجتماعية لأنور وليلى قبل هذا الزواج
لنرى ان ليلى لم تكن الزوجة الأولى في حياة أنور وجدي بل كانت الزوجة
الثالثة بعد زيجتين سابقتين ورغم ان أنور كان الزوج الأول وحالة الزواج
الأولى في حياتها، الا أنها قبل ذلك مرت ببعض التجارب العاطفية قبل لقائها
به وهذا ما سنتعرض له بالتفصيل في الحلقة المقبلة والأخيرة كما سنتعرض
لتفاصيل زواجهما على المستوى الفني والانساني وكيف وقع الانفصال بينهما
وزيجات كل منهما بعد الانفصال ومرض أنور المفاجئ ورحيله السريع ثم اعتزالها
المفاجئ للفن وابتعادها عن الساحة تماما.
النهار الكويتية في
10/07/2013 |