تمثل النجمة الأميركي فاي داناواي واحدة من النجمات اللواتي
اقترن اسمهن بالأفلام والأعمال الكبيرة، وإن ظلت لسنوات عدة تعاني من
تداعيات البطالة حيث الادمان.. والبطالة التي كادت أن تصيبها بالجنون، ورغم
ذلك يظل اسم فاي داناواي مقرونا بالاختيارات السينمائية العالية الجودة،
التي مهدت لها الطريق لحصاد وافر من الجوائز وايضا الانجازات السينمائية
الكبرى.
ولدت فاي في 14 يناير 1941 في الولايات المتحدة الأميركية
فازت بالأوسكار كأفضل ممثلة عام 1975 عن فيلم «الشبكة»، كما ترشحت للجائزة
مرات عدة، منها عن افلام بوني وكلايد 1967، و«الحي الصيني» 1974. وكما
اسلفنا في رصيدها عدد مهم من الأعمال السينمائية، التي توصف بالأعمال
الكبرى مثل «الرجل الصغير الكبير» 1970 و«ثلاثة ايام للكوندر» 1975.
ولدت فاي
في فلوريدا والدتها هي غريس ابريل، ووالدها جون ماكدويل،
ضابط في الجيش الاميركي، وهي من اصول ايرلندية - أميركية، وايضا المانية.
فور انتهائها من الدراسة الثانوية التحقت بجامعة فلوريدا،
ومنها الى جامعة بوسطن، وعادت الى فلوريدا حيث حصلت على البكالوريوس في
«المسرح» ثم التحقت في المعهد الأكاديمي الوطني للمسرح الى جوار عدد من
نجوم جيلها لاحقا.
بداية مشوارها كانت في المسرح، وحتى برودواي على وجه الخصوص
عام 1962، حينما جسدت دور ابنة الممثل توماس مور في مسرحية «رجل لكل
العصور» و«هوجان جوت».
أما عملها السينمائي الأول فكان في عام 1967، وهو الفيلم
الكوميدي «ذا هابينينج» (الحدث)، ثم في «هاري سان داون» مع المخرج اوتو
برنجر.. وبعد تلك التجربة، حصلن على عقد لخمسة افلام.. ولكنها ندمت لاحقا،
لأنها بذلت المستحيل من أجل التخلص من ذلك العقد الذي يكاد يكون قيد
حريتها، خصوصا، وهي في بداية طريقها الفني.
خلال تلك المرحلة، فازت بجائزة البافتا كأفضل ممثلة واعدة
وترشحت للغولدن غلوب.
في العام ذاته ايضا، وقعت بطولة الدور الرئيس في فيلم
المغامرات «بوني وكلايد» أمام وارن بيتي الذي جسد شخصية سارق البنوك الشهير
بوني باركر، وجاء اختيارها لتلك الشخصية، بمثابة التحدي للكثير من النجمات
في ذلك الوقت من أمثال جين فوندا ونتالي وود وليسلي كارون.
وبشكل متوقع حقق الفيلم نجاحات كبيرة على الصعيدين الفني
والجماهيري، حتى انه فاز بـ (10) ترشيحات للأوسكار، من بينها جائزة افضل
ممثلة لفاي، ويومها خسرت الجائزة لصالح كاترين هيبورن.
في عام 1968 وقفت الى جوار الراحل ستيفن ماكوين في فيلم «ذا
توماس كراون نير» وحصد الفيلم ايضا نجاحات اكبر.
ومن الافلام الكبرى، التي طرزت مسيرتها، وايضا تاريخ
السينما الاميركية يأتي فيلم «الرجل الصغير الكبير» مع داستين هوفمان، وهذا
الفيلم يمثل احدى القفزات السينمائية الكبرى، في نظر نقاد السينما
الاميركية، بالنسبة لهذه النجمة الكبرى.
في الفترة ذاتها، قدمت فيلم «احجيات الطفل واونفيلد» الذي
تعرضت من خلاله لشيء من النقد.. لانها قدمت شخصية لا ترتقي الى قيمتها
الابداعية.
وتأتي احدى القفزات الاساسية والكبرى، مع فيلم «الحي
الصيني» مع المخرج القدير رومان بولانسكي، وكان معها في الفيلم جاك
نيكلسون، ولايزال عشاق الفن السابع يتذكرون شخصية ايفلين مولوراي التي
قدمتها باقتدار رفيع المستوى النجمة فاي داناواي. وقد تشاجرت فاي مع رومان
اثناء التصوير، لأنها كانت تريد أن تقدم الشخصية بطريقتها، كما طالبها بأن
تقص شعرها، وهذا ما رفضته اولا، ثم انصاعت للاوامر لتحصد نجاحات كبرى
(ماديا ونقديا)، وعن الفيلم ترشحت من جديد للاوسكار كأفضل ممثلة، وخسرت
الجائزة مجددا، امام النجمة ايلين برستين.
وتواصلت اعمالها ومنها «الفرسان الثلاثة» و«ثلاثة ايام
الكوندر» امام روبرت ردفورد.
وتأتي اللحظة والتجربة الأهم في مسيرتها، مع فيلم «الشبكة»
(نتويرك) (القناة). حيث جسدت دور المنتجة المتسلطة ديانا كريستنسون، لتحصد
اوسكار افضل ممثلة في ذلك الفيلم المثير للجدل، وشاركها البطولة كل من وليم
هولدن وبيتر فينش وروبرت دوفال، وحتى الآن لايزال الفيلم مثيرا.. ويحصد
النقد الايجابي، كما فازت عن الدور ذاته بجائزة الغولدن غلوب.
في مرحلة الثمانينيات، عاشت شيئا من الهدوء، وقلة الأعمال،
خصوصا، في النظرة التي رسمت لها، بأنها صارمة في اختيارها وتميل الى
الشخصيات المركبة، في وقت كانت تتجه به السينما لافلام المغامرات وشيء من
الخيال العلمي، وهي افلام لا يمثلها الا فاي.. وهذا ما عرضها لشيء من
البطالة.. ولاحقا الادمان.
وهذا ما دفعها الى العودة الى المسرح في برودواي من اجل
تجاوز الأيام الصعبة، وهناك قدمت مسرحية «كورس القلب».
في السينما قدمت عام 1984 فيلم «سوبر غريل» وعنه فازت
بجائزة الغولدن غلوب، ثم اتجهت للعمل في التلفزيون مع شبكة «سي بي اس» في
فيلم «جزيرة ايليس» ومنه مباشرة صورت فيلم «بارفلاي» أمام النجم فيلي رورك،
وعنه ترشحت للغولدن غلوب.
ونظرا لقلة العروض السينمائية، التي تلبي احتياجاتها، ظلت
فاي تفضل العمل بين المسرح والتلفزيون، من أجل التخفيف من أزمة البطالة،
وفي التلفزيون قدمت الكثير من الأعمال المهمة، التي فجرت من خلالها طاقاتها
الفنية، وكأنها ترد على عقوق السينما وأهلها.
في عام 2000 قدمت فيلم «مساحات» مع المخرج جيمس غراي،
ولكنها ظلت حاضرة في التلفزيون الاميركي وبقوة وكأنها ترد الصاع صاعين لأهل
السينما، الذين لن يغفروا لها عنادها.. ورفضها الدائم للعديد من
السيناريوهات التي راحت ترفضها.
لكنها تبقى تمارس لغة عالية من الاختيارات السينمائية، حتى
لو كان ذلك بأجر أقل الأجر الذي تحصل عليه رسميا، وهذا ما يؤكده الكثير من
كبار المخرجين الذين عملت معهم، بأنها كانت لا تلتفت الى موضوع الاجور،
بقدر اهتمامها بالشخصية والمضمون والأبعاد الفكرية التي يمثلها العمل
وطروحاته.
على الصعيد الشخصي، ارتبطت فاي داناواي مع المصور
الفوتوغرافي جيري شيتسبيرغ عام 1966، ولكنهما انفصلا عام 1968 لترتبط
بالنجم الايطالي مارسيلو ماستروياني ارتبط لاحقا بكاترين دينوف، وظلت فاي
مع مارسيلو للفترة من 1984 - 1987، حتى تزوجت بتيري اونيل، وهو مصور
فوتوغرافي بريطاني، ومنه انجبت طفلها ليام أونيل 1980.
ولكن الجانب الأهم في مسيرتها، انها اضطرت أمام قلة الأعمال
السينمائية الى العيش في بطالة، تكاد تكون استنفذت نسبة كبيرة من مدخراتها
ما دفعها الى الكحول.. وبالتالي شيء من الادمان.. ولكنها عادت الى التوازن
من جديد، من خلال عملها في التلفزيون، حيث قدمت عدة فقدات تلفزيونية دعما
كبيرا للايمان بالقيمة التي تمثلها كمبدعة.. كنجمة قادرة على تقمص الشخصيات
الصعبة، والتي تتطلب لياقة في الأداء عالية.
وضمن اطر التكريم والتقدير، قلدها وزير الثقافة الفرنسي
السابق فريدريك ميتران في عام 2011 وسام الفارس من الدرجة الاولى من
الحكومة الفرنسية وذلك تقديرا لجهودها ويومها قال وزير الثقافة الفرنسي:
- «الى
جانب جمالك الخطير وعينيك المحفورتين بحجر اليشم فإنك تجسدين بأناقتك
وذكائك حلم السينما.. أنت ممثلة كل النزاعات الداخلية وكل التناقضات.
لقد ظلت فاي حريصة كل الحرص أن نكون افلامها موشاة بأعمال
سينما المؤلف الحقيقي المبدع، وايضا سينما الجمهور العريض من خلال القضايا
المثيرة للجدل التي تقدمها ما ساهم في اسطورتها، وايضا تلك الشخصية الواقعة
بين النجمة التي لا يمكن الوصول اليها على غرار غريتا غاربو، وبين بساطة
جين فوندا، انها ممثلة تمثل الحلم الاميركي الذي احتك بعيوب البشر.
مسيرة موشاة بالتفرد.. وانجازات كبيرة، خلدت اسم هذه
النجمة، التي تظل دون غيرها وهي بعيدة عن السينما، حاضرة.. ونابضة
بالتوهج.. لأنها نجمة تؤمن بالسينما قادرة على اثارة القضايا الكبرى، كما
في فيلم «الشبكة» الذي ناقش هيمنة الاعلام على الانسان.
هكذا هي فاي داناواي.. النجمة المشرقة في سماء الفن السابع.
النهار الكويتية في
23/07/2013 |