يبدو ان علاقتنا في العالم العربي بالنجمة جولي كريستي، ظلت
محصورة بدورها في شخصية «لارا انتبوفا» في فيلم «الدكتور زيفاكو» أمام
النجم العربي القدير عمر الشريف، رغم مسيرتها وانجازاتها ونتاجاتها
السينمائية الخالدة في المسرح والسينما البريطانية والأميركية، حيث اسم
البريطانية جولي كريستي يعني الكثير.. بل حتى أكثر من اسم عمر الشريف في
السينما العالمية.
حضور وبصمة سينمائية، وقدرة على العبور بين الاجيال،
واختيارات فنية رفيعة المستوى، جعلها تتجاوز حضورها كامرأة، والنجمة
جميلة.. الى فنانة قديرة.
لقد تنبهت جولي كريستي، شأنها شأن الكثير من جميلات السينما
البريطانية، ان الجمال مرحلة، وان الحرفة والموهبة ديمومة، فكان الرهان على
الحرفة والموهبة.
اسمها جولي فرانسيس كريستي من مواليد 14
ابريل 1941 وهي احدى أبرز أيقونات السينما البريطانية
وشأنها شأن عدد من النجمات البارزات في السينما البريطانية مثل فانيسا
ردغريف وهيلين ميرين وجودي وينش وغيرهن.
حصدت خلال مسيرتها العديد من الجوائز ومنها الأوسكار
والغولدن غلاب والبانتا، ورسخت حضورها عبر اختيارات سينمائية عالية الجودة.
ولدت جولي في اقليم شاوبا - أوسام في الهند البريطانية وهي
الابنة الأكبر لروزماري وفرانسيس، والدها كان يمتلك حقلا لزراعة نبتة
الشاي، حيث عاشت وتربت جولي مع شقيقتها كليف وايضا شقيقتها من ناحية الأب،
جين من امرأة ذات اصول هندية، كانت تعمل في مزارع الشاي عندهم.
وقد انفصل والدها عن والدتها، حينما كانت جولي طفلة درست في
المدارس المسيحية، وقد تم فصلها، لانها ألقت بعض النكات الاباحية، لتنتقل
الى هاي ديكامبا، كما تنقلت بين والدتها في ويلز ووالدها، وفي هاي ويكامبا
قدمت بعض العروض الفنية، المسرحية، لتنتقل بعدها للدراسة في مدرسة الدراما
البريطانية.
أول تجاربها كانت في المسرح، ثم لاحقا في التلفزيون
البريطاني وكانت الانتقالة الاساسية في عام 1961 في قناة «بي بي سي» في
مسلسل من اجل اندرميدا.
كما ترشحت لتقديم شخصية، هوني ديدر في الجزء الأول من فيلم
جيمس بوند، الدكتور نور امام شون كونري، ولكن المنتج البرت آر بروكلي، رفض
الأمر، بحجة ان صدرها صغير، ولربما كان ذلك الامر لصالحها، حتى لا تذهب
بعيدا في معادلات الجمال والاثارة، كما حصل مع ارسولا اندروز التي اختيرت
لذات الدور لاحقا.
في عام 1962 جولي قدمت العديد من الاعمال ومنها ذات فاست
ليدي، حيث فازت عن هذا الدور بجائزة «بافتا» التي قدمتها اكاديمية العلوم
والفنون السينمائية البريطانية.
في عام 1965 عنونت مجلة «لايف» بانه عام جولي كريستي مع
صورة لها على الغلاف، بالذات بعد النجاحات الكبيرة التي حققتها بعد فيلم
«دارلينج» مع المخرج شلنجر وعن هذا الفيلم فازت بأوسكار افضل ممثلة.
وفي ذات العام قدمت فيلم «يونج كاسيدي».
وتأتي النقلة التاريخية، مع فيلم «الدكتور زيفاكو» لدايفيد
لين، امام النجم القدير عمر الشريف، والفيلم مأخوذ عن رواية بنفس الاسم
للروائي الروسي بوريس باسترناك، وحقق الفيلم نجاحات عالمية واسعة، وجمع
اكبر عدد من الجوائز، ورسخ حضورها كقيمة وكنجمة ومكانة سينمائية شامخة.
وعلى الصعيد الفني والحرفي، يأتي دورها في فيلم «451
فهرنهايت» عام 1966 مع المخرج فرانسوا تريفوا عن رواية راي براولي الشهرة
والتي حملت ذات العنوان.
وتواصلت الاعمال والبصمات، فنحن امام نجمة لا تذهب الى
تقديم اي شيء، بل ان نتاجات سينمائية ترسخ حضورها وقيمتها الابداعية
الكبرى، كما كانت ذات تأثير بالغ في تشكيل ذوق جيلها، على صعيد الازياء،
والموضة الجمالية التي تذهب اليها.
وفي السبعينيات، قلصت جولي كريستي اعمالها الى ستة اعمال
فقط، وعن دورها في «مكابي والسيدة ميلر» لردبرت التي فازت بالاوسكار للمرة
الثانية، والفيلم كان بداية لثلاثية عملت خلالها مع النجم وارن بيتي وعنه
تقول: انها من افضل المراحل واللحظات، ولكنني استطيع ان اقول بان وارن هو
الشخصية الأكثر عصبية التي التقيت بها، لقد كان في حالة دائمة من العصبية
والتوتر، وظلا سويا يعملان من الفترة 1967 - 1978 ومن اعمالهم ايضا فيلم
«شامبو» 1975 واسماء تستطيع الانتظار 1978.
وكانت جولي قد نقلت نشاطها من لندن الى هوليوود في النصف
الثاني في الستينيات، ولكنها ظلت بعيدة عن اجواء وعالم هوليوود، من اجل
المحافظة على المسافة بينها وبين الجميع.
وظلت حريصة اشد الحرص، على ان تعمل مع كبار المخرجين
وانتقاء افضل السيناريوهات التي كانت ترسل اليها يوميا بالعشرات، الا ان
مفردة «مرفوض» كانت حاضرة دائما، بسبب او بدون سبب، لانها لا تريد ان تقدم
اي شيء.
ومن اهم الاعمال التي قدمتها تشير الى «المراسل» وآتي
والالف يوم، وانهم يقتلون الجياد أليس كذلك و«الحمر» مع وارن بيتي ايضا
ممثلا ومخرجا، وعن الفيلم ترشحت ايضا للاوسكار كأفضل ممثلة.
وفي الثمانينيات، جاء قرارها بتقليص حضورها، ومن اعمال تلك
المرحلة، عودة الجندي 1982 حرارة وغبار 1983 و«قوة» مع المخرج سيدني لوميت.
وبعد قرابة العقد من الغياب، عادت بناء على دعوة صديقها
المخرج والممثل البريطاني كينث براناه في فيلم «العاملة» 1996، ثم دور
الزوجة غير السعيدة لان رودلف في فيلم «انترغلو» والذي حصدت عنه الترشيح
للمرة الثالثة للأوسكار 1997.
وفي عام 2004 ظهرت كضيفة شرف في فيلمين كبيرين هما «هاري
بوتر وسجين أزكابان» وفيلم «تروي» وفي ذات العام جسدت دور ام كيت وينسليت
في فيلم «فايندنج نفرلاند» والذي ترشحت عنه لجائزة «بافتا».
ويطول الغياب مجددا، وتعود بدور صعب مع صديقتها المخرجة
الكندية سارة بولي في فيلم «بعيدا عن هنا» عن امرأة مصابة بالزهايمر، حيث
ذلك الاداء الرفيع المستوى والذي يتطلب لياقة فنية عالية، وحضورا فنيا
منفردا، وعن هذا الاداء فازت بغلة كبيرة من الجوائز.
وبعد الحاح، جاءت موافقتها للمشاركة في لجان التحكيم، ومنها
مهرجان موسكو السينمائي الدولي 8 عام 2006 ثم مهرجان تورنتو السينمائي في
ذات العام.
ونصل الى عام 2013 حيث قدمت هذا العام فيلم «الصحبة» التي
تحتفظ بها امام النجم والمخرج القدير روبرت ردفورد، حيث جسدت دور احدى
الصديقات في الفيلم.
على الصعيد الشخصي، ارتبطت جولي كريستي مع دون باسنت مدرس
الفنون 1965 بعدها ارتبطت مع وارن بيتي لسنوات طويلة.
في عام 2007 تزوجت جولي من الصحافي البريطاني في جريدة «الغارديان»
وازمكان كامبيل».
وكانت جولي قد ارتبطت بعلاقات وطيدة مع عدد من النجوم ترانس
ستامب ودونالد ساثرلاند.
يطول الحديث عن هذه النجمة، ولكن ما أتمناه شخصيا ان تتاح
للقارئ الكريم مشاهدة شيء من نتاجات هذه المبدعة، وبالذات عملها «بعيدا من
هنا»
Away From Her
الذي قدمته عام 2006مع المخرجة سارمابولي، والذي يمثل مرحلة
متطورة ومتقدمة في فن التمثيل، بل ان اداءها في هذا الفيلم وتلك الشخصية
بات يدرس في المعاهد الفنية الكبرى المتخصصة في فنون الدراما، حيث الفهم
المتطور للشخصية والوصول الى حالة من الاندماج والتماهي مع الشخصية
وابعادها.
ولهذا اسمحوا لي ان اورد شيئا من حصاد الجوائز التي حققتها
عن هذه الشخصية ومنها:
-
جائزة نقاد السينما العالمية، وجائزة نقاد دالاس والغولدن
غلوب، فوشن بكتشرز دراما - وجيني ايواردز - ونقاد لندن - والناشونال بورد
ريفيو - والاتحاد الوطني للنقاد - ونقاد نيويورك - وسان دييغو - وسان
فرانسيسكو - وجائزة مهرجان تورنتو - كما ترشحت للاوسكار والبافتا وسياتل
وغيرها من كبريات الجوائز وقد حرصنا على الاشارة الى هذه التجربة، من اجل
التواصل معها - للتعرف على القيمة الفنية الكبرى التي تمثلها هذه النجمة
والتي قررت ومنذ مرحلة مبكرة، ان تتجاوز صورة المرأة الجميلة الفاتنة، الى
الممثلة.
وهي في جميع تجاربها تذهب الى تلك الحرفة، دونما عري او
مجانية في التعري والاثارة ولهذا تبقى احدى أيقونات السينما وفن التمثيل.
خلال مسيرتها التي تجاوزت النصف قرن من الزمان، ظلت جولي
كريستي دائما تعرف ماذا تريد، ولهذا تختار بعناية وكأنها تتحدى قدراتها،
زمن بعد آخر، ومرحلة عمرية بعد اخرى، وكأنها تريد ان تقول لعشاقها، بان
الخلود في الحرفة هو ان تعيشها بشكل حقيقي، بعيدا عن زيف الاضواء، وعمليات
التجميل، التي تمسخ الملامح.
نجمة من العيار الثقيل، هكذا هي البريطانية جولي كريستي.
النهار الكويتية في
21/07/2013 |